• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : السيد محمد باقر الحكيم"قد" وارث المدرستين مدرستي الإمام الحكيم والإمام الصدر"قده" .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

السيد محمد باقر الحكيم"قد" وارث المدرستين مدرستي الإمام الحكيم والإمام الصدر"قده"

أولاً: مدرسة الإمام الحكيم:ـ 
   تتمتع مدرسة الإمام الحكيم"قد" بمميزات وصفات كثيرة تجعلها من الأوائل أن لم نقل الأولى في جوانب عدة ومختلفة ومن بين تلك الجوانب التي تتميز بها عن غيرها من المدارس الفقهية والعلمية والأخلاقية هي:
1. الجانب العلمي :- يعتبر الجانب العلمي في الإمام الحكيم من أهم الأبعاد في شخصيته ،حيث أن الأعمال العلمية للإمام "قد" قد أخذت حيزاً واسعاً من حياته ووقته وشخصيته ،وقد أحصى بعض المؤلفين -في شخصية الإمام الحكيم -مؤلفاته فبلغت (24) مؤلفاً تناولت موضوعات مختلفة من العلوم الإسلامية كالفقه والأصول ،وتعتبر موسوعة مستمسك العروة الوثقى ودليل الناسك وحقائق الأصول، من أهم الموسوعات الفقهية والأصولية لأنه جمع بين الدقة في الاستنباط والتزام المنهج العلمي الذي يعتمد على الضوابط والأصول المقررة من جانب ، والفقاهة في فهم النص وظروفه ، وما يسميه "قد" بالارتكاز العرفي والذوق العام من جانب آخر والعمل على إيجاد الموازنة بينهما وتفسير احدها بالآخر .
     وقد جمع "قد" في هذا العمل بين مدرستين ، المدرسة الأولى تعتمد على ظهور النصوص والمقارنة بينهما واستنباط الحكم الشرعي من خلال فهمهما دون تحليل مفرداتها على ضوء المصطلحات والنتائج الأصولية، والمدرسة الثانية التي اعتمدت على الفكر الأصولي التحليلي للنصوص وتطبيق نتائج الأبحاث الأصولية حتى لو كانت غير منسجمة مع الفهم العرفي العام للنص . 
     فضلاً عن عمله في تيسير الفقه الاستدلالي من خلال الدقة في التعبير والتلخيص للمطولات الفقهية والجمع للآراء والنظريات المختلفة مع بيان واضح ميسر يمكن أن يتناوله الفضلاء والطلبة المجدون  بسهولة . 
      إن المنهج العام الذي كان يّتبعه السيد الحكيم في الاستنباط والوصول إلى النتائج هو المنهج الموضوعي الذي يعتمد بشكل أساسي على الدراسة العلمية غير المتحيزة تجاه موضوع البحث، ويطّبق فيه الضوابط والأصول والقواعد العلمية المنطقية والتجريبية ، أو الأسس المستنبطة لاستخدامها في عملية الاستنباط ، كما يهتم بالجوانب الروحية والمعنوية في هذا العمل العلمي. 
     فمثلاً عندما كان يتناول "قد" موضوع ولاية الفقيه ،فانه كان يتناوله بأسلوب علمي متين مبني على الأسس الاجتهادية، وقد ذهب الإمام الحكيم إلى الولاية الوسطى[1] بحسب تطلعاته الاجتماعية التي كان يخوضها ،فلا هي ولاية عامة ولا هي ولاية خاصة بل أمر بين أمرين أو نقول بما دون تسلّم الحكم السياسي. 
    وكانت عباراته ومصطلحاته الفقهية والأصولية مسبوكة ومختصرة ولكن ذات معنى كبير وعلم غزير ، فهو أول من شرح العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي بموسوعته الفقهية "مستمسك العروة الوثقى" وهي شرح استدلالي في أربعة عشر جزءاً وقد شقت الموسوعة طريقها إلى الأوساط العلمية الخاصة فضلاً عن عموم العلماء والباحثين.    
2. الجانب السياسي :- لقد كان الإمام الحكيم يمتلك رؤية كاملة وصحيحة للنظرية السياسية الإسلامية ،ورؤيته هذه جاءت على وفق مقومات أساسية إسلامية أعتمد عليها وبني عليه بُنيانه، ومن أهم المقومات التي أعتمد عليها "قد" في نظريته السياسية "القيادة للمرجعية الدينية" حيث تمثل المرجعية الدينية في رؤيته السياسية رأس الهرم في الحركة السياسية وهي القيادة الحقيقية فيها. 
     ومن المقومات التي أعتمد عليها في تلك المرحلة عدم فصل السياسة عن الدين لأن المرحلة التي عاشها الإمام الحكيم بعد ثورة العشرين كانت مرحلة صعبة للغاية وذلك بسبب القيود الدولية المفروضة على العلماء والمثقفين في الدخول في المعترك السياسي مما سبب مشكلة كبيرة وهي عزلة العلماء عن العمل السياسي ، فكان دور الإمام الحكيم أن أخرج المرجعية من هذه الحالة إلى حالة الممارسة للعمل السياسي ، وهناك مقومات كثيرة أعتمدها "قد" من قبيل "توطيد العلاقة بين المرجعية والأمة،ودعم الوحدة الإسلامية والانفتاح على المذاهب الأخرى، وتفعيل دور نظرية البلاغ التي جاء بها القران الكريم (وما على الرسول إلا البلاغ) عن طريق إرسال المئات من المثقفين الإسلاميين إلى المجتمع الإسلامي لغرض التوعية الدينية بكافة مجالاتها ، يقول السيد باقر الحكيم[2] "وأعتقد أنها نفس النظرية التي جاء بها الإمام الخميني ، وانتهى إليها تفكير السيد الشهيد الصدر وغيرهما من العلماء السابقين الذين كانوا يتحركون في المجتمع .    
3. الجانب التثقيفي:- من المواضيع الأساسية التي اهتم الإمام الحكيم الجانب الثقافي للأمة وتثقيف وتعليم الناس وبيان الأحكام لهم ، حيث أن أغلب مجتمع هذه البلدان كانوا بعيدين جداً عن القضايا الدينية بل يوجد بعض منهم لا يؤدون حتى الفرائض الواجبة من قبيل الصلاة والصيام والحج والخمس ، فأرسل الإمام الحكيم إلى هذه المناطق البعيدة والقريبة مبلغين ومبلغات ليتداركوا الأمر وينقذوا الناس من هذا الظلام والبعد عن تعاليم الإسلام ، وطلبوا من بعضهم أن يأتوا إلى عاصمة العلم والعلماء النجف ليدرسوا ويتفقهوا  في الدين حتى يقوا  أنفسهم وأهليهم من نار وقودها الناس والحجارة .
    فضلاً عن ذلك قام "قد" بوضع الجانب الثقافي جنباً إلى جنب مع الجانب السياسي بحيث يصبح كل واحد منها سنداً ودعماً للآخر ومكملاً لمسيرته، بل وجعله "قد" بمثابة القاعدة للعمل السياسي والاجتماعي ولا ينفك عنهما بأي حال من الأحوال مما أضاف نظرية جديدة ومهمة للأوساط الثقافية والسياسية والاجتماعية ، والسبب في تأكيد الإمام الحكيم على ضرورة عدم الانفصال بين العمل الثقافي والسياسي هو منع دخول الحركات السياسية المنحرفة الضالة إلى المجتمع الإسلامي وبالخصوص المجتمع الحوزوي ، وكما حدث قبل تفعيله "قد" لهذه النظرية حيث سقط الكثير من المثقفين ومن أبناء العلماء في أحضان هذه الحركات المنحرفة، وكان يرى"قد" هذه النظرية السور الواقي للأمة من الانزلاق في هكذا متاهات . 
       كما يعتبر مشروع جامعة الكوفة من بين أهم المشاريع التي انبثقت برعاية مباشرة من مرجعية الإمام الحكيم بالرغم من رفض حكومة البكر تنفيذ هذا المشروع آنذاك ، مما دفع الإمام الحكيم إلى إرسال السيد مهدي الحكيم إلى أحمد حسن البكر للتفاوض على هذا الموضوع فأوعد البكر السيد خيراً إلا أن البكر لم يفي بوعوده وتم طي ملف جامعة الكوفة كما توقع الإمام الحكيم تماماً [3]. 
  وقام أيضاً باعمار المدارس الدينية كمدرسة اليزدي الثانية ومدرسة القوّام ومدرسة الأخوند الكبرى ومدرسة شريف العلماء في كربلاء ومدرسة الهندي والمدرسة البادكوبية، وكذلك تشجيع البعثات غير العراقية لبناء مدارس لها تتولى إدارتها والإشراف عليها، ثم بعد ذلك قام ببناء مدرسة دار الحكمة وذلك لاستيعاب الأعداد الغفيرة من طلبة العلوم الدينية ،التي كانت من أهم المدارس العلمية وذلك بفضل العلماء الأفاضل الذين رعوها وتولوا الاعتناء بها .         
  ومن الأعمال التي قام بها في هذا الجانب أيضا الانفتاح على ثقافات العالم الآخر والأديان الأخرى وذلك عن طريق "وجادلهم بالتي هي أحسن" أو "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء"، وكان لفتوى الإمام الحكيم الدور الرئيسي لهذا الانفتاح حيث أفتى "قد" بطهارة أهل الكتاب مما أعطى هذا الجانب الشرعية الكاملة للتعامل الثقافي والاجتماعي مع أهل الكتاب ، وكذلك أكد على طلب العلوم الدينية والعلوم الأخرى في كافة مجالات الحياة ، وقام "قد" بفتح وتأسيس المراكز والمؤسسات الثقافية والمكتبات في معظم البلدان الإسلامية ومن أهم المكتبات التي قام بإنشائها "قد" مكتبة الإمام الحكيم سنة 1957 وأتخذ من جامع الهندي مقرا لها ، ثم فتح لها فروع داخل العراق وخارجه بلغت السبعين فرعاً وتعد اليوم واحدة من كبريات المكتبات في العالم بما احتوته من نوادر الكتب ونفائس المخطوطات ، أما في الجانب التفكيري العلمي والاجتماعي فقد كان يحمل صفة الاستقلال حيث لم يرتبط "قد" بعلاقته الحوزوية والاجتماعية بما يصنفه أو يحدده في مجمل حركته العامة بل كان يتحمل بشكل مستقل مسؤولية القرار ومستلزماته .
4. الجانب التربوي:-إن منهج السلوك الشخصي للإمام الحكيم ودوره في التربية كان يعتمد على نظرية القدوة في التربية ، فعندما كان (قده) يريد أن يربي على الورع عن محارم الله، كان يضرب أروع الأمثلة في سلوكه لذلك،وعندما كان يريد أن يوجد عنصر الإخلاص وقصد القربى، كان يتوخى في جميع سلوكه توفير هذا الإخلاص ،بحيث يبدو ذلك واضحا لكل من يتصل به،ويتحدث عنه، وعن دوره في تحقيق الأهداف،وتحصيل النتائج والآثار المطلوبة.
    لقد كان (قده) في موضوع التربية يستهدف بشكل عام وإجمالي بناء الشخصية الإسلامية بأبعادها المختلفة، بحيث يكون نتاج هذه التربية ومحصلتها الإنسان الصالح، الذي يسير في طريق الكمالات الإلهية ذاتيا،ويتحمل مسؤولياته تجاه المجتمع الإنساني ويكون قادرا على الانسجام والتأثير ضمن هذه الجماعة،سواء في دائرة الأسرة أم دائرة المجتمع الكبير.
حدثني [4]آية الله المحقق الشيخ علي الكوراني [5]عن السيرة الشخصية للإمام الحكيم قائلاً :(أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإمام الحكيم وفضله على كثير من العلماء حيث كان الإمام الذي يقتدى به في كل شيء فضلاً عن الجانب التربوي الذي أستطاع بأخلاقه السامية وعلومه المحمدية أن يربي جيلاً من العلماء الصالحين لاسيما أولاده العشرة الذين كانوا ذوو مرتبة عالية من العلم والأخلاق الفاضلة ) ،فنجد آية الله السيد يوسف النجل الأكبر للإمام الحكيم من العلماء العارفين والعاملين الكبار وقد رشح من بعض الأوساط الحوزوية لنيل الزعامة الدينية بعد الإمام الحكيم ، وكان العلماء الربانيون الكبار يصلون خلفه أمثال"الإمام الخوئي،والإمام الخميني،والإمام الشاهرودي" لما عرف من تقوى وورع واجتهاد،أما السيد الشهيد عبد الصاحب الحكيم فالكلام متروك إلى أستاذه المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الروحاني حيث قال فيه"أجلت النظر وسرحت البصر فيما كتبه العلامة الحجة المحقق فخر المجتهدين الورع التقي الشهيد السعيد تقريراً لأبحاثنا فوجدته مستوعباً لما نقحناه جامعا لكل ما بحثناه وحققناه،محيطا بدقائق البحث ونكاته حاويا لأسراره وبياناته ،ملما بتقرير المباني وتحديدها موفقا في تحرير ما جاء في تفنيدها أو تشييدها ولا بدع في ذلك كان رحمه الله مناط الآمال ومعقد الرجاء بفضل ما منّ الله به عليه من ذكاء متوقد ولم جم ومواهب نادرة..."[6] ، وقد عرف عن السيد الشهيد عبد الصاحب الحكيم أنه ذائب في طاعة الله شديد الاحتياط لدينه،لا تأخذه في الله لومة لائم،إذ قال مقالته الشهيرة عندما هدد بالحضور إلى المؤتمر الشعبي الإسلامي [7]:"رب السجن أحبُ إلي ممّا يدعُونني إليه".
أما بقية أولاده الثمانية فقد ساروا على النهج ذاته من الورع والتقوى والاجتهاد والجهاد ، وهذا يدل على مدى عمق التربية الإسلامية المحمدية الأصيلة التي كان ينتهجها الإمام"قد" مع أولاده وعائلته الكريمة[8].
5. الجانب الأخلاقي:- لقد برزت شخصية السيد الحكيم فضلا عن مرجعيته الكبرى بأنه كان مثالا للسلوك العرفاني والمدرسة الإلهية في تربية الذات وتقويم النفس ،وتحصيل الكمالات ومخالفة الهوى ومجاهدة الآمال، وهذا مما يرتفع بمستوى الروح إلى درجة الصديقين والشهداء والصالحين.
    لقد جابه الإمام الحكيم في حياته شتى الظروف والفتن،وقاسى ألوان البلاء والشدة،فقابل ذلك بالصبر الجميل والاستعانة بالله والإنابة إليه، وكان هذا السلوك قد أكسبه حياة متحركة فياضة،فهو من الفقهاء نموذجهم المثالي الأرقى،وهو لدى العارفين وحيد عصره روحانية وخلوصا،وهو عند الشرائح الشعبية المتعددة رمز الأبوة الصالحة التي تفيض عطفا وحنانا،ونتيجة لهذا السلوك كان السيد الحكيم لا يستبد بالرأي اجتماعيا وسياسيا ، بل له مستشارون من مختلف الطبقات، عليهم أن يشيروا عليه، وعليه أن يرى ،وهو صاحب القرار وحده لا يفرض عليه من أي جهة، فلا محسوبية ولا منسوبية لديه بل ما ينطلق به تكليفه الشرعي.
    لقد كانت إحدى الصفات البارزة في الإمام الحكيم التي يكاد أن يلمسها كل إنسان يعاشره ،هي الصفات الأخلاقية والسلوكية التي تتجسد فيها الروحانية والمعنوية العالية والتخلق بالكمالات الإلهية التي أراد لهذا الإنسان.
