• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الخصائص الزهرائية في الثقافة المغربية .
                          • الكاتب : ياسر الحراق الحسني .

الخصائص الزهرائية في الثقافة المغربية

في عصر عولمته يطغى فيها منتوج الأقوياء والعمالقة وتندثر فيها ثقافات المجتمعات وتمحى ذاكرتها، أقف متعجباً أمام انكسار ثقافات العالم عند باب السيدة فاطمة الزهراء في المغرب. باب انكسر عنده ما أدخله نزوح الأمويين من الأندلس، وتلاشى أمامه التطرف الموحدي وما اعقبه من شتى أصناف الحكم الجبري الذي جاء ليمحوا الوجود الزهرائي من المغرب فإنمحى. كل الرموز قد فنيت و بقيت يد فاطمة تحملها الصدور و تعلق على الحيطان بل و تنقش بها شتى أنواع النعم. السيدة فاطمة الزهراء تحظى بمكانة خاصة عند المغاربة. مقامها و شرفها و قداستها و افضليتها أشياء تتحدى الزمن. ملايين الكتب و المجلدات المحلية والأجنبية تمجد شخصيات مختلفة من التاريخ الإسلامي تروج في المعارض و المكتبات لا تجد مقابلها كتيب واحد مخصص للزهراء. و لولا ذكر بعض العلماء و الكتاب المغاربة الأصلاء لها على هامش بعض مؤلفاتهم لكاد ذكرها ينعدم في الكتب. لكن مع كل هذا، ظلت هي سيدة للعالمين عند المغاربة في ثقافتهم و ملجئاً لهم في توسلهم و ذكراً مباركاً في مناسباتهم.  باب الزهراء في المغرب وأي باب! إذا إنفتح شعت فلا الشمس تحكيها ولا القمر. مظاهر فيض من وجدان الإنسان المغربي نقف عندها هنا تريك كيف طوت أم الزمان القرون عياءً وهي تنتشر. 
 في فهم الأنتروبومورفيزم الزهرائي  
 
 تجدر الإشارة إلى أن المقصود من الأنتروبومورفيزم هنا ليس معناه العام المرتبط بإعطاء صفات إنسانية لغير الإنسان. إن تعلق أنسنة بعض الظواهر الطبيعية بشخصية فاطمة الزهراء عند المغاربة تتطلب القول بزهرائيتها. و منه جاء العنوان الفرعي حول الأنتروبومورفيزم الزهرائي. قوس الرحمان (المسمى كذلك  قوس قزح) له إسم خاص عند المغاربة و هو "حزام لالة فاطمة الزهراء" بالدارجة، و يعني حزام السيدة فاطمة الزهراء. و يسمي المغاربة كذلك البرد الذي يتساقط من السماء ب "دموع لالة فاطمة الزهراء". و لقد تعدى الأنتروبومورفيزم  الزهرائي عند المغاربة الظواهر الطبيعية ليشمل الجمادات حيث تجد في المعتقد الشعبي المغربي حضوراً قوياً ليد فاطمة. تصنع كف مفتوحة من الفضة أو الفخار وتعلق على الجدران و على الصدور إعتقاداً بأنها تحمي من الشرور و "تلتقف" عين الحساد و تجلب البركة. هناك من يرى  أن إستعمال تسمية "حزام لالة فاطمة الزهراء" جاء على خلفية النهي في بعض النصوص الإسلامية الشيعية و السنية عن قول "قوس قزح". لكن مع صعوبة الجزم بذلك تظهر لنا بعض التساؤلات المشروعة. لماذا الحزام و ليس الدملج أو الخاتم ؟  لا توجد نصوص تنهى عن تسمية البرد بالبرد، فلماذا سماه المغاربة ب"دموع فاطمة" ؟  لماذا الكف التي تصنع من المعدن و الفخار و يسميها المغاربة بيد فاطمة شكلها هو شكل اليد المفتوحة و هي تدفع جسماً مسطحاً؟
 
