الأوطان تجري كالأنهار ولتيارها مجال كهرومغناطيسي يجتذب إليه ما يتفق وإتجاه حركته من الأفكار والأفعال والتفاعلات.
فعندما يكون إتجاه تيار الجريان تصاعديا , فأن الأفكار الصاعدة تنجذب إليه , وتستثمر طاقاته لتحقيق رسالتها الإيداعية والحضارية المتميزة , وحينما يكون إتجاه التيار إنحداريا , تغزوه الأفكار الإنحدارية وتتراكم فيه وعلى ضفافه وفي فضاءاته كالذباب المتجمع على قطعة سكر.
فالحالة الفيزيائية الحركية لأي وطن ترسم معالمه , وتحدد هويته وعلاماته الفارقة ومصيره , ودوره وقيمته وتأثيره في محيطه الإقليمي والعالمي , لأنها ستؤسس لتفاعلات متوالدة متعاضدة متنامية القدرات الإتلافية والبناءة , فيكتسب مصير قطعة السكر في مجتمع الذباب أو يكون كخلية النحل الغنية بالعسل.
ومن المعروف أن سرعة الإنحدار تتفوق على سرعة الصعود , ولهذا فأنها تستحضر أفكارا سلبية أعظم , وهذا يعني أن الأوطان المنحدرة تكون ذات قدرات جذب متفوقة على حالتها الصاعدة , التي ستواجه قِوى جذب إنحدارية متفاعلة ضدها.
وعندما تتكالب على الوطن المنحدر قدرات متعددة , تستثمر في منحدره وتحقق مطامعها وطموحاتها في وضعه المتهالك , فأن سرعة الإنحدار ستزداد وكثافة الأفكار ستتعاظم , مما يجعله ضحية سهلة لكل مفترس في غاب الإصطراع المتوحش.
والعجيب في الأمر أن أبناء الأوطان المنحدرة يتحولون إلى فرائس خانعة لأفكار الإنحدار , ويصبحون طاقات سلبية إضافية لتقوية تعجيل الإنحدار والإندثار , وهذا ما يتحقق في عدد من البلدان كالعراق وليبيا وسوريا واليمن وحتى لبنان , ويبدو ذلك واضحا في التفاعلات المعبر عنها بالكلام والكتابة والخطب والتصريحات والأعمال اليومية , ويُظهرها الإعلام المتأثر بالأفكار الإنحدارية السلبية المعادية لذات الوطن وموضوعه.
ولكي تتخلض الأوطان المنحدرة من قدرات إنحدارها , عليها أن تلد من أبنائها أصحاب عقول قادرة على مواجهة الأفكار الإنحدارية , وإيقاف حركتها والعمل على إستحضار الأفكار اللازمة لتغيير إتجاه تيار الجريان , وهذا يتطلب جهودا وطنية مثقفة خبيرة واعية ومؤهلة لقيادة مسيرة الصعود وإعاقة الإنحدار.
فهل ستدرك مجتمعات الأوطان المنحدرة عليها أن تستيقظ وتتدارك مصيرها قبل التحول إلى مستنقع لنفايات الأفكار؟!!
|