   فضلا عن ذلك فإن مما يميز السيد الحكيم تواضعه وحرصه على القيام بأعماله بنفسه ،فقد كان يتوخى ويسعى أخلاقيا لأن يعبد الله بالتواضع في سلوكه،حيث يرى التواضع تعبيرا عن العبودية لله والذلة أمام يديه، كما أنه يرى التواضع صفة مهمة في الإنسان المؤمن،يحبه الله تعالى ويميزه على غيره في عملية الاستبدال، فهو يحترم المؤمنين ويتواضع لهم،فيقوم للشيوخ وكبار السن وللفقراء ولطلبة العلوم الدينية المستضعفين، حدثني آية الله السيد محمد حسين ابن السيد محمد صادق الحكيم إمام مسجد السهلة وجامع النجم نقلاً عن الخطيب الحسيني المعروف الشيخ "وهاب الكاشي" حيث قال الأخير: "أني كلما أردت أبداء تحية السلام على لإمام الحكيم سبقني هو بتحية السلام وذلك لتمام أخلاقه وتواضعه".
   و كان يحرص الإمام الحكيم على القيام بأعماله بنفسه إلى أقصى حد ممكن، وحتى في التفاصيل الصغيرة، حيث كان هذا الاتجاه الروحي ملازما لشخصيته إلى آخر حياته.
   فقد كان يقوم بالبحث والتدريس والمراجعة والكتابة والتصحيح لكتاباته دون أن يكلف أحدا من طلابه أو ذويه حتى في أيام شيخوخته ومرجعيته.
كما كان يحاول أن يعتمد على نفسه في قضاء حاجاته الخاصة، ويتجنب إلى أقصى حد تكليف الآخرين، أو الطلب منهم في قضاء هذه الحاجات، كما إنه كان يبادر إلى شرب الماء بنفسه، دون أن يطلب من أحد إحضار الماء إليه، وكان يعد بنفسه فراشه وأدوات الكتابة وأقلام القصب، أو ملئ القلم بالحبر وغير ذلك، دون أن يكلف أحدا بذلك حتى خدمه أو أولاده.
 وكان (قده) يباشر بنفسه دفع بعض مساعدات الفقراء والمحتاجين،وكذا المساعدات المنظمة التي كان يقدمها بنفسه للطلبة الضعفاء وعلى شكل رواتب أو في مقاطع زمنية أو عن طريق مساعديه، كما كان يباشر بنفسه الاستفسار والسؤال عن الشؤون الشخصية للأشخاص الذين يلتقون به من طلاب العلوم الدينية أو الشخصيات أو الكسبة.
6. الجانب الجهادي :- لقد سلك السيد الحكيم طريق الجهاد من أوسع أبوابه ومنذ أول شبابه،فكان العلم المناضل والبطل المجاهد منذ أول شبابه حتى وفاته، فقد جاهد السيد محسن الحكيم في أيام شبابه مع العلماء الكبار،أمثال السيد محمد سعيد الحبوبي ، وشيخ الشريعة الأصفهاني ، حيث قاتل تحت قيادتهم ضد الإنكليز بعد وفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي ، في الجبهتين المعروفتين ، جبهة الشعيبة وجبهة الكوت ، في شهر محرم الحرام عام 1333هـ ، الموافق لشهر تشرين الأول 1914م  وحققوا في جهادهم ونضالهم أروع البطولات وأعظمها في تاريخ الثورة العراقية ، كما تصدى السيد محسن الحكيم للحكم الملكي والقاسمي والعارفي ، وكان صراع مستمر بينهم من أجل إلغاء القوانين المخالفة للإسلام وهي تارة تضطر للاستجابة له ، وأخرى تمتنع عليه حسب اختلاف الظروف والأحوال ، وقد عمل السيد الحكيم (قد) ما بوسعه من أجل إلغاء تلك القوانين ، مما أحدث توتراً واضحاً بينه وبين تلك الحكومات ، وكانت هذه محنته معها وشكواه منها ، إلى آخر أيامه الشريفة. كما أصدر فتاوى  لإسناد العمل الجهادي والفدائي الفلسطيني ودعمه بكل الوسائل والإمكانات ، وكان أول مرجع عام يصدر فتوى صريحة وواضحة في إسناد هذا العمل الجهادي ، وجواز المشاركة في الجهاد ضد الصهيونية ، ثم أردف فتواه بفتوى أخرى يجيز فيها صرف الزكاة والحقوق الشرعية في العمل الفدائي وكانت هذه الفتوى هي الأولى من نوعها حيث لم تصدر فتاوى من المراجع في ذلك الوقت لدعم العمل الفدائي،  وبعد أن تجاوز الصهاينة على القدس الشريف نرى أن الإمام الحكيم (قد) قد أرسل مندوباً عنه وهو نجله السيد مهدي الحكيم ( قد) ،للمشاركة في المؤتمرات التي عقدت في مختلف أقطار الوطن العربي وخاصة مؤتمر الأردن بعد دخول الصهاينة إلى الحرم الشريف، وكانت هذه المشاركة هي لإصدار البيانات الخاصة بذلك الشأن لاستنكار كل الأعمال الصهيونية الشنيعة ، كما تبنى الإمام الحكيم المنظمات الفلسطينية المجاهدة العاملة في الساحة الإسلامية وعلى وجه الخصوص العاملة في العراق بحيث أن مندوبي وممثلي منظمة تحرير فلسطين كانوا يراجعون الإمام الحكيم في أغلب شؤونهم السياسية والجهادية ، كما يعتبر "قد" المرجع الديني الأعلى الوحيد الذي وقف بقوة حينذاك أمام محولة شاه إيران الاعتراف بإسرائيل وفتح سفارة في طهران .
     أما موقفه من الحزب الشيوعي والاشتراكية فكان للإمام الحكيم دور كبير ودقيق في هذه المسألة لأنه من ناحية يحاول أن يحافظ على المواجهة مع الغربيين والدول الاستعمارية ومن ناحية أخرى يحافظ على دين الناس وثقافتهم حيث تمكن من عزل الحزب الشيوعي من ناحية ومن ناحية أخرى أخذ يتصدى للأمور السياسية العامة لمواجهة الحكومات العميلة للغرب وللاستكبار ، وذلك جراء الفتوى الكبيرة التي أصدرها فيما يتعلق بتحريم الانتماء للحزب الشيوعي والتي جاء فيها{ الشيوعية كفر وإلحاد }[9] وقد صدرت هذه الفتوى عام 1959م، وكذلك أصدر فتواه بتحريم الاشتراكية عام 1965م وكان لهذه الفتوى الأثر الكبير جداً في العالم الإسلامي ، فبدأ التحرك ضد الشيوعية والاشتراكية حينها .
       وبعد مجيء حزب البعث المجرم إلى الحكم في العراق في عام 1968م ، دخل الإمام الحكيم في صراع ومواجهة مع البعثيين منذ اليوم الأول لمجيئهم إلى الحكم إذ لم تكن هناك جهة سبقت الإمام الحكيم في مواجهة البعثيين فبدأ الصراع وجرت أحداث المواجهة المعروفة فيما بين الإمام الحكيم وبين البعثيين وخاصة عندما اتهم البعثيين الإمام الحكيم(قد) بإسقاط حكومتهم في سنة 1963م ،وبعد أن أعلن الإمام الحكيم رفضه لهم ،وعقد اجتماع كبير جداً في الصحن الحيدري الشريف للإمام علي(ع) في اليوم السابع والعشرين من شهر صفر سنة 1969م وذلك لاجتماع الناس في (27 –28 من هذا الشهر) كل عام بمناسبة وفاة النبي الأكرم(ص) وألقيت كلمة الإمام الحكيم في هذا الاجتماع والذي ألقاها في ذلك الحشد الغفير ولده الشهيد السيد مهدي الحكيم(قد) معلناً فيها عن رأي الإمام الحكيم في الحكم وحزبه العفلقي ، وتصاعدت وتيرة الاعتقالات في صفوف الشباب الشيعة ورؤساء العشائر في العراق الموالين للمرجعية بحجتي الشيوعية والشعوبية،وبعدها أعلن الإمام الحكيم المواجهة العلنية الصارمة مع نظام البعث الكافر حيث سافر إلى بغداد معلناً فيها معارضته للقوانين البعثية التي هي ضد الإسلام والمسلمين وقال(قد)  كلمته المشهورة( سأذهب إلى بغداد كما ذهب جدي الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة)،وعندما سافر إلى هناك استقبل السيد بمئات الآلاف من الناس تعبيرا عن مساندتهم ودعمهم للمرجعية الموقرة ، حيث أعلن (قد) وبمحضر الحشود البشرية الهائلة الممتدة على طول الطرق المؤدية بين النجف وكربلاء وبغداد وسامراء ، بأن المرجعية ترفض جميع الأعمال الوحشية التي يرتكبها هذا النظام المجرم ،وقد أتته الوفود من كل مكان فاضطر النظام البعثي الحاكم أن يرسل حمادي شهاب التكريتي وهو من الأشخاص الخمسة الذين كانوا يسيطرون على الحكم آنذاك في العراق وبعد اجتماع الإمام الحكيم مع هذا المجرم أوضح رأيه بصراحة وقال له بالحرف الواحد ( إذا كان الناس قد أخرجوكم من الحكم في المرة السابقة وتركوكم أحياءاً اما في هذه المرة وفي حال إخراجكم مجدداً من الحكم فإنهم سيقطعونكم قطعة قطعة )[10] ، فأشار حمادي شهاب وبلهجة التهديد للإمام الحكيم أنه في حالة استمراره في هذا الموقف فسوف يُقْدم البعثيون على اعتقال أصحابه وإبداعهم السجن ، وبالفعل فقد صدر أمر بعد ثلاثة أيام من هذه المقابلة باعتقال حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي الحكيم بتهمة تعاونه وتعامله مع الأكراد المعارضين للحكم البعثي، وحوصر المنزل الذي نزل فيه الإمام الحكيم ضيفا في الكاظمية عند الحاج سلمان عباس الكردي ودخل البعثيون المنزل  يفتشون عن السيد مهدي الحكيم ،وعلى اثر ذلك تراجع معظم الناس عن نصرة ومساندة المرجعية في محنتها تلك التي هي بالواقع محنة الناس ،وبسبب قلة الناصر وخذلان الناس للإمام ، رجع الإمام الحكيم  إلى النجف الأشرف إلا انه استمر في احتجاجه ورفضه لممارسات النظام البعثي ، ومما يؤيد صحة نظرة الإمام الحكيم تجاه الواقع العراقي السياسي ورجوعه إلى النجف الأشرف وعدم استمراره في الاحتجاج في بغداد والخروج في ثورة ضد ذلك النظام، هو ما قاله الإمام الخميني للسيد محمد باقر الحكيم في إحدى لقاءاتهما في طهران:( إني كنت أنتظر من خلال ما شاهدته من حركة شعبية أن يقوم الحكم الإسلامي في العراق قبل قيامه في إيران ، ولكن وبعد ما شاهدته من أحداث بغداد "السابق ذكرها" وعزلة السيد الحكيم(قد) عن الناس وتخــليهم عـن نصرته وتأييده ، بحيث حتى أن"الكبابجي" الذي كان في جوار البيت الذي نزل فيه السيد الحكيم ضيفاً ، قد توقف عن عمله وانتقل إلى مكان آخر ، فأدركت أن الإمام الحكيم(قد) كان على صواب في موقفه تجاه نظام الحكم البعثي البائد لذلك فهو -لم يقِد الثورة ضده )[11].وهنالك مواقف كثيرة في حياته الجهادية مثل (مساندته للفضية الكردية ، وجماعة العلماء في النجف الأشرف.
أبناء الإمام الحكيم :-   خلَّف السيد الحكيم(قد) بعد وفاته عشرة من الأبناء كلهم علماء ، وهم حسب تسلسل الأعمار:آية الله السيد يوسف الحكيم(قد)،وآية الله الشهيد السيد محمد رضا الحكيم(قد) ، وحجة الإسلام والمسلمين الشهيد السيد مهدي الحكيم(قد) ، وحجة الإسلام والمسلمين السيد كاظم الحكيم(قد) ، وآية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الحكيم(قد) ، وآية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم(قد) ، وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور الشهيد السيد عبد الهادي الحكيم(قد) ، وحجة  الإسلام والمسلمين الشهيد السيد علاء الدين الحكيم(قد) ، وحجة الإسلام والمسلمين الشهيد السيد محمد حسين الحكيم(قد) ، وأخرهم حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الحكيم( دامت بركاته ) ، وهنالك مواقف عديدة لهذه الأسرة الكريمة نقتصر منها على ما قاموا به من مواقف ضد النظام البعثي ، حيث طلب النظام البعثي من كبار عائلة الحكيم (قد) وعلمائها الحضور والمشاركة في المؤتمر الشعبي الذي عقده النظام البعثي في بغداد أوائل الثمانينات في أيام الحرب الظالمة التي شنها صدام المجرم ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، لكنهم رفضوا ذلك وأصروا على الرفض على الرغم من تهديدهم بالاعتقال ، فنفذ النظام تهديده وارتكب جريمته ضد هذه الأسرة الشريفة حيث تعرضت هذه الأسرة إلى حملة اعتقال وإبادة واسعة على يد صدام المجرم وجلاوزته ، مما لم يشهد له تاريخ العراق مثيلاً في العصر الحاضر ، ففي ليلة واحدة اعتقل نظام صدام المجرم أكثر من سبعين شخصاً من هذه الأسرة العظيمة رهائن بينهم من قارب الثمانين من العمر ، كآية الله العظمى السيد يوسف الحكيم نجل الإمام الحكيم(قد) وآية الله العظمى السيد محمد حسن الحكيم نجل آية الله العظمى السيد سعيد الحكيم(قد) ، وبينهم من لم يبلغ الحلم بعد ، وزج بهم جميعاً في السجون دون أن توجه لهم أي تهمة ، إلا لأنهم من أقرباء الشهيد السيد محمد باقر الحكيم(قد) ، ولأنهم رفضوا الخضوع للنظام وتنفيذ سياسته الرعناء ، وفي فترات لاحقة قتل منهم النظام المجرم أكثر من عشرين شخصاً بينهم مجتهدون وعلماء كبار ، كآية الله العظمى السيد عبد الصاحب الحكيم ، وحجة الإسلام والمسلمين الدكتور عبدا لهادي الحكيم ، وحجة الإسلام والمسلمين السيد علاء الدين الحكيم ، وحجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسين الحكيم  والأربعة هم من أبناء الإمام الحكيم(قد) ، حجة الإسلام والمسلمين السيد كمال الدين الحكيم وحجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الوهاب الحكيم ، وهم أنجال آية الله العظمى السيد يوسف الحكيم ، وحجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الصاحب الحكيم ، وآية الله السيد محمد رضا الحكيم ، وهم أنجال آية الله العظمى السيد محمد حسين السيد سعيد الحكيم(قد) ، والسيد أحمد الحكيم نجل آية الله العظمى السيد محمد رضا نجل الإمام الحكيم(قد) ، آية الله السيد مجيد الحكيم نجل آية الله السيد محمود الحكيم(قد) شقيق الإمام الحكيم(قد) ، السيد حسن الحكيم والسيد حسين الحكيم ، وهما أبني الدكتور الشهيد السيد عبد الهادي الحكيم(قد) ـ الشهيد السيد ضياء الدين والشهيد السيد بهاء الدين نجلي الشهيد السيد كمال الدين الحكيم ، السيد محمد علي السيد جواد ابن السيد محمود الحكيم(قد) ، والسيد حسن نجل آية الله العظمى السيد محمد علي الحكيم، والمهندس السيد عبد الأمير نجل آية الله العظمى السيد حسن الحكيم ، والسيد مهدي الحكيم نجل آية الله العظمى الشهيد المجاهد السيد محمد باقر الحكيم(قد) وزوجته وولده ، والسيد حسين الحكيم نجل آية الله العظمى السيد حسن ، منهم آية الله العظمى السيد محمد رضا الحكيم نجل الإمام الحكيم(قد) ، الذي اعتقل مع مجموعة من كبار علماء النجف الأشرف بعد الانتفاضة الشعبانية في آذار 1991 ، التي قادها وفجرها الإمام الخوئي(قد) ، وقد تبين بعد سقوط صدام المجرم ونظامه الكافر  أنهم جميعاً قد قتلوا إلى جانب أكثر من مائة عالم من مختلف البلدان الإسلامية والعربية ، والعوائل العلمية العراقية المعروفة.