 إن القضية هنا تختلف عن  الأنتروبومورفيزم  الموجود في حكايات  العبد ايسوب اليوناني. القضية هنا تحكي تبني بقايا الأدارسة الشيعة المغاربة  للغة مشفرة ينقلون بها وقائع تاريخية حول حياة القديسة فاطمة الزهراء في زمن كان الانتساب إليها جينياً عقوبته الإعدام، فما بالك بالحديث عن مجريات حياتها!  يحكي القاضي حشلاف الجزائري ما جرى على أبناء فاطمة بعد سقوط الدولة الإدريسية فقط لأنهم أبناء فاطمة فيقول في سلسلة الأصول المشهورة :" شئنهم من الاضطهاد ما سطر منه الشيء الكثير من ذلك مذبحة وادي الشرفاء في بني ملال، وذكر أنه قطع به أربعمائة رأس شريف. وهذا سبب تسميته بوادي الشرفاء وهذه المذبحة أدخلت الرعب في صدورهم، وذلك هو ما حملهم على الفرار من فاس وغيرها طلبا للنجاة بأنفسهم وتفرقوا في نواحي شتى من جهات المغرب".  و يضيف القاضي الجزائري ناقلاً عن صاحب عجائب الأسفار في نفس المؤلف المشهور: “قال يصعب علي جدا تمييز الأشراف من بين البرابرة لطول مكثهم بين أظهرهم مع إخفاء أصلهم وأنسابهم ومصاهرتهم للبرابرة".  هكذا يثبت القول بأن أبناء فاطمة أخفوا ذكر أنسابهم و لم يهملوه بسبب وجود مشجرات إلى يومنا هذا تعد من أصح ما يوجد بين مشجرات الشرفاء في العالم. بنفس الطريقة التي أخفي فيها النسب العلوي و لم يهمل، اخفيت كذلك أخبار أجداد هذا النسب و لم تهمل و تم تداولها  و تخليد و قائعها بإستعمال الرموز. من المعروف أن الحزام عند المرأة المغربية و الذي يسمى كذلك ب"المضمة" حزام سميك مختلف عن الحزام النسوي في الثقافات الأخرى و الذي تجده عادت أقل سمكاً. و الحزام النسوي المغربي يغطي أكثر من نصف ضلعها. فإذا اضفنا يد فاطمة المفتوحة "الخميسة" و هي على شكل يد تدفع جسماً مسطحاً و كذلك دموعها المعبر عنها في وصف البرد فإننا نرى الصورة المشفرة التي رسمها الإنسان الشيعي المضطهد في المغرب لفاطمة و هي في جو من الحزن تحاول دفع الهجوم عليها لينتهي بإصابتها في ضلعها. و معلوم أن  بعض آثار الضرب التي لا تفتح جلد الإنسان قد تسبب في ظهور ألوان مختلفة في البداية حيث تزداد قتامة لتنتهي في لون شديد الزرقة يميل إلى السواد.  و من هنا نرى ملاءمة تشبيه الضلع المكسور بقوس الرحمان. و إذا ما نظرنا إلى التاريخ فإننا نجد عدداً من المؤرخين يتحدث عن هجوم المتطرفين لخلافة أبي بكر على بيت فاطمة الزهراء التي رفضت البيعة  حيث ينقلون كسر بابها عندما كانت تحاول دفعه و تعرضها لكسر على مستوى الضلع و أحداث مأساوية أخرى. (1)  و لعل هذا الموروث الشعبي في الثقافة المغربية البعيدة عن تأثيرات السياسة في المشرق يؤيد القائلين بمأساة الزهراء و يكذب اجتهادات النافين لهذه المأساة لأنه يستحيل تآمر مغاربة مطاردين محاصرين في الجبال قبل 1100 سنة مع مؤرخين بعيدين آلاف الكيلومترات في زمن التنقل على البهائم لاختلاق أو فبركة قصة حول الزهراء. إن حكاية الزهراء في المغرب صمدت لأن رموزها استعملت في وصف الطبيعة. فكلما ظهر القوس بعد المطر استذكرنا جرح فاطمة الزهراء و كلما سقط البرد استذكرنا دموعها و في غياب القوس و البرد نستذكرها بيد معدنية معلقة على الصدور أو يد من الفخار تعتلي الجدران.  و في مواسم المولد النبوي في المغرب و غيرها لا زالت ترتفع يد فاطمة على الأعمدة التي تحمل الرايات المختلفة و التي يرفعها عادة المشاركون في مواكب الاحتفال.
 
