• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : ادارة الوقف الاسلامي وفق حوكمة الشركات ومحاسبة المسؤلية المعاصرة .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

ادارة الوقف الاسلامي وفق حوكمة الشركات ومحاسبة المسؤلية المعاصرة

مقدمة: 
 الوقف من المؤسسات التي لعبت دوراً مميزا في تاريخ الحضارة الإسلامية،حيث يعتبر الوقف احد الخطوط الاقتصادية المهمة في النظرية الإسلامية التي تساهم مساهمة أساسية في توزيع الثروة وعدم تراكمها من جهة ، وتنظيم المصروفات العامة وتوجيهها نحو تحقيق المصالح العامة من جهة أخرى، كما إن موارد الأوقاف تمثل مصدرا مهما من مصادر الإنفاق العام في الدولة ورعاية الفقراء والضعفاء.
لقد كان نظام الوقف هو الممول الرئيس لمرافق التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية،ومنشآت الدفاع والأمن ومؤسسات الفكر والثقافة،ولعل الشاهد على ذلك العديد من المؤسسات والمرافق الشامخة التي نشأت تحت كنف نظام الوقف.
     إن الإسلام كان سباقا في تنظيم فضيلة البر والإحسان بشكل متكامل فريد ما بين الإحسان الفردي والإحسان المؤسسي، وبين الفرض والتطوع، وبأساليب وآليات متنوعة مثل الزكاة والخمس والصدقات التطوعية الأخرى فضلا عن الوقف موضوع بحثنا الحالي.
       فقد تميز التشريع الإسلامي فيما يتعلق بالأوقاف بوضع الأحكام والقواعد والأساليب المنظمة لعملية الوقف وبشكل تفصيلي إلى درجة التوسع في أهداف الوقف وأنواعه ودوره الاجتماعي.
    لذا نعتقد من الضروري في وقتنا المعاصر أن يكون هناك تفعيل لهذه الآليات في العالم الإسلامي بخاصة في ظل العولمة وما تنطوي عليه من تقليص لدور الدولة وانتشار نظام رأسمالية السوق الحرة الذي ثبت فشله في تحقيق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يلقي العبء الأكبر على المنظمات غير الحكومية للقيام بدورها في الرعاية الاجتماعية، بخاصة من خلال نظام الوقف الذي يقوم  على التبرع بمال في صورة تكوين رأسمالي ثابت يولد منافع و إيرادات تستخدم وتصرف في وجوه الخير والإحسان، فضلا على وجود نظام محاسبي ومالي سليم ينظم عملية الوقف بمراحلها المختلفة .
يعد الوقف سمة من سمات المجتمع الإنساني عامة والإسلامي خاصة ونظام محدد يهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية الاقتصادية وهو من أفضل الوسائل التي من خلالها يستمر تدفق ريع المشروعات الخيرية التي تسعـى لمكافحة الفقر والحرمان والجهل والمرض ضماناً لحياة إنسانية أكثر استقراراً ورقياً ، ولقد نهض الوقف الإسلامي بوظائف حضارية شملت مختلف جوانب الحياة في المجتمع ومن المؤكد أن من يناط به شرعاً إدارة الوقف وتولي النظارة عليه مسئول بشكل مباشر عن الإدارة المثلى للوقف والتي من خلالها يتم الارتقاء بالأوقاف وتوفير كل ما يصلحها واجتناب كل ما يؤدي إلى إضعافها ، ولذلك فلقد كانت إدارة الوقف منوطة بتحقيق المصلحة الاقتصادية وبدرء أية مفسدة اقتصادية بالدرجة الأولى ولا ريب أن من أفضل وسائل الإدارة الاقتصادية للوقف هو الاستثمار أعني بذلك استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات ونحوها وإما بطريقة غير مباشرة كشراء الأسهم والسندات ونحوهما ، ولا ريب أن الوقف في حقيقته استثمار فإنه إن كان المراد من الاستثمار إضافة أرباح إلى رأس المال حفظاً لهذا الأخير وزيادة يسر المستثمر فإن الوقف خاص بالأموال التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء أصلها إذ أنه من المتفق عليه أن الأشياء التي لا ينتفع بها إلا باستهلاكها لا يجوز وقفها ، وهذا يؤكد حقيقة أن الوقف استثمار .
    وعليه فان موضوع البحث الحالي يحاول تسليط الأضواء على أهمية الوقف في التشريع الإسلامي ودوره في الاقتصاد الإسلامي وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى أهمية تنظيم الأموال الموقوفة ووضع نظام محاسبي واداري-محاسبة المسؤلية وحوكمة الشركات- ملائم ينظم ويدير هذه الفضيلة المهمة في المجتمع الإسلامي ،وبالاستناد إلى المصادر الأساسية في التشريع الإسلامي ومن خلال منهجية البحث الحالي يمكن الوقوف على الاسباب التي دعت الى دراسة هذه الظاهرة وتحليلها ووضع الحلول الناجعة من طريق مسائل الفقه المقارن الداخلي –بين المذاهب الاسلامية-والخارجي –بين المدرسة الاسلامية والمدرسة الوضعية-،حتى يتبين الهدف والاهمية من كتابة هذا البحث الموسوم.
منهجية البحث:
أولا: مشكلة البحث:
إن ما يتميز به الوقف عن غيره من الأموال انه يخضع لشروط خاصة يضعها الواقف نفسه، وشرعا  لا يجوز صرف الأموال الوقفية إلا في المجال والغرض الذي يعينها الواقف لتلك الأموال، ويتأكد الأمر فيما يتعلق بالأوقاف الاستثمارية ،ويتطلب هذا الامر مراعاة شروط الواقف وضمان تنفيذها  من خلال ادارة رشيدة من قبل متولي الوقف، وفي واقع الامر ان عملية ادارة الاوقاف الاستثمارية والمحاسبة عنها تعاني من اوجه ضعف عديدة في الدول الاسلامية عامة وفي العراق خاصة، وتكمن مشكلة البحث الحالي في الاجابة عن التساؤلات الاتية: 
1.     هل يمكن لناظر (المتولي) الوقف استثمار منافع الأوقاف والاكتساب بها بغية تنميتها في سبيل مصلحة الوقف والموقوف عليهم قبل صرفها في مصارفها المقررة لها حسب الوقف ؟
2.     هل يمكن الاستعانة بمفهوم حوكمة الشركات في وضع الضوابط التي تضمن حسن ادارة الاوقاف ، بما يحافظ على شروط الواقف ومصلحة الموقوف لهم؟
3.     هل يمكن استخدام مفهوم محاسبة المسؤولية لمحاسبة ومساءلة متولي الوقف ،بما يضمن محاسبة مديري (متولي) الأوقاف والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم؟
ثانيا:أهمية البحث:
تعتبر الأوقاف من الأركان الاقتصادية المهمة في الاقتصاد الإسلامي والتي تساهم مساهمة فعالة في توزيع الثروة وعدم تراكمها فضلا عن تنظيم عملية صرف الأموال وتوجيهها نحو خدمة المصالح العامة، إن إنشاء وقف إسلامي هو أشبه ما يكون بإنشاء مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم فهو عملية تتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من اجل الأجيال القادمة لتوزيع خيراتها في المستقبل على شكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد، لذا من الضروري دراسة هذه المشروعات والمؤسسات من الناحيتين: التشريعية والادارية والمحاسبية، لكي يتم إحياء وظيفة الوقف من جديد وتطويره بأداء يتلاءم مع مفهوم العصر وتنمية تتماشى مع هذا التطور.
ثالثا:أهداف البحث:
1.     دراسة الوقف في التشريع الاسلامي
2.     توضيح أهمية الوقف وانواعه في المجتمع الإسلامي 
3.     توضيح آراء الفقهاء في ادارة الاوقاف الاستثمارية في الفقه الاسلامي المقارن المعاصر
4.     بيان مدى الاستعانة  بمفهوم حوكمة الشركات في وضع الضوابط التي تضمن حسن ادارة الاوقاف الاستثمارية، وتحليلها بصورة فقهية مقارنة.
5.     توضيح امكانية استخدام مفهوم محاسبة المسؤولية لمحاسبة ومساءلة متولي الوقف في المهام الموكلة اليهم  من وجهة نظر فقهية مقارنة.
رابعا:فرضيات البحث:
1.     يمكن استثمار الناظر( أو المتولي) للوقف في منافع الأوقاف والاكتساب بها بغية تنميتها في سبيل مصلحة الوقف والموقوف عليهم قبل صرفها في مصارفها المقررة لها حسب الوقف.
2.     يضمن استخدام مفهوم حوكمة الشركات حسن ادارة الاوقاف الاستثمارية وفق التشريع الاسلامي. 
3.     يمكن استخدام محاسبة المسؤولية لمحاسبة ومساءلة متولي الوقف عن المهام الموكلة اليهم وفق التشريع الاسلامي.
ولتحقيق موضوع البحث وأهدافه سيتضمن البحث المباحث الآتية:
 
 
محتويات البحث:
المبحث الاول:  الاطار النظري المفاهيمي للوقف في التشريع الاسلامي.
المبحث الثاني:  الاوقاف الاستثمارية في مدرسة الفقه الاسلامي المقارن .
المبحث الثالث: تطوير ادارة الاوقاف الاستثمارية باستخدام حوكمة الشركات. 
المبحث الرابع: تطوير اسلوب محاسبة ومساءلة متولي الاوقاف الاستثمارية باستخدام نظام محاسبة المسؤولية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
    المبحث الاول: الاطار النظري المفاهيمي للوقف في التشريع الاسلامي
سنتناول في هذا المبحث الوقف في التشريع الإسلامي واهم الأحكام الشرعية المتصلة به، فضلا عن أهمية الوقف في المجتمع وأنواعه.
أولا: التأصيل الشرعي للوقف
الوقف لغة الحبس ومعنى الحبس المنع من التصرف بالبيع والهبة ونحوهما[1]، الحُبُسُ جمع الحَبِيس يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفاً محرّماً لا يورث ولا يباع من أَرض ونخل وكرم ومُسْتَغَلٍّ يُحَبَّسُ أَصله وقفاً مؤبداً وتُسَبَّلُ ثمرته[2]، أي يترك أصله ويجعل ثمره في سبيل الخير.
أما معنى الوقف فقهيا فهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة[3] ،فالوقف يقوم على التصدق بمال[4] قابل للبقاء والاستمرار والاستفادة بمنافعه[5] المتولدة دوريا في وجه من وجوه البر أو الخير.إذن فالوقف صدقة جارية مستمرة العوائد على الجهة الموقوف عليها[6].
لقد وردت نصوص عدة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تحث على الإحسان والإنفاق سواء أكان الإحسان الفردي أم الإحسان المؤسسي، و الإحسان الفرضي أم التطوعي وبأساليب وآليات متنوعة كالزكاة والخمس والوقف والصدقات الأخرى،فمن الآيات الشريفة التي تفيد بعموم الإنفاق قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"[7] ،وقوله تعالى:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"[8]، ومن الحديث الشريف قول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"[9] والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء كما ذكرنا قبل قليل.  
وقد روي عن الإمام الرضا(ع) أن رسول الله (ص) قد وقف الحيطان السبعة وهي :"الدلال"و "العواف" و " الحسنى" و "الصافية" و " ما لأم إبراهيم" و " المنبت" و " برقة"[10] وقد وقف أمير المؤمنين علي عليه السلام ماله في وصية كتبها بشأن ذلك بعد انصرافه من صفين فقال(ع):"... ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ،وينفق من ثمره حيث أمر به وهدي له..."[11]، كما روي عن الإمام الباقر إن فاطمة عليها السلام قد أوقفت أموالها وجعلت الإمام علي وصيا عليها.
والأموال التي تصلح للوقف عند الفقهاء فهي العين  التي يمكن الانتفاع بها مدة معتدا بها مع بقائها، فلا يصح وقف الأطعمة والخضر والفواكه ونحوها مما لا نفع فيه إلا بإتلاف عينه ولا وقف الورد والريحان ونحوهما للشم مما لا يبقى إلا لفترة قصيرة[12]، ومن الأمثلة على تلك الأموال الأصول الثابتة سواء أكان للإنسان دخل في إيجادها كالآلات والمكائن والمباني، أم ذات مصدر طبيعي كالأراضي والأشجار ، فالأرض أصل وله غلة (زرع) والشجر أصل وله غلة(الثمار)، وشرعا (لا يتحقق الوقف بمجرد النية بل لابد من إنشائه بلفظ ، ك"وقفت" و"حبست"ونحوهما من الألفاظ الدالة عليه ولو بمعونة القرائن)[13].
لذا فإن لفظتي الوقف أو الحبس تعبران عن المعنى ذاته وهو التصدق بمال قابل للبقاء والاستمرار والاستفادة بمنافعه المتولدة دورياً في وجه من وجوه البر والخير،مع التأكيد على إن الدافع الأساس للوقف هو من أجل التقرب إلى الله تعالى وطلب رضاه. ويشمل الوقف (الأصول الثابتة) كالعقارات والمزارع وغيرها، ويشمل (الأصول المنقولة) كالنقود والأسهم وغيرها.
ويختلف الوقف عن الصدقة في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بإنفاقها، أما الوقف فيستمر العين المحبوس في الإنفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة .
وهناك مصطلحات أخرى مشابهة للوقف مستخدمة بخاصة في الدول الغربية مثل:                 ( endowment ) إذ يقصد به التبرع من فرد أو مؤسسة بالأموال أو الممتلكات أو أي مصدر دائم للدخل الذي يستخدم لصالح جمعية خيرية أو كلية أو مستشفى أو أي مؤسسة أخرى ،و(trust, foundation) وهي كلها تدور حول معنى الخير والإحسان بشكل عام ، إلا إن مصطلح endowment ومعناه اللغوي (الوقف) هو الأقرب في معناه إلى  مفهوم الوقف الإسلامي[14]، إذ يبقى اختلاف رئيس بين المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي للوقف ، حيث إن الأخير يهدف أساساً إلى التقرب إلى الله تعالى .
ثانيا: أهمية الوقف وأنواعه 
لاشك في أن للوقف أهميته ودوره الفعال في تقوية نسيج المجتمع الإسلامي لكونه يجسد عمقا إنسانيا كبيرا وتجليا جميلا لإرادة الخير في نفسية المسلم،بحيث يمكن – من خلال الوقف – أن تندمج النفس الإنسانية بالمجتمع وتتحرر من آفة حب التملك والأنانية ، وذلك بسد حاجات الآخرين وإغاثتهم وإخراجهم من ضيق الحوج إلى سعة الاكتفاء المادي والمعنوي، وهو بذلك يجسد مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يسعى التشريع الإسلامي إلى ترسيخه في المجتمع وتفعيله.
من جانب آخر،تعتبر الأوقاف من الأركان الاقتصادية المهمة في الاقتصاد الإسلامي،والتي تساهم مساهمة فعالة في توزيع الثروة وعدم تراكمها فضلا عن تنظيم عملية صرف الأموال وتوجيهها نحو خدمة المصالح العامة[15].
إذ يمكن أن يعبر الوقف عن استثمار للأموال في شكل أصول رأسمالية إنتاجية، تنتج المنافع والخيرات والإيرادات التي تستهلك في المستقبل سواء أكان هذا الاستهلاك جماعيا كوقف المساجد والمدارس، أم استهلاكا فردياً كتلك التي توزع على الفقراء والمساكين أو على الذرية،وهو بذلك يوفر نماذج فاعلة من صيغ التأمين الاجتماعي كما في الوقف الذري مثلا ،فالادخار الوقفي للأفراد الذين يرغبون في تأمين ذريتهم من بعدهم يحقق أحسن أنواع التأمين على الحياة لصالح الذرية، وهي وثيقة تأمين ليس لجيل واحد بل للأجيال المتعاقبة.
إن إنشاء وقف إسلامي هو أشبه ما يكون بإنشاء مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم فهو عملية تتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من اجل الأجيال القادمة لتوزيع خيراتها في المستقبل على شكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد[16]،ووفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن الوقف من الأمور التي يلتزم بها المسلمون، والحكومة الإسلامية تمنح فيه الصلاحيات للواقف أن يضع شروطه الخاصة، ويوجه الصرف فيه بالطريقة المناسبة التي يراها[17].
وقد ميزت الشريعة الإسلامية بين ثلاثة أنواع من الوقف بحسب الأغراض التي أنشأ من أجلها :
•       الوقف الديني، وهو لتخصيص الأموال لأهداف العبادة بمعناها الخاص مثل أماكن الصلاة والعبادة كالمساجد والكنائس والمعابد، وهذا النوع من الوقف معروف وموجود لدى جميع الحضارات في العالم.
•       الوقف الخيري، وهو ما يخصص من أموال منقولة وغير منقولة لوجوه الخير والبر المتنوعة كبناء المستشفيات والمدارس وإنشاء ورعاية المراكز الثقافية والاجتماعية والتعليمية في المجتمع. 
•       الوقف الذري(الخاص)،وهو ما يخصص من أموال يعين أولاد الواقف وذريته على زيادة دخولهم وإيراداتهم المستقبلية.
    ويمكن أن نجد ضمن كل من الأنواع الثلاثة السابقة مجموعتين من الأموال الوقفية:
1.    الأموال الوقفية التي تستعمل بنفسها في غرض الوقف، كالمسجد بمبناه ومفروشاته، والمستشفى بعقاره وتجهيزاته، والمسكن المخصص للذرية بما فيه من أثاث.
2.    الأموال الاستثمارية التي تخصص عوائدها أو إيراداتها أو ثمراتها لتنفق على الغرض الوقفي.
  وعليه فإن للوقف مجالات كثيرة ومتعددة منها :
•       الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بشؤونها وتزويدها بالمصاحف.
•       الوقف على الجهاد في سبيل الله.
•       الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل والمحتاجين.
•       الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها.
•       إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
•       حفر الآبار وإجراء الماء.
•       الأوقاف على الدعاة والوعاظ.
•       الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام؛ وذلك بطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها.
•       إقامة مراكز للمهتدين الجدد.
•       بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
•       الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
•       الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
•       الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية.
•       الأوقاف على الدعوة على شبكة المعلومات (الإنترنت).
و كانت أوائل الوقفيات في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضي الله عنهم وكانت تشمل المساجد والمزارع وغيرها.، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ل من قام بالوقف كما لاحظنا في الحديث المروي عن الإمام الرضا(ع).
وفي العصر الأموي،كثرت الأوقاف نظراً لاتساع الفتوحات الإسلامية التي بلغت مشارف الصين شرقاً، وحدود فرنسا غرباً وأنشئت إدارة خاصة للإشراف على الأوقاف،  وخضعت إدارة الأوقاف لإشراف السلطة القضائية مباشرة، وكانت مستقلة عن السلطة التنفيذية،وفي العصر العباسي ازداد التوسع في إنشاء الأوقاف، وكان يتولى ديوانها من يطلق عليه( صدر الوقف )، وشملت مصارف ريع الوقف الأوقاف الحضارية المدنية كالمستشفيات والمكتبات ودور الترجمة ومعاهد التعليم وغيرها،و في عصر المماليك اتسعت الأوقاف وكثرت كثرة ملحوظة واتسع نطاقها وأنشئت ثلاثة دواوين للإدارة والإشراف على الأوقاف هي :
1.      ديوان لأحباس المساجد.
2.      ديوان لأحباس الحرمين الشريفين وجهات البر المختلفة.
3.      ديوان للأوقاف الأهلية.
و في العصر العثماني اعتنى سلاطين العثمانيين بالأوقاف بدرجة ملحوظة وخاصة عند نساء بني عثمان، وتوسعت مصارف ريع الوقف لتشمل كليات الطب والخدمات الطبية لمستشفيات قائمة، مواكبة للتطور والتقدم العلمي في العصور الحديثة.[18] 
وقد ظهرت مسميات لوظائف مرتبطة بتنظيم وإدارة الأوقاف الإسلامية ،مثل الناظر وهو الشخص الذي كان يتولى رئاسة ديوان الأحباس(الأوقاف)،والمتولي وهو الشخص الذي يلي الناظر في السلم الوظيفي ،والمستوفي وهو في مصطلحنا المعاصر بمعنى مراجع أو مدقق خارجي.
أما في العصر الحاضر،فقد أولت كثير من الدول الإسلامية اهتماماً بالأوقاف في مجالات شتى، كما أنشأت كثير منها وزارات خاصة بالأوقاف أو إدارات خاصة تعنى بشؤونها وأمورها .
المبحث الثاني: الاوقاف الاستثمارية في مدرسة الفقه الاسلامي المقارن
تمهيد:
ونحن في هذا المبحث نذكر أهم الطرق للاستثمار القديمة والحديثة والمعاصرة، وهي: 
الطريقة الأولى: الاجارة
وهي موضوع بحثنا وسوف نذكرها بشيء من التفصيل بعد الاشارة الى أهم الطرق.
الطريقة الثانية: المزارعة 
وهي أن تتفق إدارة الوقف (أو الناظر) مع طرف آخر ليقوم بغرس الأرض الموقوفة، أو زرعها على أن يكون الناتج بينهما حسب الاتفاق إما بالنصف، أو نحوه[19] . 
الطريقة الثالثة: المساقاة 
وهي خاصة بالبساتين، والأرض التي فيها الأشجار المثمرة حيث تـتفق إدارة الوقف (أو الناظر) مع طرف آخر ليقوم برعايتها وسقيها على أن يكون الثمر بينهما حسب الاتفاق [20]،ولا تختلف المزارعة أو المساقاة في باب الوقف عنهما في غيره.  
الطريقة الرابعة: المضاربة (القراض) 
وهي المشاركة بين المال والخبرة والعمل، بأن يقدم ربّ المال المال إلى الآخر ليستثمره استثماراً مطلقاً أو مقيداً (حسب الاتفاق) على أن يكون الربح بالنسبة بينهما حسب الاتفاق. والمضاربة إنما تـتحقق في باب الوقف في ثلاث حالات: 
1. الحالة الأُولى: إذا كان الوقف عبارة عن النقود عند من أجاز ذلك منهم المالكية[21] ، وبعض الحنفية [22]، والإمام أحمد في رواية اختارها ابن تيمية[23] ، وحينئذٍ تستثمر هذه النقود عن طريق المضاربة الشرعية. 
2. الحالة الثانية: إذا كانت لدى إدارة الوقف، (أو الناظر) نقود فاضت عن المصاريف والمستحقات، أو أنها تدخل ضمن الحصة التي تستثمر لأجل إدامة الوقف فهذه أيضاً يمكن أن تدخل في المضاربة الشرعية. 
3. الحالة الثالثة: بعض الأدوات أو الحيوانات الموقوفة حيث يجوز عند الحنابلة أن تكون المضاربة بإعطاء آلة العمل من ربّ المال وتشغيلها من قبل المضارب، ويكون الناتج بين الطرفين، كمن يقدم إلى الأجير فرساً، أو سيارة، ويكون الناتج بينهما[24] . 
الطريقة الخامسة: المشاركة 
أ. المشاركة العادية من خلال أن تتفق إدارة الوقف (أو الناظر) بجزء من أموالها الخاصة للاستثمار مع شريك ناجح في مشروع مشترك سواء أكان صناعياً، أم زراعياً، أو تجارياً، وسواء كانت الشركة شركة مفاوضة أو عنان. ويمكن كذلك المشاركة عن طريق شركة الملك بأن تشارك إدارة الوقف (أو النظر) مع طرف آخر في شراء عمارة، أو مصنع، أو سيارة، أو سفينة، أو طائرة أو نحو ذلك.  
ب. المشاركة المتناقصة لصالح الوقف بأن تطرح إدارة الوقف مشروعًا ناجحًا (مصنعًا، أو عقارات أو نحو ذلك) على أحد البنوك الإسلامية، أو المستثمرين، حيث يتم بينهما المشاركة العادية كل بحسب ما قدمه، ثم يخرج البنك، أو المستثمر تدريجياً من خلال بيع أسهمه أو حصصه في الزمن المتفق عليه بالمبالغ المتفق عليها، وقد يكون الخروج في الأخير بحيث يتم بيع نصيبه إلى إدارة الوقف مرة واحدة، ولا مانع أن تكون إدارة الوقف هي التي تبيع حصته بنفس الطرق المقررة في المشاركة المتناقصة. 
ويمكن لإدارة الوقف أن تتقدم بمجرد أراضيها التجارية المرغوب فيها، ويدخل الآخر بتمويل المباني عليها، ثم يشترك الطرفان كل بحسب ما دفعه، أو قيم له وحينئذٍ يكون الريع بينهما حسب النسب المتفق عليها، ثم خلال الزمن المتفق عليها تقوم الجهة الممولة (الشريك) بيع حصصها إلى إدارة الوقف أقساطًا أو دفعة واحدة. 
وفي هذه الصورة لا يجوز أن ننهي المشاركة بتمليك الشريك جزءاً من أراضي الوقف إلاّ حسب شروط الاستبدال، وحينئذٍ لا بدّ أن ننهي الشراكة إذا أريد لها الانتهاء لصالح الوقف. وللمشاركة المتناقصة عدة صور[25]. 
ج. المشاركة في الشركات المساهمة عن طريق تأسيسها، أو شراء أسهمها. 
د. المشاركة في الصناديق الاستثمارية المشروعة بجميع أنواعها سواء أكانت خاصة بنشاط واحد، أو مجموعة من الأنشطة كصناديق الأسهم ونحوها. 
الطريقة السادسة: الاستصناع 
الاستصناع من العقود التي أجازها جمهور الفقهاء وإن كانوا مختلفين في إلحاقه بالسلم وحينئذ إخضاعه لشروطه الصعبة من ضرره تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور، أو خلال ثلاثة أيام عند مالك، ولكن الذي يهمنا هنا هو الاستصناع الذي أجازه جماعة من الفقهاء منهم الحنفية[26] . 
والذي أقره مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة حيث نص قراره (رقم66/3/7) على: (أن عقد الاستصناع -هو عقد وارد على العمل والعين في الذمة- ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط). 
وعقد الاستصناع يمكن لإدارة الوقف أن تستفيد منه لبناء مشروعات ضخمة ونافعة حيث تستطيع أن تـتفق مع البنوك الإسلامية (أو المستثمرين) على تمويل المشاريع العقارية على أرض الوقف أو غيرها، والمصانع ونحوها عن طريق الاستصناع، وتقسيط ثمن المستصنع على عدة سنوات، إذ أن من مميزات عقد الاستصناع أنه لا يشترط فيه تعجيل الثمن، بل يجوز تأجيله، وتقسيطه وهو ما أعطى مرونة كبيرة لا توجد في عقد السلم. 
وغالباً ما يتم الاستصناع في البنوك الإسلامية عن طريق الاستصناع الموازي حيث لا تبني هي ولا تستصنع، وإنما تـتفق مع المقاولين لتـنفيذ المشروع بنفس المواصفات التي تم الاتفاق عليها بينها وبين إدارة الوقف. 
الطريقة السابعة: المرابحات 
يمكن لإدارة الوقف أن تستثمر أموالها عن طريق المرابحات لشراء ما تحتاج إليه عن طريق المرابحة العادية، والمرابحة للأمر بالشراء كما تجريها البنوك الإسلامية، وهي التي تتم بالخطوات التالية: 
1. وعد بالشراء من إدارة الوقف. 
2. شراء البنك المبيع وتسلمه وحيازته. 
3. ثم بيعه إدارة الوقف بربح متفق عليه مثل 10% يضم إلى أصل الثمن، ويؤجل، أو يقسط على أشهر أو نحوها مع أخذ كافة الضمانات التي تحمي البنك. 
ويمكن لإدارة الوقف أن تقوم هي بالمرابحة بالطريقة السابقة، فتكون هي التي تستثمر أموالها بهذه الطريقة بنسبة مضمونة. وهناك طريقة أخرى مضمونة مع أنها جائزة شرعاً وهي أن تـتفق إدارة الوقف مع بنك، أو مستثمر، أو شركة على أن يدير لها أموالها عن طريق المرابحة بنسبة 10% مثلاً، وحينئذ إذا خالف هذا الشرط فهو ضامن لمخالفته للشرط، وليس لأجل ضمان رأس المال. 
الطريقة الثامنة: سندات المقارضة وسندات الاستثمار 
بما أن السندات التقليدية حرام صدر بحرمتها قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة (قرار رقم 62/11/6) اتجه الاجتهاد الفردي والجماعي لبديل إسلامي له من خلال إجازة المجمع نفسه في قراره رقم (5 دع/08/88) سندات المقارضة وسندات الاستثمار بشروط وضوابط محددة ذكرها القرار نفسه معتمداً على مجموعة من البحوث القيمة والدراسات الجادة[27] . 
فإدارة الوقف تستطيع أن تساهم في هذه السندات المشروعة، بالاكتتاب فيها، أو شرائها، أو أن تقوم هي بإصدارها، ولا غرو في ذلك فإن وزارة الأوقاف الأردنية هي التي طرحت هذه الصيغة وصاغتها حتى صدر بها قانون سندات المقارضة رقم: 10 لعام: 1981[28] . 
وفي هذه الحالة تكون إدارة الوقف هي المضارب، وحملة الصكوك هم أرباب المال، ويكون الربح بينهما بالنسبة حسب الاتفاق، وإدارة الوقف لا تضمن إلاّ عند التعدي، أو التقصير -كما هو مقرر فقهياً- ومن هنا تأتي مشكلة عملية في مسألة عدم ضمان السندات، ولذلك عالجها قرار المجمع من خلال أمرين: 
أحدهما: جواز ضمان طرف ثالث مثل الدولة تضمن هذه الصكوك تشجيعًا منها على تجميع رؤوس الأموال، وتثميرها، وتهيئة عدد من الوظائف، وتحريك رؤوس الأموال وإدارتها. 
ثانيهما: عدم ممانعة المجمع من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة من عائدات المشروع ووضعها في صندوق احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال فيما لو تحققت، إضافة إلى ضرورة توخي أقصى درجات الحذر من الاستثمارات بحيث لا تقدم الإدارة إلاّ على الاستثمارات شبه المضمونة مثل الاستثمارات في العقارات المؤجرة في بلاد مستقرة، ومثل الاتفاق مع الآخرين أصحاب الخبرات الواسعة لإدارة الأموال ودراسة الجدوى الاقتصادية ونحوها. 
 
