• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : الانتخابات البرلمانية .
                    • الموضوع : هل تكليف العبادي حل لمحنة المالكي؟ .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

هل تكليف العبادي حل لمحنة المالكي؟

 تتسارع الأحداث في العراق بحيث ما كُتِبَ اليوم يمكن أن يتغير ويحتاج إلى تعديل غداً أو حتى بعد ساعات من نشره. فقد وصلت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وفق الاستحقاقات الانتخابية و السياقات الدستورية "الصحيحة" إلى مأزق وطريق مسدود. ولا شك أن الدستور هو إلى جانب السيد نوري المالكي كونه رئيس أكبر كتلة برلمانية. ولذلك بقي المالكي متمسكاً باستحقاقه الانتخابي والدستوري.
ولكن في نفس الوقت لجأ خصومه الكثيرون من قادة الكتل الأخرى إلى استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما فيها استخدام الإرهاب، والتحالف مع تنظيم (داعش) الإرهابي لإرغامه على التنحي. كما وطلع علينا منافسوه في التحالف الوطني بفذلكة (المقبولية) كبديل عن الاستحقاق الانتخابي. والمقبولية هذه تعني أن يكون المكلف بتشكيل الحكومة مقبولاً من جميع رؤساء الكتل السياسية بدلاُ من الناخبين وصناديق الاقتراع، وهذا غير وارد في الدستور، وبالطبع خرق للديمقراطية، وربما ستتحول إلى قاعدة وسنة في الدورات الانتخابية القادمة، وهذا التفاف على نتائج الانتخابات والديمقراطية.

ولعبت إدارة أوباما دوراً رئيسياً في إزاحة المالكي، بما فيه دخول داعش في العراق، وذلك انتقاماً منه لعدم قبوله إبقاء قوات عسكرية أمريكية في العراق. وهذا واضح من ترحيب الإدارة الأمريكية بإزاحة المالكي، إذ نقلت صحيفة (الغارديان) اللندنية، "أن ترشيح العبادي جاء بعد أن قام نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأربع اتصالات هاتفية يوم الإثنين (11/8/2014)، بالمسؤولين العراقيين، ودعا كل من الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، والرجل الذي تم اختياره كبديل للمالكي، حيدر العبادي، مشيرا إلى أن مزيدا من الدعم العسكري الامريكي سيأتي للعراق بسرعة إذا ما نجحوا في جهودهم لتشكيل حكومة جديدة" (الغارديان، 12/8/2014).
 
ولذلك فالمالكي لا يستطيع في هذه الأجواء المتوترة التي تنذر بالانفجار و المعارضة الشرسة والواسعة له في الداخل والخارج، بما فيها أمريكا، أن يشكل الحكومة، فهو في محنة شديدة وبين شرين، أو خيارين، أحلاهما مر. فهو من جهة أمام مسؤولية أخلاقية، فإن تنحى تحت ضغوط معارضيه قالوا عنه أنه خذل ملايين الناخبين الذين صوتوا له ولكتلته (دولة القانون)، وتنازل عن استحقاقه الانتخابي والدستوري. ومن جهة أخرى، إن أصر على مواجهة هذه العواصف فلا يمكن أن يحقق شيئاً سوى المزيد من التوتر والدماء والدموع، ويقولون عنه أنه لا يبالي بأرواح العراقيين من أجل البقاء في السلطة!.
ولذلك، فما حصل من تكليف حيدر العبادي، رغم أني لا استسيغه، لأنه تم بأسلوب ملتوي بالالتفاف على الدستور لإضفاء الشرعية على هذا التكليف، ولكن لا ننسى أن حيدر العبادي هو قيادي في حزب المالكي (الدعوة) وكتلته (دولة القانون)، والأخيرة هي ضمن كتلة الجبهة الشيعية الشاملة (التحالف الوطني العراقي). وبذلك فهذه اللعبة رغم ما فيها من التفاف على الدستور إلا إنها نوع مما يسمى بـ(الحيل الشرعية !!) وربما يقدم مخرجاً من المأزق، ورغم أن ترشيح الدكتور العبادي يواجه مشكلة قانونية.
فوفق سياقات الانظمة الداخلية للكيانات والكتل السياسية، يجب أن يرشح من قبل حزبه (الدعوة) أولاً، فإن فاز، يرشح من قبل كتلته (دولة القانون)، ومن ثم يتم ترشيحه من قبل التحالف الوطني. وهناك تضارب في الأخبار عن موقف نواب حزب الدعوة من العبادي. ففي تصريح للسيد عزت الشابندر لإذاعة DW الألمانية أن معظم نواب الدعوة صوتوا لصالح العبادي. ولكن تصريح مضاد من أنصار المالكي أن العبادي لم يحضى بتأييد نواب وقيادة حزب الدعوة، إذ "كشف النائب عن ائتلاف دولة القانون خلف عبد الصمد، أن 43 نائباً من اصل 53 في كتلة الدعوة لم يصوتوا لتكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة."، وأن الحزب تبرأ منه. وإن صح الأخير فهذا يعني أن ترشيح العبادي هو قفزة على المرحلة الأولى والثانية، أي لم يتم ترشيحه لا من قبل حزب الدعوة ولا من كتلة دولة القانون، بل من قبل التحالف الوطني مباشرة. فكما أفادت الأنباء: أن "اعلن رئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، عن جمع  130 نائبا [127 في تقرير آخر] من التحالف الوطني وقعوا على ترشيح نائب رئيس البرلمان حيدر العبادي لمنصب رئيس الوزراء). وبعد ذلك مباشرة قام رئيس الجمهورية، السيد فؤاد معصوم، بتكليف العبادي لتشكيل الحكومة. و حسب الدستور، فأمام الدكتور العبادي مهلة شهر لتشكيل حكومته وتقديمها للبرلمان للتصويت عليها. وفي جميع الأحوال فتكليف العبادي سيواجه مشكلة دستورية، يعتمد على قرار المحكمة الاتحادية.

