• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مَن يصنع مَن , المجتمع أم النظام؟!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

مَن يصنع مَن , المجتمع أم النظام؟!!

الدارج المطروح أن المجتمع هو الذي يلد نظام حكمه , والكثيرون يبررون فشل الحاكم الفلاني بسبب المجتمع , ويفسرون قول "أنى تكونوا يولى عليكم" , وفقا لعقلية وعاظ السلاطين , وفتاوى المتسيسين بالدين , وبهذا هم يجردون الحاكم ونظام حكمه من المسؤولية والفشل والقرارات الخاطئة والآثام والفساد والخطايا.

وكثيرا ما نقرأ مقالات بهذا النهج وفقا لأسلوب تحاول أن تبدو به مقنعة ويمكن تمريرها على الناس , ويتناسى كتابها , أن المجتمعات المعاصرة القوية المتقدمة لم تصنع نفسها وإنما هي من إنتاج قادتها.

فالصين لم تصنع "ماو" وإنما هو الذي صنعها برؤيته وحنكته القيادية , وكوبا لم تصنع كاسترو وإنما هو الذي صنع كوبا المعاصرة , وأمريكا لم تصنع جورج واشنطن ورفاقه وإنما هو وهم الذين صنعوها , وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية مِن صناعة ديغول , وتركيا بعد الحرب العالمية الأولى من صناعة مصطفى أتاتورك , وإيران اليوم من صناعة الخميني , ودولة الإمارات من صناعة زايد , فكل دولة بحاجة لمن يصنعها , ولا يمكن للمجتمع مهما كان أن يصنع نفسه أو قيادته!!

هذا وهم وخداع وتضليل!!

هل المجتمعات صنعت مايكروسوفت وأبل والطائرة والسيارة والإنترنيت , أم صنعها الأفراد؟!!

وكذلك المجتمعات  تحتاج لقادة يستوعبونها ويصنعونها وفق رؤية وطنية حضارية ذات آفاق مستقبلية.

إن هذا الفهم الأعوج الذي أنتجه الإدراك المنحرف للديمقراطية , قد وجد ضالته في تبرير خطل الأنظمة الحاكمة , وقياداتها الفاشلة العاجزة عن إنجاز أي مشروع وطني يستحق الذكر , ولا تجدها إلا منهمكة بصناعة المشاكل والصراعات لكي تبقى في الحكم.

فمشاكل أي مجتمع من صنع نظامه الحاكم , لأنه يتسبب فيها بقراراته الخاطئة , وبما يمتلكه من رؤى وتصورات مريضة , وما يبديه من سلوكيات سلبية ذات تعبيرات عدوانية وإجراءات جائرة.

وكثيرا ما يلجأ أعداء البلاد إلى القول بأن السبب ليس في النظام الحاكم وإنما في المجتمع , وفي هذا نوايا خبيثة  تهدف لتدمير البلاد والعباد وسرقة الثروات , وتصفية الحسابات وخدمة المخططات البعيدة المدى المعلنة منها والمخفية , وإعتراف مستتر بأن نظام الحكم يخدم مصالحها ولا يحقق مصالح المجتمع.

ولا بد من الإقرار بأن العيب في نظام الحكم وقادته وليس في الشعب , فعندما تكون الرؤية الوطنية مفقودة , والخطاب السياسي معبّأ بالمفردات السلبية العدوانية البغيضة , فأنها تصنع مجتمعا على مقاسات نواياها وتطلعاتها الظلماء , والعكس صحيح.

فمَن يصنع مَن؟!!

 وهل أن أنظمة الحكم في الدول الفاشلة مِن صنع مجتمعاتها أم من صنع الآخرين؟!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=55499
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19