الطريقة التاسعة: صكوك (سندات مشروعة) أخرى 
لا تـنحصر مشروعية الصكوك على صكوك المقارضة التي صدر بها قرار من مجمع الفقه الإسلامي، بل يمكن ترتيب صكوك (سندات مشروعة) أخرى مثل صكوك الإجارة التشغيلية أو التمويلية، وصكوك المشاركة الدائمة، أو المتناقضة، وكذلك صكوك أخرى.[29] 
     لا ريب أن من أهم الطرق الاستثمارية للوقف هي الإجارة[30] ، وهي عقد تمليك المنفعة في المال بعوض وركنها الإيجاب والقبول ولعله من المهم هنا الإشارة إلى أصل عام وهو أنه يشترط في إجارة الوقف ما يشترط في إجارة الملك إلا ما خرج من ذلك بالدليل الخاص ولذلك فإن هناك أحكاماً خاصة تختلف فيها إجارة الوقف من إجارة الملك سيتم تناولها وفقاً لما يأتي في عدة مطالب :
المطلب الأول  : ولاية تأجير الوقف ويتنازل من يملك الحق في تأجير الموقوف سواء كان : الناظر
أو القاضي الشرعي المجتهد العدل أو غيرهما أو الموقوف عليه والآراء حول منع الوقف من التأجير وأثاره .
 المطلب الثاني : الطرف المستأجر في عقد إجارة الوقف ومواصفاته .
 المطلب الثالث : أجرة الوقف وهنا يدور البحث حول الضوابط الخاصة بتقدير أجرة الوقف وحالاتها التي ترتبط بالأجرة المثلية نزولاً وصعوداً أو تطابقاً إذ أن لتحديد الأجرة دخل في تحقيق الضابطة الشرعية لجواز الإجارة من عدمها .
 المطلب الرابع : مدة الإجارة وهذا البحث يعنى بمسألة مدة عقد الإجارة والتي يجب أن يراعي فيها شرط الواقف – إن وجد – في تحديد هذه المدة ونستعرض فيها الحالات التي يجوز فيها إجارة الوقف لمدة أطول من مدتها المشروطة والضوابط الخاصة بالمدة إطلاقاً وتقييداً كما سنتناول والإجارة الطويلة بواسطة إبرام عقود وغير ذلك .
      هذا هو مجمل المطالب التي سوف نتناولها في البنود التالية من مدونة أحكام الوقف الفقهية المقارنة، والتي تهدف إلى استقصـاء كافـة ما يتـاح للباحث من مسائل الوقف وفقاً لما ورد في المذاهب الإسلامية الفقهية الثمانية ( مذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والمذهب الإمامي والمذهب الزيدي والمذهب الاباضي والمذهب الظاهري ) . 
المطلب الأول:من يملك حق تأجير الموقف
     تثبت ولاية تأجير الوقف لناظر الوقف دون الموقوف عليه ، وقد أجمع على ذلك جمهور الفقهاء إذ روي عن الفقيه هلال صاحب القاضي أبي يوسف وزفر أن ( الإجارة إلى الوصي دون الموقوفة عليهم [31]. وعند سائر فقهاء الحنفية أنه مع وجود الناظر ليس للقاضي ولاية تأجير الوقف فـ ( لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله )[32]  ، بل هـو عندهم مقدم على الموقوف عليه إذ أنه  أي الموقوف عليه ( يملك المنافع بلا بدل فلم يملك تمليكها ببدل وهو الإجارة وإلا لملك أكثر مما يملك ) فالولاية الخاصة أقـوى من الولاية العامة ، ولا يحق لصاحب الولاية العامة أن يتصرف بالوقف مع وجود صاحـب الولاية الخاصة [33] ، وعند المالكية أنه لا يصح إعارة شخص مالك انتفاع بنفسه فقط كمحبس عليه لسكناه ولا تصح إجارته أيضاً[34] .
وعند الشافعية أن ( وظيفة المتولي العمارة والإجارة )[35]  ، وقالوا ( أن للواقف ولمن ولاَّه الواقف إجارة الوقف )[36] . وقالوا أيضاً : ( أن منافع الموقوف ملك للموقوف عليه يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة كسائر الأملاك لكن لا يؤجر إلا إذا كان ناظراً أو أذن له الناظر في ذلك ، هذا إذا كان الوقف مطلقاً فإن كان مقيداً بشيء كما لو وقف داراً على أن يسكنها معلم الصبيان في القرية مثلاً ليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها[37]  .
وقال فقهاء الشافعية أنه ان لم يشترط الواقف ناظراً ففيه ثلاثة أوجه : 
 أحدها  : أن النظر إلى الواقف لأنه كان ينظر إليه فإذا لم يشرطه بقي على نظره .
والثاني  :  أنه للموقوف عليه لأن الغلة له فكان النظر إليه .
والثالث : أن النظر للحاكم لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه وحق من ينتقل إليه فكان الحاكم أولى
   وهو المذهب[38]  ،وعند الحنابلة أن الإجارة تصح من مستحق الوقف لأن منافعه له فله إجارتها كالمستأجر وان لم يكن ناظراً فما بالك به لو كان ناظراً فإنه جائز[39] .
 أما الظاهرية : فلم نعثر في المحلى لابن حزم على نص في تلك المسألة .
 أما فقهاء الزيدية : فإنهم قد ذكروا ( أن من وقف شيئاً كانت ولاية ذلك الوقف إلى الواقف وليس لأحد أن يعترضه ثم إلى منصوبه وصياً أو ولياً فإذا نصب الواقف والياً على الوقف أو أوصى به إلى أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف ثم إذا كان الواقف غير باق أو بطلت ولايته بوجه من الوجوه ولم يكن له وصي ولا متولى من جهته انتقلت الولاية إلى الموقوف عليه إذا كان آدمياً معيَّناً يصح تصرفه ثم إذا لم يكن ثمَّ واقف ولا منصوب من جهته ولا موقوف عليه معيَّن يصح تصرفه كانت الولاية إلى الإمام والحاكم ، ولا يجوز للإمام والحاكم أن يعترضا ممن له ولاية الوقف من واقف أو منصوبه أو موقوف عليه معيَّن إلا لخيانة تظهر منهم وخيانة الواقف والمنصوب واضحة ، وأما خيانة الموقوف عليه فإنما يكون . يحاول بيع الوقف أو نحو ذلك كأن بطأ الأمة الموقوفة عليه أو يكون المتولي غير خاين إلا أنه ربما عجز عن القيام بما يتوجه فإن الإمام والحاكم يعترضان له بإعاناته أي بإقامة من يعينه ولا يعزلانه وتعتبر العدالة في متولي الوقف فلو كان فاسقاً أو غير عادل لم تصح ولايته على الأصح من القولين وهذا إذا كان متولياً من غيره نحو أن يوليه الإمام أو الحاكم أو الواقف فإنه لا يصح إذا كان فاسقاً )[40] ، كما يذكر فقهاء الزيدية أيضاً أنه ( لمتولي الوقف تأجيره مدة معلومة لكن لا يكون إلا دون ثلاث سنين لأن خلاف ذلك يؤدي إلى اشتباه الوقف بالملك قال الإمام الهادي : تجـوز إجارة الوقف مدة قريبة نحو سنة أو سنتين دون المدة الطويلة فإن ذلك مكروه ، قبل : ( وتزول الكراهة بأن يكون وقفه مستفيضاً  ( أي مشهوراً ) ، وقال بعضهم وإن كان رأيهم مرجوحاً في المذهب أنه يجدد الإشهاد على الإجارة في كل ثلاث سنين .
 وقالوا : أن أجرَّ مدةً طويلة صحَّ مع الكراهة[41].
 وأما عند فقهاء الشيعة الإمامية الجعفرية فإن التولية على الأوقاف العامة والخاصة مطلقاً للحاكم إلا أن يعين الواقف متولياً خاصاً[42]. وإذا عيَّن الواقف وظيفة المتولي فهو المتعيَّن وإلا إنصرف إطلاقه إلى ما هو المتعارف من التعمير والإجارة واستيفاء العوض وجمع الحاصل وقسمته على الموقوف عليهم ونحو تلكم ولا يجوز لغيره التصدي لذلك[43] .
 أما فقهاء الأباضية فيرون أن القائم بشأن الأوقاف لا يملكها بل هو أمين فيها وأن الأوقاف ملكها خاص بما وقفت له[44] ، وأنه يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بأن يشرف على التصرف فيما وقفه ، في سبيل الله تعالى من الأموال لأجل الأعمال الخيرية ، ويجوز أيضاً أن يشترط بأن يكون مرد الإشراف على ذلك بعد وفاته إلى أحد أولاده أو إلى الأفضل الأبَّر الأوفى من أولاده فإن هذا الاشتراط لا ينافي الوقفية ولا ينافي التقرب إلى الله سبحانه وتعالى[45]  وقالوا : ( أن إصلاح الأوقاف يرجع إلى من بيده أمرها )[46] .
     تثبت ولاية القاضي في تأجير الوقف فيما لو لم يكن هناك ناظر معيَّن وعندئذ فإن الولاية الخاصة لم تنعقد فيتم الرجوع إلى من لهم الولاية العامة ومنهم القاضي ، ولكن ليس للقاضي أن يؤجر الوقف ما دامت الإجارة ممكنة للناظر وقد اتفق على ذلك فقهاء المذاهب الأربعة[47]  .
أما فقهاء الزيدية فإنهم يرون أن ( من وقف شيئاً كانت ولاية ذلك الوقف إلى الواقف وليس لأحد أن يعترضه ، ثم إلى منصوبه وصياً أو ولياً ، فإذا نصب الواقف والياً على الوقف أو أوصى به إلى أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف )[48]  ، غير أنهم يرون أنه ( إذا كان الواقف غير باق أو بطلت ولايته بوجه من الوجوه ولم يكن له وصي ولا متولي من جهته انتقلت الولاية إلى الموقوف عليه إذا كان آدمياً معتيَّناً يصح تصرفه ، ثم إذا لم يكن ثم واقف ولا منصوب من جهة ولا موقوف عليه معين يصح تصرفه كانت الولاية إلى الإمام والحاكم ، ولا يجوز للإمام والحاكم أن يعترضا من له ولاية الوقف من واقف أو منصوبه أو موقوف عليه معين إلا لخيانة تظهر فيهم[49] .
 وبعد تفحص مصادر المذهب الظاهري لم أعثر على نص لهم في هذه المسألة وكذلك الاباضية ، أما الإمامية فإنهم يرون أنه لا يجوز لغير الناظر التصرف في الوقف إلا بإذن ولو كان مستحقاً وان اطلق ولم يشترط النظارة لنفسه ولا لغيره فالنظر إلى أرباب الوقف الموقوف  عليهم ان كان معيَّناً والحاكم الشرعي ان كان عاماً لأنه الناظر العام ، حيث لا يوجد الخاص ولذلك فلا يحق للموقوف عليه غير الناظر أن يؤجر الوقف إلا إذا كان مأذوناً له[50] .   
    إذا أبى الناظر فعل ما هو الأصلح للوقف فإن الأمر يعرض على القاضي أو الحاكم الشرعي وله في هذه الحالة أن يعزل الناظر إذ أن له حق الولاية العامة[51] . وكذلك يثبت له حق عزل الناظر المشروط له النظر من قبل الواقف إذا ثبتت خيانته ، إلا أن القاضي ليس مطلق اليد في ذلك فلا بد أن يُسبَّب فعل العزل ولا يعزل بلا سبب[52]  .
وإذا كان الناظر قد عُينَّ من قبل القاضي فلهذا ذهب المالكية والشافعية وبعض الحنفية إلى عدم جواز عزله إلا لخيانة أو سبب آخر أما الحنابلة وبعض آخر من فقهاء الحنفية فقد رأوا جواز عزله وأن لم يخن هذا ما اتفق عليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة[53]  .
أما عند الزيدية فإن ترتيب الولاية يكون للواقف ثم إلى منصوبه وصياً أو ولياً ثم تنتقل إلى الموقوف عليه إذا كان آدمياً معينَّاً صحيح التصرف ثم تكون الولاية إلى الإمام والحاكم ولا يجوز للإمام والحاكم أن يعترضا ممن له ولاية الوقف من واقف أو منصوبة أو موقوف عليه معين إلا لخيانة تظهر منهم ، ومع هذا فإن الإمام والحاكم لا يعزلان الخائن ، بل يعترضان له بإعانة أي بإقامة من يعينه ولا يعزلانه كما ذكرناه آنفاً[54]  .
 ويرى الإمامية أنه إذا خان الناظر ضمَّ إليه الحاكم الشرعي من يمنعه عنها إذ الحاكم هـو المرجع العام في الأمور الحسبية فإن لم يكن ذلك عـزله إذ مع عدم الإمكـان لا مناص من قطع يده وطرده[55] .   
     ذكر في ما مضى آراء الفقهاء في إدارة الواقف أو الناظر أو القاضي للوقف ومن أساليب الإدارة والاستثمار تأجير الأعيان الموقوفة ، ولكن قد يثور السؤال حول ثبوت الحق في التأجير للموقوف عليه من عدمه ، وفي بيان حكم هذه المسألة لابد أن نشير إلى أن هذه المسألة تنقسم إلى مسألتين في الواقع وهما.
المسألة الأولى  : ماذا إذا كان الموقوف عليه هو الناظر على الوقف : وفي هذه الحالة يوجد اتجاهان وهما كالآتي :
الاتجاه الأول : وهو جـواز تأجـير الموقوف عليه هو المعيَّن للوقف وهو رأي المالكية والشافعية والحنابلة [56]  . ولا فرق هنا سواء كانت تولية الموقوف عليه قد صدرت من قبل الواقف أو من قبل القاضي فهو في كلتا الحالتين ناظراً كامل الأهلية مطلق الولاية يملك أن يقوم بإدارة الوقف دون انتقاص من صلاحياته وإن كان هو مستحقاً من الوقف ولا بأس هنا أن ننقل قاعدة مقررة لدى فقهاء المالكية إذ يقـررون أنه ( لا يجوز للناظر التصرف إلا على وجه النظر ولا يجوز على غير ذلك ، ولا يجوز للقاضي أن يجعل بيد الناظر التصرف كيف شاء )[57]  .
أما الاتجاه الثاني: فيرى أنه لا يحق للموقوف عليه تأجير الوقف وعللوا ذلك باحتمال موت الموقوف عليه خلال مدة الإجارة فيكون تصرفه في نصيب غيره إلا ان شرط الواقف له ذلك فيصح منه التأجير عندئذ ، وهو رأي بعض الشافعية إذ قالوا : ( منافع الموقوف ملك للموقوف عليه ليوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة كسائر الأملاك لكن لا يؤجر إلا إذا كان ناظراً أو إذن له الناظر في ذلك هذا إذا كان الوقف مطلقاً فإن كان مقيداً بشيء كما لو وقف داراً على أن يسكنها معلم الصبيان في القرية مثلاً ليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها[58]  .
المسألة الثانية : إجارة الوقف من قبل الموقوف عليـه غير الناظر وقد  اختلفت الآراء في هذه
   المسألة ، على النحو التالي :
     عند الحنفية رأيان في هذه المسألة إذ يرى بعضهم عدم جواز الإجارة التي يقوم بها الموقوف عليه غير الناظر سواء وقف عليه للاستغلال أو للسكنى وسواء انحصر فيه الاستحقاق أم لا إذ أن حقه في الغَلَّة لا في التصرف في الوقف أما من يملك أن يؤجر فإنه الناظر أو القاضي[59]  ، فالإجارة من صلاحيات ولي الصدقة دون الموقوف عليهم إذ أنه يملك المنافع بلا بدل فلم يملك تمليكها ببدل وهو الإجارة وإلا لملك أكثر مما يملك ، أما رأي الفريق الثاني من فقهاء الحنفية فأنه بجواز إجارة الموقوف عليه غير الناظر للوقف[60] كالدور والحوانيق يشرط أن يكون الاستحقاق منحصراً في الإجارة ، ولم يحتج الوقف إلى العمارة وكل من له حق استغلال الوقف أن يؤجر عقار الوقف في كل موضع يكون كل الأجر له كما إذا كان العقار لا يحتاج إلى العمارة ولا شريك معه في الغلَّة ، وفيما عدا ذلك فلا تصح منه الإجارة وتفريعاً على ذلك فإنه يجوز للموقوف عليه غير الناظر أنه يؤجر الدور والحوانيت بناء على ما ذكرنا أما الأراضي فإن شَرطُ الواقف تقديم العُشر والخراج وغيرها وجعل للموقوف عليه الباقي بعد ذلك فليس للموقوف عليه أن يؤجرها إذا لو جاز لكان كل الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف وإن لم يشرط ذلك فيجب أن يجوز ويكون الخراج والمؤنة عليه[61]  .
    أما المالكية فإنهم يجيزون لمستحق الوقف إكراءه فيجوز لمن حبس عليه ملك من الأعيان أو الأعقاب إكراؤه[62] .
    ويرى فقهاء الشافعية أن الموقوف عليه إذا لم يكن ناظراً فإنه لا يجوز له أن يؤجر الوقف إذ أن هذا التصرف لا يصدر إلا من الناظر أو نائبه إلا إذا كان الواقف قد شرط ذلك للموقوف عليه أو قد أذن له الناظر بذلك ففي الأولى يجوز للموقوف له أن يؤجر بولاية له في هذا الشأن وفي الثانية يكون وكيلاً في التأجير عن الناظر[63] .
    أما الحنابلة فإنهم يصرحون بصحة الإجارة من مستحق الوقف ( الموقوف عليه ) لأن منافع الوقف له فله إجارتها كالمستأجر[64]  .
    عند فقهاء الزيدية فإن ترتيب من له الولاية على الوقف عندهم يبدأ بالواقف ثم إلى منصوبه وصياً أو ولياً ، أما إذا كان الواقف غير باق أو بطلت ولايته ولم يكن له وصي ولا متولي من جهته انتقلت الولاية إلى الموقوف عليه بشرط أن يكون آدمياً معينَّاً يصح تصرفه[65]  . 
    وفقهاء الإمامية فإنهم يرون عدم جواز التصرف في الوقف لغير الناظر ، لكن ان أطلق الوقف ، ولم يشترط النظارة لنفسه ولا لغيره فالنظر لأرباب الموقوف عليهم الموقوف دون فرق بين كون الموقوف عليهم عاماً أو خاصاً[66] .
    أما الاباضية فإنهم يرون أنه يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بأن يشرف على التصرف فيما وقفه في سبيل الله تعالى من الأموال لأجل الأعمال الخيرية ويجوز أيضاً أن يشترط بأن يكون مرَّد الإشراف على ذلك بعد وفاته إلى أحد أولاده أو إلى الأفضل الأبرَّ الأوفى من أولاده فإن هذا الاشتراط لا ينافي الوقفية ولا ينافي التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، ولا مانع كذلك عندهم من أن يخصص الواقف أحداً من الناس ليشرف على الوقف ولم أعثر فيما معه يورىَّ من مصادر المذهب الأباضي أي تفصيل يخرج عن هذه القاعدة العامة[67] .
هذه هي آراء المذاهب فيما يتعلق بعدم جواز إجارة الموقوف عليه للوقف – إذا لم يكن ناظراً ويلزم ما تقدم :
أولاً : إذا أجر الموقوف عليه ما لم يصح له إجارته ، فالأجرة التي قبضها ينبغي أن تكون للوقف ، ولا تبرأ ذمة مستأجر الوقف بالدفع للموقوف له لأنه أعطى من لم يملك ، وينبغي على الناظر أن يطالبه بالأجر ، ويرجع المستأجر على الموقوف عليه فيما أقبضه[68] .
ثانياً : أن لناظر الوقف الحق في إقامة الدعوى القضائية فلو غُصب الوقف من الموقوف عليه فليس للموقوف عليه أن يقيم الدعوى إلا إذا كان هو الناظر أو مأذوناً من قبل القاضي سواء في ذلك الدعوى في عين الوقف أو في المنازعات المتعلقة بغلَّة الوقف .
     فلو ادعى الموقوف عليه أنه وقف عليه ، لو ادعاه بإذن القاضي يصح الاتفاق أما بغير إذنه ففيه روايتان : والأصح أنه لا يصح ؛ لأن له حقاً في الغلة لا غير ، فلا يكون خصماً في شيء آخر ، ولو كان الموقوف عليه جماعة فادعى أحدهم أنه وقف بغير إذن القاضي لا يصح رواية واحدة ، ومستحق غلة الوقف لا يملك دعوى غلة الوقف ، وإنما يملكه المتولي [69].
     أما إن كان الموقوف عليه معيناً فإنه تصح الدعوى منه ان كان الوقف على معيَّن على عين الوقف فإن الغلة نماء الوقف وبزوال الوقف تزول الغلة ، فيصير كأن الموقوف عليه ادعى شطر حقه ، فينبغي أن تكون رواية الصحة هي الأصح[70] . 
     ودعوى الموقوف عليه لا تقتصر على غاصب الوقف ، بل قد تكون على متولي الوقف ، وعلى الواقف أيضاً .
     فلو ادعى رجل على المتولي بأنه من الموقوف عليهم وأن له حقاً في غلة الوقف ، أو بأن حقه فيها كذا أكثر مما كان يعطيه . ينبغي عدم التردد أيضاً في سماعها لأنه يريد مجرد إثبات حقه .
     ولو منـع الواقف أهل الوقف ما سمي لهـم ، فطالبوه به ، ألزمه القاضي بدفع ما في يده من غلة[71] .
    إذا لم يكن هناك نص من الواقف يمنع من تأجير الوقف فإن ما سبق من مسائل تطبق أما في حالة ما إذا كان هناك شرط من الواقف بعدم تأجير الناظر للوقف أو جزء منه .
فلقد تعددت الآراء في هذه المسألة على ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول : يـرى وجوب تطبيق شرط الواقف ويمثل هذا الاتجاه فقهاء المالكيـة[72] ، والحنفية[73] ، والحنابلة[74] ، والشافعية في الأصح [75] ، فإذا شرط الواقف أن لا يؤجر الموقوف أصلاً أو أن لا يؤجر أكثر من سنة مثلاً صحَّ الوقف ووجب اتباع شرطه للقاعدة المعروفة أن ( شرط الواقف كنص الشارع ) .
الاتجاه الثاني  : وهو رأي لبعض فقهاء الشافعية وهو مقابل القول الأصح عندهم ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنه لا يتبع شرط الواقف في ذلك إذ أنه يعد حجراً على مستحقي المنفعة من هذا الوقف ، إذ أن من مقاصد الوقف تسبيل الثمرة وهذا الشرط يخالف القصد الحقيقي من الوقف .
الاتجاه الثالث  : وهو رأي لبعض فقهاء الشافعية مفاده أنه ان منع الواقف زيادة التأجير عن السنة فإن شرطه واجب الاتباع إذ أنهم يرونه محققاً لمصلحة الوقف عندئذ ، أما إن منع التأجير مطلقاً فلا يتبع هذا الشرط ، حيث أنه يكون عندئذ حجراً على مستحقي منفعة الوقف[76] .
وهناك آراء أخرى متعددة في هذه المسألة منها رأي الظاهرية في المسألة :
إذ بعد البحث في كتاب المحلى للإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله لم نجد بحثاً مختصاً في هذه المسألة إلا أنه يمكن أن يُستفاد رأي هذا الإمام من خلال المسألة رقم ( 1657 ) التي يذكر فيها ، أنه : ( ومن حبس وشرط أن يباع إن احتيج صحَّ الحبس لما ذكرنا من خروجه بهذا اللفـظ إلى الله تعالى وبطل الشرط لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى وهما فعلان متغايران إلا أن يقول : ( لا أحبس هذا الحبس إلا بشرط أن يباع فهذا لم يحبس شيئاً لأن كل حبس لم ينعقد إلا على باطل فلم ينعقد أصلاً )[77]  ، وقد يُستفاد من هذه المسألة أن الشرط إن لم يتنافى حقيقةً مع الوقف فإنه متبع ويصح معه الوقف ، أما الشرط الذي يخالف حقيقة الوقف وهو حبس الأصل وتسبيل الثمرة فإنه باطل ولا ينعقد معه الوقف أصلاً والإجارة ليست كالبيع فتصح عندئذ والله العالم بمقاصد الأقوال وغوامض الآراء.
أما فقهاء الزيدية فيرون أن لمتولي الوقف أن يؤجر الوقف لمدة معلومة بشرط أن لا تزيد عن ثلاث سنين وعللوَّا ذلك بأن خلاف ذلك الإفراط سيؤدي إلى اشتباه الوقف بالملك ، قال الإمام الهادي وهو من أئمة الزيدية : تجوز إجارة الوقف مدة قريبة نحو سنة أو سنتين دون المدة الطويلة فإن ذلك مكروه ، وتزول الكراهة بأن يكون وقفه مستفيضاً ( أي مشهوراً ) .
وقيل   : يجدد الإشهاد على الإجارة في كل ثلاث سنين نعم فإن أجَّر مدة طويلة صحَّ مع الكراهة وأجيب عنه بأن لا معنى لتجدد الإشهاد لأنه قد انعقدت الإجارة على وجه فاسد لطول المدة .
وقيل   : ان كان المؤجَّر له صاحب المنافع صحت الإجارة وان كان والياً كمتولي أوقاف المساجد ونحو ذلك فشرط صحة الإجارة أن نفرض للمسجد ونحوه مصلحة في طول المدة تفوت هذه المصلحة مع قصر المدة وإلا فالإجارة فاسدة من أصلها[78] .
ويرى فقهاء الإمامية أن الشرائط التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل عليها إذا كانت مشروعة فإذا اشترط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة أو لا يؤجر على غير أهل العلم فلا تصح إجارته سنتين ولا على غير أهل العلم ، وقد استند فقهاء الإمامية على القاعدة التي قرروها من أن الوقوف على حسب ما أوقفها أهلها فإذا وضع الواقف شرطه وكان مشروعاً لا يخالف حكماً شرعياً ثابتاً فإنه يجب العمل به ولا يجوز إخراج الوقف عن شرطه الذي شرط فيه مع جوازه شرعاً بلا خلاف صريحاً وهو الحجة وللزوم الوفاء بالعقود والشروط [79] .  