لا تقتصر قضية الأنتروبومورفيزم الزهرائي على التخليد الرمزي للمأساة الفاطمية. بل يمتد إلى تخليد الاعتقاد بدور فاطمة الزهراء التكويني المرتبط بمقامها في المعتقد الديني. فتجد عند المغاربة مثلاً عين لالة فاطمة الزهراء. حيث تصنع عادة عين من الفخار تعلق على جدران البيوت و المحلات أو على المرآة الداخلية للسيارات -حديثاً - ترمز إلى كون عين فاطمة الزهراء ساهرة على حماية أحبابها.
 
إن إستعمال أشياء مثل  العين  و حدوة الفرس له أصول في الحضارات القديمة عند المصريين و الفينيقيين و الفرس و الرومان  يقول الخبير في علم الآثار رونالد ماشيس. (2)  لكن إستعمال المغاربة للعين يترجم قيامهم بأسلمة بعض المعتقدات القديمة التي ربما دخلت إلى شمال المغرب حيث إستقر المطاردون من ذرية فاطمة الزهراء. و الدليل على قيامهم بتفطيم الإعتقاد بالعين التي تحمي نسبتهم لها إلى الزهراء، و الأهم من هذا وضعها داخل "الخميسة"، اليد التي تحدثنا عنها سابقاً، بحيث أصبحت يداً تتوسطها عين.
 
الزهراء في النظم الشعبي المغربي 
 
من المسائل التي تحير عقل الباحثين في أثر السيدة الزهراء في التراث الشعبي المغربي تواجدها في سياقات تحمل معاني كبيرة. و كأن المغاربة جبلوا بعد العهد الإدريسي الشيعي على إخفاء فضائل و مناقب أهل البيت و على رأسهم فاطمة الزهراء ليس فقط عبر الأنتربومورفيزم السالف الذكر، بل عن طريق اخفائها بين أبيات الشعر الشعبي حرصاً على استمرارية ذكر فضائلها التي كانت جريمة عقوبتها الإعدام على مدى قرون طويلة. و كنموذج على هذا، يمكن الأخذ بعين الإعتبار الامداح النبوية التي تستعمل لإحياء ذكرى المولد النبوي في المغرب شمالاً على وجه الخصوص. فإذا ما دققنا مثلاً في كلمات نظم الحضرة الشفشاونية -التي أصبحت في غاية من الشهرة حيث سادت مهرجانات الموسيقى الروحية بفاس و اذيعت مراراً و تكراراً على التلفزة المغربية الرسمية-نجد ما يلي:
 