وفاة الإمام الحكيم"قد":- وقد توفي الإمام الحكيم(قد) في مستشفى ابن سينا ببغداد في26/ربيع الثاني/1390هـ  - الموافق في1/6/1970م ، ونقل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف في زخم هائل ضم مئات الآلاف من العراقيين تجاوز عددهم مليوني نسمة حيث عطلت المدينة بأسواقها ومحافلها ودوائرها،وخرجت مواكب العزاء يتقدمها  المراجع العظام والعلماء الأعلام وفي المقدمة الإمام الخوئي والإمام الخميني والشاهرودي(قده)، وعند وصول الجثمان الطاهر إلى الصحن الحيدري الشريف خطب ولده السيد محمد باقر الحكيم(قد)خطبة بليغة عزى بها المسلمين بالفاجعة العظمى،وأدى ولده السيد يوسف الحكيم الصلاة عليه وائتم به بقية العلماء،وقد تولى غسله وتجهيزه وتلقينه وإجراء الواجبات والمستحبات ولده السيد الشهيد محمد باقر الحكيم(قد)بثبات وصبر عظيمين،يقول العلامة الدكتور محمد حسين الصغير[12]:- وقد سألته ـ السيد محمد باقر الحكيم ـ" كيف طابت نفسك بتغسيل السيد وأجراء المراسيم عليه،وكيف جرأت على ذلك،فقال:والله لقد انصدع قلبي وتزلزل كياني وانا ألقنه وأهزه هزاً عنيفاً طبقاً للاستحباب" -، ودفن بمقبرته التي أعــــدها لنفسه وابنائه بجوار مسجد الهندي في الطابق الأرضي من مكتبته العامة ، وقد أرخ العلامة الدكتور محمد حسين علي الصغير[13] أبيات شعرية على ضريحه بالقاشاني هي :
قضى (الحكيم محسناً) فاستقبلـــت       منـه الجنان العلم المجـددا
قد توج الأجيال في مستمـســـك      ( بالعروة الوثقى)غدا مقيدا
واستعبر الإسلام أرخ مغـــــولا      تهدمت والله أركان الهـدى
  ثانياً: مدرسة الإمام الصدر:ـ  
     إن استيعاب أبعاد عظمة هذا العالم الرباني العامل لا يتيسر لأحد في مثل هذه الدراسة العاجلة لشخصيته ولكن ذلك لا يعفينا من التعرض لأبرز معالم مدرسته العلمية والفكرية التي أنشأها وخرج على أساسها جيلاً من العلماء الرساليين والمثقفين الواعين والعاملين في سبيل الله ، رغم قصر حياته الشريفة ، والتي ابتلاه الله فيها بما ابتلى به العظماء من الصديقين والشهداء والصالحين . 
     ونحن نستعرض أهم مميزات هذه المدرسة في العلم التنظيري والعمل التطبيقي في كافة الأصعدة والتي ستبقى رائدة وخالدة في تاريخ العلم والعمل معاً[14] :
أ. الموسوعية والإحاطة:ـ لقد اشتملت مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر"قده" على معالجة كافة شعب المعرفة الإسلامية  والإنسانية ، ولم تقتصر على الاختصاص بعلوم الشريعة الإسلامية من الفقه والأصول فحسب .
    ورغم أن هذا المجال كان هو المجال الرئيس والأوسع من إنجازاته وابتكاراته العلمية ، فقد اشتملت مدرسته على دراسات في الفقه ،وأصول الفقه ،والمنطق والفلسفة والعقائد والعلوم القرآنية والاقتصاد والتاريخ والقانون والسياسة المالية والمصرفية ومناهج التعليم والتربية الحوزوية  ومناهج العمل السياسي وأنظمة الحكم والإدارة ،وغيرها كثير من مفردات المعرفة الإنسانية والإسلامية المختلفة .
     وقد كانت هذه الشمولية بالنسبة للسيد الشهيد نتيجة طبيعية لما كان يتمتع به "قده"من  ذهنية موسوعية وعملاقة ، يمكن اعتبارها نكته في جبين هذا القرن ، لعلّ تاريخ العلم والعلماء قد حظي بمثلها في بعض القرون مما كان يشكل منعطفاً تاريخياً في توجيه حركة العلم والمعرفة وترشيدها ، إذ كان "قده" آية في النبوغ العلمي واتساع الأفق ، وقمة العبقرية الفذة كما شهد بذلك أساتذته وزملاؤه وتلامذته ، وكل من اتصل به بشكل مباشر أوالتقاه من خلال مصنفاته وبحوثه .
ب. الشمول والاستيعاب :ـ من الخصائص ذات الأهمية البالغة في اتفاق النظرية أية نظرية بالمتانة والصحة ، خصيصة – الشمول والاستيعاب ، أي مدى ما تستوعبه النظرية من احتمالات متعددة وما تعالجه من جهات شتّى ، مرتبطة بموضوع البحث ، فإن هذه الخصيصة هي الأساس الأول في انتظام الفكر والمعرفة في أي باب من الأبواب ، بحيث يؤدي فقدانها إلى أن تصبح النظرية مبتورة ذات ثغرات ينفذ من خلالها النقد والتفنيد .
    وهذه الخصيصة كانت السمة البارزة في فكر الإمام الشهيد بدرجة عالية ، إذ إنه لم يتعرض لمسألة من المسائل العلمية ، خصوصاً في الفقه والأصول والفلسفة إلاّ وذكر فيها من الصور والاحتمالات ما يبهر العقول ، حتى كانت هذه السمة بارزة حتى في أحاديثه الاعتيادية ، فكان عندما يتناول أي موضوع ومهما كان بسيطاً واعتيادياً ، يصوغه صياغة علمية ، ويخلع عليه نسجاً فنياً ، ويطبعه بطابع منطقي ، مستوعباً لكل الاحتمالات والتفريعات حتى أنه يخيل لمن يستمع إليه أنه تحليل نظرية علمية ، تستمد القوة والأصالة والمتانة من مبرراتها ، وأدلتها المنطقية .
ج. التجديد والإبداع :ـ إن حركة العلوم والمعارف البشرية وتطورها ، ترتكز على ظاهرة التجديد والإبداع التي تمتاز بها أفكار العلماء والمحققين في كل حقول المعرفة ، وقد كان السيد الشهيد يتمتع في هذا المجال بقدرة فائقة على التجديد والتطوير فيما كان يتناوله من أبحاث علمية ونظرية ، سواء على صعيد المعطيات أو في الطريقة والاستنتاج.
     ولقد كان من ثمرات هذه الخصيصة أنه استطاع أن يفتح آفاقاً للمعرفة الإسلامية لم تكن مطروقة قبله بل كان هو رائدها الأول وفاتح أبوابها ، ومؤسس مناهجها ، وواضع معالمها وخطوطها العريضة ومن ثمّ ستبقى المدرسة الإسلامية  مدينة لهذه الشخصية العملاقة في شتّى فنون المعرفة الإسلامية والإنسانية ، لا سيّما في بحوث الفلسفة والاستقراء ، ومنطق الاستقراء واليقين الرياضي ، وبحوث الاقتصاد ، والتاريخ السياسي ، في صدر الدولة الإسلامية      يقول السيد محمد باقر الحكيم عن أستاذه الشهيد الصدر في هذا الموضوع [15]"لم يهتم الشهيد الصدر بالشمول كهدف – كما هو الحال في كثير من أعمال العلماء السابقين – وإنما العمق في التناول للموضوعات والتجديد فيها كان هدفه الأساس من وراء مختلف الأبحاث التي كتبها بحيث يلاحظ الباحث والمطالع لها الشيء الجديد دائماً ، أو العرض الجديد أو النكهة الجديدة على الأقل ، بالإضافة إلى انه كان يحاول التفتيش دائماً عن نقاط الفراغ في الأبحاث ليملأها ، ويثري بذلك الأبحاث الإسلامية، ويتابع الحاجات الفكرية والثقافية القائمة ليسدها .    
د. المنهجية والتنسيق:ـ ومن خصائص فكر السيد باقر الصدر "قده" منهجيته الفريدة والمتماسكة في جميع بحوثه التي تناولها بالدرس والتنقيح.
     ومن هنا نجد أن طرحه للبحوث الأصولية والفقهية يمتاز عن كافة ما جاء في دراسات وبحوث المحققين السابقين عليه ، من حيث المنهجية والترتيب الفني للبحث ، فتراه يفرز الجهات والجوانب المتداخلة والمتشابكة في كلمات الآخرين ، خصوصاً في المسائل المعقّدة التي تعصى على الفهم ، ويكثر فيها الالتباس والخلط، ويوضح الفكرة، وينظمها ويحللها بشكل موضوعي وعلمي ، حتى تضحي من الواضحات ، حيث لا يجد الباحث المختص نظيره في بحوث الآخرين .
   وكان مما يميزه بجلاء الدقة في طريقة الاستدلال في كل موضوع ، حيث كان يعتمد إلى جانب البرهان بالاستقراء والوجدان، ولم يكن يكتفي ويقتصر على دعوى وجدانية المدّعى المطلوب إثباته فحسب ، وإنما كان يستعين بتحريك وإثارة هذا الوجدان في نفوس الباحثين والطلاب ، وذلك من خلال منهج إقامة المنبهات الوجدانية عليه .
هـ. النزعة المنطقية والوجدانية :ـ ومن مميزات فكر المرجع الشهيد باقر الصدر نزعته المنطقية و البرهانية في التفكير والطرح ، لا سيّما عندما تكون تلك المعطيات البرهانية وتتطابق مع الوجدان ، وتحتوي على درجة كبيرة من قوة الإقناع وتحصيل الاطمئنان النفسي بالفكرة ، ولذلك لم يكن ليكتفي بسرد النظرية بلا دليل ، أو كمصادرة ، بل كان يقيم البرهان مهما أمكن على كل فرضية يحتاج إليها البحث حيث لم يتعسّر عليه ، ولو مرة واحدة صياغة البرهان الموضوعي عليه، وذلك كالبحوث اللغوية ، والعقلائية ، والمعرفية.
وهذه الميزة جعلت آراء ومعطيات هذه المدرسة الفكرية ذات صبغة علمية ومنطقية فائقة ، مّما يتعذر توجيه أي نقد إليها بسهولة كما جعلتها أبلغ في الإقناع والقدرة على إفهام الآخرين وتفنيد النظريات والآراء الأخرى ، مضافاً إلى جعلها قادرة على تربية فكر روّادها، وبنائه بناءً منطقياً وعلمياً ، بعيداً عن مشاحنة النزعات اللفظية ، أو التشويش والخبط ، واختلاط الفهم ، ذلك الخطر الذي تُمنى به الدراسات والبحوث العلمية والعقلية العالية في أكثر الأحيان.
     وفي الوقت نفسه لم يكن يتمادى في هذا الفكر البرهاني المنطقي في اعتماد الصياغات والاصطلاحات الشكلية التي قد تُربك تفكير الباحث وطريقته ، فيبتعد عن الواقع ، فيضطر لتبني نظريات يرفضها الوجدان السليم ، خصوصاً في البحوث ذات الملاك الوجداني والذاتي التي تحتاج إلى منهج خاص للاستدلال و الإقناع .
فتجده ينتهي من البراهين إلى النتائج الوجدانية، فلا يتعارض عنده البرهان مع مدركات الوجدان الذاتي السليم وكان في طريقة بحثه يدرك المسألة بحسه الوجداني والذاتي، ثم يصوغ لها من البرهان والاستدلال المنطقي ما يكفي لدعمها علمياً، ومن ثم لا يشعر الباحث بثقل البراهين وتكلفها ، أو عدم تطابقها مع الذوق والحس الوجداني للمسألة، كما وقع في هذا الخبط الكثير من الأصوليين والفقهاء المتأثرين بمناهج العلوم العقلية الأخرى.
    وقد استطاع بهذا الفكر العملاق، وبما أوتي من قدرة على التوفيق بين خصيصته المنطقية والعلمية في الاستدلال، وبين مراعاة المنهجية الصحيحة المنسجمة مع كل علم، أن يتناول في كل حقل من حقول المعرفة المنهج العلمي المناسب مع طبيعة ذلك العلم، من دون تأثر بالمناهج الغريبة عن ذلك العلم وطبيعته. 
و. الذوق الفني والإحساس العقلائي: ـ الذوق حاسة ذاتية في الإنسان يدرك بها جمال الأمور ، والذهنية العقلائية هي الأخرى التي يدرك بها الإنسان الطباع والأوضاع والمرتكزات التي يبني عليها العرف والعقلاء ، ويبني على أساسها الكثير من النظريات والأفكار في مجال البحوث المختلفة كالدراسات التشريعية والقانونية والأدبية ، وهي غالباً ما تكون مجالاً للبحث لا يمكن إخضاعها للبراهين المنطقية أو الرياضية أو التجريبية ، وإنما تحتاج إلى حاسة الذوق الفني ، والذهنية القلائية والحس العرفي الأدبي ، ولأن هذه الخصائص كانت مائزاً ، وسمة بارزة لازمة في مدرسة الفقيه الشهيد "قده" بين هذه المفردات وغيرها من العلوم والمعارف ، ومن ثمّ تجده "قده" يتناول المسائل في المجال الأول معتمداً على الذوق الموضوعي والإدراك العقلائي المستقيم .
     وبذلك استطاع أن يؤسس منهجاً فريداً يتناسب مع مفردات هذا المجال وأن يؤسّس ويبدع طرائق الاستدلال الذوقي التي تعتمد الاستظهارات العرفية ، والمرتكزات العقلائية .
     وبذلك أبدع نهجاً فقهياً موضوعياً في مجال الاستظهار الفقهي ، خرجت على أساسه الاستظهارات من مجرد كونها مدّعيات ومصادرات ذاتية إلى كونها مدّعيات ونظريات يمكن الإقناع والإقناع بها على أسس موضوعية .
     أضحى من نافلة الكلام أن نقول : إنه قلّما تجتمع النزعة البرهانية المنطقية في الاستدلال مع الذوق الفني ، والحسّ العقلائي ، والذهنية العرفية في شخصية علمية واحدة ، في الوقت الذي نجد أن العلماء الذين مارسوا ويمارسون المناهج وطرائق البحث ، نجد أنهم لا يلتفتون ، وقد لا يحسون بدقائق النكات العرفية والذوقية والعقلائية  بينما يبنون معارفهم وآراءهم على أساس تلك المصطلحات البرهانية المكررة التي اعتادوا عليها في تلك البحوث العقلية وغيرها، وهكذا الباحثون في العلوم الأدبية والقانونية وما شابهها ، قّلما يمارسون أو يجيدون صناعة البرهنة والاستدلال المنطقي ، بينما كان هذا مائزاً وخصيصة قد امتازت بها مدرسة السيد الشهيد "قده" فهي في الوقت الذي جمعت فيه بين هاتين الخصيصتين اللتين قلّما اجتمعتا ، فقد تمكنت من التوفيق الدقيق بينهما ، واستخدمت كلّا منهما في مجاله المناسب دونما تخبط أو إقحام ما هو موردهما في مجالهما .
ز. القيمة الحضارية :ـ ليس عجيباً مّمن عرف آية الله الشهيد محمد باقر الصدر "قده" وتتلّمذ عليه فترة كبيرة ، أن يدعي له أنه مجدد أو باعث هذا الدين في هذا القرن ، مصداقاً لما ورد ، ومضمونه أن الله تعالى يبعث على رأس كل قرن من يجدد هذا الدين ، أو يبعثه أو كما قال ، لا سّيما وقد ادعي هذا المضمون لمن يصح أن يكون تلميذاً للسيد الشهيد "قده" من علماء المسلمين .
