• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة الثانية عشرة .
                          • الكاتب : عدنان عبد الله عدنان .

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة الثانية عشرة

 إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعن به خصوص ما نقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة الثانية عشرة:
في بداية هذه الحلقة ذكر سماحة السيد، انّ وجود روايةٍ ما في مصادر أي مذهب من مذاهب المسلمين، لا يعني انهم  يقبلون بها ويلتزمون بمضمونها ويفتون على أساسها، ولذا فلا يمكن إلزام أصحاب ذلك المذهب أو الاتجاه بها ما لم تصبح أساسا للفتاوى والعقيدة عندهم.
ثم نقل سماحته رواية عن عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق، تتحدث عن ان النبي (ص) فد سها في صلاته، وتساءل فيما اذا بُنِيتْ بعض العقائد على هذه الرواية وغيرها، فأجاب: بـ"نعم"، وضرب الشيخ الصدوق مثالا على ذلك، لكونه ذهب الى القول بسهو النبي (ص)، ثم نقل شيئا من ردّ الشيخ المفيد عليه.
ثم ذكر سماحته، بعضا من كلام الطبرسي في تفسيره، بهذا الشأن، حيث ذهب الى جواز السهو والنسيان على الانبياء، في غير التبليغ، وفي غير ما يؤدونه عن الله.
ثم نقل سماحته قول الشهيد الأول في "الذكرى"، بشأن ما ورد في نوم النبي (ص) عن صلاة الصبح، وقبوله به، كما نقل عن صاحب الجواهر ما نسبه الى الكليني، من قوله بسهو النبي، شأنه شأن الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد والطبرسي. 
كما نقل سماحته شيئا من كلام المحقق محمد تقي التستري بهذا الشأن أيضا، حيث ذهب الى سهو النبي كذلك، لينتهي سماحته أخيرا الى القول بان كل هذا كان بسبب الموروث الروائي.
واخيرا تطرق سماحته لما أسماه اختراق المنظومة العقدية الاعتزالية، للمنظومة العقدية الشيعية، متناولا أصل "العدل"، كمثال على ذلك الاختراق.
وهذا هو رابط الحلقة الثانية عشرة، من حديث سماحة السيد الحيدري.
 
http://www.youtube.com/watch?v=GcNGMBVLZV0
 
ولما كان سماحة السيد قد تحدث، في هذه الحلقة، عن مسألة سهو النبي (ص) ومسألة نومه (ص) عن الصلاة، وكان قد تناولهما في الحلقة السابقة (الحادية عشرة)، وكنا قد ناقشنا ذلك هناك، فان كلامنا مع سماحته في هذه الحلقة، سوف ينحصر في مسألة تسرب بعض عقائد المعتزلة الى الشيعة.
ولكن قبل البدء بذلك، اود أن اشير الى ان سماحة السيد قد ذكر بان وجود مجموعة من الروايات في المصادر الحديثية لمذهب ما، لا يسوّغ تحميل أصحاب ذلك الاتّجاه أو المذهب مضمون تلك الروايات، فإذا وجدنا مجموعة من الروايات في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم أو في مسند أحمد أو أي كتاب من المصادر الثابتة لأهل السنة لا نقول لهم بما انكم أوردتم الرواية، فأنتم تقبلونها بالضرورة، وتفتون على اساسها، فلعل المصنف أوردها ولكنه لا يقبلها مضمونا، لأنّه يفسرها بتفسير غير التفسير الذي تقدمه أنت، أو يوجد عنده معارض لتلك الرواية، إذن نفس وجود الرواية في المصادر الحديثية عند أهل السنة أو في المصادر الحديثية عند الشيعة، ليس دليلا على تبني مضمونها من قبل علماء ذلك المذهب أو الاتجاه .. نعم إذا وجدنا أن تلك الأحاديث قد صارت أُسسا لفتاوى وأصول عقائدية، فاننا نستطيع، عند ذلك، أن نلزمهم بها.