"قموا يا نايمين قموا حاميا .. و أنوار محمد شرقت عليا 
أنا يا يما حليمة و هنا .. و داتو لالة فاطمة الزهراء"
 هذا مما يستهل به المدح الطويل للحضرة الشفشاونية في عيد المولد. وما يهمنا من هذا الإقتباس هو محاولة فهم دلالة ذكر فاطمة الزهراء في مقطع يتحدث عن لحظة ولادة النبي. فإذا فهمنا أن ولادته الشريفة يعبر عنها بالإشراق وأن ذكر حليمة السعدية له علاقة بإرضاع المولود، فإننا نندهش لذكر الزهراء التي هي بنت هذا المولود. خاصة وأن ذكرها جاء في معنى أخذها له. يعني بعد الولادة و الرضاعة آخذة هذا المولود هي الزهراء التي هي بنته في المستقبل و كأنها هي أمه. و مع عدم وجود أصل لتشبيه و تكنية فاطمة بأم أبيها عند الطوائف التي حكمت المغرب، فإننا و بعد العلم بشيعية دولة الأدارسة إذا بحثنا في التراث الشيعي نستطيع فهم سبب ذكر فاطمة في الحضرة الشفشاونية لتخليد ولادة أبيها و كأنها هي الأم و ليست البنت. فمثلاً نجد في كتاب كشف الغمة أن النبي كان يحب فاطمة و يكنيها بأم أبيها (3) و مثله موجود بكثرة في كتب شيعية أخرى. يقول الفخر الرازي في شرح أحد مواطن إستعمال مصطلح "أم" :" أم الجيش", الراية العظمى في قلب الجيش . الخلاصة إذن هي أن الزهراء هي قلب محمد و المحور الذي تدور حوله رسالته.  و يكفي الفهم العام لمعنى "أم أبيها" الذي يشرح سبب ذكر المغاربة لها في ذكرى المولد و كأنها هي الأم. يمكن الإطمئنان إلى القول بأن الثقافة المغربية على الرغم من مد التيارات الفكرية القاحلة الآتية من نجد و المدعومة بملايين الدولارات و جيوش من الدعاة و تساهل من الإعلام الرسمي، و على الرغم من تعاقب دول حاربت أثر الزهراء بكل قوة، إلا أنها روحياً تحتل إلى اليوم المكانة العليا بدون منازع.
من الاناشيد الشعبية المغربية -و التي يمكن تصنيفها ضمن فن الملحون- المتداولة ليس فقط في المغرب، بل في الجزائر كذلك تجد أنشودة "ياسادتي" . الأنشودة تحكي قصة ولد ثائب من معاقرة الخمر يريد إسترضاء والدته مقدماً بين يدي مسعاه مقطعاً توسلياً يتكررعلى امتداد الأنشودة و هو:
"يا ساداتي ولاد طه برضاكم عالجوا الحال
يا ناس الجود و الكرم
مولانا ترحم لالة فاطمة الزهرا الطاهرا"
 
هنا يستوقفنا شيء فريد للغاية وجدت نظيره في المقاطع الدينية الإسلامية في البلدان الأخرى، إلا إنه لا يبدو له مثيل في مقاطع الفن الشعبي عدا في المغرب. ذلك لأن المقطع التوسلي هذا فيه توجه مباشر لطلب الشفاعة و معالجة الحال إلى أبناء النبي على وجه العموم في البداية يتم تخصيصه في نهاية المقطع في شخص فاطمة الزهراء. و التخصيص انما جاء في صورة الترحم على الزهراء الموصوفة بالطهر كذلك. و لا يختلف لا ميكانيكياً في المعنى اللغوي و لا تصورياً في المعنى الإيحائي الترحم على الزهراء هنا و الصلاة عليها إذا علمنا أن صلاة الله على الإنسان رحمة. بالنتيجة يكون التوسل هنا بالزهراء الطاهرة بعد الترحم عليها متطابق مع التوسل بها في النصوص الدينية المشرقية بعد الصلاة عليها، و هذا مشهور في كتب مثل "مفاتيح الجنان" و غيرها من كتب الشيعة.
 