     ولذلك فإن الطليعة الفكرية من المسلمين قاطبة بل وفئة يعتد بها من غير المسلمين ، يعتقدون أن المفكر الإسلامي الشهيد محمد باقر الصدر كان تحدياً حضارياً معاصراً عندما استطاع بمدرسته التصدّي لنسف أسس الحضارة المادية لإنسان العصر الحديث ، بينما قدّم الحضارة الإسلامية شامخة نقية على أسس علمية ثابتة، ضمن بناء شامل شامخ ومتماسك، استطاع من خلاله أن ينازل الفكر الحضاري الأخر كأقوى وأمتن من خاض غمار هذا المعترك، كما عبّر عنه المفكر العربي "أكرم زعيتر" :"وقد وفق الإمام الشهيد "قده" لتفنيد كل مزاعم وأُسس الحضارة المادية المعاصرة ، وأن يخرج من هذا ظافراً مظفراً ، وبانياً لصرح المدرسة الإسلامية العتيدة ، والمستمدة من منابع الإسلام الأصيلة والمتصلة بوحي السماء ".
خ.حب العلم واحترام العلماء :ـ إن من الصفات الحميدة التي كان يتميز بها الشهيد الصدر هو حب العلم والعلماء حيث نراه  يتميز بدرجة عالية من هذه الصفات أسوة بالعلماء الربانيين وذلك من خلال الطريقة المثلى التي يتعامل بها "قده"مع جمهرة غفيرة من تلاميذه من حيث تربية طلابه على الحوار والنقد للأفكار الدخيلة والوصول إلى النتائج الصحيحة وكذلك عرض بحوثه العلمية والثقافية على طلابه لإثارة حوافز التفكير وزرع الثقة بالنفس، أما احترامه وتقديره للعلماء  من أساتذته وأقرانه فمثلاً كان لا يعبر عن أستاذه الإمام الخوئي  إلا بسيدنا الأستاذ وكذلك الحال بالنسبة إلى العلماء الذي تتلمذ على يديهم بالرغم من اعتزازه العلمي برأيه وسعة دائرة علمه وفكره ، من جهة أخرى كان حب العلماء واحترامهم له وثقتهم به عالية جداً بل كان المرشح عندهم للمرجعية بعد الإمام الخوئي ، وهناك حادثتان[16] تدل على الكلام أعلاه :الأولى مع الإمام الحكيم عندما جاءه السيد حسين الصافي وهو محسوب على جماعة العلماء وكان معروفاً في الوسط النجفي بأنه من حزب البعث بل عين وزيراً للعدل بعد مجيء البعث إلى السلطة مرة ثانية سنة 1968، وأخبر السيد الصافي الإمام الحكيم عن وجود حزب وان هذا الحزب هو امتداد لحزب الإخوان المسلمين وان أفكارهم سنية معادية لخط التشيع وظل يكيل التهم والأباطيل ضد حزب الدعوة الإسلامي وقال للإمام أن السيد الصدر وولداك محمد مهدي ومحمد باقر هم على رأس الحزب، وبعد أن أنهى ما في جعبته قال له السيد محسن الحكيم "هل أنت أحرص من السيد الصدر على النجف والشيعة والحوزة؟ ورده رداً جميلاً وطرده بهدوء"، والحادثة الأخرى مع الإمام الخوئي حيث نقل أحد طلاب السيد الصدر بقوله"إن السيد الشهيد الصدر نقل لي إن أحد الأشخاص قال لأستاذي الخوئي أن السيد الصدر أسس حزباً إسلامياً ، فأجابه السيد الخوئي:لو أسس السيد الصدر حزباً فاني أول من أسجل أسمي فيه" .  
ط. الصبر والوفاء : ـ من الصفات البارزة في شخصيته الصبر والوفاء ، ويمكن إيجاد معالمها الخيرتين الذين تحلى بها الشهيد الصدر واضحة في المعانات التي كان يواجهها منذ نبوغه العلمي ودخوله المعترك السياسي وتصديه لكل ألوان الآلام والمحن  بالصبر والتي كانت تأتيه من داخل البيت الحوزوي [17] ومن خارجه لما ما قام به "قد" من حركة إصلاحية في الحوزة العلمية  ورفض الظلم والجور والطغيان الذي صبه النظام البعثي على الشعب العراقي ، ورغم كل هذه المعاناة والطعن ، كان موقفه منهم بقاء حبه ومودته لهذا البيت العريق .  إما وفاءه فكان كالرواسي ذو قيمةً شامخة وسلوك راسخ ، مثلاً موقفه المساند لمرجعية الإمامين الحكيم والخوئي والالتزام بالأدب والاحترام الكامل لها بالرغم من إثارة الغبار وبعض المشاكل معه من قبل بعض عناصرها الذي يتصيدون بالماء العكر ، ووفاءه لأصدقائه كالعلامة السيد مهدي الحكيم وأية الله السيد باقر الحكيم ، وشهادته دليل قاطع على وفائه بالعهد للشهداء الإبراء الذين سقطوا دفاعاً عن مدرسته والتي هي امتداد طولي لمدرسة أهل البيت (ع).    
ي.الجود بالنفس :ـ أعتقل الإمام الصدر"قد" أكثر من ثلاث مرات من قبل جلاوزة النظام الصدامي ومارس هذا النظام معه أبشع ألوان العذاب حيث ظهرت آثاره على جسد الطاهر.ويمكن تلخيص محاولات اعتقاله بالآتي:-
الاعتقال الأول:-  في سنة 1392 هـ الموافق 1971 م ،تم أعتقال السيد الصدر من قبل مدير أمن النجف العقيد أكرم وهو من اهالي الموصل بطلب من مدير الامن العامة في بغداد ، وبإثناء الاعتقال حدثت مشادة كلامية بين السيد الشهيد ومدير الامن مفادها ان السيد الشهيد خاطب مدير أمن النجف قائلاً"أين هي الحرية التي تدعونها وجعلتموها شعاراً من شعاراتكم ؟ تريدون شعباً ميتاً لا حول له ولا قوة يعيش بلا إرادة وبلا كرامة تلجئون الى القوة لتكمّوا الأفواه وتصادروا الحريات وتسحقوا كرامة الشعب".
    بعد أن أقلت السيارة السيد الى بغداد ، خرجت العلوية بنت الهدى الى الحرم العلوي وكانت تنادي الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين اعتقلوا ولدك الصدر.عند ذلك أنتشر خبر اعتقال السيد الشهيد في النجف وغيرها وخرجت الناس الى الشوارع والمساجد مستنكرين هذا الاعتقال،فقامت عناصر النظام بضرب بعض الناس المستنكرين بالسلاح وسفك دماءهم الزكية وزجوا بالبعض الأخر منهم بالسجون حيث تم تصفيتهم بحسب قرار محكمة الثورة وفق المادة 156، التي تقضي بإنزال عقوبة الإعدام بمن يدان "بالجرم المشهود حسب تعبيرهم" وهو لمجرد كونهم متدينين أو لديهم عاطفة دينية. 
 وذكر الحجة السيد عبد العزيز الحكيم عند لقاءه بالشهيد الصدر في اليوم الثاني من عودته من الاعتقال أنه بدأ يدرس الموقف الجديد ، هل يتم تصعيد الوضع أو تهدئته وبالتالي تقليل سفك الدماء،كما تم مناقشة موضوع بقاء السيد الشهيد في العراق أو الخروج منه بشكل مسهب .
   بعد أطلاق سراح السيد الصدر وعودته إلى داره في النجف الأشرف بقي تحت الإقامة الجبرية (المحاصرة في داره) لمدة (9أشهر)،وبرغم من وضع النظام أجهزة التصوير في أعلى بناية مجاورة لبيت الإمام "قد" للإشراف على سطوح المنازل الملاصقة أو القريبة من بيت الإمام ، ورغم أجهزت الاتصالات "استراق السمع"الموضوعة خفية في بيت السيد الشهيد إلا انه "قد" كان على تماس مع العالم الخارجي ، والفضل في ذلك يعود إلى أحد سواعده الإبطال الذي كان يتصل به يومياً أو في اغلب الأيام وتتم في هذا الاتصال مناقشة كل الأمور السياسية والميدانية على أرض الواقع من أجل تصدير التوجيهات اللازمة للعاملين على مختلف المستويات.
والى حد كبير جداً أحس البعثيون بأن اتصالاً ما يتم بين الصدر وبين الحركة ، لكنهم لم يستطيعوا أن يعرفوا شياً عن ذلك رغم كل التشديدات والتحفظات العجيبة!التي اتخذوها وظل هذا الاتصال مستمراً إلى الأيام الأخيرة قبل استشهاده رحمه الله،وكان الذي يتولى الاتصال هو السيد المجاهد عبد العزيز الحكيم "شفاه الله".
 يتحدث الشيخ النعماني عن هذا الدور الذي قام به السيد عبد العزيز الحكيم قائلاً[18](كان لسماحته دور بطولي وفدائي في خدمة السيد الشهيد...فمن اليوم الأخير من شهر شعبان وحتى نهاية الحجز كان أهم حلقة توصل السيد بخارج البيت والمنّفذ الحكيم لكل مايطلبه السيد الشهيد ، رغم احتمال أن يؤدي به الأمر الى أن يضحي بنفسه وعائلته في أي لحظة ، وقد أشاد به السيد الشهيد كثيراً وفي أخر رسالة كتبها وهي أقرب ما تكون الى الوصية وبعثها الى السيد محمود الهاشمي ، أوصاه به وبي بعبارات قلما يعبر الشهيد بمثلها لأحد).    
الاعتقال الثاني:- في عام 1977 وفي إثر انتفاضة صفر الخير، عاود النظام اعتقال السيد الشهيد ،واقتيد إلى مديرية الأمن العامة ،لينال أنواع العذاب، حيث قال السيد (قده) عن هذا الاعتقال:" كنت احرص على كتمان ما كنت نلته من التعذيب لئلا يؤدي ذلك إلى انهيار أو خوف من لا قدرة لديه على الصبر والصمود، ولم يسألني أحدا عن شيء إلا أن مدير الأمن العامة قال إننا نعلم إنك وراء هذه العدوانية لتحريض الشعب علينا، إننا سوف ننتقم منك في الوقت المناسب وهددني بالإعدام"، وبعد ذلك أفرج عنه وهو يتوقع اعتقاله ساعة بعد ساعة، وكان مستعدا لذلك ليلا ونهارا[19].
الاعتقال الثالث:- في أواخر صيف 1979، عاودت سلطة النظام الجائر اعتقال السيد الشهيد، وتم نقله بهدوء وبدون ضجة من النجف إلى بغداد، وكان سبب الاعتقال هذه المرة هو رفض السيد الشروط الثلاثة التي عرضها النظام عليه، وهذه الشروط أولها :أن يصدر فتوى بجواز الانتماء إلى حزب البعث الحاكم تناقض فتواه التي أصدرها سابقا بحرمة الانتماء إلى هذا الحزب، وثانيها : أن يصدر فتوى بتحريم الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي تصدّر واجهة المعارضة ،وثالثها: الامتناع عن تأييد نظام الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، وقد رفض السيد الشهيد رفضا قاطعا هذه الشروط، فاعتقلته السلطة الجائرة جراء ذلك الرفض .
   فقامت شقيقته العلوية(بنت الهدى) بالاتصال بمنزل الإمام السيد الخوئي في الكوفة وكانت في أشد حالات القلق هي والعائلة، فطلب الإمام السيد الخوئي على الفور من نجله السيد الشهيد جمال الخوئي الاتصال بالقصر الجمهوري، حيث أبلغ المتحدث معه بأن السيد الوالد في أشد حالات القلق على السيد الصدر، فأبلغوه في أنه سيكون في طريقه إليهم ، فرد السيد جمال بأن السيد الوالد لن يتناول طعام الغداء حتى يحضر السيد الصدر ، فكان الرد إن شاء الله سيتغدى معه، ولم يمض الوقت حتى حضر مدير الأمن وإلى جانبه السيد الصدر إلى دار الإمام السيد الخوئي، ثم غادر إلى منزله بسيارة الإمام السيد الخوئي[20].
استشهاده :في اليوم الخامس من شهر نيسان عام 1980 وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر جاء مدير أمن النجف مع مساعده إلى السيد الشهيد، وقالوا له إن المسئولين يودون لقاءك في بغداد ، فقال السيد الشهيد إذا أمروك باعتقالي فنعم أذهب معك إلى أين تشاء، فقال مدير الأمن نعم إنه اعتقال،فقال السيد الشهيد: انتظرني دقائق حتى أودع أهلي، فودع السيد عياله ثم عاد وابتسامة على وجهه ، وقال إلى مدير الأمن هيا بنا إلى بغداد. ذهب السيد الشهيد إلى بغداد لينال الشهادة، وليوف بوعده إلى المؤمنين الأحرار والشهداء الأبرار ، حيث قال :" وأنا أعلن لكم يا أبنائي إني صممت على الشهادة ولعل هذا آخر ما تسمعوه مني ،وإن أبواب الجنة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب لكم النصر، وما ألذ الشهادة التي قال عنها رسول الله(ص) إنها حسنة لا تضر معها سيئة"[21]، وفي السادس من نيسان 1980 تم اعتقال شقيقته العلوية آمنة بنت الهدى، وقام النظام بتصفيتهما يوم 8نيسان 1980، بعد تعذيب وحشي ظهرت آثاره على وجه الإمام الصدر عند دفنه في اليوم التالي 9نيسان 1980 في النجف الأشرف، بحضور ابن عمه آية الله السيد محمد صادق الصدر[22] الذي كان الوحيد الذي شاهد الجثمان وشهد الدفن.
إن أهمية حركة السيد الصدر تكمن مبتدأً ومنتهى في الأهداف التي سعى إليها أما ما دون ذلك فبحسب تعبير المرجع الديني السيد محمد الصدر (قده):" إن شاء الله هو معذور لأن المجتهد معذور كما في الحديث الشريف ( إن أخطأ فله أجر واحد من الثواب، وإن أصاب فله أجران)، والشهادة التي نالها أيضا رفعته إلى أعلى عليين"[23].
ثالثاً :مدرسة السيد محمد باقر الحكيم "قده"(ناتج المدرستين):ـ
 لقد اكتسب شهيد المحراب"قد" هذه الصفات والمميزات والجوانب من هذين العلمين (الإمام الحكيم،والإمام الصدر) بكل ما للكلمة من معنى وقد انبثق من هذا الاكتساب مزايا وثمرات قل وجودها عند إقرانه من العلماء بل من أساطين الفقهاء الإعلام .
    فهو العالم الرباني والسالك العرفاني والمربي للخاصة والعامة بمناهج التعاليم الإلهية والمخلص لله ورسوله ولأهل البيت (ع) والصابر المحتسب والمسلّم والحامد والشاكر لله  في السر والعلانية .
    أن ملامح السيرة العطرة من شخصية السيد الشهيد محمد باقر الحكيم في كل جوانبها العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والجهادية والأخلاقية هي قدوة للآخرين فهو عاش كعلي في زهده وعلمه وأخلاقه وصبره وعدله وجهاده ، ومات كالحسين مقطعً الأشلاء محزوز الرأس بل زاد على سيده بأن تناثر جسده الطاهر بتمامه على أرض وسور وصحن جده أمير المؤمنين(ع)بأبشع جريمة نكراء عرفها التاريخ الإنساني،وقد تكالبت عليه من غرته الدنيا وباع أخرته بالثمن البخس، فلم يمهلوه رويدا لكي يعطي للعراق نفحة من روحه الحية والعطرة نسمات هواءً ليستنشق الشعب الجريح منه حرية الرأي وفسحة الآفاق وشروق النفس وعودة الحياة ، لقد شاءت الأقدار أن تكون حياة وسيرة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم على ثلاث محطات : 
المحطة الأولى: ـ في رحاب مدرسة العلم والعلماء (النجف الأشرف) :- وهذه المحطة تنقسم إلى:- 
أ. المنشأ والمولد :  ولد السيد محمد باقر نجل مرجع الطائفة آية الله العظمى الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قد) في الخامس والعشرين من جمادى الأول سنة 1358 هـ (1939 م) ، في مدينة النجف الأشرف ونشأ في عائلة علمية كريمة ، حيث أحضان التقى والورع والجهاد والاجتهاد ، فتشرب منذ نعومة أظفاره معاني الصبر والجد والصمود والأخلاق الكريمة ، فقد عاش عيشة الفقراء ، فكم من ليالٍ وأيام وألذ طعامهم كسرات خبز و شاي لا غير أو ليلة والأسرة الشريفة تنام على لحم بطونها جائعة صابرة محتسبة متأسية بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (ع) ، وهكذا قضى السيد شطره الأول من الحياة والذي تزامن مع نشوب الحرب العالمية الثانية بما جرّته من ويلات وآهات ومعاناة في عموم البلدان ومنها العراق .