أما الاباضية فيرون أن الضابط العام فيما يجوز وقفه هو كل مال متملك فيه منفعه بحيث تبقى عينه وينتفع بمنفعته والعين تخرج عن ملكية صاحبها الواقف وتصير وقفاً غير ممتلكة لأحد فلا تباع ولا تشترى ولا توهب ولا ترهن ولا يتصرف فيها أي تصرف والقائم عليها أمين عليها فقط وملكها خاص بما وقفت له ، ويرون أن تأجيرها الأوقاف جائـز ما دام يحقق فائدة دينية أو اجتماعية أو اقتصادية لصـالح الوقف كمـا أن الواقف أن يشترط في وقفه ما لا يخل بتعاليم الإسلام[80] .
المطلب الثاني:الطرف المستأجر في عقد إجارة الوقف
 إن من الصلاحيات الممنوحة شرعاً للناظر أن يؤجر الموقوف لمن يرغب فيه إلا أن الأمر ليس على اطلاقه بل انه منضبط بمراعاة مصلحة الوقف وعدم القيام بما يضره فلا يصح إكراء الوقف لمن يضر به وهو أمّر مجمعٌ عليه لدى أهل الإسلام قاطبة ، ولا يمنع الموقوف عليه من أن يكون مستأجراً للوقف ، حيث أن حقه في الغلة لا في الرقبة ، فلو أجرَّ القيم الوقف ممن يستحق غلته جاز[81]  .
   هذا هو الأصل العام إلا أنه قد يثور البحث حول مدى جواز تأجير الناظر العين الموقوفة لنفسه أو لأهله القريبين كوالده أو ولده أو والدته وهكذا وسنستعرض آراء المذاهب في ذلك كله لتتجلى المسألة وضابطها بوضوح .
 يرى فقهاء الحنفية : أنه أن رغب ابن الناظر أو أباه مثلاً في تأجير الوقف فإن الأمر لا يخلو من أن يباشر الناظر العقد بنفسه أو أن يتولى القاضي إبرام عقد الإجارة فنحن إذاً أمام حالتين :
 أما الحالة الأولى: وهي عندما يباشر الناظر العقد بنفسه لأحد فروعه أو أصوله أو لمن لا تقبل
 شهادته وهنا قولان : 
 الأول  : بعدم جواز الإجارة من ابن الناظر وأبيه وعبده ومكاتبه لوجود التهمة[82]  .
 أما القول الثاني : فإنه يجوز الإجارة من ابنه البالغ أو أبيه ولكن بشرط الخيرية وتتحقق هذه الخيرية بالزيادة عن أجرة المثل كبيع الوصي والخيرية عند أبي حنيفة هي ذاتها التي ذكرها في بيع الوصي لمال الصغير من نفسه وهو أن يأخذ ما يساوي عشرة بخمسة عشر أو يبيع منه ما يساوي خمسة عشر بعشرة على هذا الرأي الفتوى [83]  .
         كما أن عدم جواز إجارة الناظر للوقف من نفسه أو من ابنه أو من أبيه أو عبده أو مكاتبه هو رأي لصاحبي الإمام أبي حنيفة وهما القاضي أبا يوسف والإمام محمـد بن الحسن الشيباني ، ولا ريب أن من يرى عدم الجواز يعلل ذلك بوجود التهمة من جرَّاء هذا العقد الذي سيجريه الناظر لذلك فإن من يرى عدم الجواز يرى أن البديل هو بتولي القاضي العقد لمن يرغب في إجارة الوقف وان كان ابن الناظر أو أبوه أو غيرهما ممن يرتبط مع الناظر بقرابة تمنعه من إتمام عقد الإجارة .
          كما يرى الحنفية أن تأجير الناظر الوقف من غير تلك الأصناف المذكورة جائز بلا إشكال لانتفاء المحاباة .
          وإذا رغب أكثر من شخص في إستئجار عقار الوقف فإنه يجب على الناظر اختيار الثقة الذي يحقق المصلحة الأتمّْ للوقف .
 ولذلك فإننا نجد في الحالة الثانية أنه إذا رغب الناظر في تأجير العين الموقوفة لنفسه أو لأحد أصوله وفروعه إلا أنه ذهب إلى القاضي وطلب منه أن يتولى العقد فإن العقد يكون صحيحاً ولا يقال : أن القاضي لا يملك التصرف في الوقف مع وجود الناظر[84]   ، لأننا نقول عندئذ أن الأمر هنا مختلف ، حيث أن المقام مقام نزاع على صحة تصرف الناظر بنفسه ولذا ساغ اللجوء إلى القاضي بل ان تصرف الناظر لا يصح لوجود التهمة الشديدة في هذه الحالة .
 وبالنسبة إلى فقهاء المالكية : فإنهم يرون أنه لا يجوز لناظر الوقف كالوكيل والوصي وشبههما أن يشتري من نفسه ولا أن يبيع منها ولا ممن يتنزل منزلته من أقاربه وغيرهم فإن فعل تعقبه الحاكم بالنظر فيمضي الصواب ويرد غيره [85]  . وعلة ذلك الخوف من حصول غبن أو محاباة في كراء الوقف[86]  .
 ويرى الشافعية أن ناظر الوقف كالوصي والقيم على مال اليتيم يمتنع عليه ما يمتنع عليهما ويجوز له ما يجوز لهما ، ولذا لا يجوز للناظر أن يؤجر من نفسه قياساً على الوصي إذ ليست له ولاية ليتولى طرفي العقد[87]  .
 أما الحنابلة : فإنهم يفرقون في المستأجر للوقف عما إذا كان الراغب في الاستئجار هو ولد الناظر فإن كان الوقف على نفس الناظر فإن تأجيره أعيان الوقف لولده صحيح ، وإن كان الوقف على غيره ففي تأجيره أعيان الوقف لولده وجوه ثلاثة :
 الأول  : الصحة مطلقاً وهو رأي جماعة من قضاة الحنابلة .
والثاني  : أنه يصح بأجرة المثل فقط .
والثالث: أنه لا يصح مطلقاً وهو ما أفتى به بعض فقهائهم .
 أما إذا كان الراغب في استئجار الوقف هو الناظر نفسه فإنه لا يصح أن يؤجر العين الموقوفة من نفسه قياساً على الوكيل وهذا ما عليه جمهور الحنابلة[88]  .
 وأما الظاهرية : فلم أعثر لهم على رأي في هذه المسألة .
 ويذهب فقهاء الزيدية إلى أنه يجوز للناظر معاملة نفسه فيجوز له البيع والشراء من غلة الوقف ويسلم العوض ويجوز له أن يزرع أرض الوقف أو يؤجرها لنفسه ويدفع أجرة المثل كغيره بلا عقد من الإمام أو الحاكم ويكون حكم ذلك في يده حكم المعاطاة إلا أنه يجب أن يتحرى المصلحة وألا يأخذ المثل وقت غلائه بمثله في وقت رخصه ، أما فقهاء الإمامية فلم أجد بعد تتبع كلماتهم على ما يمنع من أن يقوم الناظر بتأجير الوقف لنفسه ما دام بعيداً عن أي قصور أو تقصير من جانبه لتحقيق مصلحة الوقف قد نصَّوا على أن عمل ناظر الوقف مقيد بشروط الواقف المنصوص عليها في صك الوقف إلا ما يكون باطلاً منها وأن مسئولية المتولي كمسئولية[89] الوكيل والمودع سواء قلنا بأنه وكيل عن الواقف أو الوقف أو المستحقين[90] لاسيما وأن وظيفة الناظر مع الإطلاق هو عمارة الوقف وإجارته وتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها ولو فوض إليه بعضها لم يتعدَّه[91].
 أما فقهـاء الأباضية : فإنهم كما ذكرنا مراراً وتكراراً يرون أن القائم بالأوقاف أمين فيها فهو وكيل ولذلك فإنه لا يشتري من نفسه ولا يؤجر من نفسه ولا يبيع اذ أنها تصرفات يقوى فيها احتمال عدم تحقيق مصلحة للوقف مما يجعله إحتمالاً معتداً به[92]   .
المطلب الثالث:المدة في إجارة الوقف
 عند إبرام عقد إجارة الوقف فإننا نحتاج إلى تحديد زمني معيَّن  بهذا العقد شأنه شأن سائر العقود إلا أن هناك سمة خاصة يمتاز بها إجارة الوقف عن إجارة الملك وهو عبارة عن خصوصية الموقوف إذ أن الأصل فيه يظل محبوساً أبداً وأن المنفعة هي التي تسبل لله تعالى لينتفع منها ، ولذلك فإن المدة التي تضرب في عقد إجارة الوقف يجب أن تحقق مصلحة الموقوف فلا تؤدي إلى تلفه أو خرابه أو إلحاق أي ضرر به مهما كان .
 وفي بحثنا حول مدة الإجارة الوقفية فإننا سنواجه حالات لا تقرر فيها مدة خاصة بهذا العقد وحالات قدرت فيها المدة إلا أنه لم يلتزم بها مضاقاً إلى بيان حكم الإجارة الطويلة وغيرها من المسائل المرتبطة بهذه المسألة . وهذا كله سوف نتناوله وفقاً لما يلي من مسائل :
 المسألة الأولى : إذا تم تقييد إجارة الوقف بمدة زمنية فهل يعني ذلك أنه لا يجوز أن تطلق الإجارة وأن التقييد لازمٌ أم أنه يمكن إجارَة الوقف دون تحديد المدة ؟ ولقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على آراء ، وهي كالآتي يرى فقهاء الحنفية رأيين في المسألة :
الرأي الأول  : وهو عدم جواز إجارة الوقف إلا لمدة محددة وتقع باطلة الإجارة إذا كانـت مطلقة غير محددة المدة فالإجارة عندهم جائزة إذا آجرها هو إلى وقت معلوم [93].
أما الرأي الثاني : فهو جواز إجارة الوقف إجارة مطلقة دون الحاجة إلى بيان مدة ما سواء كان الموقـوف ضيعـة أي عقار أم غيرهـا ، ولقد ذكر الأمام نجم الدين الطرسوسي تـ (758 هـ ) في فتاويه أنه : ( يجب العمل بأقوال المتقدمين من الأصحاب رحمهم الله لوجوه :
الأول  : لوفرة علمهم واجتهادهم .
الثاني   : لقربهم من عصر الامام – أي الامام أبي حنيفة – والأئمة الأعلام .
الثالث : لحسن نظرهم وقوة تحريهم للمسائل التي ليس فيها رواية منصوصة .
الرابع  : لأن ما قالوه موافق للأصل المعروف من أي المقادير لا تعرف إلا سماعاً لا مدخل للقياس
         فيها .
الخامس : أن قولهم لا يخلوا اما أن يكون عن رواية وهو الظاهر أو ليس عن رواية لكنه موافق
          للقواعد والفروع والشواهد ، وأما البحث عن بيان الرواية فلا قدرة لنا عليه لأنها نقل ولم
          نقف في ذلك على رواية منقولة عن الإمام ولا عن أبي يوسف ومحمد ، وأما البحث عن أنه
          موافق للقواعد والفروع والشواهد فهو أن بيع المنافع كبيع الأعيان وهو أصلها وفي بيع
          الأعيان لم يحفظ للتقدير فيها مدة عن أحد من الاصحاب ولا من أهل العلم فكذا في بيع
          المنافع لأنها فرعها فلا يرد السلم لأنه خرج بالنص فلا يقاس عليه .
السادس : اننا ان تنزلنا وقلنا ان قول المتقدمين عن تخريج لا عن رواية فقد تأيدَّ بموافقة من قال من
          المتأخرين وهم الأشياخ الأعلام فهؤلاء كلهم توافقوا في القول بعدم التقرير ولا شك في
          أن لاجتماع الآراء قوة معتبرة[94] .
وبالنظر في الأدلة التي استند إليها الفقهاء فإن الأخذ بالرأي الأول هو الذي يلزم منه تحقيق ما هو أصلح وأنفع للوقف ، حيث أن طول مدة الإجارة عادة يؤدي إلى نشوء احتمالات لدى الآخرين  بشبهة تملُّك الوقف أو اندراسه[95] وهذا أمرٌ محتمل الوقوع بقوة حينما تطول مدة الإجارة فالاحتياط يقتضي الأخذ بالرأي الأول لاسيما عندمـا نرى بثني بعض أئمة المذاهب الأخرى له إذ أنه عند المالكية والشافعية والزيدية لا يجوز إجارة الوقف إلا لمدة محددة ومنع الإطلاق في المدة فلا يجوز كراء الأحباس لغير أمد ولا يجوز لأمدٍ بعيد لأنه لغير أمدٍ كراء مجهول[96] ، فيصح لمتولي الوقف تأجيره مدة معلومة ويكون عقد الإجارة صحيحاً إذا كان لمدة معلومة تبقى فيها العين المؤجرة غالباً ليتم إستيفاء المعقود عليه[97]  .
أما الحنابلة فلم نعثر على نص لهم يتناول حكم عدم جواز إجارة الوقف لمدة غير محددة إلا أنه يبين بالبحث أنهم يتناولون المدة وضرورة تحديدها إذ يتحدثون عن مقدار المدة وما قد يشترطه الواقف من تحديد لها كما في عبارات بعض فقهائهم[98] أما الإمامية فإن الكلام عندهم يقع في الإجارة لمدة معلومة معروفة الابتداء والانتهاء ، وهذا يتضح من استقراء مسائل عديدة منثورة في مصادرهم الفقهية المعتبرة وعليه فإنه إذا آجر العين الموقوفة البطن الأول من الموقوف عليهم في الوقف الترثيبي وانقرضوا قبل انقضاء مدة الإجارة، فإنهم يرون أن الإجارة لا تصح بالنسبة إلى بقية المدة ومحل الشاهد من هذه المسألة أنها تبين أن الإجارة يجب أن تكون لمدة معلومة ومحددة لا مطلقة سواء كانت مدة قصيرة كاليوم أو طويلة كالسنين تبدأ من الوقف المسمى في العقد وإلا فمن وقت العقد[99] .
أمـا الاباضية فلقد ورد في استفتاء وجَّه إلى مفتي الاباضية في عمان حول تأجير بيت لمدة أربعين عامـاً بأجرة ثابتة قوله : ( لا مانـع منه لأن للواقف أن يشترط في وقفـه ما لا يخل بتعاليم الإسلام )[100] ، ويقول الشيخ الخليلي في موضع آخر من فتاويه عـن الإجارة : ( إن اتفق الجانبان على إكراه المحل التجاري إلى زمن محدود فالإكراه صحيح[101] .
أما الظاهرية فلم نعثر لهم على نص خاص في هذا الصدد إلا أنه ورد في كتاب الإجارات من المحلى للإمام ابن حزم قوله : ( ومن الإجارات ما لابد فيه من ذكر العمل الذي يستأجر عليه فقط ولا يذكر فيه مدة كالخياطة والنسج وركوب الدابة إلى مكان مسمَّى  او نحو ذلك ومنها ما لابد فيه من ذكر المدة كسكنى الدار وركوب الدابة ونحو ذلك ومنه ما لابد فيه من الأمرين معاً كالخدمة ونحوها فلابد من ذكر المدة والعمل لأن الإجارة بخلاف ما ذكرنا مجهولة وإذا كانت مجهولة فهي أكل مال بالباطل[102] .
المسألة الثانية : إذا لم يحدد الواقف مدة معينة لتأجير الوقف إهمالاً فقد اختلف الفقهاء في مدى صلاحية الناظر لتحديد مدة عقد الإجارة وحدودها وذلك وقفاً للتفصيل الآتي :
أولاً: المذهب الحنفي  : واختلف أصحابه فيما لو أهمل الواقف مدة الإجارة على آراء فمنهم من يرى أنه إذا أهمل الواقف تحديد المدة فإن الأمر للناظر يكري الوقف إلى المدة التي يراها أصلح وهو رأي المتقدمين من الحنفية [103]، وهناك من يرى أن المدة تُقيَّد بسنة مطلقاً تجنباً لطول المدة الذي قد يؤدي إلى إبطال الوقف حيث أن من رآه يتصرف منها تصرف المُلاَّك على طول الزمان قد يتوهمه الناس مالكاً ، ولذلك ودفعاً لمثل هذا التوهم فقد رأى بعض الفقهاء أن المدة يجب أن تحدد واختلف في تحديدها فبعضهم كما ذكرنا يرى أن مدة السنة هي المدة الأقل لدفع مثل هذا الخطر عن الوقف وقد فصَّل البعض إذ أن إجارة السنة هي لوقف الدار أما الأرض فثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك ، وهذا قد يختلف زماناً وموضعاً ، بل يرى بعضهم أنه لو احتيج لذلك فإنه يعقد عقوداً مترادفة كل عقد لسنة بكذا هذا في الدار أما بالنسبة لإجارة الأراضي الموقوفة فيصبح كل عقد لثلاث سنين ويذكر في عقد واحد أنه يؤجر له الدار سنة كذا بأجر كذا وهكذا لمدة ثلاث سنين ، وهكذا إلى تمام المدة ويكون العقد الأول لازماً فقط لأن جميع ما عداه يكون مضافاً وكل ذلك إذا كان المؤجر غير الواقف أما إذا كان المؤجر هو الواقف فله التأجير لأكثر من مدة السنة والثلاث سنين[104] .
ثانياً : المذهب المالكي : وهم يرون ما يلي :
    إذا كان الموقوف أرضاً للزراعة وكان المكتري من ليس مرجع الوقف له وكان الناظر من جملة الموقوف عليهم فإن كان الوقف قد تم على معينين أو معيَّن فإنه يجوز للناظر إجارة الأرض الموقوفة سنتين أو ثلاث سنين ولا يجوز أكثر من ذلك ، أما إذا كان الوقف على غير معيَّن كالفقراء ونحوهم من العناوين العامة فإنه يجوز عندئذ أن تكري وتؤجر أربع سنين لا أكثر ، قال ابن رشد : ( وأما الأحباس المحبسة على المساجد والمساكين وما أشبه ذلك فلا ينبغي لمتولي النظر فيها أن يكريها لأكثر من أربعة أعوام ان كانت أرضاً وعليه مضى عمل القضاة في كراء الأحباس ) .
      إذا كان الموقوف داراً فلا يُؤجر الناظر الوقف أكثر من سنة سواء أكان الموقوف عليه معيناً أم غير معيَّن .
    أن أكرى الناظر الوقف أكثر مما تقدم ذكره سواء بالنسبة للدار أو الأرض فإنه لابد أن يكون محققاً لمصلحة الوقف وعندئذ يمضي وإلا يفسخ لأنه بموته لا تنفسخ الإجارة[105] .
    أما إذا كان الكراء لمن مرجع الوقف له جاز الكراء لعشر سنين ونحوها سواء كان الموقوف داراً أم أرضاً وسواء كان الموقوف عليهم معينين أو غير معينين، وقد أكرى الإمام مالـك – رحمه الله ، منزله عشر سنين وهو صدقة على هذا الحال[106] . 
     يكون تحديد المدة السابقة في الحالات الطبيعية أما إذا اقتضت الضرورة الإجارة لأكثر من هذه المدد مثل حالة تهدم الوقف فيجوز كراؤه بما يبنى به ولو طال الزمان كأربعين عاماً أو أزيد بقدر ما تقتضي الضرورة ، وهو خير من ضياعه وإندراسه[107] .  
ثالثاً: المذهب الشافعي : اختلف فقهاء الشافعية على ثلاثة أراء في هذه المسألة أما الأول فيرى أن
          إجارة الوقف هنا لا تقيد بمدة زمنية محددة بل يصح العقد إلى مدة تبقى فيها العين المؤجرة
          غالياً وعلى ما يليق بها فالمرجع في المدة التي تبقى فيها العين غالباً يعود إلى أهل الخبرة وكل
          شيء يحبسه فيؤجر الرقيق مثلاً ثلاثون عاماً أما الدابة فقد يليق بها أن تؤجر لعشر سنين
          والثوب سنة أو سنتين هذا هو الرأي الأول وأما الرأي الثاني فيرى أن لا يؤجر الوقف
          لأكثر من سنة لإندفاع الحاجة بها أما الرأي الثالث فيري أنه لا يزاد في إجارة الوقف على
          ثلاثين سنة لأنها نصف العمر الغالب[108] . وهذه الآراء الثلاثة ليست سوى تقديرات
          تقريبية للمدة اللائقة كما عَبَّرَ عنها فقهاء الشافعية قد تتغير بحسب الزمان والمكان ونوع
          الموقوف .
رابعاً: المذهب الحنبلي : وفقهاء الحنابلة لا يقيدون إجارة الوقف بمدة معينة إذا أهملها الواقف
           وهم في ذلك كالشافعية وتقدير المدة عندهم متروك إلى ما تقتضيه المصلحة ما دام الوقف
           على جهة عامة[109] .
خامساً: المذهب الظاهري: فلم أعثر في كتبهم على حكم خاص في هذه المسألة .
سادساً: المذهب الزيدي : ويرى فقهاء الزيدية أن لناظر الوقف ومتوليه أن يؤجر الوقف مدة معلومة دون ثلاث سنين وأن الزائد على هذه المدة سيؤدي إلى اشتباه الوقف بالملك[110] ،
قال الإمام الهادي : ( تجوز إجارة الوقف مدة قريبة نحو سنة أو سنتين دون المدة الطويلة
 فإن ذلك مكروه ) ،  ولقد فسرَّ فقهاء الزيدية الكراهة بأنها كراهة حظر تمنع الصحة مع
حصول اللبس، ولكن الكراهة تزول إذا كان الوقف مشهوراً استفاض العلم بوقفيته بين        الناس.
           وقد يقول بعض الفقهاء أنه إن كان المؤجرَّ له صاحب المنافع صح ذلك ووجهه أنه أجرَّ
           ملكه وهو المنفعة سواء كانت تورث عنه أو تنتقل إلى من بعده بالوقف بخلاف المتولي
           فليس مالكه للمنفعة أما إن كان المؤجَّر له والياً كمتولي أوقاف المساجد ونحو ذلك فشرط
           صحة الإجارة أن نفرض للمسجد ونحوه مصلحة في طولها تفوت هذه المصلحة مع قصر
           المدة وإلا فالإجارة فاسدة من أصلها أي باطلة[111] .
 سابعاً: المذهب الإمامي : ويرى فقهاء هذا المذهب أنه كلما كانت الأجرة والمنفعة
          والمدة معلومة صحَّت الإجارة ويتفرع على لزوم تعيين المدة أنه لو آجره كل شهر بكذا أو
           كل سنة بكذا ولم يُبيَّن  مقدار الأشهر أو السنين لم تصح الإجارة لجهالة المدة وهذه هي
           الضابطة العامة في الإجارة عندهم [112] .
           ولذلك فإنهم يرون أنه لا يجوز إيجار الوقف مدة طويلة يخشى عليه من تغلب الأيدي
           وترتب أثر الملكية عليه ، هذا رأيهم مع الإطلاق أي في حال لم يشترط الواقف شيئاً أما
           إذا اشترط أن لا يؤجر أكثر من سنة أو سنتين وقام المتولي أو الناظر بعقد إجارة لأكثر من
           ذلك بطل الزائد.
          قال الإمام كاشف لغطاء : (  ولا تجدي الحيلة بإيجاره عقوداً متعددة سنتين سنتين لأنه
          خلاف غرض الواقف وإن وافق لفظه وهو من جملة الشواهد على أن الأغراض تُقيَّد
           الألفاظ )[113] .
ثامناً: المذهب الأباضي: وُجَّه استفتاء إلى مفتي الأباضية وفقيهها في العصر الحاضر الإمام الشيخ
        أحمد الخليلي ورد فيه أن ثلاثة أخوة أوقفوا بيتهم على مسجد ومدارس ثابتة له على أن
        يُؤجر لهم البيت لمدة أربعين عاماً وأن الذي حملهم على تنجيز الوقف بسرعة هو الخشية من
        وقوع التبديل من ورثتهم فأجابهم سماحة المفتي بأنه لا مانع من ذلك من باب أن للواقف
        أن يشترط في وقفه ما لا يخل بتعاليم الإسلام ومن الواضح أن الإجارة لهذه المدة الطويلة
        وبتلك الكيفية صحيحة عندهم وإلا لما أفتى بالجواز[114]  هذا ما عثرنا عليه في هذه المسألة.  
المسألة الثالثة : كنا فيما مضى نبحث حول الإجارة العادية والتي تختلف عن ما يسميه بعض الفقهاء بالإجارة الطويلة وهو مفهوم واسع يشمل الدور والأراضي ويدخل فيه ما يسمى لدى الفقهاء بالحكر والاستحكار وهو يختص برقبة الأرض الخالية فيجري عقد استئحكارها للبناء عليها أو الغرس فيها ويقصد من إجارتها منع الغير وإبقاء الأرض الموقوفة في يد المستأجر للبناء عليها أو غرسها بالأشجار المثمرة أو لأي غرض آخر لمصلحة الوقف على أن يكون على نفقة المستأجر لقاء أن يدفع المستأجر أجراً رمزياً محدداً ودون تحديد لمدة زمنية وينتقل التحكير من الآباء للأبناء ومن الأبناء إلى الأحفاد فهو عقد يُوَّرث [115]  ، ولقد تنوعت الآراء حول هذه المسألة وفقاً لما يأتي :
أولاً : المذهب الحنفي :
وانقسمت الآراء في المذهب الحنفي إلى ثلاثة ، وهي :
الأول  : ويرى أصحابه أنه يجوز عقد هذه الإجارة الطويلة مطلقاً دون الحاجة إلى ضرورة مدعاة فتجوز إجارته أي مدة كانت[116] .
الثاني   : ويرى أصحابه أنه لا تجوز الإجارة الطويلة إلا إذا كانت هناك حاجة إليه كوسيلة لتصير ضروري للوقف ولزم الأمر تعجيل الأجرة فإنه يجوز للناظر أن يعقد عقوداً متفرقة مترادفة كل عقد على سنة يكتب فيه ( استأجر فلان بن فلان كذا ثلاثين سنة بثلاثين عقداً كل عقد على سنة كذا ) ويكون العقد الأول لازماً لأنه ناجز ويكون العقد الثاني غير لازم لأنه مضاف[117] .