وكلام سماحة السيد هذا سديد ومتين، ولكنّ الغريب هو اننا نرى سماحته ينسى هذا الكلام عندما يتحدث عمن يقول بصحة بعض الكتب الحديثية الشيعية من الاخباريين، فيحاول ان يلزمهم بمضامين كل ما في تلك الكتب من روايات بسبب قولهم بصحتها، على الرغم من انه يدعو الى عدم إلزام السنة بالروايات الواردة في صحاحهم، بما فيها البخاري ومسلم، ما لم تتحول تلك الروايات والمضامين الى عقائد أو فتاوى.
ولنبدأ الآن بكلام سماحته حول تسرب بعض عقائد المعتزلة الى الشيعة
ففي هذا المجال ضرب سماحته أصل "العدل" كمثال على هذا التسرب، فقال: انكم تعلمون ان "العدل" أصل من أصول مذهب مدرسة أهل البيت، وقد وافقنا على ذلك المعتزلة، ونريد الآن أن نعرف هل انهم وافقونا أو نحن وافقناهم؟!
وأضاف: انني لا أتكلم ـ بخصوص موافقتنا واتباعنا للمعنزلة ـ عن مسألة العدل الإلهي من حيث المبدأ، ومن حيث اعتبار العدل أصلا من اصول الدين، وانما أتكلم عن القراءة الاعتزالية له، فالقراءة الاعتزالية لنظرية العدل الإلهي تقوم على أساس أنّ العقل البشري يستطيع أن يقول للإنسان أيها الإنسان هذه منظومة الأعمال الحسنة وهذه منظومة الأعمال القبيحة، فالحسنة ينبغي لك أن تفعلها، وأما القبيحة فلا ينبغي لك أن تفعلها، فإذا فعلتَ الحسن مُدِحتَ، وإذا فعلت القبيح ذُمِمتَ، فالصدق حسنٌ ينبغي أن تفعله، والكذب والخيانة قبيحةٌ لا ينبغي أو لا يجوز لك أن تفعلهما. ثم ان المنظومة العقدية الاعتزالية قالت أنّ العقل البشري ليس فقط له القدرة على أن يحكم فعل الإنسان، بل انه يعين لله تعالى ماينبغي أن يُفعل وما لا ينبغي له أنْ يفعل، ولهذا يقول هذا حسنٌ، وعلى الله أن يفعله، وذاك قبيح لا يجوز لله أن يفعله، وهذا يعني انّ الحاكم على فعل الله ليس هو الله، وانما هو عقل الانسان، فالعقل البشري هو الذي يحكم الفعل الإلهي.
وقال سماحته: ان هذه المنظومة في تفسير أصل العدل سَرَتْ إلى العقل الإمامي بأوسع دوائر، فسَرَتْ إلى علم الكلام والى علم أصول الفقه والى التفسير والى العقائد والى الفقه، وأينما تذهب يقال الحسن والقبح العقليان حاكمان على فعل الله تعالى، وهذا مرفوض دون ريب. 
ثم قال:انّ العرفاء قد حلّوا هذه المشكلة من خلال النظرية العرفانية القائلة بـ" حكومة الأسماء بعضها على بعضٍ"،  فصحيح انّ الله قادرٌ، ولكنه حكيمٌ أيضاً، فإذن عندما نضع الحكمة الى جانب القدرة، فان القدرة لا تفعل على إطلاقها، بل تقيد باسم آخر من أسمائه، وهو: "الحكمة"، وليس بالعقل البشري.
 
المناقشة: 
انّ البرنامج التلفزيوني الذي يطل سماحة السيد علينا من خلاله، قائم على انْ لا يتحدث سماحته الاّ بالإستناد الى مصدر، بل هو قائم على إراءة المصدر للمشاهد، والقراءة منه مباشرة، أما هنا فنراه ألقى الكلام على عواهنه، فلم يذكر أي مصدر، لقوله انّ العقل الإمامي يقول انّ:"الحسن والقبح العقليان حاكمان على فعل الله تعالى"، على الرغم من ان سماحته قد قال: انك تجد هذا الكلام في كتب الفقه والعقائد والتفسير وغيرها، ففي أي مصدر من مصادر مدرسة أهل البيت وجدها، ومن أي كتاب منها حفظها؟!.
ولا أرى السيد هنا، إلا انه قد أساء، في زعمه هذا، أشد إساءة الى المذهب واصوله، قبل أن يسيء الى العلماء.