     وقد عاش السيد مع والده مرجع الطائفة الأعلى وصاحب الصحوة الإسلامية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين ، فكان ولده البار وذراعه الذي يعتمد عليه في أقسى المواقف وأحلك الظروف ، فكان لتلك المرحلة دورها المهم في صقل ملكاته الروحية والعلمية والجهادية .
ب.  نبوغه العلمي :  لقد تمتع السيد الحكيم بذكاء حاد وقدرات ذهنية عالية وهو في بداية شبابه حيث أكمل السيد دراسته الحوزوية في فترة قياسية قصيرة ، فقد فاق أقرانه في مرحلة المقدمات والسطوح فبرز نبوغه العلمي وقدرته الذهنية وفكره المبدع ، مما جعله يحظى باحترام كبار العلماء والأوساط العلمية في الحوزة العلمية الصابرة ، وتأهل لدخول البحث الخارج فحضر بحوث كبار مجتهدي عصره ومنهم والده الإمام الحكيم والإمام الخوئي والشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قد) ، وأجيز بالاجتهاد في علم الفقه وأصوله وعلوم القران من قبل آية الله العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين ووالده الإمام الحكيم في سنة 1964 م ، وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره ، بعد أن برز بحثه في تدريس الفقه والأصول وعلوم القرآن وكان يشار إليه بالبنان وكانت هذه الصفة موجودة عند أستاذيه الحكيم والصدر"قده" ، وفي الوقت ذاته تميز السيد الشهيد بعمق في البحث العلمي ودقة في الطرح الفكري ونتيجة لذلك استقطب مجموعة كبيرة من خيرة فضلاء الحوزة العلمية الصابرة للدرس عنده ،فمن تلامذته البارزين :
1. آية الله السيد عبد الصاحب سعيد الحكيم .
2. آية الله السيد عباس الموسوي (أمين عام حزب الله لبنان) .
3. آية الله السيد صدر الدين القبانجي.
4. حجة الإسلام أسد الله الحرفي 
5. حجة الإسلام السيد محمد باقر المهري.
6.   العلامة عدنان زلغوط.
7. العلامة السيد حسن شحاته.
8. العلامة السيد هاني الثامر.
9. العلامة السيد حسن النوري.
10. العلامة السيد حسين الحكيم (مدير مدرسة الإمام الكاظم ) .
    ج. النشاطات الفكرية والثقافية :ـ
 أن الانفتاح على الأفكار والثقافات المختلفة له الدور الأساسي في رسم أفاق أوسع للإنسان وخلق موسوعة شاملة عنده ، وقد كان الشهيد الحكيم من الأشخاص القلائل الذين يعيشون أجواء ثقافة النجف الخاصة مع انفتاحه على أفكار ورؤى ثقافية متنوعة سواء كانت إسلامية أم علمانية وذلك من خلال قراءاته المتواصلة في مطلع شبابه للكتب والمجلات والصحف التي كانت تصل العراق ، فمنحه ذلك نوعاً من التواصل مع ما يطرح على الساحة الثقافية الإسلامية وغيرها مما دعا بالشهيد الصدر أن يكلفه بمراجعة كتابي ( اقتصادنا، وفلسفتنا) من حيث التصميم العام للمنهج ومناقشة أفكاره ووضع العناوين وتقسيمه للفصول .
    وكان لآرائه الدور المهم الذي جعل السيد الشهيد الصدر يثني عليه ثناءً جميلاً ، ولكن السيد الحكيم عندما أشرف على طباعة الكتاب بنفسه حذف ذلك الثناء ، مما جعل السيد الشهيد يشرف بنفسه على طباعة كتابــــه (اقتصادنا) فيثني على جهود السيد الحكيم فيصفه بأنه ( العضد المفدى) .
وبعد أن نال "قد" مرتبة عالية في العلم بفروعه وفنونه المختلفة مارس نشاطاته العلمية والفكرية والثقافية ولم يقتصر على الجانب الحوزوي ، ففي أواخر الخمسينات اختير عضواً في اللجنة المشرفة على مجلة الأضواء الإسلامية ، وهي مجلة ساهمت كثيراً في تشكيل الوعي الفكري والثقافي والسياسي الإسلامي لدى جيل الخمسينيات من القرن الماضي الميلادي.  
    كما إنه "قد" رشح أستاذاً في كلية أصول الدين ببغداد لمادة "علوم القران،والشريعة،والفقه المقارن" وذلك في عام 1964، وأعطى هذا العمل الجبار زخماً ودافعاً كبيراً لقضية التواصل بين الحوزة العلمية والجامعة الأكاديمية وكان يرى "قد" بأنه لابد أن يلتقي الفكر الحوزوي مع الأكاديمي لتتكامل حركة الأمة في مسيرتها نحو القيم الإسلامية السامية التي نطق بها القران .
    لقد سمحت ثقافة شهيد المحراب المركبة من الأسلوب الحوزوي والنهج الأكاديمي على إيصال الخطاب العلمي والثقافي للحوزة العلمية بما يتضمنه من رؤى ومفاهيم مستمدة من مجمل الدليل الشرعي وبما يحتويه من طروحات متكاملة إلى المحافل العلمية سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية بأساليب وصيغ جمعت بين الدقة في اختيار الكلمات والتوضيح الجلي للفكرة ، ولذا كان كثير الحضور والمشاركة في المؤتمرات ذات الطابع العلمي والثقافي في وقت كانت مشاركته تمتاز بالتنوع والسعة والعمق .
    وأسفرت ثقافته العلمية التي كانت رائدة في كل جوانب الفكر عن آثار ومؤلفات حيث جاء في مأثور الكلام:الكتاب أحد اللسانين وخير المخلفات المؤلفات،ويراع المرء ترجمان عقله والشاهد على فضله .
    والمؤلفات تختلف باختلاف أصحابها وتتباين بتباين العلوم المودعة فيها، والمقرر عند ذوي التحقيق والفضيلة أن شرف العلم بشرف موضوعه ويأتي "علم الفقه" وما يتعلق به في مقدمة العلوم الشريفة بل هو رأسها وعمدتها وفي ذلك يقول السيد بحر العلوم في "الدرة النجفية":
وإن علم الفقه في العلوم        كالقمر الزاهر في النجوم
والمستقري لآثار شهيد المحراب "قد" يجده فيها ذلك العبقري الفذ واللوذعي البارع الذي لا يشق غباره ولا يدرك تياره وقد صال براعه السديد في تحبير تلكم العلوم الشريفة فأدرك قصب السبق وأحرز القدح المعلى فيها وتمتاز تلك المؤلفات سواء أكانت في علوم القران وتفسيره أم في دراسة حياة أئمة أهل البيت(ع) أم في النظرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بقوة السبك العلمي ومتانة ودقة الأسلوب وبلاغة التعبير والسلامة من الحشو والتكرار مع وضوح الدلائل وهي إن أمكن لغير المتخصص قراءتها وربما فهمها لسلاسة الكلام فيها وسهولة أسلوبها إلا أنها دقيقة العبارات ، وقد خلف رضوان الله عليه أكثر من خمسين مؤلفاً ذات آثار عظيمة وقيمة نذكر بعضها:-
1. علوم القران.
2. القصص القرآني.
3.الهدف من نزول القران وآثاره على منهجه في التغيير.
4.منهج التزكية في القران.
5.الظاهرة الطاغوتية في القران.
6.المستشرقون وشبهاتهم حول القران.
7.تفسير موضوعي وتجزيئي للبعض سور القران(سورة الحمد،وجزئي 29-30).
8.أهل البيت ودورهم في الدفاع عن الإسلام.
9.دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة.
10.ثورة الإمام الحسين.
11.مأساة الحسين وتصعيد روح المقاومة.
12.الإمامة وأهل البيت.
13.الشيعة والتشيع.
14.الحجة والولاية.
15.الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق.
16.دور الفرد في النظرية الاقتصادية الإسلامية.
17.العلاقة بين القيادة الإسلامية والأمة.
18.الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين.
19. النظرية الإسلامية في العلاقات الاجتماعية.
20.النظرية الإسلامية في التحرك الإسلامي.
21.حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية.
22.أفكار ونظرات جماعة العلماء.
23.القضية الكردية من وجهة نظر إسلامية.
24.المجتمع الإنساني في القران الكريم.
25.حوارات (1-2).
26.دعبل بن علي الخزاعي شاعر أهل البيت.
27. الأربع عشرة مناهج ورؤى . 
28.موسوعة الحوزة والمرجعية(5 أجزاء).
وهناك عشرات البحوث المطبوعة والمخطوطة لم يتسر لي في هذا البحث المختصر الإشارة إليها. 
 
    د. النشاطات السياسية:ـ  تعتبر النشاطات السياسية للسيد محمد باقر الحكيم في المحطة الأولى من حياته من أبرز النشاطات التي قام بها"قد" ضد التطرف والاضطهاد والمعانات التي واجهها الشعب العراقي المظلوم من قبل أكبر حزب تسلطي وفاشي ودكتاتوري عرفه تاريخ العراق وهو النظام البعثي المجرم .
     وقد بدأ السيد محمد باقر الحكيم (قد) مع ثلة من العلماء المجاهدين العمل على الصعيد السياسي عندما ساهم بتوجيه ودعم التنظيم السياسي الثقافي الإسلامي وسمي فيما بعد (حزب الدعوة الإسلامي)، الذي يهدف إلى ردم الهوة بين الحوزة العلمية والأوساط المثقفة في المجتمع ، وقد ضم أوساط الجامعيين والموظفين والتدريسيين والكتاب وغيرهم ، اشرف السيد (قد) على نشاط هذا الحزب حيث قام بإبداء النصائح والتوصيات لكي لا يخرج هذا التنظيم عن مسار الشريعة السمحاء ،وكان معه في هذا النشاط والتحرك السيد الشهيد الصدر(قد) والسيد الشهيد مهدي الحكيم (قد) والسيد مرتضى العسكري (دام ظله) الذين اكتفوا بممارسة الأدوار التوجيهية والإرشادية فقط ضمن إطار المرجعية الدينية منذ عام 1960م وقد ساهم السيد الحكيم أيضاً في توجيه وإرشاد الجماهير العراقية في عقد الستينيات عندما كان معاوناً لوالده الإمام الحكيم (قد) حيث استنكر مع مجموعة من العلماء تطبيق القوانين الاشتراكية في العراق في عهد عبد السلام عارف سنة 1964م ، ووقف في وجه المد الشيوعي مع والده الإمام الحكيم الذي أفتى( بأن الشيوعية كفر وإلحاد ) وناصر القضية الفلسطينية وشارك في مؤتمر عمان مندوباً عن والده ، وقام بتأسيس كلية أصول الدين مع مجموعة من العلماء منهم السيد الشهيد الصدر والسيد مرتضى العسكري، وقد كان يحاضر في تلك الكلية في مادة علوم القرآن ، فضلاً عن كتابته للمقالات في المجلات الإسلامية لا سيما مجلة (الأضواء)التي كانت محط أنظار الشارع الإسلامي والطليعة المؤمنة من الشباب العراقي الناهض.وقد مثل السيد الحكيم المرجعية الدينية في عدة مؤتمرات خارج العراق ، أولها المؤتمر الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1965م ، والمؤتمر الإسلامي في عمان في أعقاب نكسة حزيران سنة 1967م ، مضافاً إلى تمثيله للمرجعية في بعثة الحج الدينية التابعة لمرجعية الإمام الحكيم (قد) والتي أصبح السيد مسئولا عنها لتسع سنوات متعاقبة ، حيث كان يلقي توجيهات وإرشادات والأحكام في عموم الحجاج المسلمين 
     وكان تحرك السيد محمد باقر الحكيم واسعاً حيث شمل جميع أنحاء العراق لرعاية شؤون المؤمنين وحل متعلقاتهم وإصلاح الفاسد من أمورهم ومن ذلك زياراته للبصرة والناصرية والحمزة الشرقي والديوانية والعمارة والكوت وبغداد وغيرها من المدن التي كان السيد يشرف على إقامة التجمعات الثقافية والدينية فيها ويحضر احتفالاتها الدينية بمناسبة ولادات الأئمة(ع) مضافاً إلى إنشاء المشاريع التعبوية الكبرى كالمهرجانات المركزية في المحافظات ومكتبات الإمام الحكيم التي انتشرت في ربوع العراق . 
     وعندما جاء حزب البعث للحكم على اثر انقلاب عام 1968 المشئوم ، بدأ حربه ضد الإسلام والحركات والقوى الوطنية ، وكان في مقدمة أعدائه وألدهم المرجعية الدينية والتيار الإسلامي، والذي اعتبره البعث(التيار الرجعي الفاطمي) كما جاء في بيان المؤتمر القطري السابع لحزب العفالقة في العراق ومن ثم كانت محاصرة النجف الأشرف عموماً وبيت الإمام الحكيم والسيد الخوئي خصوصاً والذي تزامن مع حملة تسفير طلبة العلوم الدينية إلى خارج العراق، مما دعا الإمام الحكيم إلى تنصيب ولده السيد محمد باقر مندوباً عنه للتفاوض مع الحكومة لإيقاف هذه الحملة المسعورة التي تسعى للقضاء على الحوزة العلمية ، وحينها قدم السيد محمد باقر الحكيم محضراً يثبت محاربة حزب البعث للإسلام والشعائر الدينية على الرغم من رفض وإنكار موفد حزب البعث الذي كان يرأسه خير الله طلفاح مما أنتج وقف التسفير في تلك الفترة.
     وبعد وفاة الإمام الحكيم (قد) عام 1970م زادت المسؤولية الملقاة على السيد محمد باقر الحكيم ،حيث أصبح نشاطه السياسي والاجتماعي والديني يثير قلق السلطة لاحتلاله موقعاً ريادياً في حركة النهضة الإسلامية واعتباره الرجل الثاني بعد السيد الشهيد الصدر (قد) مما دعاهم إلى اعتقاله في حملات الاعتقالات الواسعة التي طالت طلبة العلوم الدينية عام 1972م واعتقل فيها السيد الشهيد الصدر (قد) أيضاً ، وتعرض السيد محمد باقر الحكيم لتعذيب قاس في سجن النظام ، ثم أفرج عنه بعد الضغوط الجماهيرية الواسعة.
     واستمر التصعيد الإسلامي الريادي حتى بدأ النظام البعثي بالتدخل بصورة مباشرة من خلال منع الشعائر الدينية ومنها زيارة الإمام الحسين(ع) مما أجج الشارع العراقي ضده واندلعت انتفاضة صفر عام 1977م وكان دور السيد الحكيم فيها رئيسياً حيث كان سفير السيد الشهيد الصدر (قد) إلى الجماهير حيث ألقى الخطاب السياسي إلى الزوار المنتفضين لإشعارهم أن المرجعية الدينية معهم.