يقول الشاعر المغربي المعاصر الحاج علي حسون في قصيدة "جاوبني يا ولدي جاوبي" الشعبية، و التي تحكي أحزان والدته التي ذهبت إلى الحج و لم تجد لا أثراً و لا ذكراً للزهراء:
" جاوبني يا ولدي جاوبي 
على الزهراء قلبي معذبني 
على الزهراء عقلي محيرني 
جاوبني يا ولدي جاوبني 
عندي يا ولدي سؤال محيرني 
ما شفت في كتاب مسطر
و لا سمعت خطبة في منبر
و لا حكاية تروى في الآثار 
لفاطمة الزهراء شي خبر
فض يا ولدي على عيني هذا الغبار
اللي دارو بكر و زيد و عمر"
مشهد القصيدة يصور لك الغربة و الظلمات التي تجتاح عاطفة أمهات المغاربة اللواتي تربين في جبال و قرى المغرب. أمهات اعتدن على عدم الفصل بين الإسلام و الزهراء، و إذا بهن في آخر عمرهن يذهبن لتقفي آثارها و سماع حديثها في موسم الحج ليصدمن بالدمار الهائل الذي حل بآثارها مما فعله الوهابية. فلا بيت و لا قماش و لا قدر و لا حديث ينسب إلى الزهراء. و لعل المثل الذي يقول في المغرب أن زيارة مولاي عبد السلام تعادل ثواب الحج أساسه الدمار الذي حل بالأماكن المقدسة مقابل الأثر الذي حفظ في ضريح مولاي عبد السلام لبقايا ذرية الزهراء.
الزهراء على لسان علماء المغرب 
 التفصيل في ما جرى على لسان علماء المغرب -خاصة الشماليون-في حق السيد فاطمة الزهراء يحتاج إلى كتاب خاص. لكن الاستشهاد ببعض أقوالهم كاف لتغطية جزء من عموم الحديث عن الخصائص الزهرائية في الثقافة المغربية. وهنا عوض نقل ما صدر عنهم من أحاديث موجودة في الكتب الدينية، أفضل أن انقل عباراتهم الخاصة التي تترجم لفهمهم وتصورهم.   يعتبر العلامة الراحل أحمد بن الصديق آخر كبار حفاظ الحديث في شمال إفريقيا و الوحيد الذين كان مجاز سنياً و شيعياً في الرواية و هو من منطقة طنجة. يقول العلامة بن الصديق في كتاب " البحر العميق" أن أفضل الخلق عند الله بعد رسول الله فاطمة الزهراء ثم الحسنان و الإمام علي.(4)  و مع إعتبار أن الملائكة و المرسلين من الخلق، فإنه  يبدو واضحاً هنا  تفضيل السيدة فاطمة الزهراء على الملائكة و المرسلين في الإرث الثقافي المغربي.  يقول العلامة النسابة المغربي المشهور الطاهر بن عبد السلام اللهيوي -و هو من منطقة تطوان - في كتاب "الحصن المتين" : "إن غداً يوم القيامة للا (لالة كذلك و تعني السيدة) فاطمة ستجمع اولادها و إن شفاعة رسول الله ستبدأ منهم و لو فعلوا ما فعلوا من الإجرام و المناكر و الكبائر التي ينص عليها الكتاب و السنة".(5) و هنا تقديم واضح للزهراء و ذريتها على سائر الأمم فيما يخص أولية طلب الشفاعة. وهذا مما يدل على بلوغ السيدة فاطمة الزهراء عند المغاربة مكانة لا تبلغها غيرها من نساء العالم بلا أدنى شك.
 