الثالث : وأصحابه يرون أنه لا تجوز الإجارة الطويلة سواء كانت بعقد واحد أم بعقود مترادفة فالإجارة باطلة لتحقق المحذور وهو أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقت . وقد اعترض عليه بعض الفقهاء بأن الاضطرار إلى الإجارة الطويلة لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مقبلة يزيل المحذور إذ أن المقتضي موجود وهو أن يكون الوقف بحاجة إلى عمارة كما لو خرب وتعطل الانتفاع به لاسيما عندما لا يكون لدى الوقف أموال يُعمرَّ بها ولا يوجد من يمكنه أن يقرض الوقف ما يحتاج إليه في الإعمار ولا يوجد عقار آخر ذو ريع يمكن استبدال الوقف محل الكلام به عندئذ يصحَ الإجارة الطويلة وتكون لصالح الوقف لاسيما إذا لم يكن هناك موانع شرعية غير ما ذكر الفتوى عند الحنفية هو بالإجارة لمدة سنة واحدة سواء كانت لأرض أو عقار ، ولابد في نهاية هذه الفقرة الإشارة إلى أن هذه الآراء تنظر إلى المسألة في حال كان المؤجر غير الواقف أما إذا كان المؤجر هو الواقف فإن التأجير لمدة طويلة جائز ولو دون تحقق حالة ضرورة ودون حاجة إلى رفع الأمر إلى القاضي الشرعي لأن الواقـف يحتاط في وقفـه شأنـه شأن المالك في ملكه وولايته عليه أقوى من ولاية غيره [118] .
    ثانياً : المذهب المالكي :
يرى المالكية أنه إذا كان الناظر من الموقوف عليهم فلا يجوز له تأجير الوقف لأمد بعيد سواء كان لضرورة أو لغير ضرورة لأن بموته تنفسخ الإجارة ، أما إذا كان الناظر من غير الموقوف عليهم فإن لم تكن هناك ضرورة للإجارة الطويلة فلا تجوز . أما إذا كانت هناك ضرورة لتعمير الوقف وما شابه فإنه تجوز الإجارة الطويلة في الدور وشبهها ولا تجوز في الأرض والعقار إذ لا يتصور أن يلحقها خراب مع مرور الزمن[119] .
 ولقد أفتى بهذا الرأي بعض أكابر أهل المغرب من فقهاء المالكية وهو القاضي ابن باديس  فأجاز كراء دار محبسة على الفقراء تخربت ولم يوجد ما تعمر به السنين الكثيرة وشرط الفتوى بالجواز أن يكون إصلاحها من إجارتها وكرائها ، ولقد منع هذا الفقيه المغربي أن يباع الوقف ولم ينكر عليه أحد من أهل عصره[120] ، مما يعني تلقي فقهاء المالكية هذا الرأي بالقبول والاتفاق .  
    ثالثاً : المذهب الشافعي :
ويرى أصحابه أنه لا تصح الإجارة الطويلة في الوقف مطلقاً إلا إذا كانت هناك حاجة إليها أو كانت هنـاك مصلحة تعـود إلى الوقف لا إلى المستحق وتثبت هذه الحاجة أو المصلحة عند القاضي[121] .
رابعاً : المذهب الحنبلي :
ويرى فقهاء الحنابلة نفس رأي الشافعية في أنه لا تجوز الإجارة الطويلة إلا إذا كانت هناك حاجة إليها أو كانت هناك مصلحة للوقف لا للموقوف[122] .
خامساً : المذهب الظاهري :
لم أعثر على نص يعالج حكم في هذه المسألة .
سادساً : المذهب الزيدي :
يجيز فقهاء الزيدية الإجارة الطويلة بشرط أن يكون الوقف مستفيضاً مشهوراً بحيث تنتفي فيه المخاوف من التباسه بما هو ملك خاص أو إذا كان المؤجر هو صاحب المنافع وإن كان والياً كمتولي أوقاف المساجد ونحو ذلك فشرط صحة الإجارة أن نفرض للمسجد ونحوه مصلحة في طولها تفوت هذه المصلحة مع قصر المدة وإلا فالإجارة فاسدة من أصلها[123] .
سابعاً : المذهب الإمامي :
ويرى فقهاء الإمامية أنه لا يجوز إيجار الوقف مدة طويلة يخشى فيه على الوقف من تغلب الأيدي وترتب أثر الملكية عليه هذا مع الإطلاق ولو شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة أو سنتين فآجر المتولي أو المرتزقة أكثر من ذلك بطل الزائد ولا تجدي الحيلة بإيجاره عقوداً متعددة سنتين سنتين لأنه خلاف غرض الواقف وأن وافق لفظه[124] .
ثامناً : المذهب الأباضي :
ذكرنا فيما مضى فتوى إمام الأباضية في العصر الحاضر سماحة العلامة الشيخ أحمد الخليلي بجواز إجارة الوقف لمدة طويلة تزيد على أربعين عاماً وأن ذلك لا ينافي تعاليم الإسلام مع حفظ العقار الموقوف[125] .
 من جماع ما تقدم وبعد استعراض آراء المذاهب الفقهية فيما يتعلق بهذه المسألة يتبين أن هناك ثلاثة اتجاهات فقهية الأول منها يقول بجواز الإجارة الطويلة مطلقاً والثاني يرى عدم جوازها مطلقاً ، أما الثالث فإنه يجيزها في حال الضرورة ولا ريب أن الإجارة الطويلة الأمد أسلوب استثماري قد لا يبدوا جيداً في حالات العمل غير المنضبط قانونياً وإدارياً كما كان في العصور الماضية فلقد كانت المدة الطويلة سبباً لفقدان العارفين بالوقف والشهود فيه وبالتالي يسهل وضع اليد عليه فإن من رآه يتصرف فيه تصرف المُلاَّك مدة طويلة يخال هذا مالكاً فتضيع الأوقاف والحقوق المترتبة عليها إلا أن هذا المحذور غير ذي أهمية في عصرنا الحاضر إذ أن التنظيم الإداري والقانوي لعملية توثيق المعاملات والملكيات وما إلى ذلك قد بلغت مبلغاً عظيماً من التنظيم والاتقان وينبغي أن يستفاد منها في عملية التوثيق الوقفي وإدارة الأوقاف وصناعة استثمار الوقف في عالم يسوده الاقتصاد المتحرك والنشط في هذا العصر المتميز .
 المسألة الرابعة : وهي من المسائل المستجدة وقد أطلق على هذه المسألة ( الإجارة بأجرتين ) وهي طريقة ابتكرها بعض الفقهاء علاجاً لمشكلة حدثت للعقارات الموقوفة في اسطنبول علم 1020 هـ عندما نشبت حرائق كبيرة أتلفت معظم العقارات الوقفية وشوَّهت المظاهر الخارجية لبعض الأوقاف الأخرى ، ولقد واجهت إدارة النظارة الوقفية مشكلة عدم توافر الأموال اللازمة لتعميرها فأقترح العلماء آنذاك أن يكون هناك عقد إجارة على العقار المتدهور أو التالف بأجرتين إحداهما أجرة كبيرة معجلة تقارب قيمة هذا العقار يستلمها الناظر ليعمر بهذه الأموال العقار الموقوف أما الأجرة الثانية فهي أجرة سنوية مؤجلة وقليلة ويتجدد هذا العقد كل سنة وهو طويل الأجل بطبيعته إذ أنه لابد فيه من أن يسترد المستأجر كل مبالغه التي دفعها من خلال ضرب هذه المدة الطويلة إذ هي الضمان الوحيد له ليستعيد أمواله إذ أن هذا العقد هو عقد تمويلي في الواقع وهذه الصيغة التمويلية تعالج مشكلة عدم جواز بيع العقار الموقوف اذ ان الأجرة الكبيرة المعَجَلَّة تحقق نفس ما قد يحققه البيع وهي تحقق أيضاً منافع للمستأجر في البقاء فترة طويلة في العقار المؤجر سواء كان منزلاً أو دكاناً أو غير ذلك ولا شك أن هذه الطريقة تتناغم مع ضوابط الرأي الذي يجيز الإجارة الطويلة إذ أن وجود الأجرة يحمي العقار الموقوف من إدعاء المستأجر أنه قد تملكه بالشـراء أو غيره كما أن ما يبنى على هذه الأرض الموقوفة يظل ملكاً للوقف دون المستأجر .  
 المسألة الخامسة : وهي مسألة جديدة فهي تتناول صيغة جديدة من صيغ الإجارة وهي الإجارة المنتهية بالتمليك وهي ذات صور عديدة بعضها لا ينسجم مع أحكام الوقف وضوابطه إلا أن هناك من صورها ما يصلح في باب الوقف وهو أن تؤجر إدارة الوقف ( أو الناظر ) الأرض  الموقوفة لمستثمر ( شخصياً اعتبارياً كان أو شخصياً طبيعياً ) مع السماح له بالبناء عليها سواء مباني أو محلات أو غير ذلك حسبما سيتم الاتفاق عليه ويستغلها المستثمر فترة من الزمن ثم يعود كل ما بناه المستثمر بعد انتهاء الزمن المتفق عليه إلى الوقف أذ يتضمن العقد تعهداً بالهبة من قبل المستثمر تلك المباني وغيرها إلى الوقف أو ان يتضمن أحد بنود عقد الإجارة هبة معلقة أو وعداً بالبيع ثم يتم البيع في الأخير بعقد جديد ويمكن أن ينص في العقد على أن تعطى للوقف أجرة ولو كانت قليلة حتى يستفيد منها في ادارة أموره ولا مانع من أن تمدد الفترة لقاء ذلك .
المطلب الرابع:أجـــرة الوقـــف
 من المتفق عليه أن ولاية الناظر على الوقف مقيدة بأن تكون أفعاله وتصرفاته في مصلحة الوقف ولما كانت الأجرة احد أركان عقد الإجارة فلا ريب عندئذ أن نشهد اهتماماً فقهياً بالبحث حول الأجرة ومقدارها على نحو التفصيل فهل يصح أن تكون الإجارة بأقل والإجارة إذا انشغلت على غبن فاحش  وآثارها وأثر تغيير أجرة الوقف بعد العقد بزيادة أو نقصان وبعبارة أخرى أثر الظروف الطارئة على الأجرة وغيرها من مسائل إلا أنه من الضرورة التأكيد على أن الأصل العام في تقدير أجره الوقف وهو أن تكون بمقدار أجرة المثل ولا تجوز بأقل منها ، حيث أن الالتزام بأقل من أجرة المثل التزامَ يسبب ضرراً  للمستحقين إلا إذا كان النقصان يسيراً لا يسبب ضرراً معتداً به فالإجارة عندئذ صحيحة والأصل أن تسمى الأجرة وهي تملك ، إلا إذا كانت الإجارة باطلة أو فاسدة فإنه عندئذ تلزم أجرة المثل وتسمى الأجرة إذ أن الإجارة الفاسدة والباطلة متساويتان في استحقاق بدل المثل .
 إن الضابط العام في بدل الإجارة أي ( الأجرة ) أن يكون مالاً معلوماً مملوكاً طلقاً مقدوراً على تسليمه ، وهذا كما يصلح أن يكون ثمناً في البيع فإنه يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة سواء بسواء[126] .   
 وسنتناول تفصيل ما ذكرنا إجماله في أول البحث وذلك على النحو التالي :
أولاً    : حكم إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل :  
    إذا أجر الناظر العين الموقوفة بأقل من أجرة المثل وكان النقصان يسيراً يتغابن الناس فيه والذي ان وجد فإن الناس تتسامح فيه في معاملاتهم وتتقبله من بعضها البعض فإن الإجارة تكون نافذة سواء كان المستأجر من المستحقين أو من غيرهم[127]  ، وهذا يخرج عما نحن بصدده في هذه المسألة إذ أننا نتناول هنا حالة النقصان الفاحش ، وقد تنوعت آراء المذاهب فيها فعند الحنفية أن الإجارة تفسد عندهم ويجب على القاضي إذا رفع ذلك إليه أن يبطل الإجارة إلا إذا اقتضت الضرورة إجارته بهذا الغبن الفاحش[128]  وعندهم أيضاً أن الواقف إذا آجر بالأقل مما لا يتغابن الناس فيه لم تجز ويبطلها القاضي فإن كان الواقف مأموناً أي أميناً وفعل ذلك عن طريق السهو لا بقصد بل من غفلة فإنه لا يعزل بل يقره القاضي في يده ولكن يأمره بالإجارة بالأصلح وإلا أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه وتجوز عندهم أيضاً الإجارة بالأقل إذا كانت للضرورة ومن صور الضرورة هنا إذا كانت العين غير مرغوب في إجارتها إلا بالأقل أو إذا أصيب الوقف بنائبة أو كان عليه دين أو كان الدار عليها مرصد والمرصد هو دينً على الوقف ينفقه المستأجر لعمارة الدار لعدم مالٍ حاصل في الوقف ففي مثل حالات الضرورة هذه ومثيلاتها تجوز الإجارة بالأقل أما في حال لا توجد فيه ضرورة معتبرة شرعاً فإن المستأجر يلزمه تمام أجرة المثل[129] .
   أما فقهاء المالكية فإنهم قد ذهبوا إلى أنه إذا أجرَّ الناظر العين الموقوفة بدون أجرة المثل فإنه يضمن تمام أجرة المثل ان كان ملياً وإلا رجع على المستأجر لأنه مباشر وكل من رجع عليه لا يرجع على الآخر هذا إذا كان المستأجر لا يعلم بأن الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل فإن كلاً منهما ضامن فيبدأ به وبناء على ذلك فلو وقعت الإجارة بما هو أقل من أجرة المثل ثم زاد شخص آخر ما يبلغ أجرة المثل فإن إجارة الأول تفسخ وتؤجر للشخص الثاني الذي زاد ولو التزم الشخص الأول بتلك الزيادة لم يكن له ذلك إلا أن يزيد على الشخص الثاني الـذي زاد حيـث لم تبلغ زيادة من زاد أجرة المثـل فإن بلغتها فلا يلتفـت إلى زيادة من زاد[130]  .
    أما فقهاء الشافعية فانهم رأوا فساد الإجارة إذا وقفت بغبن فاحش إلا أنهم يفرقون بين أن يؤجر الناظر العين الموقوفة على غيره وبين أن يؤجر العين الموقوفة على نفسه فإنه لا يجوز للناظر أن يؤجرها على غيره بأقل من أجرة المثل فلو أجرها بالأقل فإن العقد يكون غير صحيح[131] ، ويرى الحنابلة ان العقد يكون صحيحاً الا أن الناظر يضمن قيمة النقص الفاحش لأنه يتصرف في مال غيره على وجه الحظ فيضمن ما نقضه بعقده وهو في ذلك كالوكيل إذا باع بدون ثمن المثل أو أجر بدون أجرة المثل[132]   ، ويجب أن يلاحظ هنا أنه إذا كانت العين موقوفة على الناظر فإنه يجوز أن يؤجرها بأقل من أجرة المثل قياساً على جواز الإجارة هذا عند الشافعية أما فقهاء الحنابلة فإن لهم في هذه الصور رأيان أولهما يجيز الإجارة كما الشافعية ، وثانيهما لا يجيزه كما أن بعض فقهاء الحنابلة يرتبون أثراً على ذلك يتعلق ببطلان ولاية الناظر إذ يرونه مفرطاً فتزول ولايته بانتفاء شرطها وهو الأمانة وهناك من يرى أن نظارته لا تبطل ويكتفي بتضمينه وحسب [133] .
    أما الزيدية فلم أعثر على هذه المسألة على وجه الخصوص إلا أن الإمام أحمد المرتضى قد ذكر في كتابه شرح الأزهار في معرض بيان ما يجوز للمتولي فعله وما لا يجوز أنه لا يجوز للمتولي أن يبيع شيئاً مما تعلق بما تولاَّه بثمن المثل مع وقوع الطلب من غير المشتري بالزيادة على ثمن المثل فإن باع كان البيع فاسداً لأنه قد خان فبطلت ولايته في ذلك فأما لو لم تقع المطالبة من الغير لكن غلب في ظن المتولي أنه لو أشهر بيع هذا الشيء حصل فيه مع الثمن أكثر فإنه يصح البيع وإن كان مكروهاً على أجود الأقوال[134] وقد يقال أن المناط في الإجارة هو نفسه في البيع إلا أن البيع تمليك العين أو الرقبة والإجارة تمليك المنفعة ومن الواضح أن الملاك فيها واحد إن أنهم إذ أن البيع والإجارة تقعان كليتهما على العين إلا أن البيع يقع على العين من حيث رقبتها وذاتها والإجارة تقع على العين من حيث منافعها وغلتها .
    أما فقهاء الإمامية فإنهم يرون أن الضابط العام في بدل الإجارة أن يكون مالاً معلوماً مملوكاً طلقاً مقدوراً على تسليمه وهذا كما يصلح أن يكون ثمناً في البيع يصلح أن يكون عوضاً في الإجارة[135]  ، ومن الواضح من استقراء بعض الأحكام أن الأصل أن الوقوف على حسب ما أوقفها أهلها ولذلك فإنه يجوز عندهم أن يجعل الواقف للولي والناظر مقداراً معنياً منه ثمرة العين الموقوفة أو منفعتها سواء كان أقل من أجرة المثل أم أكثر أم مساوياً اذن فالأجرة المسماة هي الأصل ، أما إن لم يجعل له شيئاً كان له أجرة المثل ان كان لعمله أجرة إلا إن يظهر من الواقف قصد المجانية[136] ، ولو أجرَّ الناظر مدة فزادت الأجرة منها أو ظَهَرَ طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد لأنه جرى بالغبطة في وقته إلا أن يكون في زمن خياره فيتعيَّن الفسخ حينئذ ثم ان شرط له شيء عوضاً من عمله لزم وليس له غيره وإلا فله أجرة المثل عن عمله مع قصد الأجرة به وقضاء العادة بعدم تبرعه به[137].
    وأخيراً فإنه بتتبع المصادر المتاحة في فقه الاباضية لم أعثر على رأيهم في هذه المسائل بعينها إلا أن هناك أحكاماً أخرى وردت في الفتاوي الخليلية تعطينا صورة واضحة عن ضوابط عامة في هذا المجال كقوله ( لا يباع شيء من غلَّة الموقوف بأقل من سعره إذ لا محاباة في الوقف ) وكقوله ( تجب مراعاة مصلحة الوقف كاليتيم ) وقوله : ( تراعى في ذلك مصلحة الوقف فإن كانت المصلحة في ذلك متعينة جاز ولا بد أن يتم ذلك على أيدي الأمناء ذوي الخبرة في مصالح الأموال ) وقوله أيضاً : ( وأن لا يكون غبن في الوقف لا في بيع الأصل ولا في إتباع البديل وأن يكون البديل خيراً من الأصل )[138]  كل ذلك يرشدنا إلى أن ما عليه المذهب هو أن الأجرة عند تحديدها يجب أن تكون لصالح الوقف فلا تكون أقل من أجرة المثل بحيث تلحق ضرراً بالوقف .
وختاماً فإنه لابد أن أذكر ما عثرت عليه من رأي للإمام ابن حزم أمام الظاهرية إذ أنه يرى أنه لا تجوز إجارة الأرض أصلاً لا للحرث فيها ولا للغرس فيها ولا للبناء فيها ولا لشيء من الأشياء أصلاً لا لمدة مسماة قصيرة ولا طويلة ولا لغير مدة مسماة لا بدنانير ولا بدراهم ولا بشيء أصلاً فمتى وقع فسخ أبداً ولا يجوز في الأرض إلا المزارعة بجزء مسمى مما يخرج منها أو المغارسة كذلك فقط فإن كان فيها بناء قل أو كثر جاز استئجار ذلك البناء وتكون الأرض تبعاً لذلك البناء غير داخلة في الإجارة أصلاً .
ولا يجوز عن الظاهرية استئجار دار ولا عبد ولا دابة ولا شيء أصلاً ليوم غير معين ولا لشهر غير معيَّن ولا لعام غير معيَّن لأن الكراء لم يصح على شيء لم يعرف فيه المستأجر حقه فهو أكل مال بالباطل وعقد فاسد[139] .
 ثانيا ً: مسألة تغيير الأسعار بعد إبرام عقد الإجارة  :
 إذا أجـرَّ الناظر أو غيره الوقف بأجرة المثل ثم طرأ على هذه الأجرة تغَّير بعد إبرام العقد فإن مثل هذا التغيير لا يخلـوا إما أن يكون بنقصان أو بزيادة في الأسعار وعندئذ يثور السؤال حول مدى الاستقرار الذي قد يحظى به هذا العقـد المبرم مع الغير لاسيما وأنه عقد إجارة للوقف والضابط الأساس في هذا الأمر هو صون مصلحة الوقف فأين تكمن هذه المصلحة في مثل هذا الوضع وستستعرض آراء الفقهاء من كافة المذاهب في مسألة التغيُّر سواء كان بنقصان أو بزيادة كما يلي :
1- التغيُّر عند فقهاء الحنفية :
    إذا نقصت أجرة المثل لأي سبب كان بعد إبرام العقد فإن العقد لا يفسخ بل يبقى سارياً إلى نهاية مدته ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة المتفق عليها في العقد دفعاً للضرر الذي قد يلحق الوقف بسبب ذلك ولأن الناظر لا يملك الفسخ والإقالة إلا إذا كان فيها خيرٌ للوقف وللموقوف عليهم وهو غير متحقق هنا فلا يصح الفسخ كما أن الأجرة ينظر إلى كونها مثلية حين إبرام العقد فلا يضرها أن تتغير بعد ذلك[140]   .
    إذا زادت أجرة المثل فإذا كانت الزيادة قد حصلت بقصد الإضرار بالمستأجر فلا يعتد بهذه الزيادة ما دامت المدة باقية لأنها زيادة غير مشروعة وتبقى الأجر  كما هي وقت إبرام العقد[141] ، أما إذا كانت قد حصلت لكثرة الرغبة في المستأجَر وزيادته في ذاته فإن المسألة تختلف عما إذا كان منشأ الرغبة البناء أو الغرس أو الأعمال التي استحدثها المستأجِر لنفسه في الوقف بحيث لو أُزيلت المستحدثات فإنها لن تؤجر إلا بالأجرة الأولى فإنه هنا لا يعقد بالزيادة لأن منشأها ملك للمستأجِر لا للوقف [142] ، ولكن إذا كان منشأ الرغبة يرجع إلى الوقف ذاته مثل كثرة الحاجة إلى هذا الوقف فإن فقهاء الحنفية قد افترقوا في هذه المسألة على رأيين :
أولها  : يرى أن هذه الزيادة لا يعتد بها فما دام عقد الإجارة قد انعقد صحيحاً فالمعتبر أجرة المثل وقت إبرام العقد وتكون الإجارة بانعقادها صحيحة لازمة طول مدتها فلا يضرها تغيُّر الأجرة بزيادة أو نقصان ولأن المستأجر ملك المنفعة في مدة الإجارة بالأجر المسمى فلا وجه بطلب الزيادة منه .
أما الرأي الثاني: فيرى أنه للناظر حق الفسخ وأصحاب هذا الرأي يرون أن الإجارة تنعقد وفتاً فوقتاً إذا أن المعقود عليه فيها هو المنفعة وهي توجد وقتاً فوقتاً ، ولذا فإن من مصلحة الوقف فسخ الإجارة ولا ضرر على المستأجر لأنه لم يلزم بأكثر من أجرة المثل ولذلك فإنه إن لم تفسخ الإجارة ، فإنه يكون على المستأجر المسمى فقط فإن امتنع الناظر من الفسخ فسخه القاضي ويعلم القاضي بالزيادة بقـول عدلين من أهل البصر والأمانة عند محمد بن الحسن أما القاضي وأبي حنيفـة فإنه يكتفى عندهما بقول العدل الواحد فقط[143]  .
      وباعتبار أن الفتيا في الوقف تكون بما هو الأنفع له عندما يختلف العلماء في مسألة ما [144]، فإن الرأي الثاني هو المختار عند الحنفية للفتوى [145] .
وبناء على هذا الرأي فإنه قبل الفسخ يُخيَّر الناظر المستأجَر بين قبول الزيادة وبين الفسخ فإن قبلها فلا فسخ ما دامت المدة باقية ولقد زال العارض الذي سوَّغ الفسخ بقبول المستأجر للزيادة ولذلك يسقط حق الفسخ [146].
أما إذا امتنع عن قبول الزيادة فإنه ينظر إلى المستأجر فإن كان غير مشغول بالمؤجَر يفسخ العقد ويؤجر لغيره وإن كان مشغولاً به وكان لعمله الذي يشغله فيه نهاية معلومة فلا يفسخ العقد بل ننتظر إنتهاء العمل هذا ، مثل إذا كان يزرع الأرض المؤجرة فإننا ننتظر وقت الحصاد فيحصد زرعه وتضاف إليه الزيادة في الأجرة من وقت حصولها إلى وقت الحصاد ثم نفسخ عقد الإجارة وتؤجر الأرض لمن يدفع أجر المثل أما إذا لم يكن للعمل نهاية معلومة فلا يفسخ العقد بل يترك المستأجَر في يده إلى نهاية مدة الإجارة ولكن تضاف إليه الزيادة من وقت حصولها إلى إنتهاء المدة [147]. 
ولابد من الإشارة هنا إلى أن القاضي لا يبتدئ بالفسخ إلا إذا امتنع الناظر عن ذلك إذ أن الناظر هو من له حق الفسخ وهو الذي يرفع الأمر إلى القاضي ويفسخ العقد بحضور المستأجِر أمام القاضي ودور القاضي ليس سوى إمضاء ذلك الفسخ ويحكم به مع العلم بالخلاف أما إذا امتنع الناظر فإن القاضي عندئذ يبتدئ بالفسخ ويحكم به [148] .                
  2- التغيُّر عند فقهاء المالكية :
    إذا طرأ ما ينقص من قيمة العين الموقوفة أو يحول دون استيفاء المنفعة المقصودة من وراء إجارتها فعلى الناظر أن يحط من الكراء ولا يفسخ العقد والحط يعني أن يقلل من قيمة الأجرة ويشترط هنا أن يكون لسبب عارض لابد للمستأجِر فيه كالأمر السماوي ( قوة قاهرة ) ولكن لابد بعد إنتهاء المدة التي يقع فيها هذا العارض ويستغرقها لابد أن تعاد أجرة الكراء كما كانت وتستمر إلى تمام مدة الإجارة أو الكـراء ولا يفسخ العقد ( عقد الإجارة )[149] .
    إذا طرأ ما يزيد في أجرة الوقف بعد العقد فإنه إذا ما اشترط في العقد على قبول الزيادة من مكتر آخر فإن هذا العقد يبطل لأنه من الغدر ويكون ذريعة إلى بيع وسلف أو إلى سلف جرَّ منفعة [150]، ولكن إذا لم يشترط في الكراء ذلك فإنه ينظر إلى الأمر على النحو الآتي :