     وقد أدى هذا التدخل إلى اعتقال السيد الحكيم (قد) الذي عُذِّبَ أكثر مما عًذب باقي المعتقلين حيث نتج عن هذا التعذيب إضرار جسدية من ضمنها كسر الفك الأسفل الشريف لسماحته ، ثم حكم عليه بالسجن المؤبد وظل السيد في السجن نحو عام كامل ثم أطلق سراحه في العفو العام للسجناء في 17 تموز عام 1978م تحت الضغوط الجماهيرية الغاضبة.
     وبعد إطلاق سراح السيد الحكيم ظل تحت المراقبة الأمنية وضغوط السلطة حتى اغتيال السيد الشهيد الصدر   ( قد ) مما جعل خروج السيد الحكيم أمراً ضرورياً لضمان سلامته واستمراراً للخط الجهادي .  
المحطة الثانية:في رحاب مدرسة قم المقدسة:- خرج السيد الحكيم (قد) بشكل سري إلى خارج وطنه الحبيب العراق وكانت المحطة الأولى له سوريا وعمد حال وصوله إلى تأليف بحثين:الأول عن تطور الحركة الجهادية والسياسية وتقييم الوضع في العراق والثاني وضع الخطط الاستراتيجية الثابتة للعمل الجهادي ضد صدام ونظامه الإجرامي.
     ثم انتقل السيد (قد) إلى الجمهورية الإسلامية في تشرين الأول عام 1980م وتحركت نحوه حال وصوله الجماهير العراقية المقيمة في إيران في وفود شعبية حاشدة فأعلن عن المواجهة الشاملة ضد نظام البعث ورأسه صدام الكافر فكان أول العلماء الذين أعلنوا بصراحة مواجهة نظام صدام عبر الصحف والمجلات والإذاعات والحشود الجماهيرية وصلاة الجمعة في طهران، وقد حل السيد (قد) في إيران ضيفاً على الإمام الخميني (قد) حيث أولاه عناية خاصة وكان محط اهتمامه طيلة فترة حياة الإمام الراحل مضافاً إلى الاهتمام الذي لقيه من جميع المسئولين وخاصة من علماء الدين الكبار.
ونذكر مجمل من الأعمال والنشاطات السياسية والثقافية والاجتماعية التي قام بها شهيد المحراب "قد" في دار الغربة والفراق:ـ
أولاً: الأعمال السياسية والجهادية: ـ 
لقد كان لسماحته الدور الريادي في تطوير المقاومة الإسلامية وتطوير عملها وقد أثبت سماحته من خلال المقاومة والصمود على الساحة العراقية خصوصاً وعلى الساحة الإسلامية عموماً نجاحه في التمهيد لإسقاط النظام البعثي البائد وقد ساهم أيضاً  في دعم المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين وقد أشار الأمين العام لحزب الله لبنان بهذا العمل الجهادي بعد استشـــهاد السيد الحكيم  رضوان الله تعالى عليه ( راجع الكلمة التي ألقاها السيد نصر الله بمناسبة استشهاد السيد الحكيم (قد))، أما أهم الإعمال والنشاطات السياسية والجهادية التي قام بها سماحته على الساحة العراقية فهي كالآتي:-
أ.تشكيل النواة الأولى لفيلق بدر وتأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية:-
عند وصول السيد الحكيم إلى إيران، أسرع بتشكيل تعبئة جماهيرية إسلامية ضد نظام صدام وخاطب بشأن ذلك جميع العراقيين وبالأخص المهجرين والمهاجرين ممن أبعدهم النظام وغيرهم ، فتشكلت تجمعات عسكرية كان لها دور فعال في الحرب المفروضة من قبل نظام صدام ضد الجمهورية الإسلامية حيث قامت تلك التجمعات بعمليات قتالية داخل العراق وخارجه ، وساهمت في ردع منافقي خلق الذين دعمهم الاستكبار العالمي للوقوف أمام الثورة الإسلامية ، فنمت من هذه التشكيلات النواة الأولى لفيلق بدر المدرب والمجهز بالتجهيزات العسكرية الحديثة.
وقد عمد السيد محمد باقر الحكيم (قد) إلى تعميم الحوار السياسي مع جميع القوى والحركات والأحزاب من أجل وحدة الصف أمام ذلك النظام المجرم ، فانبثق منها فكرة  (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) عام 1982م وكان السيد الحكيم الناطق الرسمي له بإجماع أعضاء المجلس وكان دور الناطق الرسمي هو الدور الأهم في المجلس بسبب كون الأعضاء كانوا يمارسون أدوراهم بسرية تامة، باستثناء دور السيد الحكيم الواضح كناطق رسمي للمجلس ، وبعدها صار السيد الحكيم رئيساً للمجلس منذ عام 1986م.
    وقد نتج من هذا التشكيل تحقيق نجاحات واسعة على مستويين:
•        المستوى الأول: التعبئة العامة للأمة في مواجهة النظام ورفضه وكذلك الاستعداد لتحمل مسؤولية القتال والمقاومة المسلحة والاستمرار فيها.
•   المستوى الثاني: تأسيس وإقامة البناء السياسي والعسكري وإيجاد المؤسسات ذات العلاقة بذلك فمثلاً القوى الإسلامية الشيعية التي لم تكن تملك نشرة محدودة ولم تكن قد دخلت المواجهة السياسية ولم تعرف العمل العسكري منذ الحرب العالمية الأولى وثورة العشرين ، تمكنت من أن تبني المنظمات السياسية والعسكرية والمؤسسات الإعلامية.ومنها (فيلق بدر،والمجلس الأعلى)التي يعود الفضل في تأسيسها إلى شهيد المحراب"قد".  
  ب. المساهمة في تفعيل الرفض السياسي داخل العراق: إن حركة الرفض والمقاومة السياسية للاستبداد من المرجعية الدينية والشعب العراقي المستضعف هي حركة واسعة في أبعادها ، عميق الجذور في منطلقاتها وعظيمة التضحيات والعطاء في نشاطاتها وفعالياتها ، وقد بدأت في رفض ومواجهة النظام البعثي منذ بداية مجيئه في زمن مرجعية الإمام الحكيم"قد" وحتى مرجعية الإمام السيستاني "حفظه الله" حيث شخصت المرجعية طبيعة هذا النظام العدوانية والوحشية وتنكره للقيم الإسلامية والعربية ومعاداته لمصالح الأمة العربية والإسلامية وللشعب العراقي. 
   حيث ساهم السيد محمد باقر الحكيم وبشكل فعال مع المرجعية الدينية الصابرة في النجف الأشرف في المبادرة لاتخاذ الموقف والتعبير عن رأي الشعب العراقي الرافض للسياسات القمعية والتعسفية التي مارسها ويمارسها النظام البعثي المقبور آنذاك، من خلال المذكرات والتصريحات التي كان يدلي بها "قد" في الأعلام المرئي والمسموع والاتصالات السياسية مع الحركات السياسية المعارضة داخل العراق وهذا التفعيل ساهم في التعبئة العامة لمواجهة النظام والدخول معه في صراع ، وتشكيل المؤسسات السياسية والعسكرية والإعلامية السرية داخل العراق والتحرك على المجتمع الدولي لتعرية النظام في الداخل والخارج.  
  وعلى أثر العمل الجهادي والرفض السياسي المتواصل حاول صدام الضغط على السيد الحكيم فاعتقل أخوته الستة وبعض أفراد عائلته الكريمة ، وأرسل رسالة تهديد إلى السيد الحكيم يطالبه فيها بترك العمل الجهادي والإعلامي والسياسي ضده ، وإلا سوف يصفي أركان تلك الأسرة الكريمة واحداً تلو الأخر فرفض السيد الحكيم (قد) تلك المساومة ولم يرضى بالتخلي عن مسؤولياته الدينية والوطنية فقام صدام بتصفية عشرة من أفراد العائلة الكريمة منهم أخوته الستة في عام 1985م وقد تحمل السيد (قد) ذلك المصاب الجلل بصبر يقاس بصبر الأنبياء مما دعا الإمام الخميني (قد) أن يصفـه بأنه ( الابن الشجاع للإسلام ) في بيانه التأبيني للشهداء العشر من آل الحكيم.
ج.المواجهة المسلحة والتعبئة العامة لها:- عندما أصدر النظام قوانين حكم الإعدام والقتل على كل نشاط سياسي أو ثقافي تعبوي أو دعوة للإسلام الأصيل في الداخل أصبح الشعب العراقي أمام خيارين فإما الاستسلام والعبودية ، أو الدفاع والمقاومة.
    فمنذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية قام المجاهدون في الداخل والخارج[24]  بالمواجهة المسلحة ضد النظام البعثي وأزلامه المجرمين، وكان للسيد الحكيم الدور الريادي في التحرك العسكري والمواجهة ضد نظام صدام المقبور ، فقد شكل قوات المقاومة الإسلامية والجهاد (بدر) التي تعتبر أعظم قوة عسكرية في أوساط المعارضة في العالم العربي والإسلامي،حيث نفذت عمليات كبيرة في داخل العراق وكان لها صدى أكبر في مناطق الاهوار والجنوب بل حتى بغداد العاصمة ، والمحاولة الناجحة لاغتيال عدي صدام لهي أكبر دليل على قوة هذا التنظيم الإسلامي.  
د.غزو النظام البعثي للكويت:لقد كان غزو الكويت من قبل النظام أحد تداعيات الحرب مع إيران وملابساتها وقد فسح ذلك المجال لوضوح الرؤية وفهم حقيقة النظام لدى الأوساط السياسية العربية والإسلامية ، كما فتح الأبواب لفضح حقيقة النظام أمام الرأي العام العالمي والإقليمي، وكانت النظرية السياسية للسيد الحكيم في هذا الموضوع  هو ان قوى التحالف وفي مقدمتها أمريكا ساهمت وبشكل كبير بدفع النظام البعثي إلى هذا الغزو من أجل ان يأخذوا من صدام كل ما أعطوه له في حرب إيران(1980-1988) من إمكانات وأسلحة ومعدات وتجهيزات وفرص للنمو غير الطبيعي،وكذلك لتحكم سيطرتها على المنطقة ونهب وسلب خيراتها بواسطة جيوشها ومعداتها العسكرية العملاقة التي جاءت إلى المنطقة بذريعة احتلال العراق للكويت.  
هـ.الانتفاضة الشعبانية 1991:-وقد عبر الشعب العراقي عن موقفه تجاه هذا النظام الظالم بهذه الانتفاضة المباركة بعد الخسارة الكبرى التي لاقاها النظام باحتلاله الكويت وانسحابه منها كقطيع من الأغنام تنهش بلحومها الذئاب.  
     ففي هذه المرحلة أعلن المرجع الديني آية الله محمد باقر الحكيم حالة الطوارئ في كل التشكيلات القتالية والسياسية وذلك في الساعة الأولى لانطلاق انتفاضة 15 شعبان المباركة عام 1991 م ، واتخذ القرار بالوقوف إلى جانب الشعب العراقي في حركته هذه والحضور في مواقف المواجهة ، وقد أصبح الجميع في حركة عمل دائبة يواصلون وهو معهم العمل الجهادي في الليل والنهار عملاً وتواصلاً مع تطورات الانتفاضة ، فعلى الصعيد العسكري ساهم فيلق بدر مساهمة فعالة ومهمة في إسناد ودعم الانتفاضة ويمكن أن نقول فيها إجمالاً أنه بذل كل الجهود الميسورة لديه في الدفاع عن الشعب العراقي وحركته .
     وعلى الصعيد السياسي تحرك سماحته من خلال اللقاءات مع سفراء الدول الذين توافدوا على مكتبه ، وكذلك مراسلي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام في توضيح صورة ما يجري في داخل العراق ، وكان سماحته أول من أصدر بياناً دعا فيه العراقيين في الخارج إلى تشكيل لجان الإغاثة التي قامت بإيصال كميات كبيرة من المساعدات الغذائية والدوائية الضرورية للمواطنين في تلك الأحداث وسعى السيد (قد) بالاتصال بالعديد من الشخصيات العالمية لفضح حقيقة النظام العفلقي أمام العالم أجمع ضمن لقاءاته مع القنوات الفضائية وكتاباته التي يتم توزيعها على جميع المؤسسات والمكتبات في العالم . مما ساهم في نبذ نظام صدام من الأسرة الدولية .
     وكان السيد الحكيم (قد) من الذين تنبئوا بقيام النظام العراقي بخلق أزمة جديدة يحاول من خلالها أن يغطي على فشله في الحرب العدوانية ضد الجمهورية الإسلامية وكانت الكويت مرشحة للغزو في نظره حيث أشار إلى ذلك في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة قبل الغزو بأكثر من عام . 
     كما كان سماحته ممن أدان وشجب هذا العمل العدواني ، وفي الوقت نفسه كان يرى بأن التدخل الأجنبي في هذا الصراع سوف يجر المنطقة والعراق إلى أزمات و مخاطر حقيقية ، وقد دون ذلك في أحاديث عديدة،وكان يتوقع على خلاف الكثيرين بأن النظام سوف لا يسقط بمجرد شن الهجوم الجوي عليه وأن الغرب وأميركا سوف تحافظ على النظام من أجل تأمين مصالحها في المنطقة وهذا ما حصل بالفعل[25].
و.السنوات ألاثنتي عشر من(1991- 2003م):- لقد عاش الشعب العراقي الجريح محنة هذه السنوات بصنوف العذاب فبعد الانتفاضة الشعبانية المباركة التي قادها وراعها الإمام الخوئي"قد"، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من العرب والغرب في هذه الانتفاضة خطراً كبيراً على مصالحها في العراق وفي المنطقة ،وذلك إذا ما تحقق تحالف حقيقي وعمق استراتيجي بين العراق وسوريا وإيران ، في الوقت ذاته، كانت قد أعدّت العدة لمؤتمر "مدريد" واتفاقيات "أوسلو"وغيرها من القضايا التي عُرفت لاحقاً لإسقاط نظام صدام.
    فعندما اعتقدت بخطر الانتفاضة على مصالحها تغير موقف هذه القوى تجاه النظام وأدارت ظهرها إلى الشعب العراقي ، فوقفت إلى جانب النظام البعثي القذر لضرب الشعب وقتله وإبادته بالنار والحديد، بعد أن كانت تحرّض هذا الشعب على الثورة والتغيير.
   ويمكن ايجاز دور السيد الحكيم في مقاومة النظام في هذه الفترة بالنقاط الآتية:
1.لقد سعى السيد الحكيم"قد"عند انتهاء حرب الخليج الثانية،  إلى لّم شمل جميع القوى المعارضة بمختلف مسمياتها مما جعلها أقوى وأصلب في مواجهة النظام.
    لقد كان للقوى السياسية الإسلامية والقوى الكردية دور متميز في مجال الكفاح المسلح وتنظيم القوى الشعبية وشاركتها في ذلك القوى القومية وبقية القوى الديمقراطية مساندة وداعمة ،حيث عبرت جميعها عن موقفها الثابت الموحد وإصرارها على تغيير الأوضاع السياسية في العراق، والفضل في ذلك يرجع إلى السيد الحكيم (قده).       
2.إقامة المؤتمرات واللقاءات الساعية إلى نصرة الشعب العراقي وتوحيد صفوف المعارضة العراقية منها مؤتمر بيروت سنة 1991،ومؤتمر صلاح الدين 1992،واللقاء التداولي في دمشق سنة 1996، وغيرها من المؤتمرات التي ساهمت بالاتفاق على كلمة واحدة وهي تخليص الشعب العراقي من النظام البعثي الظالم.
3. فضح ممارسات النظام اللاإنسانية أمام المجتمع الدولي ، وتحديد المطلوب من الأمم المتحدة والدول الغربية والإقليمية في كشف النظام من حيث انه نظام مستهتر بالقوانين ،وارتكب المحرمات الدولية ،وانتهك المواثيق والعهود الدولية بصورة لم يسبق لها نظير،وشن الحروب على جيرانه واستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه والدول المجاورة فضلاً عن الإبادة الجماعية وتدمير البيئة.