ومن أجل ان يتضح، بان علماءنا لم يقولوا ذلك، نورد بعض عبارات القدماء منهم، لكي لا يقال ان هذه الاقوال قد استجدت حديثا في إطار عملية "تطوير الفكر والعقيدة!!".
1 ـ قال الخواجة نصير الدين الطوسي في تجريد الاعتقاد ص420: ((واستغناؤه وعلمه يدلان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى.)).
فالذي يقوله الخواجة هو ان الذي يحدد فعل الله تعالى ويحكمه، هو: "استغناؤه" تعالى عن فعل القبيح، و"علمُه" بقبحه، ولا علاقة للعقل البشري بذلك، لا من قريب ولا من بعيد، اللهم إلا إدراكه لذلك.
وبعبارة اخرى، إن كل ما يثبت انه ممدوح او مذموم عند العقل الصحيح، يكون ممدوحا او مذموما في نفس الامر، وكل  ما هو ممدوح او مذموم في نفس الامر، يكون ممدوحا او مذموما عند الله تعالى، والا لزم جهله تعالى بما في نفس الامر، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فما يدركه العقل من حسن وقبح، وممدوحية ومذمومية، معلوم لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم ان الله سبحانه وتعالى لا يفعل الا ما يقتضيه علمه، وبالتالي فهو لا يفعل القبيح، لعلمه بقبحه واستغنائه عن فعله.
2 ـ وفي شرح عبارة الخواجة هذه، قال العلامة الحلي في "كشف المراد": (( اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: إنه تعالى لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب، ونازع الأشعرية في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى الله عن ذلك، والدليل على ما اختاره المعتزلة أن له داعيا إلى فعل الحسن وليس له صارف عنه، و [أنّ] له صارفا عن فعل القبيح وليس له داع إليه، وهو قادر على كل مقدور، ومع وجود القدرة والداعي يجب الفعل، وإنما قلنا ذلك لأنه تعالى غني يستحيل عليه الحاجة وهو عالم بحسن الحسن وقبح القبيح، ومن المعلوم بالضرورة أن العالم بالقبيح الغني عنه لا يصدر عنه، وأن العالم بالحسن القادر عليه إذا خلا من جهات المفسدة فإنه يوجده، وتحريره أن الفعل بالنظر إلى ذاته ممكن وواجب بالنظر إلى علته، وكل ممكن مفتقر إلى قادر فإن علته أنما تتم بواسطة القدرة والداعي، فإذا وجدا فقد تم السبب، وعند تمام السبب يجب وجود الفعل. وأيضا لو جاز منه فعل القبيح أو الاخلال بالواجب لارتفع الوثوق بوعده ووعيده لإمكان تطرق الكذب عليه ولجاز منه إظهار المعجزة على يد الكاذب وذلك يفضي إلى الشك في صدق الأنبياء ويمتنع الاستدلال بالمعجزة عليه.)).
ففي هذا المقطع يشرح العلامة معنى الوجوب، فيقول بانه يعني وجوب الوجود وضرورته ولزومه بسبب تمامية العلة. 
فمع علمه تعالى بحسن الحسن وقدرته تعالى عليه، فانه يفعله، وذلك لوجود الداعي لفعله وعدم وجود الصارف، وبذلك تتم علة وجوده، فيخرج من دائرة الامكان الى دائرة الوجوب بالغير، فيجب ويلزم(ويتحقق) وجوده، وأما مع علمه تعالى بقبح القبيح واستغنائه عنه، فانه لا يفعله، وذلك لوجود الصارف وعدم وجود الداعي، وبذلك لا تتم علة وجوده، فلا يتحقق وجوده.
فأين هذا الكلام، من ادعاء إصدار العقل البشري لحكم تكليفي يحدد فعل الله تعالى، ويحكم عليه بوجوب الفعل أو الترك ؟؟!!
نعم، ان العقل البشري يدرك علاقة اللزوم والضرورة والوجوب، بين الفعل (أو الشيء) ووجوده، عند تمامية علة وجوده، فيعبّر عن هذا الادراك بـ"وجوب الفعل"، دون أن يكون هذا القول وذاك الادراك تعبيرا عن حاكمية العقل البشري على الفعل الالهي.