    إذا وقع العقد بأجرة المثل وحصلت زيادة فيها فقد افترق فقهاء المالكية على رأيين منهما يرى أنه إذا وقع الكراء على وجه الغبطة في الحال بأن أجرَّ بأجرة المثل وجاء من يطلبه بأزيد مما أكترى به فإن هذه الزيادة لا تجوز ولا يلتفت إليها ولا يفسخ العقد بل يستمـر كما هو [151] ، أما الرأي الثاني فيرى أنه إذا كان الزيادة في حدود الثلث فإنها تقبل فيخيَّر الأول  في الزيادة أو الترك [152] .
    إذا وقع بأقل من أجرة المثل فإن الزيادة تقبل حينئذ لأن العقد قد حصل فيه غبن ويثبت ذلك بالبينة إن بالكراء الأول غبناً على الحبس [153] وتفسخ إجارة المستأجر الأول للمستأجر الثاني الذي زاد سواء كان حاضراً وقت إجارة الأول أو غائباً ولو التزم الأول تلك الزيادة التي زيد عليه لم يكن له ذلك إلا أن يزيد على من زاد حيث لم تبلغ زيادة من زاد أجرة المثل فإن بلغتها فلا يلتفت لزيادة من زاد [154]   
   التغيُّر عند فقهاء الشافعية :[155]
لم يتطرق فقهاء الشافعية إلى التغيُّر بالنقص عن أجرة المثل لكنهم تناولوا مسألة زيادة الأجرة وسيظهر في تضاعفها بعض ما ينفع في التعرف على الحكم الشرعي في حالة النقصان أيضاً وهي كالآتي :
    إذا أجَّر الموقوف عليه بحكم الملك العين الموقوفة وزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة فإن العقد يسري كما هو ولا يتغير بذلك [156]وهذا الحكم معتبر حتى في حالة ما إذا أجر الموقوف بأقل من أجرة المثل لأن المؤجر إذا كان من المستحقين جاز له الإيجار بأقل من أجرة المثل [157].
    إذا أجرَّ الناظر باعتباره متولياً ثم طرأت هذه الزيادة أو ظهر من يطالب بها فإن العقد لا يتأثـر بذلـك على أصح الأقوال عندهم ويعللون ذلك بأن العقد قد جرى بالغبطة في وقته [158] وبه أفتى الإمام النووي وعنده أن العقد لا ينفسخ ولا يجوز للناظر ولا لغيره فسخه سواء زيد فيه الثلث أو أكثر [159] ومقابل أصح الأقوال هناك رأيان :
الرأي الأول   منهما مفاده أن العقد ينفسخ لوقوعه مخالفاً للمصلحة والغبطة في وقته لاسيما اذا كان طالب الزيادة ثقة وكانت الزيادة معتد بها وهو رأي ابن الصلاح .  
أما الرأي الثاني فملخصه أنه إذا كانت الإجارة لسنة فما دونها فإن العقد لا يتأثر وإذا كانت أكثر فالزيادة مردودة [160].
   التغيُّر عند فقهاء الحنابلة :
    إذا استأجر ما تكون منفعة إيجاره للناس مثل الحمام وغيره فنقصت المنفعة المعروفة مثل أن ينتقل جيران المكان ويقل الزبون لخوف أو أخراب أو تحويل ذوي سلطان لهم ونحو ذلك فإنه يحط للمستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المعروفة سواء رضي الناظر وأهل الوقف أم سخطوا ولا يرجع على المستأجر بما وضع عنه إذا لم يوضع إلا قدر ما نقص من المنفعة المعروفة [161].
كما أنهم لا يرون تغير الأسعار بعد ابرام عقد الإجارة الشرعية سبباً شرعياً صحيحاً للفسخ .[162]
    إذا طلب احدهم العين الموقوفة بزيادة عن الأجرة الأولى فإن الإجارة لا تنفسخ ما دامت قد انعقدت صحيحة حتى وأن لم يكن في تلك الزيادة ضرر لأن الإجارة عقده لازم من الطرفين .[163]
والإجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيره فسخها لزيادة حصلت ولو كانت العين وقفاً [164]، هذا ولقد خص بعض الفقهاء الحكم المذكور آنفاً بما لو كان الموقوف عليه هو من أجرَّ الوقف أما إذا كان الناظر قد أجرَّ ما هو على سبيل الخيرات ثم طلب الزيادة فلا فسخ على الصحيح من المذهب وإن كان هناك قول باحتمال فسخه[165] .
    التغيُّر عند الظاهرية :
لم أعثر في المحلىَّ للإمــام ابن حزم على نص واضـح في هـذه المسألة إلا مـا ورد كأصل عام في المسألة [166]عندما نص على أنه ( لا تجوز الإجارة إلا بمضمون مسمَّى محدود في الذمة أو بعينٍ معيَّنة متميزة معروفة الحد والمقـدار وأن العقـود المقتضى بها فلا تكون إلا بمعلوم ) [167].
     التغيَّر عند الزيدية :
لما كانت النصوص التي تتناول هذه المسألة بشكل صريح غير متوفرة فإننا نحاول أن نفهم من بعض ما تسالم عليه فقهاء الزيدية الذين يرون أن شرط صحة عقد الإجارة وجود مصلحة في أي شرط يضاف في العقد ومثلَّوا لذلك بالمدة القصيرة وغيرها فإن لم تكن هناك مصلحة محققة للوقف من الشرط فإن الإجارة تكون فاسدة من أصلها كما ورد في شرح الأزهار وهو من الكتب المعتبرة في فقه الزيدية [168] .
    التغيَّر عند الإمامية :
يرى فقهاء الإمامية أنه لو أجرَّ الناظر مدة فزادت الأجرة فيها أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد لأنه جرى بالغبطة في وقته إلا أن يكون في زمن خياره فيتعيَّن الفسخ حينئذ [169] ، ولم يتم التعرض للنقصان إلا أن الملاك في كلتا الحالتين واحد والله العالم .
    التغيَّر عند الأباضية :
لم أعثر على نص يتناول حكم هذه المسألة فيما بين يدي من مصادر.
المبحث الثالث: تطوير ادارة الاوقاف الاستثمارية باستخدام حوكمة الشركات 
يعد الوقف أحد أهم آليات الشريعة الإسلامية الذي يجمع بين توفير التمويل اللازم لأعمال الخير في الوقت الحاضر، وبين الاستمرارية في المستقبل سواء من حيث استمرار الثواب للواقف وبقاء الأجر بعد الوفاة أو من حيث استفادت الأجيال القادمة، أي أنه يحقق التوازن بين الدين والدنيا.
أن جوهر الوقف ومقصده الرئيسي هو حفظ الأصل واستمرار الثمرة. وهذا يتطلب ضرورة استثمار الأموال الموقوفة بهدف المحافظة عليها فضلا عن الحصول علي أكبر قدر من العائد ،هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الوقف وإدارة الوقف هي بحد ذاتها شروط وضوابط وضعها الواقف والتزم بتنفيذها متولي(ناظر) الوقف 
من المقرر فقهاً أن مال الوقف في يد الناظر(متولي الوقف) مال أمانة وأنه عليه واجب المحافظة عليه واستخدامه بطرق وأساليب تؤدى إلى تحقيق الغرض وهو تحقيق أعلى عائد ممكن مع المحافظة على أصل الوقف، وهناك عدة احكام فقهية تبين واجبات الناظر وكلها تصب في مصلحة الحفاظ على أصل الوقف وتحقيق عائدا مناسباً.
ونظراً لأن معظم الأوقاف في التاريخ الإسلامي كانت عقارات فإن الأسلوب المتاح لاستثمارها كان الإجارة وفي أحيان قليلة الاستغلال الذاتي خاصة للأراضي الزراعية بزراعتها، وتفرع عنها من أجل الحصول على مال لإعمار وتجديد الأوقاف صوراً أخرى مثل: عقد الإجارتين والحكر والمرصد.
وفي العصر الحديث وبعد  ظهور المؤسسات المالية الإسلامية التي تستثمر أموالها بأساليب مؤسسة على العقود الشرعية مثل: المشاركات والمضاربات والمرابحات والإجارة والسلم والاستصناع وظهور الصكوك الإسلامية والسوق المالية الإسلامية بدأت بعض المؤسسات الوقفية القليلة تستخدم هذه الأساليب في الاستثمار، واختيار اي من هذه الاساليب يكون في حدود الشروط والضوابط التي وضعها الواقف .
أولا: الاطار العام للحوكمة
ان التزام متولي الوقف بهذه الشروط والضوابط امر لازم شرعا، و باعتباره وكيلا عن الواقف في ادارة الوقف واستثماره، من ذلك يمكن الاستفادة من مفهوم ومبادئ الحوكمة في ضمان التزام ناظر الوقف بتلك الشروط والضوابط ،وايضا ضمان تصرفه كوكيل عن الواقف في ادارة الوقف واستثماره.
1) مفهوم الحوكمة
أن الحوكمة تتمثل في مجموعة من الضوابط والآليات الداخلية والخارجية التي تنظم العلاقة بين أربعة أطراف أساسية في المنشأة هم مجلس الإدارة Board of directors والإدارة Management وحملة الأسهم  Shareholders وأصحاب المصالح الأخرى Stakeholders، وتهدف إلي تفعيل تصرفات كافة هذه الأطراف تجاه استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة للشركة من خلال الحد من مخاطر وأضرار تضارب المصالح المحتمل بينها وبين الشركة بما يحقق أفضل منفعة ممكنة لها وللمجتمع ككل، وتقوم علي منظومة من قيم الإفصاح والشفافية والسلوك الأخلاقي والرقابة والمساءلة.
ان المفهوم الأساسي لحوكمة الشركات هو الرقابة على موارد الشركات... ومن ثم فإن الإطار الأول لحوكمة الشركات مبني علي نظرية الوكالة[170]، وفي الكتابات الحالية وفي الممارسات الاقتصادية تشير حوكمة الشركات إلي كيفية توافق سلوك المديرين المحترفين professional managers مع العقود الصريحة أو الضمنية الموقعة مع الملاك.
ومن ذلك يتبين وجود علاقة وثيقة بين حوكمة الشركات والوكالة علي اعتبار أن إطار حوكمة الشركات مبني علي نظرية الوكالة ويهدف إلي معالجة المشكلات الناتجة عنها في نفس الوقت. حيث أن الحوكمة بما تهدف إليه من تعظيم قيمة المنشأة ككل، ومن ثم تعظيم ثروة مختلف الأطراف أصحاب المصلحة بالمنشأة بما فيها الإدارة، تتضمن مجموعة من الآليات التي تعالج مشكلة الوكالة مثل: حقوق أو صلاحيات اتخاذ القرار، مؤشرات أو نظم قياس وتقويم الأداء، نظام المكافآت والعقوبات، وغيرها من الآليات المتضمنة في مبادئ الحوكمة.
كذلك أدت الانهيارات والأزمات المالية التي كانت لها عواقب وخيمة على الاقتصاديات والمجتمعات المختلفة إلى بزوغ مفاهيم ومصطلحات جديدة بهدف السيطرة على تلك التأثيرات، وكذلك لتفادي حدوثها في المستقبل. وهذا أدى إلى التفكير للخروج برؤى جديدة للتخفيف من وطأة تلك التأثيرات. والتي أصطُلح على تسميتها Corporate Governance أي حوكمة المؤسسات (الشركات).
والمشكلات المتعلقة بالوكالة للملكية  هي قائمة في المؤسسات الوقفية ايضا، ومن ثم تكون هذه المؤسسات بحاجة إلي تطبيق مبادئ الحوكمة لمعالجة تلك المشكلات. 
وعلى ضوء ماسبق يمكن القول بأن الحوكمة هي مجموعة القوانين والنظم التي يمكن من خلالها متابعة ومراقبة أداء الادارة ومدى استخدامها الأمثل للموارد المتاحة بما يخدم منفعة جميع الأطراف ذوي المصلحة، ويساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2)أهداف الحوكمة
تسعى الحوكمة إلى تحقيق الأهداف الآتية: (الشواورة، 2009)، (حسانين، 2009)
-         ضمان الشفافية والعدالة والمساواة وتحسين مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
-         مكافحة الفساد المالي والإداري وما يترتب عليه من فقر وبطالة.
-         فرض الرقابة الفعالة على أداء المنشأة وتدعيم المساءلة المحاسبية بها.
-         ضمان مراجعة الأداء التشغيلي والمالي والنقدي للمنشأة.
-         تعميق ثقافة الالتزام بالقوانين والمبادئ والمعايير المتفق عليها .
-         مراعاة مصالح الأطراف المختلفة وتفعيل التواصل معهم.
-         مراعاة مصالح العمل والعمال وتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بما يضمن تعزيز الرقابة والضبط الداخلي.
-         منع الواسطة والمحسوبية والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة. 
-         تنمية  الادخار وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتعظيم الربحية وخلق المزيد من فرص العمل الجديدة. 
-          الالتزام بأحكام القانون والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالي وتخفيض تكلفة التمويل. 
-         وجود هياكل إدارية متكاملة تضمن تحقيق محاسبة الإدارة أمام المساهمين وأصحاب المصالح.
3)اركان الحوكمة
هناك ثلاث اركان أساسية للحوكمة وهي: (حماد، 2005)
-         السلوك الأخلاقي: أي ضمان الالتزام السلوكي من خلال الالتزام بالأخلاقيات وقواعد السلوك المهني، والتوازن في تحقيق مصالح كافة الأطراف المرتبطة بالمنشأة، والشفافية عند عرض المعلومات المالية.
-         الرقابة والمساءلة: وذلك من خلال تفعيل دور أصحاب المصالح كالهيئات الإشرافية العامة مثل هيئة سوق المال، أو الأطراف المباشرة للإشراف والرقابة (المساهمون، مجلس الادارة، لجنة المراجعة)، والأطراف الأخرى ( الموردون، العملاء، المقرضون).
-         إدارة المخاطر: أي وضع نظام لإدارة المخاطر والإفصاح عنها وتوصيلها لأصحاب المصلحة.  
4)مبادئ الحوكمة
تقوم الحوكمة على المبادئ الأساسية الاتية
-         ضمان وجود أساس لإطار فعال للحوكمة: 
يجب أن يتضمن إطار الحوكمة كلا من تعزيز شفافية بيئة الأعمال وكفاءتها، كما يجب أن يكون متناسقا مع أحكام القانون، وأن يصيغ بوضوح تقسيم المسئوليات فيما بين السلطات الإشرافية والتنظيمية والتنفيذية المختلفة.
-         حماية حقوق المساهمين: 
توفير الحماية للمساهمين من خلال تأمين أساليب نقل الملكية والمشاركة الفعالة في التغييرات الأساسية بالمنشأة، والإفصاح عن الإجراءات المالية بالمنشأة .
-         المعاملة المتساوية بين جميع المساهمين: 
وتعنى المساواة بين حملة الأسهم داخل كل فئة، وحقهم في الدفاع عن حقوقهم القانونية، والتصويت في الجمعية العامة على القرارات الأساسية، وكذلك حمايتهم من أي عمليات استحواذ أو دمج مشكوك فيها، أو من الاتجار في المعلومات الداخلية، وكذلك حقهم في الاطلاع على كافة المعاملات مع أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين التنفيذيين.
-         دور أصحاب المصالح في أساليب ممارسة سلطات الإدارة:
وتشمل احترام حقوقهم القانونية، والتعويض عن أي انتهاك لتلك الحقوق، وكذلك آليات مشاركتهم الفعالة في الرقابة على المؤسسة، وحصولهم على المعلومات المطلوبة. ويقصد بأصحاب المصالح البنوك والعاملين وحملة السندات والموردين والعملاء.
-         الإفصاح والشفافية: 
ويتناول الإفصاح عن المعلومات الهامة ودور مراقب الحسابات،. ويتم الإفصاح عن كل تلك المعلومات بطريقة عادلة بين جميع المساهمين وأصحاب المصالح في الوقت المناسب ودون تأخير.
-         مسئوليات مجلس الإدارة: 
وتشمل هيكل مجلس الإدارة وواجباته القانونية، وكيفية اختيار أعضائه ومهامه الأساسية، ودوره في الإشراف على الإدارة التنفيذية.
وكخلاصة يمكن القول أن الحوكمة تقوم على أربعة مبادئ أساسية تتمثل في العدالة والمسؤولية والمساءلة والشفافية.
ثانيا: امكانية تطبيق الحوكمة في الاوقاف الاستثمارية 
إن المتمعن في مفهوم الحوكمة وفي المبادئ التي تقوم عليها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها يجد بأنها تتفق مع منظور الاسلام للعمل الإداري الذي يمكن تعريفه بأنه: "ذلك العمل الذي له مقوماته العقدية القائمة على العقيدة الإسلامية التي تضع لها قيودا ومحددات، وترسم لها طريقا يحكم سلوك القائد الإداري والمنظمة الإدارية والأفراد العاملين فيها، سواء في علاقاتهم بعضهم ببعض، أو علاقاتهم مع المجتمع المحيط بهم. ومن ثم تصبح الإدارة الإسلامية ذات رسالة شاملة لكل العبادات والمعاملات والأخلاق في إطار متكامل يستحيل فصل جزء منها على الأجزاء الأخرى".  (الخضيري، 1990)
ويلاحظ من خلال هذا التعريف للعمل الإداري في الإسلام أنه يشير نوعا ما إلى مفهوم الحوكمة، حيث تم التركيز فيه على  نقطتين هما:
- العلاقة بين مختلف الأطراف المهتمة بالمنشأة، وهو أساس قيام مفهوم الحوكمة أي ضبط العلاقة بين كل الأطراف بشكل يعالج مشكلة تعارض المصالح.
- دور مبادئ الشريعة الإسلامية في تفعيل هذا العلاج، والمتمثلة أساسا في أربعة مبادئ هي العدالة والمسؤولية والمساءلة والشفافية.
فالعدالة تعتبر من المنظور الإسلامي من أهم الأسس التي تقوم عليها العقود الشرعية، وذلك ما نجده في آيات عديدة في القرآن الكريم، منها قول الله عز وجل: (ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) (سورة النساء، الآية 135)، وقوله تعالى:﴿وإذا قلتم فاعدلوا) (سورة الأنعام، الآية 152).
وأما المسؤولية، والتي تعني تحديد المسؤولية المقررة على كل طرف بدقة، والعمل على أدائها بكل صدق وأمانة، وأن مسؤولية كل طرف في المنشآت حددتها الشريعة الإسلامية بشكل دقيق، لأن أي مسؤولية يتحملها المسلم بناء على تعاقد مع غيره لا يكون مسئولا فقط أمام من تعاقد معه، إنما هو مسئول أولاً أمام الله عز وجل، وفقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته﴾ (حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)، كما أن المسؤولية في الشريعة الإسلامية مسؤولية لا تنتهي بقرار أتخذ في ضوء البيانات والمعلومات الصادقة، بل هي ممتدة إلى نتائج هذا القرار.
وبالنسبة للمساءلة، أي بمعنى ضرورة محاسبة كل مسؤول عن التزاماته، وربط مدى الوفاء بها بنظام للجزاء في صورة إثابة المجِد ومعاقبة المقصر، من خلال نظام داخلي في المنشأة للحوافز وللعقوبات وتطبيقه على الجميع، وكذا وجود نظام قضائي عادل وحاسم في الدولة. ومن المنظور الإسلامي وضعت الشريعة في تنظيمها لعقود المعاملات أسس لمحاسبة كل طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات في العقد، وقررت عقوبات حاسمة لمن يخلّ بها، والأمر لا يقتصر على الجزاء الشرعي أو الإداري أو القضائي، وإنما يتعداه إلى الجزاء الإلهي.
أما بالنسبة للشفافية، بمعنى الصدق والأمانة والدقة والشمول للمعلومات التي تُقدم عن أعمال المنشأة للأطراف الذين لهم مصالح فيها ولكن لا تمكنهم ظروفهم من الإشراف المباشر على أعمالها والتعرف على مدى أمانة وكفاءة الإدارة في إدارة أموالهم والمحافظة على حقوقهم، وتمكينهم من اتخاذ القرارات السليمة في علاقاتهم بالمنشأة.
ولأن مؤسسات الأوقاف في الدول الإسلامية بحاجة إلى آلية تساعد على تطويرها وتفعيل دورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجب على القائمين عليها تطبيق مبادئ الحوكمة التي من شأنها أن تساعد على تحقيق ذلك.
فمؤسسات الأوقاف تشبه منشآت الأعمال من حيث أنها شكل تنظيمي لمجموعة من الموارد تنفصل فيه الإدارة عن الملكية، حيث يتم التحكم في مؤسسة الوقف (الموقوف) من خلال ثلاث جهات مهمة: الواقف (المتبرع أو المتبرعون) والناظر أو مجلس النظار وهو بمثابة مجلس الإدارة في المؤسسات والموقوف عليهم أو المستفيدون. وكل هذه الأطراف بحاجة إلى ترتيب العلاقات فيما بينها وتفعيل المسائل المتعلقة بالرقابة والتحكم  في المؤسسة الوقفية وفق مبادئ وأسس واضحة للارتقاء بالأداء في جو عام من الإفصاح والشفافية والمساءلة والمسؤولية تجاه جميع أصحاب العلاقة بالمؤسسة ( الأسرج، 2012). 
فيمكن ان نعتبر المؤسسات الوقفية  علي أنها مؤسسات اقتصادية ذات شخصية معنوية مستقلة تهدف إلي إدارة أموال الوقف نيابة عن الواقفين لصالح الموقوف عليهم. حيث تعتبر غلة الوقف ملكا للمستحقين بالاتفاق، أما عين الوقف فعلي الرغم من أن ملكيتها مختلف فيها بين الفقهاء فإن المتفق عليه عدم التصرف في عين الوقف بالبيع أو الهبة. ولذا يجب على ناظر الوقف أن يعمل علي الحفظ المعنوي للوقف من خلال حفظ وثيقة الوقف التي تم توثيق الوقف بها. وفي ذلك يقول الماوردي أن من أعمال ديوان المظالم واختصاصاته النظر في أمور الأوقاف من ناحية تنفيذ شروطها، وبناء الخراب منها، ومحاسبة النظار عليها (الماوردي، 77-80).
ومن ذلك يمكن القول أن للوقف شخصية اعتبارية تستند إلي موضوع الملكية في العين الموقوفة بعد الوقف. لأنه إذا خرجت الملكية عن ملك الواقف ولم تدخل في ملك الموقوف عليهم فإن ثمة وجوداً مستقلاً عن الواقف والموقوف عليهم ينشأ في هذه الحالة. ويترتب علي مفهوم الشخصية المعنوية للوقف إمكانية الاستدانة علي الوقف وفقا لرأي جمهور الفقهاء (الخياط، ص 221) وإذا كان الحنفية قد رفضوا الاستدانة علي الوقف إلا أنهم عادوا وأجازوها لمصلحة الوقف من تعمير وشراء بذور، بشرط إذن القاضى وعدم إمكانية تأجير الأعيان والصرف من أجرتها (الطرابلسي، ص58). وكذلك أجاز الفقهاء لناظر الوقف - أخذاً في الاعتبار الشخصية المعنوية للوقف - أن يستأجر له ويشترى له بالأجل، وكل هذه الالتزامات يكون محلها ذمة الوقف لا ذمة ناظر الوقف.
ويترتب على ذلك تعد إدارة المؤسسة الوقفية (ناظر الوقف) على أنه بمثابة وكيل عن الواقفين (في تحقيق شروط الوقف) وأيضا وكيل عن الموقوف عليهم (باعتبارهم أصحاب المصلحة والمستفيدين من الوقف) هذا من جانب، ومن جانب أخر فإن علاقات الوكالة قد تتعدد في الأشكال التنظيمية المختلفة للمؤسسات الوقفية متمثلة في علاقة مجلس إدارة المؤسسة الوقفية بمديري الصناديق الوقفية المختلفة، وعلاقة كل من هؤلاء بالمديرين التنفيذيين داخل الصندوق الوقفي، وهكذا تتعدد علاقات الوكالة إلي أن نصل إلي المنفذين للعمل في أدنى درجات الهيكل التنظيمي للمؤسسة الوقفية. 
وتكمن أهمية تطبيق مبادئ الحوكمة في مؤسسات الأوقاف في كونها تعمل على كفاءة استخدام موارد هذه المؤسسات وتعظيم قيمتها وتدعيم تنافسيتها بالأسواق، مما يمكنها من تحقيق التوسع والنمو ويجعلها قادرة على تحقيق أهداف الواقفين وتعظيم منفعة الموقوف عليهم. وخلق فرص عمل جديدة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق الكفاءة والتنمية الاقتصادية المطلوبة. 
ومن الناحية الاجتماعية فإن تطبيق الحوكمة في مؤسسات الأوقاف يساعد على تحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ويشجع على ربط مصالح المؤسسة الوقفية ومصالح الأفراد والمجتمع بشكل عام. مما يؤدي إلى تعزيز التكافل الاجتماعي الناتج عن توفير متطلبات أفراد المجتمع وتحسين مستواهم المعيشي.
ثالثا: متطلبات تطبيق الحوكمة في الاوقاف الاستثمارية
يمكن القول أن متطلبات (اجراءات) تطبيق الحوكمة في الاوقاف الاستثمارية تتمثل في:
1-    وضع مجموعة من القوانين واللوائح توضح حقوق وواجبات جميع أطراف الوقف (الناظر، الواقفين، والموقوف عليهم، والهيئات المشرفة علي الأوقاف، والمجتمع). لضمان تحقق أفضل توازن بين مصالح جميع الأطراف.
2-    ضرورة توافر هيكل تنظيمي واضح للمؤسسات الوقفية بما يمكن من تطبيق محاسبة المسئولية.
3-    وضع نظام معلومات محاسبي متكامل للمؤسسات الوقفية يمكن من تحقيق الإفصاح والشفافية عن المعلومات المناسبة لكافة أطراف الوقف، بما يمكن من الحد من مشكلة عدم تماثل المعلومات.
4-    تطبيق مبادئ الإدارة العلمية الحديثة (الإدارة الاستراتيجية) في إدارة المؤسسات الوقفية، وذلك من خلال وضع الاستراتيجيات الملائمة لطبيعة وخصائص الوقف، ووضع الخطط طويل وقصيرة الأجل اللازمة لتحقيقها، وتوفير المؤشرات اللازمة لتطبيق الرقابة والمساءلة وتقييم الأداء.
5-    العمل علي ضرورة تشكيل لجنة مراجعة (تدقيق) مستقلة داخل المؤسسة الوقفية، وفقا لمعايير وضوابط تشكيل هذه اللجان المطبقة في الشركات مع تطويرها بما يتناسب والهيكل التنظيمي لمؤسسات الأوقاف.
6-    تفويض كافة الصلاحيات للجنة المراجعة لممارسة مهامها والتي تتعلق بصورة رئيسية في:
        الإشراف والرقابة علي إعداد التقارير المالية لمؤسسات الوقف.
        التأكد من مدى فعالية وكفاءة نظام الرقابة الداخلية بالمؤسسة والعمل على تطويره، وترسيخ استقلالية وحيادية مكتب الرقابة الداخلية بالمؤسسة وتدعيمه ليتمكن من أداء دوره الرقابي بشكل فعال.( قد تكون هي المسئولة عن تحديد مرتبات كبار المراجعين الداخليين).
        التوصية بتعيين مراقب الحسابات الخارجي.
7-    ضمان الالتزام بالسلوك الأخلاقي وقواعد السلوك المهني الرشيد لكافة أطراف الوقف.
8-    التأكيد علي مسئولية مجلس الإدارة في الالتزام بالقوانين والمصالح ذات الصلة وتطبيق المعايير الأخلاقية في ممارسة جميع مهامه. 
9-    التأكد من التزام المؤسسة الوقفية بتطبيق مفاهيم تضمن الالتزام بالقوانين واللوائح والضوابط المتعلقة بمؤسسات الأوقاف، مع مراعاة التوافق مع النظم التشريعية ولاقتصادية السائدة.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول أن الالتزام بتطبيق الحوكمة في مؤسسات الأوقاف سوف يؤدي إلى:
-         ضمان النزاهة والشفافية في إدارة مؤسسات الأوقاف خاصة بعد ما تعرضت له من فساد وتهميش خلال سنوات عديدة.
-         تطوير أداء هذه المؤسسات والتغلب على مختلف مشاكلها وزيادة قدرتها التنافسية والتشغيلية والمالية والإدارية مما ينعكس إيجابيا على تحقيق أهدافها الدينية والدنيوية.
-         سهولة الحصول على المعلومات المتعلقة بمختلف جوانب أدائها مما يساعد على تفعيل الرقابة عليها وزيادة الثقة في إدارتها.
-         تحسين العلاقات بين مختلف الأطراف المرتبطة بمؤسسات الأوقاف.
-         تحقيق المنفعة لجميع أفراد المجتمع، وهو ما تسعى إليه تعاليم الشريعة الإسلامية.
المبحث الرابع: تطوير اسلوب محاسبة ومساءلة متولي الاوقاف الاستثمارية باستخدام نظام محاسبة المسؤولية
إن نظرة تحليلية شاملة للمؤسسات الوقفية تبين إن لها خصائص فريدة ومميزة تنفرد بها عن بقية المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، اذ تعتبر من المؤسسات الدينية-الاجتماعية- الاقتصادية في ذات الوقت، فمن الجانب الديني والاجتماعي يمثل الوقف والأموال الوقفية احد أنواع الصدقات والعبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه وهو أيضا من الأعمال التي تقوي أواصر الرحمة والقربى بين الإنسان وأخيه الإنسان ،وأحد الصور المهمة للتكافل الاجتماعي.
ومن الجانب الاقتصادي ينظر للوقف الإسلامي كمؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم ،وعملية تتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من اجل الأجيال القادمة لتوزع خيراتها في المستقبل على شكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد، وموارد الأوقاف تعتبر مصدرا مهما من مصادر الإنفاق في الدولة لرعاية الفقراء والضعفاء. والدلائل واضحة على الدور الاجتماعي والاقتصادي للوقف فقد أسهم نظام الوقف بوضوح تام في التقدم العلمي والتكنولوجي وفي توفير الخدمات الأساسية من صحة وإسكان وعلاج ونقل وإقامة العديد من الصناعات المختلفة[171].
إن ذلك يعطي للمؤسسات الوقفية أهمية بالغة  دينيا واجتماعيا ، تحددها بمجموعة من الخصائص الفريدة التي تميزها عن الأعمال التي تتم في القطاعات الاقتصادية الأخرى ، ومن هذه الخصائص:
•        الوقف صدقة جارية.
•        شرعا يخضع الوقف لشروط يضعها الواقف نفسه، مما يسترعي احترام شروط الواقفين والالتزام بإنفاذها.
•        يعتبر من أوجه البر والإحسان والخير.
•        المؤسسات الوقفية منها غير هادفة للربح كوقف المساجد ومنها هادفة للربح كالأوقاف الاستثمارية.
•        وجود شبكة من العلاقات تربط بين أهداف الشريعة من الوقف وأهداف الواقف وشروطه ، مما يعني خضوع المؤسسات الوقفية إلى أحكام شرعية ومتطلبات اقتصادية ومحاسبية خاصة، أي إدارة لأموال الموقوفة بطريقة فنية وبأسس تجارية شرعية.
•        أصحاب المصلحة في الوقف،الواقفون أنفسهم وهم بحاجة إلى تأكيد وضمان حول أوقافهم ، ويتطلب ذلك توفير معلومات ملائمة من خلال تقارير مالية تقدم صورة حقيقية وعادلة من الإبلاغ عن مختلف الأمور المتعلقة بالوقف.
•        يستدعي حماية الأموال الوقفية وجود نظام فعال للمحاسبة والمساءلة، يكون قادرا على مساءلة متولي الأوقاف ومحاسبتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم.
•        وجود مصطلحات ومفاهيم متعددة ومتنوعة للوقف ، ينبغي التمييز بينها شرعيا ومحاسبيا،وذلك يستدعي تبويب الحسابات الوقفية تبويبا يتفق مع طبيعة تلك الأموال والغرض من وقفها ،بحيث يمكن تجميع البيانات والمعلومات بصورة تلقائية بما يخدم التخطيط والمتابعة وتقييم الأداء.
•        يعتبر الوقف قطاعا اقتصاديا ثالثا موازيا للقطاعين العام والخاص .
•        التوازن بين المنفعة الدينية والاجتماعية للوقف من جهة ، والمنفعة الاقتصادية من جهة أخرى.
ان تلك الخصائص والميزات تلقي على عاتق ناظر(متولي) الوقف عدة مهام وتحمله بعدة مسؤوليات منها[172]:
(1)     التحديد الواضح للأهداف الرئيسية للمؤسسة الوقفية وكذلك لكل وقفية على حدة وذلك فى ضوء حجج الواقف.
(2)     التخطيط الجيد لتنفيذ الأنشطة ، من خلال تخطيط المصارف فى ضوء الموارد والعوائد المتوقعة ، وتخطيط مجالات استثمار الأموال الوقفية فى ضوء صيغ الاستثمار الإسلامية المتاحة .
(3)     المتابعة المستمرة وتقويم الأداء للأنشطة المختلفة فى ضوء الأهداف والخطط الموضوعة ، وبيان المعوقات والمشكلات والمخالفات والانحرافات واتخاذ اللازم نحو تنمية الايجابيات ومعالجة السلبيات .
(4)     محاسبة المسئولية في مجال تقويم الأداء ، لتحفيز من أدى أداء حسناً ، ومعاقبة من صرف وأهمل بدون عذر مقبول شرعاً .
(5)     الشورى في اتخاذ القرارات باعتبارها من أساسيات اتخاذ القرارات الإدارية فى الفكر  الإسلامي، وذلك في ضوء ضوابطها الفقهية حسب المقام والأحوال .
(6)     الاعتدال والوسطية في أمور الإدارة ، لا إفراط ولا تفريط ، ولا تعصب ولا تسيب ، ولا تشديد ولا تسهيل ، والأمور توزن بقدرها حسب المقام والأحوال .
(7)     المركزية في اتخاذ القرارات الإدارية الاستراتيجية المتوقعة للأمور الهامة ومنها : التخطيط الاستراتيجي ، والسياسات الاستراتيجية وما فى حكم ذلك، واللامركزية على مستوى الإدارات التنفيذية والقرارات التنفيذية وهي المرتبطة بمسؤوليات ومهام متولي الوقف.
(8)     الجمع بين الأصالة والمعاصر ة ، ويقصد بذلك : الأصالة في الالتزام بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية ، والمعاصرة في استخدام الأساليب والادوات والوسائل .
(9)        الجمع بين ا لثبات والمرونة ، ويقصد بذلك : ثبات القواعد والأسس والسياسات الاستراتيجية ، والمرونة في التفاصيل والإجراءات .
ويمكن ان نلاحظ من ذلك، إن الإشكال الأهم يرتبط بتحديد الأسلوب الأفضل لمحاسبة مديري (متولي) الأوقاف والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم  وبالأخص قيما يتعلق بإدارة الاوقاف الاستثمارية وتقييم اداء متولي الاوقاف الاستثمارية ومحاسبته عن معدل العوائد الاستثمارية المتحققة، ونعتقد بأنه يمكن التغلب على هذا الإشكال إداريا ومحاسبيا بالاستناد على نظام محاسبة المسؤولية. 
أولا: مفهوم محاسبة المسؤولية:
يمكن تعريف محاسبة المسؤولية بأنها نظام يعمل على توفير المعلومات المحاسبية الخاصة بأداء المديرين في الاقسام من خلال تقارير الاداء بالاعتماد على مقارنة الاداء الفعلي مع المخطط للوصول الى الانحرافات (سلبية او ايجابية) وربطها مع الشخص المسؤول في المنشأة(الكسب ورشيد،2006).
فكل مدير في موقعه يأخذ من الصلاحيات والسلطات ما يكفيه لإدارة نشاطه بكفاءة، وفي نفس الوقت يتحمل المسؤولية او المسائلة عما يترتب على قراراته وادارته من نتائج . وهكذا فان محاسبة المسؤولية تعتمد على فرضية وهي ان الافراد يجب ان يكونوا مستعدين للمحاسبة والمسائلة عن ادائهم فضلا عن اداء مرؤوسيهم ، كي يمكن اداء تقارير المحاسبة وتقييم الاداء لهذه المسؤوليات كل على حدة.
ومحاسبة المسؤولية بصفة عامة تقوم على عدة فروض اساسية منها[173]:
١- ان كل مدير يجب ان يتحمل مسؤولية الانشطة التي تتم داخل دائرة التنظيم التي تدخل في نظام تحكمه.
٢- ان كل مدير يجب ان يسعى جاهدا لتحقيق الاهداف والغايات المرجوة منه.
٣- يجب ان يشترك كافة رجال الادارة في وضع وتقرير الاهداف التي بناءً عليها سيتم محاسبتهم وتقييم ادائهم.
٤- كما ان هذه الاهداف يجب ان تكون ممكنة التحقيق في ظل اداء فعال وكفء.
٥- ان تصل تقارير الاداء والتغذية العكسية للمعلومات كل مدير بسرعة وفي الوقت المناسب
٦- يجب ان يكون دور محاسبة المسؤولية في تقديم ونمو المنشأة واضحا ومفهوما.
ثانيا: قياس الاداء باستخدام محاسبة المسؤولية:
تعمل محاسبة المسؤولية على تقييم أداء مراكز المسؤولية عن طريق مقارنة الأداء الفعلي بمعيار معين محدد مسبقاً بالنسبة لكل من التكاليف والإيرادات، ومعايير الأداء هي أدوات قياس لها مواصفات محددة تعمل كمؤشرات للحكم على كفاءة وفاعلية تنفيذ النشاطات المختلفة في المنظمة.
ويعرف مركز المسؤولية على أنه وحدة إدارية أو فنية موجودة في المنشأة وله هدف معين ويستخدم مصادر المنشأة ومواردها من أجل تحقيق أهدافه، ويقع هذا المركز تحت سلطة شخص معين وذلك من أجل تسهيل عملية اتخاذ القرارات على مستوى هذه الوحدات وأيضاً من أجل مراقبة وتقييم أداء هذه الوحدات.
وتقسم مراكز المسؤولية لأغراض تقييم الأداء إلى أربعة أشكال هي:
1.     مركز تكلفة.
2.     مركز إيرادات.
3.     مركز ربحية.
4.     مركز استثمار.
ثالثا: تطبيق محاسبة المسؤولية على الاوقاف الاستثمارية
أن مظاهر المحاسبة (المعنوية والمادية) –بصفة عامة-مصدرها ومنبعها الأساسي كتاب الله سبحانه وتعالى، فالجانب المعنوي في المحاسبة يظهر في محاسبة الفرد لنفسه فيما التزم به بينه وبين نفسه وبين الله، قال تعالى)وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون [174]حيث تشمل محاسبة الفرد أمام ضميره.
كما يحاسب الفرد أمام ربه عن أعماله وتصرفاته مهما صغرت ، قال تعالى فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ  وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[175]  . وقوله تعالىمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد)[176].
أما الجانب المادي في المحاسبة فيظهر من خلال محاسبة الفرد على ما التزم به نحو الآخرين، والتزام الآخرين نحوه نتيجة للمعاملات فيما بين كل منهم والآخر. فكل إنسان يسأل عما فعله يوم القيامة لقوله تعالى  وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [177]( .
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن كل إنسان مسئول بصورة فردية (شخصية) عن أفعاله التي تسجل له في كتاب خاص يعطى له ليقرأ بنفسه التزاماته ومسئولياته، قال تعالى  وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا  اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا.[178] (
نستنتج من الآيات الكريمة أن الإنسان يحاسب ويساءل عن أعماله التي اقترفها في حدود طاقته، وفي نطاق ما كلف به، مصداقاً لقوله تعالى  لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ... [179] . أي أن الإنسان محاسب على ما جنته يداه ولا تتعدى مسئوليته إلى سواه، ولا يحاسب الإنسان على ما لا قدرةُ له عليه.
كما ورد مفهوم محاسبة المسئولية في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله  ،حيث ما يشير بوضوح إلى أسس محاسبة المسئولية، حيث قال صلى الله عليه وآله  وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيته ) رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وآله  وسلم ( أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا .... وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه )رواه أحمد بن حنبل. 
يتضح مما سبق أن كل إنسان مهما كانت درجته ومكانته لا بد وأن يكون مسئولاً، فالرئيس (الراعي) يكون مسئولاً عن رعيته (مرؤوسين) أي عن أعماله وأعمال مرؤوسيه.
أيضاً الناظر إلى النظام الإسلامي في مجال الوظيفة الإدارية، يكتشف أن هذه الوظائف لا تعطي ميزة لصحابها على غيره من الناس، ولكنها على العكس تزيد من مسئولياته أمام الله تعالى وأمام الناس، وهو الأمر الذي يتسق مع المبدأ العام الذي يحكم فكرة المسئولية في النظام الإسلامي، ومؤداه أنه كلما زادت سلطة الإنسان، وعلت منزلته في المجتمع، كلما كان ذلك سبباً في زيادة مسئولياته وتشديد حسابه والجزاء على أخطائه.
إن مفهوم محاسبة المسؤولية يمكن أن يمثل مدخلا حديثا لتطوير النظام المحاسبي للأوقاف والتقارير الرقابية للنظام، وينصب التطوير على إعادة صياغة النظام المحاسبي ونظام التقارير للربط المباشر بالهيكل الإداري للمؤسسة الوقفية، والهدف من الربط تبويب وتجميع وتحليل عناصر التكاليف والإيرادات لكل مركز مسؤولية على حدة، ويتم ذلك على الأساس  المعياري كخطة أو موازنة لكل مركز مسؤولية وعلى الأساس الفعلي أيضا لممارسة الرقابة على التنفيذ ،بالمقارنة بين المخطط والمنفذ، بهدف تحديد حجم الانحرافات وتشخيص أسبابها والتقرير عنها تمهيدا لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة لاستبعاد مثل هذه الانحرافات مستقبلا (كحالة وحنان، 2009: 414).
وبالنظر لخصوصية المؤسسات الوقفية من حيث طبيعة النشاط الذي تقوم به وطبيعة الأموال الوقفية ،وطبيعة المسئولين عن تلك الأموال(متولي الوقف)،وأيضا طبيعة الواقفين أنفسهم وضرورة الالتزام وتنفيذ الشروط التي يضعونها ، بالنظر لذلك كله، فانه يمكن القول بان نظام محاسبة المسؤولية قد يكون الأنسب لمحاسبة الأوقاف والمؤسسات الوقفية بأنواعها ،وبالأخص الاوقاف الاستثمارية .
 فيمكن تقسيم المؤسسة الوقفية الاستثمارية على انها مراكز استثمار ،وهي وحدات إدارية يتم تفويض مديريها سلطة الرقابة على الإيرادات والمصاريف واقتراح مشروعات الإنفاق الرأسمالي، وهنا يطلب من المدير تحقيق أعلى عائد على الاستثمار من خلال الموازنة بين الموارد الاقتصادية المتاحة والاستغلال الأمثل للأصول. يتم تقييم أداء مركز الاستثمار باستخدام مؤشرات الربحية لأن مركز الاستثمار في الأساس هو مركز ربحية ولكن نظرا لأن صافي الربح المتحقق في مركز الاستثمار يعتبر انعكاسا لحجم الأصول المستثمرة في المركز فإنه من الواجب أن ينسب إليه ، ومن ثم فان تقييم اداء مدير هذا المركز –متولي الوقف-يكشف عن مدى كفاءته في استغلال رأس المال لتحقيق إيرادات للوقف، لذلك فإن تقييم الأداء يربط موارد الوقف الاستثماري بتلك الموجودة في الميزانية العمومية، بالأرباح التي تولدها في قائمة الدخل فيمكن تحديد مراكز للمسؤولية للأوقاف الاستثمارية إلى مراكز استثمار ، ومن ثم تحديد المسؤوليات و السلطات في كل مركز ويتبع ذلك تحديد معايير الأداء وتصميم نظام للتقارير الرقابية .  ومن أكثر الطرق شيوعا لتقييم أداء مراكز الاستثمار هما[180] :
1-    العائد على الاستثمار 
2-    الدخل المتبقي 
أولا : معدل العائد على الاستثمار:
ان الهدف الرئيسي للاستثمار هو الحصول على عائد هذه الاستثمارات ،والعائد على الاستثمار هو افضل طريقة لقياس الربحية واداء الادارة –متولي الوقف-، وهي مقياس افضل من الربح نفسه حيث ان العائد على الاستثمار يعتبر ان الاستثمارات هي الاساس لتوليد الربح، ويمكن احتسابه بالمعادلة الاتية:
معدل العائد على الاستثمار = صافي دخل مركز الاستثمار 
                                  استثمارات مركز الاستثمار                     
والبسط في المعادلة السابقة هو عبارة عن الايرادات مخصوما منها التكاليف كما أن المقام عبارة عن رأس المال المستثمر الذي يتمثل في كافة الاصول سواء الثابتة منها أو المتداولة ، وتوجد أسس مختلفة لتحديد قيمة الاصول المستثمرة كما يلي :
أ‌-       إجمالي الأصول المستثمرة ويشمل جميع الأصول المستثمرة المتاحة في المركز مع تجاهل مجمعات الاستهلاك
ب‌-  صافي الأصول المستثمرة وهي عبارة عن إحمالي الأصول المستثمرة مخصوما منها مجمعات الاستهلاك
ت‌-  صافي الأصول المستخدمة يقصد بها الأصول التي تدخل في نطاق رقابة وتحكم مدير المركز بمعنى استبعاد الأصول غير المستخدمة 
ث‌-  أسس أخرى لتقييم الأصول : تكلفة الاحلال – القيمة السوقية الجارية للأصول – القيمة الحالية – تكلفة الفرصة البديلة
ثانيا : الدخل المتبقي(فائض الدخل)
هو مؤشر يأخذ في اعتباره حسن إدارة الأصول المستثمرة في المؤسسة أو في مركز الاستثمار ،وتعتبر هذه الطريقة صقل كبير لمفهوم معدل العائد على الاستثمار لأنها تجبر مدراء مراكز الاستثمار على أخذ تكلفة الفرصة البديلة[181] لرأس المال بعين الاعتبار، وتعمل على تجنب تحيز معدل العائد على الاستثمار لصالح 
الأقسام الكبيرة في المؤسسة[182]،عن طريق تحديد عائد مستهدف على صافي الأصول المستثمرة، ويمكن التعبير عنها من خلال المعادلات التالية:
الزيادة عن عائد الاستثمار المستهدف = الربح التشغيلي - (معدل مجموع الأصول X معدل العائد المستهدف(
  = الربح التشغيلي - الحد الأدنى للربح على صافي الأصول المستثمرة
هناك بدائل متعددة في احتساب الدخل مثلاً يستخدم ربح الوحدة الاقتصادية، ربح الوحدة الاقتصادية المعدل بالتغيرات في مستوى الأسعار، التدفقات النقدية، ، علماً بأنه يجب توحيد أساس القياس لمقارنة نتائج المراكز المختلفة. قد يختلف تعريف الأصول المستثمرة لدى الوحدات الاقتصادية، فبعضها قد يستخدم مجموع الأصول، أو الأصول العاملة وهنا يتم استثناء أي اصل معطل مثل الأراضي غير المستخدمة التي تمتلكها الوحدة الاقتصادية، قد يتم استخدام رأس المال العامل مضافاً إليه باقي الأصول. يوجد عدة أساسات لاحتساب العناصر الداخلة في الاستثمار كالتالي:
التكلفة التاريخية  وهي قيمة الأصل عند الشراء.
تكلفة الاستبدال  وهي تكلفة استبدال الأصل الموجود بأصل جديد[183]
القيمة السوقية  وهي القيمة التي يتم الحصول عليها عند بيع الأصل في السوق.
القيمة الحالية  وهي قيمة مجموعة من التدفقات النقدية المستقبلية في الوقت الحاضر[184]
    إن تقسيم المؤسسة الوقفية إلى مراكز مسؤولية أو حتى اعتبارها مركزا للمسؤولية ،يلقي على عاتق مدراء هذه المراكز(متولي أو ناظري الوقف) مسؤوليات معينة ومحددة يكونون محاسبون و مسائلون عن الالتزام بها، وبذلك يمكن متابعة الأنشطة التي يقومون بها وتقويم أدائهم والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم ، بما يؤدي إلى ضمان حقوق الواقفين وحماية الأموال الوقفية ،والحد من الانتهاكات التي قد تحدث نتيجة لتصرفات تتم بطرق غير شرعية.
وبذلك يمكن ان تلعب محاسبة المسؤولية دوراً هاماً في تطوير محاسبة الاوقاف الاستثمارية من خلال تقاريرها الرقابية التي تتضمن  مقارنات بين الخطط والأهداف الموضوعة للوقف وبين نتائج الممارسة الفعلية للنشاط كما تعكسها البيانات المجمعة بعد تحليلها من ناحية أخرى وعلى ضوء المقارنة يتم تحديد مدى تحقق الخطط والأهداف ومدى الانحراف عن التنفيذ ، ومن ثم تفسير الانحرافات الناتجة عن التنفيذ الفعلي بالمقارنة مع الأهداف والخطط ،ويعتبر تفسير الانحرافات ركنا أساسيا لعملية التقييم لأنه يؤدي إلى تتبع العلاقات السببية لهذه الانحرافات حتى مصادرها الفعلية، كما انه يؤدي الى التحديد الواضح لمراكز المسؤولية أي المراكز التي تسببت قراراتها وأنشطتها في حدوث انحرافات في النتائج. مما يُمكن ويوضح للواقف النظار(متولي الوقف) المناسبين لتولي مراكز و مسؤوليات أكبر، كما يُمكن متولي الوقف انفسهم من التعرف على مسؤولياتهم والعناية بها.
 