  4.تبني مشروع التغيير في العراق الذي يقوم على مجموعة من الأسس والسياسات أهمها:إن تغيير النظام السياسي في العراق هو العلاج الوحيد والأساسي لكل المآسي والآلام في داخل العراق والمنطقة وبدون ذلك سوف يواجه العراق والمنطقة استمرار والمحن والاضطراب والفرقة وتهديد الأمن والسلام.
5.العمل على تشكيل تجمع سياسي واسع من القوى السياسية يتفق على الأصول العامة للخطاب السياسي ورؤية المستقبل ومنهج العمل وينسق مواقفه وأعماله في مواجهة النظام. 
6.اعتماد منهج التغيير على أساس العمل الميداني في الداخل المدعوم سياسياً وإعلاميا ولوجستياً من القوى المعارضة الموجودة في الخارج،فضلاً عن العمل على تشكيل نواة صلبة من المعارضة العراقية الحقيقية التي يكون لها تأثير في داخل العراق وتتصف بالتعددية القومية والمذهبية والسياسية بصورة إجمالية كما يكون لها علاقات ثقة متبادلة مع مختلف قوى المعارضة في الخارج.
7.الاستفادة من جميع قوى وطاقات الشعب العراقي الموجودة في الداخل وتوحيد جهودها لمواجهة النظام من اجل إيجاد التغيير في العراق.  
  بعض من نظرياته السياسية:
1.نظريته في القيادة: يعتقد أن القيادة هي اختصاص الإنسان الصالح الذي يكون عارفا بالشريعة الإسلامية على مستوى الاجتهاد، ومتصفا بالصبر والشجاعة والدراية السياسية والاجتماعية والتصدي للأنظمة الجائرة، وأن يتم اختيارها بالانتخاب الطبيعي من الأمة في مرحلة ما قبل الحكم وعن طريق الاقتراع في مرحلة ما بعد الحكم.
2. نظريته في الحكم ورأي الشعب: يؤمن بأن اختيار شكل الحكم وأساليبه والحاكم-الذي يجب أن يتصف بالمواصفات الخاصة من العلم والتقوى والخبرة السياسية والمواصفات الأخلاقية الحميدة- لابد أن يمر عبر رأي أكثرية الشعب العراقي المسلم ومن خلال الانتخاب الحر والمباشر ، وقد عبر عن إيمانه هذا بتصريحاته الكثيرة والصريحة في هذا المجال، كما كتب بحثاً قيما في هذا الموضوع.
3.نظريته في قوة المعارضة العراقية:- يرى أهمية الانفتاح في العمل والتعاون الميداني مع جميع قوى المعارضة العراقية المخلصة الحقيقية التي تسعى للخلاص من النظام الجاثم على صدر العراق وتحترم إرادة الشعب وعقيدته كما يرى ضرورة توحيد موقفها من القضايا الأساسية من أجل نجاح عملية التغيير. 
4.نظريته في الكفاح المسلح: يعتبر أن الأصل في العمل التغييري هو الحوار والعمل الثقافي والسياسي وإبلاغ الرسالة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن خلال البلاغ وحرية الرأي والفكر، ولا يصح اللجوء إلى العمل المسلح إلاّ في حالات الدفاع عن النفس تجاه ظلم الأنظمة الدكتاتورية التي تحاول أن تفرض وجودها وبقاءها بالقوة وبالاعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان ومصادرة حريات الشعب، وتمارس عمليات التصفية الجسدية للمعارضة، ولا يصح أن يطال العمل المسلح الأبرياء في هذه الحالة.
5.نظريته في النظام الدولي القائم:- يعتقد أن النظام الدولي يجب ان يتجه نحو توحيد الحياة الإنسانية وإنهاء جميع الفوارق العنصرية أو الطبقية أو ممارسة الاستغلال والهيمنة واحترام الحقوق الأساسية للإنسان والمبادئ والقوانين والمواثيق الدولية وكذلك احترام الحقوق الدينية للأديان السماوية والبنية الاجتماعية للإنسان القائمة على أساس الأسرة والحقوق المتساوية والمتبادلة بين الرجل والمرأة وان تقوم العلاقات مع الحكومات على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتقابل واحترامها لحقوق الإنسان تجاه شعوبها ومقدار تمثيلها لهذه الشعوب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وضرورة معاقبة المعتدي ومحاكمة مجرمي الحروب ومجرمي الشعوب ،وأهمية حسن الجوار بين الدول والعمل على إلغاء الفوارق بين الشمال والجنوب واحترام إرادة الشعوب ونصرة المضطهدين والمحرومين والوقوف إلى جانب حركة التحرر العالمي وقضايا المحرومين وقضايا حقوق الإنسان.
6.نظريته بان الإسلام إطار لوحدة الشعب العراقي:-يؤمن بإن الإسلام هو الإطار الأفضل الذي يمكنه أن يوحد حركة الشعب العراقي ويضمن الحقوق الكاملة لجميع القوميات والمذاهب والأقليات، وإنه يمثل هوية الشعب العراقي المسلم ويحترم الأقليات ، وقد حافظ على وجودها منذ الصدر الأول للإسلام وحتى اليوم.
7.نظريته في الأقليات القومية والدينية:-يؤمن بضرورة احترام الأقليات القومية والدينية وحقوقها العامة وضمان وحدة العراق بالطرق الدستورية ويؤمن بضرورة إعطاءها حقّها في ممارسة معتقداتها الدينية كما يؤمن بوحدة الأرض العراقي ويقف ضد أي نشاط لتجزئة أو تقسيم الأرض العراقية كما انه يدعو إلى الوحدة الإسلامية بين المذاهب والطوائف الإسلامية وهو يقف ضد كل جهد يدعو إلى الطائفية السياسية أو الدينية. 
8.نظريته في حقوق الإنسان: يؤمن بضرورة صيانة الحقوق الأساسية للإنسان ، كالحرية الفكرية والسياسية وحرية الرأي، والحرية الشخصية، ضمن الضوابط الإسلامية، وكذلك الدور المتوازن للفرد والدولة في الاقتصاد،وله في هذا المجال بحوث فكرية وبيانات  سياسية، وجهها إلى الجهات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان، وقد كان له دور خاص في تأسيس وإسناد منظمات حقوق الإنسان في العراق، والتحرك في مجال اللجان المختصة التابعة للأمم المتحدة.. 
   وهنالك عشرات النظريات والرؤى لا نستطيع الإشارة إليها في هذا البحث المختصر مثل(القضية الكردية،العمل الجماهيري،العمل المنظم وأهميته،دور علماء الدين،المجلس البرلماني وتمثيل الشعب) وغيرها من هذه النظريات التي أغنى بها "قد" المشروع السياسي الإسلامي.
9.نظريته في المرجعية الدينية:- إن علاقة السيد محمد باقر الحكيم (قد) بالمرجعية الدينية كعلاقة الابن بابيه والتلميذ بمعلمه ، حيث كان دائماً يدعو ويحث المؤمنين على وجوب الالتفاف حول المرجعية ومساندتها ، كما كان (قد) يركز على الدور الريادي للمرجعية الدينية في قيادة الأمة ويتبين ذلك من خلال الخطب والمحاضرات التي كان يلقيها على المؤمنين وبالأخص على المجاهدين في فيلق بدر والتي كانت من أهمها خطبته قبيل عودته إلى العراق في منطقة دزفول الإيرانية ، حيث قال (قد) فيها : لو قلت لكم قولا أو أمرتكم بأمر وقالت المرجعية خلاف ذلك فالقول قول المرجعية لأني اصغر و أحقر جندي عندها وافتخر بذلك واقبل أياديهم وفي ذلك تقرباً إلى الله سبحانه ورسوله وأهل البيت (ع) ، أولادي أعزائي تكليفنا عند أول قدم بعد الحدود أن نكون عوناً وقوةً للمرجعية مدافعون عنها مؤازرون لها حتى إعلاء كلمتها التي هي كلمة الله (وكلمة الله هي العليا) .
     ولولا أن السيد شهيد المحراب (قد) يدرك دور الكلمة تحت خيمة المرجعية لما خاطب المحتشدين من قواته بهذا الكلام العظيم ، علماً انه كان (قد) وقتئذ قائد القوات المسلحة لفيلق بدر .
ثانياً: الأعمال الثقافية والاجتماعية:-أعطى شهيد المحراب"قد" جزءاً مهماً من وقته في إنشاء وتكوين مؤسسات تحقق الأهداف الإسلامية والمصلحة العليا للإسلام على المستويين الاجتماعي والثقافي ، فقد أسس السيد الحكيم (قد) لجاناً متخصصة للتثقيف والتوعية الدينية ، تقوم بواجباتها تجاه اللاجئين وأسرهم ، فضلاً عن أسرى الحرب [26]، وتتبنى رعاية الدورات العلمية والدينية وبناء وتأسيس المساجد والحسينيات ونحوها من الأنشطة مضافاً إلى إيصال مواد الإغاثة إلى المتضررين والمحتاجين.
  وكان للسيد الشهيد(قد) الدور الكبير في إنشاء العديد من المؤسسات والتجمعات منها[27] :-
1.  المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي كان يشغل"قد" منصب الرئيس فيه، وأصدر هذا المجمع مجلة "التقريب"حيث كان السيد الشهيد المشرف العام عليها.
2.      مؤسسة دار التبليغ الإسلامية والتي يشرف عليها بنفسه 
3.     مركز دراسات العراق الحديث .
4.     مؤسسة دار الحكمة التي تضم مدرسة دينية حوزوية.
5.     مركز للبحوث الإسلامية .
6.     مكتبة علمية تخصصية 
7.      مجمع الكوادر الإسلامية .
8.     المجمع العالمي لأهل البيت والذي كان يحتل فيه السيد (قده) منصب الرئيس ، وغيرها من المؤسسات والتجمعات الثقافية والفكرية والدينية.
المحطة الثالثة :في رحاب مدرسة النجف الأشرف ثانيتاً:- عندما عاد سماحته(قد) إلى أرض الوطن العراق وبعد غياب دام أكثر من ثلاثة وعشرين سنة،قام السيد(قد) بعدة أعمال مهمة رغم خطورة الوضع الأمني والصراعات السياسية وقصر الفترة التي قضاها في العراق بعد سقوط النظام البعثي الفاسد وقبل استشهاده(قد) ومن أهم هذه الأعمال :- 
1.     تحديد المنهج الذي تتبناه المعارضة العراقية في العراق الجديد:-وهذا المنهج ينطلق من مبادئ وقواعد:
•        الموقف الشرعي في أداء التكليف الإلهي في مقاومة الطغيان والاستبداد والاحتلال بما يناسب مع ظروف العراق.
•   التمسك بالإسلام وأصوله العامة ، لان الشعب العراقي شعب مسلم ، بصورة عامة بعربه وكرده وحتى أقلياته الغير مسلمة فأنها عاشت في ظل الإسلام فلذلك لابد إن نسير في هذا الإطار الإسلامي.
•   الولاء لأهل البيت"ع" فان الولاء لهم هو مبدأ الإسلام الذي يعتقد به جميع المسلمين وكان ملازماً لتاريخ العراق منذ الصدر الأول للإسلام .
•        المطالبة بالحقوق الإنسانية المشروعة لجميع أبناء الشعب العراقي دون تمييز لاسيما المظلومين التي صادرها النظام البعثي المجرم منهم . 
•   تعبئة الأمة بكل قطاعاتها ووحدة كلمتها ووحدة الصف في هذه الأمة،ووحدتها في أهدافها العامة وفي همومها وتنظيمها وتوعيتها سياسياً وثقافياً فالأمة هي أداة التغيير وهي الهدف من التغيير والإصلاح.
•   الالتزام بالمقاومة بكل أشكالها المسلحة والمدنية والسياسية والثقافية وإسنادها بالعمل السياسي والإعلامي،بما يتناسب مع ظروف المرحلة التي يعيشها العراق .
•   إن الهدف من التغيير (أي حكومة جائرة أوظالمة) ليس السلطة والحكم ، وإنما الهدف هو الإصلاح في اُمة رسول الله،وإصلاح الشعب العراقي . 
2.رسم الخطوط المشروعة للمقاومة الإسلامية الحقيقية والحث على الالتزام بها:- المقاومة ليس خروجاً عن الصواب أو انحرافاً عن الصراط المستقيم بل هي عبارة عن عقيدة يلتزم بها الإنسان المؤمن بالله تعالى ويتعبد بها لله من خلال تبنيه لهذا المنهج.
    والمقاومة في مضمونها الأخلاقي عند إمام الاعتدال شهيد المحراب "هي الالتزام بالمثل والقيم الأخلاقية والكرامة الإنسانية والعزة الإيمانية وإقامة الحق والعدل بين الناس، ورفض الظلم والفساد والمساواة بينهم،والالتزام بمنهج الإصلاح والمساواة بين الناس في الحقوق العامة وعلى تكافؤ الفرص،لان الله تعالى خلقهم متساوين في أصل الخلقة.
فالمقاومة ليست القتال وحده،وإنما اختارت المقاومة هذا الأسلوب الجهادي في تصعيد درجة المقاومة كأسلوب من أساليب الدفاع عن النفس بعد إن اتخذ الأنظمة الجائرة قرارا بالتصفية البدنية لكل دعاة الإسلام ، واستخدام النظام البعثي في تنفيذ قراره أساليب القتل صبراً والبطش الجماعي والتشريد والإخراج من الديار والدرجة العالية من التعذيب والهتك للحرمات ولابد للإنسان المؤمن إن يدافع عن نفسه في مثل هذه الصورة ، بالقتال عندما تتاح له الفرصة ويعبر عن ذلك بالمقاومة[28]".
وليس المقاومة تخريباً طائفياً أو مصالح شخصية يقوم على قناعة "إذا لم نحكم العراق فسنحرقه"وإنما المقاومة الحقيقية والشرعية وكما عبر عنها إمام الاعتدال السيد الحكيم "هي الوصول إلى الله عبر رفض الظلم ، وليست الظلم للوصول إلى حكم الطاغوت.
يُشترط في كون المقاومة المسلحة شرعية توفر عاملين:
العامل الأول:- القدرة (سواء أكانت القدرة جسدية أم مالية أم معنوية)، لا يوجد واجب شرعي مكلف به الإنسان خارج قدرته لان الله سبحانه لا يكلف الناس أكثر مما يتحملون ، بل أكثر من ذلك ، إن الله سبحانه وتعالى ما جعل في الدين من حرج ، فحتى حالة الحرج وضعها الله عن الإنسان،فكيف بالمقاومة المسلحة التي هي أكلف وأشد من الحرج ،فقضية القدرة من القضايا الأساسية في المقاومة.
العامل الثاني:-الموقف الشرعي من المقاومة المسلحة،فيتسم بالوجوب الرجوع فيها إلى المجتهد الجامع للشرائط ، العارف بالشرع والعارف بالظروف والأحوال التي يعيشها المجتمع حتى يتمكن من الجمع بين النصوص الشرعية التي تتحدث عن الحكم الشرعي وبين المصالح التي تكون وراء الحكم الشرعي ، ومعرفته بقدرة المسلمين على ممارستهم لواجباتهم ومسؤولياتهم العملية،لكي يتسنى له معرفة المصلحة أو المفسدة من المقاومة. 