القسم بفاطمة الزهراء و التوسل بها 
هناك عبارة شائعة في جبال و قرى شمال المغرب خصوصاً تستعملها غالباً الأمهات و الجدات و ليست متداولة عند الصغار. والعبارة هي "امش في حجاب لالة فاطمة الزهراء". فإذا ودعت أم أو جدة ابناً أو حفيداً قالت له: أمض في حجاب السيدة فاطمة الزهراء. وهنا نلاحظ الخصوصية التي يتمتع بها ذكر الزهراء في الأدعية، حيث جرت العادة على أن لا يستعمل هذا الدعاء من طرف الصغار و يستعمل فقط من طرف أكثر الناس شرفاً و أعلاهم مكانة في الأسرة.
من الشائع في اللغة الدارجة عند المغاربة إعتماد عبارة "بجاه لالة فاطمة الزهراء". عبارة تستعمل في مواطن القسم و التوسل الدينيين. فمن الأمثلة التي شاهدتها قيام إمرأة مسنة في تدخلها لإفلات حفيدها من عقاب تأديبي ينتظره من طرف أبيه بإلقاء هذه العبارة على الأب: "دخلت عليك بجاه لالة فاطمة الزهراء إلا سامحته". وهذا نوع من القسم يوازي القول: "أقسمت عليك بجاه السيدة الزهراء". و لا يرد عند المغاربة مثل هذا القسم لأنه من أقوى أنواع القسم الذي لا يستعمله عرفا سوى الراشدون و كبار السن. كما أن نفس القسم المذكور يتوجه به المغاربة إلى الله معتقدين أنه لا يرد. فيقول الطالب لحاجته مثلاً فيما عجزت عنده القدرة الإنسانية متوجهاً إلى الله: "يا ربي بجاه لالة فاطمة الزهراء".  و جذير بالذكر انني لم أقف في عرف الدارجة المغربية على عبارات قسم تستعمل فيها غير هذه الشخصيات الإسلامية: محمد، علي، فاطمة، الحسن و الحسين. و هذا ما يفسر حداثة الإعتقاد بأهمية شخصيات إسلامية أخرى لم تتجذر في الثقافة المغربية لتسير عرفا دارجاً رغم ضخامة الدعاية لتأسيس حاضنة اجتماعية لها. 
و لا يوجد أصل لهذا الإعتقاد الديني في حق فاطمة الزهراء في الكتب الدينية المعتمدة رسمياً على مر القرون. و أصل هذا الإعتقاد يوجد في كتب منعت عن المغاربة مثل كتاب النور المبين للجزائري الشيعي حيث تجد من حديث علي بن الحسين قوله” ان آدم نظر الى ذروة العرش فراى نور اشباحنا، فقال الله يا آدم هذه الاشباح افضل خلائقي وعرفه أسمائهم (محمد، علي، فاطمة. الحسن والحسين)؛ وقال بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب فتوسل بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم الى شفعائك فاني آليت على نفسي لا ارد بهم سائلا. (6) ضف إليه عدداً من المؤيدات الشيعية مثل حديث الكساء الذي يسمي الشخصيات المقدسة الخمسة المذكورة وآية المباهلة وغيره.
لقد رأينا كيف أن أخبار و فضائل  السيدة الزهراء قاومت رياح التغيير في شتى الأزمنة. و راينا كيف أبدع عشاقها في المغرب القديم أجمل الطرق لتخليد ذكراها و قد نجحوا. و نجاحهم يزيدك ذهولاً عندما تقف على إبداع ثقافي لم تؤثر فيه العولمة. بل العكس، لأن الثقافة الجميلة و الممانعة الحاملة للخصائص الزهرائية أصبحت اليوم بفضل العولمة أكثر قوة و انتشارا. وإذا كان لا بد من درس يستفاد في هذا السياق فهو حتمية انتصار ثقافة الإبداع على ثقافة التخريب.
 
 
 
 
 
1. ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب ج3 ص352.
2.  Ronald T. Marchese (2005). The Fabric of Life: Cultural Transformations in Turkish Society. pp. 103–107.
3. علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي، كشف الغمة في معرفة الائمة، دار الاضواء، الجزء 2 صفحة 88. بيروت.
4. أحمد بن الصديق الغماري، البحر العميق في مرويات بن الصديق ،ص 117.
5. الطاهر بن عبد السلام اللهيوي، الحصن المتين، ص 202.
6. نعمة الله الجزائري، النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين، مؤسسة الخرسان، ط 2009، ص 43 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57173
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29