اللعنات في بلاد ما بين النهرين متعددة , بدءً من لعنة أكد , وللكرسي العراقي لعنته , وما أدراك ماهي , فهو يعاقب الجالس عليه ويرميه في مهاوي الهوان والذلة.
فجميع الذين جلسوا على كرسي الحكم العتيد , أصابتهم لعنته التي رسمت نهاياتهم , فلم يغادره أحد بسلام , فكلهم أصابهم ما أصابهم , والتأريخ واضح وصريح بأحداثه الجسام , منذ أول مَلك إلى آخر رئيس والحبل على الجرار.
ترى لماذا يلاقون ذات المصير؟!
ألا تساءل المتعاقبون على الكرسي , وهل تفكّروا وتأمّلوا واعتبروا؟
إن السبب الجوهري والأساسي القاتل والفاعل المشترك في السلوك , هو نسيان الوطن والمواطن , وذلك بسبب الإنغماس في الكرسي , والإنعزال التام عن هموم المواطن , والتقصير الكبير تجاهه وغمط حقوقه , والعمل على قهره وترويعه وتنمية عناءاته.
فبعد ما يقرب من مئة عام من تأسيس الدولة , يعيش المواطن في أرزء الأحوال , ولافتات الديمقراطية والدين مرفوعة في كل مكان , وهذا يعني أن الجالسين على الكراسي في غيبوبة وغفلة وهذيان , تسبب فيها في الخمسين سنة الماضية زقوم النفط , الذي تسمم به جميع الحكام وذوي السلطة في البلاد.
وبغياب الرقيب الدستوري والقانوني , إنطلقت غرائزهم ورغباتهم المنفلتة , فراحوا يستحوذون على ثروات النفط ويحرمون المواطن منها , بل أنهم إشتروا بها الأسلحة لقتله وتشريده وتعذيبه , وأكثرهم سخرها لأغراضه الشخصية والعائلية والحزبية , وما سخروها لبناء البلاد وإسعاد العباد.
فلولا النفط لما قُتِل الملايين من أبناء العراق في الحروب والويلات , ولولاه لما عبث المتمكنون من السلطة بالناس , واستعبدوهم بالأموال وسخروهم لغاياتهم ودوافعهم.
وفي هذا الخضم التبذيري الإتلافي لثروات البلاد , يتحتم على المجتمع من خلال نوابه وممثليه , أن يبتكر صيغة للتحكم بثروات النفط وعائداته , وفقا لضوابط وأحكام تمنع أي شخص في أي منصب أن يتصرف بها على هواه , ويتحتم على الحكومة القادمة لكي تنهض بالبلاد وترسم خارطة المستقبل الأفضل , أن تعمل بجد وإجتهاد على إصدار قوانين وأحكام وضوابط ومعايير صارمة , للتحكم بواردات النفط وإستخدامها لما يخدم المواطن والوطن.
وبدون هذه الخطوة لا يمكن لأية حكومة أن تنجح وتقدم خيرا للناس والوطن , وستحل عليها لعنة مَن سبقها.
فهل سنعتبر بعد كل ما جرى وهل سنرى بعيون العقل ونتبصر؟! |