• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كباب أفكار؟!! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

كباب أفكار؟!!

لكل طبيب قصص وحكايات ومفارقات وعجائب تفاعلات , ومما صادفني , كنت طبيبا عاما في بداية حياتي العملية , وذات يوم جاءني مريض قروي وكان يشكو من إضطرابات مِعدية , وبعد معاينته وصفت له دواءً , لكنه عاد بعد بضعة أيام , ودخل عيادتي وهو يقول :" دكتور لازم أبوسك من راسك" ووسط ممانعتي فعلها!!
(أبوسك : أقبّلُك)
ومضى يقول: " دكتور الدواء الذي وصفته لي جعلني أتقيأ الكباب الذي أكلته قبل عشرين سنة في ساحة الشهداء براس الجسر , الكباب كان حاشر إبمعدتي كل هاي المدة"!!

وبالعربي الفصيح " دواؤك جعلني أتقيأ الكباب الذي أكلته قبل عشرين عاما في ساحة الشهداء عند الجسر وقد بقي في معدتي طول هذه الفترة!!

وبين حيرتي ودهشتي وحزني رحت أتأمله وأتفاعل معه وفقا لمشاعره السعيدة وإحتفاليته بتقيؤ الكباب الذي بقي عصيا على الهضم في معدته لمدة عقدين حسب إعتقاده.
"دكتور شلون عرفت علتي" أي كيف تعرفت على العلة التي أعاني منها؟!

تذكرت هذه القصة وأنا وسط عدد من ذوي الشهادات العليا والأكادميين , الذين كلما إلتقيتهم أجدني في ذات المستنقع من المفردات والأفكار , وآليات التفكيرالمتميزة بإسطوانتها المشروخة والتي تدور بذات الإيقاع , ولا يمكنها التحرر من محنة الدوران حول محورها الصدئ.

ذات الأفكار والرؤى والتصورات والتهيؤات والتفاعلات الإنفعالية , التي تعني وكأننا نتعامل بأدمغة متحجرة في رؤوسنا.

فما موجود هو  حالات بلغت من العمر بضعة قرون وعشرة , فالعقول المتعلمة الدارسة الباحثة , عندما تتناول موضوع الوطن والويلات الدائرة , لا يمكنها التخلص من "كباب الأفكار" الذي لم تهضمه حتى الآن , ولا تريد التعرف على طريقة ذات قيمة معاصرة للتعامل معها , مع أنها تمتلك قدرات التفكير العلمي والبحثي الراجح!!

وما إنحشر في الأدمغة ,  وكأنه وَهم معزول ومُدرّع بترس عاطفي إنفعالي ثخين , ما أن تحاول أن تخدشه حتى تندلع ألسنة لهيب الغضب والهيجان النفسي , وتُحسَب من الأعداء الذين يشنون عدوانا سافرا عليهم , فتتحير في الأمر وتبقى صامتا متألما!!

تلك معضلة جوهرية فاعلة في صناعة التداعيات والمرارت والويلات التي تعيشها مجتمعاتنا , لعدم قدرتها على تطهير أدمغتها مما علق فيها أو تحجر من الأفكار العتيقة , المطبوخة بزيت الإنفعالات والتفاعلات القاسية الحزينة , والتي يتم تعزيزها عبر الأجيال بما يرسخها , ويراكم فوقها ما لا يحصى من القصص والضلالات والتصورات البهتانية , التي تجعل البشر يبخس حياته وينتقم من حاضره , وهو يرفع رايات تصورات وتخيلات ويعيشها ويحسبها هي الفرقان!!

فهل يمكننا أن نكتشف الدواء الذي يجعلنا نتقيأ كباب الأفكار العتيقة ,  المتعفنة في تلافيف أدمغتنا الصماء؟!!
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54993
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18