 
 
 
________________________________________
[1] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، موقع الإسلامhttp://www.al-islam.com
[2] لسان العرب،ابن منظور، برنامج المحدث المجاني، المكتبة الشاملة الإصدار الثامن.
[3] منهاج الصالحين-المعاملات،المرجع السيستاني: 402.
[4] المال : كل عين لها قيمة ولا يختص بالنقود.
[5] المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر واللبن ونحوهما والمنفعلة الفعلية مثل الركوب والحرث والسكنى وغيرها(منهاج الصالحين-المعاملات،المرجع السيستاني:403).
[6] أي حبس العين والتصدق بالمنفعة الدائمة.
[7] سورة البقرة/267
[8] سورة آل عمران/92
[9] مشارق الشموس ،المحقق الخوانساري،ج5،ص:290
[10] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده) ص:401، .
[11] نهج البلاغة،مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي (ع)،ج3، ص:22.
[12] منهاج الصالحين-المعاملات،المرجع السيستاني، 1427هـ : 402)
[13] منهاج الصالحين-المعاملات،المرجع السيستاني، 1427هـ : 391)
[14] نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي،د.محمد عبدالحليم عمر.
[15] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده)ج1، ص:401، 1424هـ.
[16] الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر،د.منذر قحف، www.kantakji.com
[17] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده)ج1، ص:400، 1424هـ.
 