ردود الأفعال
ما أن تم الإعلان عن تكليف شخصية غير المالكي لتشكيل الحكومة حتى وتوالت التهاني والتصريحات المؤيدة لترشيح العبادي من كل الجهات وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ العناوين التالية:
* قال الرئيس الأمريكي أوباما، إن "العراق اتخذ خطوة واعدة إلى الأمام بتكليف رئيس وزراء جديد"،
* بايدن يهنئ العبادي ويعد بدعم اميركي لحكومة شراكة عراقية لا تقصي أحداً،
* الخارجية الأمريكية تهنئ العبادي وتبدي استعدادها لدعم حكومته كاملا،
* بان كي مون يثنى على قرار تكليف العبادي،
* ميلادينوف يرحب بتكليف العبادي ويطالب قوى الأمن بعدم التدخل بالموضوع،
* الإتحاد الأوربي يرحب بقرار رئيس الجمهورية ترشيح الدكتور حيدر العبادي رئيسا للوزراء،
* إيران: الخارجية الايرانية تدعو الى تشكيل حكومة وفاق وطني في العراق،
* المجلس الاعلى يهنئ العبادي ويدعوه الى تشكيل حكومة الفريق القوي المنسجم.

أما ردود الأفعال المضادة فهي:
* المالكي: تكليف العبادي لا قيمة له ودولة القانون هي الكتلة الأكبر (تسجيل صوتي)،
* المالكي ردا على تكليف العبادي بتشكيل الحكومة المقبلة: لا يحق لأي عضو بحزب الدعوة التوقيع نيابة عني،
* كتلة الدعوة البرلمانية: العبادي يمثل نفسه،
* الصيهود: ترشيح العبادي غير دستوري وتواقيع التحالف الوطني لا قيمة لها،
* مريم الريس: لا قيمة للاتفاق بين بعض نواب القانون والتحالف الوطني بشأن ترشيح العبادي.