3 ـ وقال العلامة الحلي في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد أيضا،  ص 417 : (( أقول : لما فرغ من إثباته تعالى وبيان صفاته، شرع في بيان عدله وأنه تعالى حكيم لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب.)). 
فعبارته هذه تدل بوضوح على ان حكمته تعالى هي التي تقيد فعله وتحدده، وليس العقل البشري، كما يزعم سماحة السيد. 
بل، اننا لا نجد أي فرق أو اختلاف بين هذا الكلام وبين ما ذكره سماحته وأسماه بـ"حكومة الاسماء بعضها على بعض"، الذي نسبه الى العرفاء!!!، عندما قال: فصحيح انّ الله قادرٌ، ولكنه حكيمٌ أيضاً، فإذن عندما نضع الحكمة الى جانب القدرة، فان القدرة لا تفعل على إطلاقها، بل تقيد باسم آخر من أسمائه، وهو: "الحكمة". 
4 ـ وقال العلامة في نهج الحق ص 85: ((ذهبت الإمامية ومن وافقهم من المعتزلة، إلى أن الله تعالى لا يفعل القبيح، ولا يخل بالواجب. بل جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب، ليس فيها ظلم، ولا جور، ولا عدوان، ولا كذب، ولا فاحشة، لأن الله تعالى غني عن القبيح، وعالم بقبح القبيح، لأنه عالم بكل المعلومات وعالم بغناه عنه. وكل من كان كذلك فإنه يستحيل عليه صدور القبيح عنه، والضرورة قاضية بذلك.)).
فأين، حكومة العقل البشري، على أفعال الله تعالى في هذا الكلام؟
5 ـ وقال ابو الصلاح الحلبي (ت 447هـ) في تقريب المعارف ص 102: (( وهو تعالى لا يفعل القبيح، لعلمه بقبحه، وبأنه غني عنه، وقلنا ذلك لأن صفة القبح صارفة عنه.)).
6 ـ وقال المقداد السيوري في "النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر" ص69: (( أقول: يستحيل أن يكون الباري تعالى فاعلا للقبيح، وهو مذهب المعتزلة، وعند الأشاعرة هو فاعل الكل حسنا كان أو قبيحا، والدليل على ما قلناه وجهان: الأول: أن الصارف عنه موجود، والداعي إليه معدوم، وكلما كان كذلك امتنع الفعل ضرورة، أما وجود الصارف فهو القبح والله تعالى عالم به، وأما عدم الداعي فلأنه إما داعي الحاجة إليه، وهو عليه محال لأنه غير محتاج، وأما داعي الحكمة الموجودة فيه، وهو محال لأن القبيح لا حكمة فيه. الثاني : أنه لو جاز عليه القبيح لامتنع إثبات النبوات ، واللازم باطل إجماعا فالملزوم مثله.)).
7 ـ وردّا على إشكال الاشاعرة، الذي تمسك به سماحة السيد، فرمى به علماءنا، جاء في احقاق الحق، للشهيد السعيد السيد نور الله التستري (ت: 1019 هـ)، ص36: (( لكن تسمية بعضها [يعني: النعم]، استحقاقا وثوابا، إنما هو لأنه تعالى وعد به على الطاعات، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده، فالوجوب الذي أثبته أهل العدل ليس المراد به الوجوب التكليفي الثابت بإيجاب الغير حتى يستلزم دعوى ويستدعي حاكما، ولا يتصور بدونه كما زعمه الخصم، بل المراد الوجوب العقلي وهو لا يستلزم ذلك، لأن مرجعه إلى صدور بعض الأشياء عنه تعالى باقتضاء حكمته له. وقد استدلوا على الوجوب المذكور بقوله تعالى : "كتب على نفسه الرحمة".)).
فانظر الى قوله:" وهو الموجب له [أي: للثواب] على نفسه، بصادق قوله"،  ولاحظ قوله:" لأنّ مرجعه الى صدور بعض الاشياء عنه تعالى باقتضاء حكمته له.". 
فهذه العبارات وامثالها، تدل بوضوح على ان علمه تعالى وحكمته ووعده، هي التي تقتضي و"توجب" صدور أفعاله، وليس للعقل البشري أي دور في ذلك الاقتضاء والوجوب.