[18] ويكيبيديا الموسوعة الحرة، بحث عن كلمة وقف- تطور الوقف على مر العصور الإسلاميةar.wikipedia.org/wiki
[19] - يراجع: المبسوط للسرخسي (23/17)، وفتح القدير  مع العناية على الهداية (9/462)، وحاشية ابن عابدين (6/274)، والشرح الكبير مع الدسوقي (3/372)، والخرشي (6/63)، ومغني المحتاج (2/324)، والمغني لابن قدامة (5/416). 
 
[20] يراجع: حاشية ابن عابدين (5/174)، وبداية المجتهد (2/242)، ونهاية المحتاج (5/244)، وشرح منتهى الإرادات (2/343).
[21] حاشية العدوي على الخرشي (7/80). 
 
[22] حاشية ابن عابدين (4/363)، ودرر الحكام (2/133). 
 
[23] مجموع الفتاوى (31/234).
[24] شرح منتهى الإرادات (2/219). 
 
[25] يراجع: بحوث وقرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول الذي عقد بدبي في الفترة 23 ـ 25/6/1399هـ، حيث وافق على ثلاث صور.
[26] يراجع: بحث حول الاستصناع ،د.علي القره غلي ،في مجلة المجمع الفقهي الدولي، العدد السابع، المجلد الثاني (ص323). 
 
[27] انظر: العدد الرابع من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الجزء الثالث (1809ـ2159). 
 
[28] - بحث د. عبد السلام العبادي في الجزء الثالث من مجلة المجمع الفقهي الإسلامي الدولي (ص 1963). 
 
[29] التطبيقات العملية لإقامة السوق الإسلامية، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثامنة، العدد الثامن، المجلد الأول (ص379)، ومنه بحوث أخرى أيضاً.
[30] هذا ما اخترناه لموضوع بحثنا لكونه يحوي على مسائل فقهية مقارنة مستفيضة،يشفع ويعضد به البحث الحالي.
[31] أحكام الوقف لهلال ، ص ، 211.
 
[32] الأشباه والنظائر لابن نجيم ، ص ، 160 .
 
[33] حاشية ابن عابدين  3/399 ، درر الحكام شرح مجله الأحكام لعلي حيدر  1/52.
[34] جواهر الإكليل  2/145.
[35] روضة الطالبين للإمام النووي ، جـ 4 ، ص ، 411.
[36] روضة الطالبين ، جـ 4 ، ص ، 414.
[37] مغني المحتاج ، 2/393 ، 389 ، روضة الطالبين  5/344 .
 
[38] المهذب 1/452- 453.
[39] مطالب أولي النهى 3/618 .
[40] شرح الأزهار ، للإمام أحمد المرتضى ، ج 3 ، ص ، 497 ، 498 . 
[41] شرح الأزهار ، للإمام أحمد المرتضى ، ج 3 ، ص ، 497 ، 498 .
[42] فقه الصادق للروحاني ، ج 20 ، ص ، 341 .
[43]فقه الصادق للروحاني ، ج 20 ، ص ، 344 . 
[44] الفتاوي للشيخ الخليلي 4/139 .
[45] الفتاوي للشيخ الخليلي 4/141 .
[46] الفتاوي للشيخ الخليلي 4/138
[47] الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3/399 ، 400 ، 409، وفتح القدير  6/ 244، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي  4/88، 96،   
      والخرشي7/92و100،ومغني المحتاج، 2/393،وشرح منتهى الإرادات2/505،  والانصاف  7/53 .
 
[48] شرح الأزهار 3/389 .
 
[49] شرح الأزهار 3/389 -390 .
 
[50] رياض السائل في بيان الأحكام ، بالدلائل للطباطباي ، جـ 6/ص ، 110 – 111 .
 
[51] الأشباه والنظائر ، لابن غنيم ، ص ، 160 ، الدر المختار ، وحاشية ابن عابدين ، 3/ 384-385 ، ومواهب الجليل ، 6/37 ، وحاشية
      الدسوقي ، 4/88 ،  ومعين المحتاج ، 2/393 .
 
[52] حاشية ابن عابدين 3/386 ، والبحر الرائق 5/245 ، 252 – 254 ، وحاشية الدسوقي 4/88 ، ونهاية المحتاج 5/399 .
[53] الحطاب 6/40 ، والدسوقي المالكي 4/88 وكشاف القناع 4/272 ، ومطالب أولي النهى 4/330 ، وحاشية ابن عابدين 3/386 ،
      419 ، والبحر الرائق 5/254 ، ونهاية المحتاج 5/399 .
 
[54] شرح الأزهار ، جـ3 ، ص ، 489 .
[55] مباني منهاج الصالحين للقمي 9/464
 
[56] روضة الطالبين 4/ 415 ، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2/88 ، وشرح منتهى الإرادات 2/503 - 504 
      والأنصاف 7/69.
 
[57] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للإمام الحطاب 7/658 .
[58] مغني المحتاج2/393- 389 ، روضة الطالبين  4/415 .
[59] شرح فتح القدير ، 5/436 ، مجمع الأنهر 1/751 ، الفتاوى الخيرية  1/129 ، 145- 146 .
 
[60] أوقاف الخصاف  206 ، حاشية ابن عابدين  6/611 .
 
[61] الإسعاف /67 ، والفتاوي الخانية 3/336 ، والفتاوي الهندية ، 2/422 ، شرح فتح القدير 5/436 .
[62] فتح الفتاح لأبي علي الحسن بن رحال المعداني ( مخطوطة بالخزانة الملكية بالرباط ) 9/364 .
[63] نهاية المحتاج  5/386 ، ومغني المحتاج  2/389 .
 
[64] مطالب أولي النهى  3/618 .
 
[65] شرح الأزهار للامام أحمد المرتضى 3 / 489  .
 
[66] رياض المسائل 6 / 110.
 
[67] الفتاوي ، للشيخ أحمد الحليلي ، الكتاب الرابع ، ص ، 141، 142   .
[68] أحكام الوقف للكبيسي  2/64 .
[69] حاشية ابن عابدين  3/400 .
[70] المصدر السابق .
[71] حاشية ابن عابدين  3/400.
[72] الذخيرة ، 6/329 ، وعقد الجواهر ، 3/41 ، الدر المحتار وحاشية ابن عابدين  3/396 .
 
[73] الاسعاف 63 .
[74] مغني المحتاج2/385 ، وروضة الطالبين 4/395  
[75] مطالب أولي النهى 4/315 ، 3/618 ، شرح منتهى الإرادات ، 2/501 ، وكتاب الفروع ، 4/600 .
 
[76] روضة الطالبين ، 4/395 ، الوسيط للغزالي ، 4/249 .
 
[77] المحلى 9/183 .
[78] شرح الأزهار 3 / 497 - 498 .
[79] مباني منهاج الصالحين للعلامة القمي 9 / 506 ، مسألة  92  ورياض المسائل 6/ 145  .
 
[80] الفتاوى للشيخ الخليلي  136 ، 137 - 139 ، 213 .
 
[81] انظر على سبيل المثال الفتاوي الخانية 3/336 ، الاسعاف / 66 وغيرها من مصادر الفقه الإسلامي بمذاهبه الثمانية .
 
[82] أحكام الأوقاف للخصاف ص ، 206 .
 
[83] حاشية ابن عابدين  6/679 .
 
[84] الدر المختار  6/680 ، الفتاوى الخانية 3/334 .
[85] المعيار المعرب  7/379 .
[86] المعيار المعرب  7/127- 128 .
 
[87] الفتاوي الكبرى  لابن حجر الهيتمي  3/331  والحاوي الكبير  6/536.
[88] مطالب أولي النهى 3/465 .
 
[89] التاج المذهب لأحكام المذهب لأحمد بن قاسم العنسي اليماني  3/323 .
[90] الوقف وأحكامه ، للشيخ محمد حسين شمس الدين  245 ورياض المسائل 6/111 .
 
[91] رياض المسائل 6/111 .
 
[92] الفتاوي للخليلي 4/ 138 - 139 .
 
[93] أحكام الوقف لهلال  ص ، 206 .
 
[94] الفتاوي الطرسوسية 198.
 
[95] الفتاوي الطرسوسية 195
 
[96] المعيار المعرب للونشريسي  7/106 .
[97] مغني المحتاج  3/349 ، التاج المذهب لأحكام المذهب لأحمد العنيسي الزيدي  3/324 .
[98] انظر حاشية الروض المربع ، 5/550 ، منار السبيل 2/11 الفردع  4/600 .
[99] مباني منهاج الصالحين ، 9/496 ، مسألة ( 81 ) وتحرير المجلة ، 2/89-91.
 
[100] الفتاوي للخليلي الكتاب الرابع ، 213 .
[101] الفتاوي للخليلي ، الكتاب الثالث ، 264 .
 
[102] المحلى لابن حزم الظاهري 8 / 183  مسألة ( 1288 ) .
 
[103] الدر المختار ، وحاشية الطحطاوي عليه ، 2/552 .
[104] حاشية ابن عابدين ، 6/606.
[105] شرح الخرشي  7/100  والشرح الصغير  2/288.
[106] حاشية الدسوقي  4/96 ، بلغة السالك للصاوي  2/287 ، عقد الجواهر  3/54 .
 
[107] الشرح الصغير  2/310-311 ، وشرح الخرشي 7/93-95.
 
[108] مغني المحتاج  2/349.
 
[109] شرح منتهى الإرادات  2/363 ، مجموع الفتاوى لابن تيمية  30/246.
[110] التاج المذهب  3/324.
[111] شرح الأزهار 3/497- 498 .
 
[112] تحرير المجلة  2/91.
[113] تحرير المجلة  5/185.
 
[114] الفتاوى  4/213 .
[115] حاشية ابن عابدين  5/20 ، المبسوط للسرخسي  15/132 ، المغني والشرح الكبير 6/ 7 .
 
[116] الفتاوي الطرسوسية / 195 .
[117] الاسعاف /64 ، الفتاوي البزازية 3/267 ، الفتاوي الخانية  3/333 .
[118] حاشية ابن عابدين 6/606 – 607 ، تقريرات الرافعي على رد المختار / 88 .
 
[119] الشرح الصغير  2/288.
[120] الفواكه الداوني للنفراوي  2/181 ، شرح الخرشي  7/78 .
 
[121] الفتاوي الكبرى لابن حجر الهيتمي 3/328 .
 
[122] مجموع الفتاوي لأبن تيمية ، 30/246 ، وانظر ما ورد في كشف القناع للبهوتي 4/ 353 ، وما بعدها إذ أورد مسائل عديدة
      تجيز بيع الوقف وهبته والمناقلة به في حال تعطل منافع الوقف وخرابه وغير ذلك فالإجارة أقل خطراً من البيع فحري بها أن تجاز عندهم في
      هذه الحالات الاستثنائية  وانظر أعلام الموقعين  3/304 .
 
[123] شرح الأزهار 3 / 497 – 498 ، التاج المذهب  3/324 .
 
[124] تحرير المجلة  للإمام محمد حسين آل كاشف الغطاء 5 / 185 ( مسألة  250) .
[125] الفتاوى للخليلي 4 / 213 .
 
[126] تحرير المجلة 2/65 .
 
[127] حاشية الدر المختار 6/608 ، حاشية العدوي علي الخرشي  7/99 ، المنثور في القواعد 2/183 ، كشاف القناع  4/269 .
 
[128] أحكام الأوقاف للخصاف  205 ، والبحر الرائق  5/256 .
 
[129] حاشية ابن عابدين ، 6/608 .
 
[130] حاشية العدوي على الخرشي 7/99 ، وحاشية الدسوقي 4/95 .
 
[131] مغني المحتاج  2/395 .
 
[132] شرح منتهى الإرادات 2/506 ، والإنصاف  7/73 ، وكشاف القناع  4/269 .
 
[133] قواعد ابن رجب / 65 .
 
[134] شرح الأزهار 3 ، 498 .
 
[135] تحرير المجلة 2 / 65.
 
[136] رياض المسائل 6/111.
 
[137] رياض المسائل 6 /111
 
[138] الفتاوي للخليلي  4 / 222 ، 224 ، 226، 228 .
 
[139] المحلى 8 / 190 ( مسألة ، 1297 ، 1298 ) .
 
[140] الفتاوي الهندية  2/419 ، بدر الملتقى  1/750 ، حاشية ابن عابدين  6/608-609، البحر الرائق  7/299 ، الإسعاف  65 
       غمز عيون البصائر  3/115  .
 
[141] حاشية ابن عابدين 6/610 ، الفتاوي الخيرية  1/212 ، مجمع الأنهر  1/750 .
[142] حاشية ابن عابدين  6/610 ، الفتاوي الخيرية  1/188.
[143] حاشية ابن عابدين6/610.
 
[144] حاشية ابن عابدين  9/37 ، تنقيح الفتاوي الحامدية  1/211 .
 
[145] مجمع الأنهر  1/750 .
 
[146] تنقيح الفتاوي الحامدية 1/174 و 2/101 ، وحاشية ابن عابدين  6/611 .
 
[147] حاشية ابن عابدين  6/593 و 610 .
[148] الفتاوي الطرسوسية 177.
 
[149] المعيار المعرب  7/158 و 8/275 .
 
[150] نوازل الونشريسي  7/47.
[151] نوازل العلمي 2/264 .
[152] نوازل العالمي 2/263 .
[153] التاج والإكليل  6/46 .
[154] انظر شرح الخرثي  7/99 ، وحاشية الدسوقي  4/95 ، وشرح الزرقاني  7/91-92 .
 
[155] الوسيط لحجة الإسلام الغزالي  4/262 ، روضة الطالبين 4/415 .
 
[156] تحفة المحتاج  6/294 وتكملة المجموع  15/266.
 
[157]. روضة الطالبين  4/415 ، نهاية المحتاج  5/400 ، تحفة المحتاج  6/294 ، مغني المحتاج  2/395 .
 
 
[158] فتاوي الإمام النووي  82 .
[159] الوسيط  4/262 ، فتاوي ابن الصلاح  1/380 .
 
[160] روضة الطالبين  40/415 .
 
[161] مجموع الفتاوي لابن تيمية  30/311 .
[162] مجموع الفتاوي لابن تيمية 30/186 .
 
[163] كشاف القناع  4/269 ، مجموع الفتاوي لابن تيمية  30/318 .
 
[164] مطالب أولي النهى بشرح غاية المنتهى  3/663 .
 
[165] الانصاف  7/73 ، مطالب أولي النهى  3/621 .
[166] الفتاوي الهندية  2/418، الفتاوي الحانية بهامش الفتاوي الهندية  3/335 ، غمز عيون البصائر  4/388 .
 
[167] المحلى 8/203 .
 
[168] شرح الأزهار  3/498 .
 
[169] رياض المسائل 6/111
[170] أدى انفصال ملكية المؤسسة عن إدارتها إلى ظهور ما يسمى بمشكلة الوكالة Agency Problem ، والتي تعنى بتعارض مصالح المديرين التنفيذيين مع طموحات المساهمين، إذ استغل بعض المديرين سلطاتهم الواسعة الممنوحة لهم في تحقيق عوائد خاصة بهم والقيام بأعمال غير أخلاقية ومتنافية مع الأسس القانونية. كما باتت الحاجة ماسة لإعادة الثقة والمصداقية لأسواق المال وتنشيط الاستثمارات لما تمثله من مطمح أساسي تسعى معظم دول العالم لتحقيقه.
 
[171] الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر،د.منذر قحف، www.kantakji.com.
[172] أسس تنظيم وإدارة  المؤسسات الوقفية الخيرية،د.حسين حسين شحاته،جامعة الازهر ،القاهرة .
[173] هيتجر و ماتولتش،" المحاسبة الإدارية"،2004، ترجمة احمد حامد حجاج ،دار المريخ للنشر، الرياض السعودية
[174] آل عمران.135.
[175] الزلزلة، 7– 8.
[176] فصلت: 46
[177] التوبة: 105
[178] الإسراء: 13 – 14
[179] البقرة: 286
[180] مدونة د. صالح محمد القرا sqarra.wordpress.com/ac.
[181] بقصد بكلفة الفرصة البديلة هي المنفعة او الايراد المفقود في حالة اخيار بديل على حساب بدبل آخر.
[182] 6th edition2012 ,MANAGERIAL ACCOUNTING،Kieso 
[183] http://www.accdiscussion.com/t333/ 
[184] tps://ar.wikipedia.org/wiki



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=56942
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29