هل تكليف العبادي سيحل الأزمة؟
فيما لو وافقت المحكمة الاتحادية على تكليف العبادي لتشكيل الحكومة، فمن الانصاف أن ننتظر ونعطي الرجل فرصة لا تقل عن ستة أشهر لنعرف كيف سيواجه الأزمات العراقية المتراكمة، وطريقة حله لها. ولكني في نفس الوقت أعتقد أنه ما لم يتمتع بقدرات سياسية وإدارية وفكرية وثقافية متميزة، فعلى الأغلب سيكون الدكتور العبادي أفشل وأضعف رئيس حكومة في تاريخ العراق وذلك لأنه أولاً، مطرود ومنبوذ من حزبه (الدعوة)، وكتلته (دولة القانون). وثانياً، ولذلك، سيكون أسيراً وخاضعاً لإرادات رؤساء الكيانات السياسية التي رشحته وصوتت له مثل السيد عمار الحكيم ومقتدى الصدر والجعفري وغيره. وثالثاً، سيكون أسير رغبات السيد مسعود بارزاني الذي من الصعوبة إرضاءه، ما لم يتجاوز العبادي على الدستور، وهذا غير ممكن.
أما الجبهة السنية، فإزاحة المالكي هي مطلب مرحلي، لأن مطلبهم الحقيقي والرئيسي، وكما صرحوا به مراراً، فهو رفضهم لأي شيعي أن يكون رئيساً للحكومة. وتأكيداً لهذا القول، سمعت البارحة تعليقاً للسيد عدنان الباججي (الليبرالي المعتدل !)، لراديو بي بي سي عندما سئل فيما إذا كان متفائلاً من ترشيح العبادي فأجاب بالنفي، قائلاً أن العبادي هو من نفس تنظيم المالكي الشيعي الخاضع لإيران. لذا فنغمة تبعية الرئيس الشيعي لإيران لن تختفي بمجرد ترشيح العبادي أو أي شيعي آخر. أما أمريكا فتريد من العبادي معاداة إيران وحكومة بشار الأسد، وأن يكون "مقبولاً" من قبل تركيا والسعودية والدول الخليجية الأخرى، وهذا مستحيل.

ما الذي على المالكي عمله؟
لو كان المالكي هو حقاً مشكلة وليس الحل لأزمات العراق، كما يردد خصومه، لما نال حصد أكثر من منافسيه من الأصوات في الانتخابات، وكذلك هناك آليات ديمقراطية لإزاحته دستورياً وذلك كما يلي:
أن يتم تكليف المالكي من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة بصفته رئيس الكتلة النيابية الأكبر، وخلال شهر عليه أن يشكل الحكومة ويعرضها على البرلمان للتصويت، فإن فشل سيكلف رئيس الجمهورية شخصاً آخر أما من كتلة التحالف الوطني أو من كتلة أخرى. وبذلك يتم التخلص منه بالطرق الديمقراطية والدستورية، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال.
على أي حال، وطالما تم ترشيح الدكتور العبادي، ويبدو لي أنه غير قابل للإلغاء إلا بقرار المحكمة الاتحادية الدستورية. وعلى الأغلب ستصدر المحكمة قراراً غامضاً "حمال أوجه"، قابلا للتأويل من قبل جميع الأطراف المتنازعة، كل يفسره لصالحه.

وإزاء هذه الأوضاع المتفجرة، فقد نجح خصوم المالكي في شق الجبهة الشيعية، وبدأ صراع جديد وهو الصراع الشيعي- الشيعي، إضافة إلى الصراع العربي- الكردي، والسني – الشيعي. لذا أعتقد أن على المالكي وبعد أن أدى ما عليه، و لعب دوره بشجاعة وشرف وبمنتهى الوطنية لإنجاح العملية السياسية ودعم الديمقراطية الوليدة والدستور، ولكن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية تكالبت عليه بما فيها جهات من الجبهة الشيعية كما تكالبت على الزعيم عبدالكريم قاسم من قبل. ولا يمكن في هذه الحالة إلغاء ترشيح الدكتور العبادي، لذا فأي عمل مضاد من قبل المالكي سيزيد الوضع تعقيداً وتأزماً، وربما  يؤدي إلى عواقب وخيمة، لذا أشير على السيد المالكي أن يعلن للشعب بأنه بذل قصارى جهوده لإنجاح العملية السياسية والديمقراطية، ولكن الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية كلها تحالفت ضده، ولا يمكن لأي إنسان في موقفه أن يواجه كل هذه الصعوبات ويخرج منها منتصراً، وحفاظاً على أرواح ودماء العراقيين، فإنه يتنازل عن حقه في الترشيح لتشكيل الحكومة، و يتمنى للسيد العبادي كل النجاح في مهمته الشاقة وشبه المستحيلة، وأنه سيواصل النضال من أجل خدمة الشعب وإنجاح الديمقراطية تحت قبة البرلمان وبالوسائل السلمية.
 12/8/2014 
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=49763
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28