وعلى كل حال، فانّ الوجوب العقلي في مثل هذه الموارد، لا يعنى إلا ادراك العقل للضرورة، فعندما يقول القائل بوجوب العدل أو بوجوب اللطف أو بوجوب البعثة، فانه لا يعني بأن العقل يوجب على الله ذلك وجوبا تكليفياً، وانّما يعني أنّ العقل يدرك ضرورة العدل واللطف والبعثة لأنها حسنة، ومع حسن هذه الأفعال واقعا، فان الله يفعلها، وذلك لأنه يعلم بحسنها أولا، ولأنه قادر على فعلها ثانيا، ولأنه حكيم لا يفعل إلا الحسن ثالثا. 
وبهذا يتضح بان القول بوجوب تلك الافعال ليس ناظرا الى تعيين أي وظيفة أو تكليف، وليس فيه أي تعيين لأي وظيفة أو تكليف لا لله سبحانه وتعالى، ولا لغيره.
فالأمر شبيه بحكم العقل بوجوب تساوي الكميتين المساويتين لكمية واحدة، فهو لا يعني  أكثر من انّ العقل قد اكتشف هذه المعادلة وأدركها، وليس فيه أيُّ إلزامٍ، ولا يتضمن أيَّ اصدارٍ لأيِّ حكمٍ على أيِّ جهةٍ.
وأود أن اختم هذه الحلقة، بنقل بعض ما يقوله الشهيد مطهري، عن العقل الشيعي، وهو يردُّ على كل من المعتزلة والاشاعرة، الذين أخَلّوا إما بتوحيد الذات واما بتوحيد الأفعال، في بعض ما يقولون في باب العقائد، لتتضح منزلة "العقل الشيعي" لدى سماحة السيد، ومنزلته لدى الشهيد مطهري، ولنرى البون الشاسع بين ما رمى سماحة السيد المذهب به من تابعية وسذاجة، وبين ما يقوله الشهيد مطهري عن أصالة المذهب ـ اصولاً وفروعاً ـ واستقلاله وعظمته وعمقه، فقد قال الشهيد مطهري، في كتابه الرائع "العدل الإلهي" ص35: (( أما الشيعة، فكما انهم قد استقلوا في فروع الاحكام، فكذلك هم مستقلون تماما في اصولها وفي المسائل الكلامية والفلسفية، أي: في باب المعارف الاسلامية .... وقد أيد المذهب الشيعي أصل العدل بمفهومه الجامع دون أن يخدش في التوحيد الفعلي أو التوحيد الذاتي، فالعدل قد استقر في مكانه الصحيح الى جانب التوحيد، وقد قيل بحق:"العدل والتوحيد علويان، والجبر والتشبيه أمويان"، وقد أثبت هذا المذهب: أصالة العدل، وحرمة العقل، والشخصية الحرة المختارة للانسان، والنظام الحكيم للعالم، دون أن يخل ـ قيد أنملة ـ بمبدأ التوحيد الذاتي أو الفعلي، فأقر المذهب اختيار الانسان دون أن يجعله شريكا في "الملك الإلهي"، ودون أن يجعل الادارة الالهية مقهورة ومغلوبة للادارة الانسانية، واعترف المذهب بالقضاء والقدر الإلهي، دون ان يحوّل الانسان الى آلة مسيّرة تجاه هذا القضاء والقدر الإلهي.)). 
فما أروع هذا الكلام وسموّه، خصوصا وانه يصدر من أحد عمالقة الفكر وروّاد النهضة الاسلامية {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.. فأين الثرى من الثريا ؟؟؟!!!
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : عدنان ، في 2013/11/24 .

يرجى ملاحظة الخطأ المطبعي في العبارة التالية:
ـ" ... ودون أن يجعل الادارة الالهية مقهورة ومغلوبة للادارة الانسانية، واعترف المذهب بالقضاء والقدر..."ـ في السطر الرابع قبل الاخير، من المقال، حيث ان الصحيح هو "الارادة الالهية" و "للارادة الانسانية"، وليس "الادارة الالهية" و "الادارة الالهية"، مع الشكر



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39596
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28