3.تأسيس هيكلية مجلس الحكم :- شرع السيد منذ سنوات عديدة في إعداد هيكلية للحكم البديل عن الحكم العفلقي في العراق وبعد إكمال هذا المشروع طرح على عدة جهات منها الدول المجاورة والأحزاب والحركات الوطنية وذلك من خلال المؤتمرات واللقاءات المتواصلة معهم،وقد لاقى هذا المشروع رضا واستحسان الجميع لما يحمله من فقرات عادلة ومنصفة وما مجلس الحكم الانتقالي المؤقت الذي أسس بعد سقوط النظام البعثي إلا انعكاس لمقترحات هذا المشروع،وقد سألت[29] سماحته في إحدى لقاءاتي معه عن الفترة الزمنية التي استغرقها تأسيس هذا المجلس (ظناً مني أن هذه الفترة لم تستغرق سوى عدة أسابيع )،فأجاب سماحته بالقول: "إذا أرادت مجموعة من الأشخاص تأسيس حزب أو حركة سياسية معينة فأن ذلك يحتاج إلى تهيئة الأمور اللازمة لتأسيس هذا الحزب أو تلك الحركة،مثل الاتفاق على مبادئ هذا الحزب وأهدافه وسياساته وتعيين أعضاءه والكادر الوظيفي والإعلان عنه ومصادر تمويله…الخ،وهذه الأمور تحتاج إلى وقت طويل نسبياً،فما بالك بدولة كبيرة كالعراق تضم العديد من الطوائف الدينية والسياسية والأحزاب والحركات فهذا بالتأكيد يحتاج إلى وقتاً طويل".
4. تأسيس المؤتمر العشائري في مدينة النجف الأشرف :- وهذا أيضا كانت جذوره في ديار الهجرة له(قد)حيث أسسه في مدينة الاحواز في إقليم خوزستان قبل حوالي عشرة سنوات وكان(قد)باتصال دائم بالمؤتمر حيث يقوم بزيارته كل فترة متجشماً عناء السفر من طهران إلى خوزستان ولا يبالى لطول المسافة حيث تبلغ أكثر من 1500كم لانه يعلم بأن هذه البذرة سوف يكون لها ثماراً يانعة في مستقبل العراق،وفعلاً أسسه في العراق بعد العودة وتحققت تطلعاته رحمه الله .
5. تأسيس دار التبليغ الإسلامي:- حيث قام السيد(قد)بتأسيسها بعد عودته إلى العراق مباشرتاً وذلك لما لها من مميزات هامة ودور كبير في نشر وتبليغ الثقافة الإسلامية المحمدية الأصيلة،وسميت نسبةً له بعد استشهاده (قد) بمؤسسة شهيد المحراب . 
6.اللقاءات والخطب مع جميع شرائح المجتمع:- وتعزيزاً للوحدة الوطنية التي كان ينشدها السيد(قد)في رص الصفوف وإعلاء الكلمة الواحدة فقد أجرى السيد ومنذ وفوده العراق اللقاءات مع جميع الشرائح والاديان والقوميات وحثهم على الوحدة وعدم التفرقة وكذلك لقاءاته مع الجمعيات الثقافية والشخصيات السياسية والدينية العراقية وتبادل معهم الآراء والمقترحات لخدمة وطنهم وإنسانيتهم تحت شعار كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ،حيث وضح سماحته(قد)نظرته الثاقبة والدقيقة في تحديد ورسم مستقبل العراق السياسي والاجتماعي في خضم الظروف الحرجة التي يمر بها العراق،كما وضح (قد) الشروط والمواصفات المطلوبة عند انتخاب شخصية سياسية أو اجتماعية لمنصب معين.  
7. إقامة صلاة الجمعة :- وهي كانت من أولويات السيد(قد) في المهجر حيث لم يتخلف عنها جمعة واحدة ألا من مرض أو عرض وكان يبادر إلى الصلاة في الصفوف الأولى لما لها من ثواب ويحث عليها في خطبه ولقاءاته وبعد العودة إلى العراق شرع برعايتها والحث على إقامتها،ولا يخفى على كل مسلم ما لهذه الفريضة من اتصال عمودي مع الخالق(جل شأنه)فقد نزل نص قراني فيها، وورد فيها 600حديث صحيح يحث عليها ،ومن خلال هذه المسيرة الحافلة بالتضحية والجهاد تعرض إمام الاعتدال السيد محمد باقر الحكيم "قد" لأكثر من عشرة محاولات اغتيال نجا منها بفضل الله تعالى ، ولكن شاءت القدرة الإلهية أن يلحق السيد بركب الشهداء عند عودته إلى بلده بعد أكثر من ثلاثة وعشرين عام قضاها في الغربة ، وبعد هذا العمر المبارك الحافل بجلائل الأعمال وأزكى القربات اشتاقت تلك الروح الطاهرة إلى لقاء بارئها ففي اليوم الأول من رجب المحرم 1424 هـ لبى الحكيم نداء ربه ، وكان لنبأ استشهاده صدى كبير في الأوساط العلمية بصورة خاصة والمجتمع الإسلامي بصورة عامة ، كما كان لرحيله المفاجئ صدمة كبيرة في نفوس المؤمنين إذ فقدوا برحيله إماماً من أئمتهم الذين يستسقى بوجوههم الغمام وقطباً عارفاً من الأقطاب الذين تدور عليهم رحى شريعة الإسلام. 
    فكان يوم الجمعة(29 رجب)موعداً لسفره إلى ملكوت السماء حيث كان ضحية جريمة نكراء عند مقام جده أمير المؤمنين ( عليه السلام) بعد أداء صلاة الجمعة المباركة ، وكأنه يريد أن يكرر ما قاله جده أمير المؤمنين (ع) عنـد استشهاده في محراب صلاته ( فزت ورب الكعبة )، فكان العالم والعابد الثامن ممن لقبوا بشهيد المحراب ، والثاني ممن لقب بخميني العراق[30]،وقد قال فيه آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي"قده"(لقد كان الشهيد المجاهد السيد محمد باقر الحكيم المثال الذي يقتدى به والمدافع عن ولاء المرجعية) فمضى السيد الحكيم ( قد ) شهيداً مظلوماً حاكياً للعالم أجمع أن خط الحسين خالد إلى الأبد .
حيث قال تعالى :(فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب)،آل عمران 195.   
أيام قضيتها مع شهيد المحراب"قد":- سمحت لنا الظروف -بعد سقوط النظام البعثي الظالم [31]، بلقاء سماحة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم(قده)، وذلك لأجل التباحث مع سماحته حول بحثنا  الموسوم:" المرجعية الدينية والعمل السياسي"، حيث زودنا سماحته بجملة من الأفكار والنظريات والإرشادات والنصائح القيمة التي تصب في هذا المجال، فضلا عن تزويدنا بعناوين مجموعة من الكتب  والدراسات حول موضوع بحثنا،وفي خلال تلك اللقاءات عرضت لنا بعض المواقف والحوادث التي أعطى فيها سماحته رأيه الحكيم والسديد، المتسم بأخلاق وعلوم أهل البيت عليهم السلام، ومن هذه المواقف نذكر على سبيل المثال الآتي:
أولا: جاء وفد من مدينة بابل يعرض على سماحته مشكلة تعرضوا لها في إحدى حسينيات مدينة الحلة، تتلخص في أن أحد الخطباء الحسينيين المجاهدين قد طلب منه إلقاء محاضرة في تلك الحسينية لكي يرشد وينصح الناس ويعضهم بعدم الانزلاق بالمحرمات خاصة عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها دوائر الدولة بعد سقوط النظام، وقبل أن ينهي المحاضرة تعرض الخطيب لضرب شديد ومبرح من قبل بعض الأهالي الموالين لمكتب ديني معين في تلك المنطقة، مما استدعى نقله إلى المستشفى ووضعه في العناية المركزة لمدة يومين، وعلى اثر هذه الحالة قررت عشيرة الشيخ الخطيب مواجهة الجهة المسئولة عن الحادث بالسلاح ،إلا أن الشيخ طلب منهم التريث لحين مشاورة المرجع الديني السيد الحكيم في هذا الأمر. وكان رأي السيد عند ما جاء له الوفد بأن :" لا تزر وازرة وزر أخرى " وقد نصحهم بالهدوء وعدم الانجرار إلى الفتنة، وسفك الدماء، ومواجهة الموقف بالحكمة والموعظة الحسنة، واقتنع الوفد بكلام السيد وسلموا برأيه السديد الذي يدل على حكمته وأخلاقه العالية. 
ثانياً:- جاءت مجموعة من الأشخاص من ضمنهم معتمد السيد السيستاني في محافظة الديوانية إلى السيد الحكيم(قده)، بمشروع استثمار أموال المهداة إلى حرم أمير المؤمنين(ع)، وكان وجه الاستثمار تحويل هذه الأموال إلى مشاريع ومؤسسات خيرية تخدم المؤسسة الدينية فضلا عن إعالة الفقراء، وقد أخبروا السيد الحكيم بأن هذا المشروع قد عرض على سماحة الإمام السيستاني(دام ظله) ، فرفض سماحته الأسلوب المقترح لإدارة هذه الأموال ،حيث ينبغي أن تشكل لجنة ثلاثية لإدارتها متكونة من الحكومة المركزية ، والحكومة المحلية وممثل عن المرجعية الدينية، فطلبوا من سماحة شهيد المحراب التدخل لإكمال المشروع ، فرفض سماحته رفضا قاطعا واستاء من هذا الأمر كثيرا وقال :" كيف تريدون مني أن أوافق على أمر قد رفضه الإمام السيستاني، فأنا خادم عند السيد السيستاني".
لكثرة مطالعاتي[32] في سيرة العلماء الأعلام، على وجه الخصوص لمدرستي الإمام الحكيم والصدر(قده) ، ومن خلال احتكاكي المباشر مع السيد محمد باقر الحكيم ، فضلا عن اطلاعي على كتبه ونظرياته وبحوثه وخطاباته ،وجدته  وارث هذان الإمامان بجدارة وانفراد متميز، متميز عن غيره بما غمره الله تعالى من أنوار جلاله وأفاض عليه من أقباس أسراره ، تجعله فعلا صاحب النصيب الأوفر لوراثة هاتين المدرستين ونتاجهما .  
"وما توفيقي إلا بالله"
 
المراجع والمصادر
 
1. القرآن الكريم
2. الحوزة العلمية ، آية الله المجاهد السيد الشهيد محمد باقر الحكيم . 
3.  مرجعية الإمام الحكيم ، آية الله المجاهد السيد الشهيد محمد باقر الحكيم . 
4. فقه الحضارة ، أ . د محمد حسين الصغير
5. أساطين المرجعية العليا المعاصرين  أ . د محمد حسين الصغير.
6.الحوزة العلمية والمرجعية ج3 ، السيد الشهيد محمد باقر الحكيم.
7. الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق،صلاح الخرسان.
8.منتقى الأصول "تقرير أبحاث السيد محمد الروحاني،السيد عبد الصاحب الحكيم.
9.المرجعية الدينية والعمل السياسي،رزاق مخور داود.
10.معاناة الشهيد الصدر مع الطاغية،السيد كاظم الحسيني الحائري .
11.بين مقاومتين شهيد المحراب،مؤسسة تراث الشهيد الحكيم.
12.السيد محمد باقر الحكيم من النجف إلى النجف،وفاء الجياشي.
 
___________________
[1] وهي الحد الوسط بين الولاية العامة للفقيه والولاية الخاصة (الحسبية)،فالفقيه في ضوئها الإشراف على الرعية وتدبير الأمور على نحو يتوسط بين العام الكّلي في ولاية الفقيه المطلقة، والخاص المحدد في ولاية الفقيه الخاصة .
[2] الحوزة العلمية والمرجعية ،ج3 : 167 ، السيد محمد باقر الحكيم .
[3] الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق،صلاح الخرسان:324.
[4] كاتب هذه السطور(الباحث).
[5] .مقابلة مسجلة أجراها (كاتب هذه السطور) في مركز المصطفى للبحوث العقائدية في قم المقدسة ،في شهر رجب الاصب 1427  هـ،مع الشيخ الكوراني. 
6.منتقى الأصول ،تقرير أبحاث السيد الروحاني:1: 5،السيد عبد الصاحب الحكيم.
[7] الذي عقده النظام البائد ضد الجمهورية الإسلامية وذلك لإضفاء الشرعية له بالحرب على ايران. 
 
[8] . لمزيد من التفاصيل راجع كتاب"المرجعية الدينية والعمل السياسي"رزاق مخور داود،2004 ، 98 – 103 .
[9] راجع كتاب المرجعية الدينية والعمل السياسي ، رزاق مخور داود ، الملحق رقم 1.
[10]  راجع كتاب مرجعية الإمام الحكيم ، للسيد محمد باقر الحكيم.ج3.
[11]  راجع كتاب موسوعة الحوزة والمرجعية ، للسيد محمد باقر الحكيم ، ج3: 334.
[12] كتاب(أساطين المرجعية العليا المعاصرين،الدكتور الصغير،2003 :88.
[13]  كتاب(فقه الحضارة)، الدكتور الصغير : 40.
[14] بعض من هذه المعلومات مستقاةً من كتب تلاميذه المعروفين أمثال(السيد محمود الهاشمي-والسيد باقر الحكيم) وذلك لإن أهل مكة أعلم بشعابها، راجع كتابي " تمهيد في مباحث الدليل اللفظي ، حسن عبد الساتر :م1 ،7-13" و " الحوزة العلمية والمرجعية –السيد محمد باقر الحكيم :ج4 ،59-62 .
[15] الحوزة العلمية والمرجعية ،السيد محمد باقر الحكيم ، ج4: 90-91 .
[16] نقلاً عن كتاب (الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق)،صلاح الخرسان:ص202-ص203 .
[17] حواشي المراجع والعلماء أو المؤسسات والحركات الإسلامية كجماعة العلماء وبعض الأحزاب الإسلامية ، وبعض الأصدقاء .راجع كتاب الحوزة العلمية والمرجعية ،السيد محمد باقر الحكيم ، ج4: 61 . 
[18] لمزيد من التفاصيل راجع كتاب(الإمام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق)وكذلك لمعرفة كيفية أنصال السيد عبد العزيز الحكيم بالشهيد الصدر،راجع نفس المصدر:536-537)، وكتاب موسوعة الحوزة والمرجعية،ج3،للسيد باقر الحكيم.
[19] من كتاب" معاناة الشهيد الصدر مع الطاغية"، تأليف السيد كاظم الحائري،ص:17-18.
[20] من كتاب :"الإمام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق" تأليف السيد صلاح الخرسان، ص: 539-541.
[21] من كتاب" معاناة الشهيد الصدر مع الطاغية"، تأليف السيد كاظم الحائري،ص:27.
 
[22] والد المرجع الديني السيد محمد الصدر(قده).
[23] من كتاب :"الإمام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق" تأليف السيد صلاح الخرسان، ص: 549.
[24] .فيلق بدر وحزب الدعوة الإسلامي وحزب الله وبعض المؤمنين الذين ليس لهم تنظيم حزبي. 
[25] لمزيد من التفاصيل راجع كتابي (بين مقاومتين شهيد المحراب، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم: ص 58- ص60، والحوزة العلمية ص10) للسيد باقر الحكيم.
[26] الحرب العراقي الإيرانية ،وحرب الخليج الثانية ، وحرب إسقاط صدام.
[27] لمزيد من التفاصيل راجع كتاب(السيد محمد باقر الحكيم من النجف إلى النجف)،الجياشي،2006 :78 – 92.
[28] شهيد المحراب بين مقاومتين،مؤسسة تراث الشهيد الحكيم:94 .
[29] كاتب هذه السطور (الباحث) .
[30] .أول من أطلق عليه لقب شهيد المحراب وخميني العراق آية الله السيد علي الخامنئي"دام ظله"،إما شهداء المحراب فنذكر منهم (السيد محمد علي القاضي،والشيخ الصدّوقي،والشيخ أشرفي أصفهاني،والسيد عبد الحسين دستغيب ...الخ) ، أما خميني العراق الأول فأطلقه حزب البعث على الشهيد الصدر(قد) .
[31] للفترة من 10/5 – 29/8/2003 م .
[32] كاتب هذه السطور.

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : امين ، في 2014/12/08 .

موضوع البحث يجسد تاريخ وامجاد علمائنا العظام من مدرسة الحكيم (قد) وتاريخهم العلمي والجهادي ويختصر الكثير للقارء في الاستفاده منه...نشكر جهود الباحث ونسأل الله ان يوفقه في كتاباته ومساعيه في نشر العلم...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54656
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28