• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المنبر والمأتم الحسيني تأريخ وحاضر رسالة أصلاحية في المجتمع الأسلامي .
                          • الكاتب : صفاء الهندي .

المنبر والمأتم الحسيني تأريخ وحاضر رسالة أصلاحية في المجتمع الأسلامي

رغم الضروف الصعبة والتراكمات السياسية والأجتماعية القاسية التي مرّت على العراق وشعب العراق لقرون طويلة ! إلا أنَّها لم تستطع أن تقضي أو تؤثر على ظاهرة المأتم الحسيني او إخماده ، وبَقِيَّت جذوته مُختزلة في ضمير الأمة الأسلامية تتفاعل مع وجدانها ومشاعرها كظاهرة فطرية اكثر منها حالة شعورية . ولأنها مشيئة الله سبحانه التي لم تقضي أن تبقى نهضة الحسين عليه السلام محصورة بحقبة زمنية معينة ! وإنما أرادت أن يستمر هذا الدور النهضوي الكبير ويسير على أمتداد مسيرة الأمة الأسلامية ، بل ويستمر مع الأنسانية جميعاً . 
ورغم أن كبت العزاء والمأتم الحسيني وتكميمه كان هَمِّ الحكومات الظالمة المتعاقبة على العراق أكثر نسبية ، مع ذلك بَقيَ العزاء والمأتم الحسيني بكل سلوكياته وممارساته ظاهرة وعطاء يتجدد على مَرِّ التأريخ ، فكان المنبر الحسيني الخطاب المفتوح مع الجماهير المُعبِّر عن ثورة الامام الحسين عليه السلام وبرنامج تنويري مبثوث يعتبر من أكثر القنوات الأعلامية تأثيراً ووقعاً ومكانة على الواقع السياسي والاجتماعي والتربوي والسلوكي وممارسة لترجمة ثورة الأمام الحسين عليه السلام ومبادئها الاسلامية والانسانية وشعيرة لطالما كان إحيائها يقضُّ مضاجع الظالمين ويؤرِّقَهُم على مَرِّ التأريخ ، لما تحمله من أبعاد وأهداف ثورية تأريخية واخلاقية وإنسانية سامية .، فكان لثورة الأمام الحسين عليه السلام وإستشهاده عظيم العطاء وأثرها الواضح على الأمة ، ومهما تقادم الزمن على هذه الثورة فإن عطائها لايكاد ينتهي ، لذلك كان من أعظم المِنَح التي إستفادتها الأمة الأسلامية من هذه النهضة المباركة هو المنبر الحسيني الذي كان ولايزال منبعاً يغترف منهُ الأحرار وشُعلة مافتئت تتوهج مع تقادم الدُهور لتَنشُر الثقافة والوعي الأسلامي وإستنهاض الأمم عبر العصور ، وقاعدة مدرسية ومَعْلَمْ مَعْرِفِي بالفكر الثوري الذي تجلَّى بأعظم وأجمل صورهِ وأكثرها وضوحاً وتجسيداً في ملحمة طفِّ كربلاء ، التضحية والثورة الكبرى التي كانت ولاتزال مناراً يستنيرُ بها الأحرار وشُعلة وقَّادة لن يُطفئها تقادم الزمان ، وشعاراً يحتذي به المُستضعفون والمحرومون في كسرِ قيود الظلم والأستبداد وإيذاناً دائماً في أعلان الثورة ! الثورة الملهِمَة في طلب الحرية 
المنشودة .
 
لا يتعاطى المنبر الحسيني مع الحسين عليه السلام وقضيَّة إستشهاده في كربلاء العراق على أساس عاطفي أو عصبي فارغ أو أنها معركة حصلت بين ظالمٍ ومظلوم رغم جدارتها بالعطف والنصرة ، أو مجرَّد حادثة تأريخية أسطورية حدثت في صحراء العراق قادها الحكم الأموي (41 - 132 هجرية ) الظالم ضد ثُلَّة من أخيار البيت الهاشمي بين فئة قليلة وبين جيشٍ جرار راح ضحيتها الأمام الحسين عليه السلام وإخوته وأصحابه ( 61 هجرية ) .. بقدرما هو تعاطي أسْهَمَ بصورة جذرية في بلورة شخصية الفرد المسلم وفقاً للقيم الرسالة في الثورة الحسينية وأهدافها النبيلة ، حسب تعامُلات إجتماعية شاملة مؤسسة على نقطتين أساسِيَّتين مُهِمَّتين جديرتين بالملاحظة والمراجعة والأهتمام ..
 
الجانب الأول : الجانب العقيدي :
 
ينطلق التعاطي الأول للشيعة وتجاوبهم مع الحسين عليه السلام بالدرجة الأولى من مرتكز إعتقادهم المطلق في الحسين عليه السلام كإمام معصوم مفترض الطاعة على عموم المجتمع الأسلامي وليس من الشيعة وحدهم فحسب ! وعلى هذا الأساس يُعَد إنتهاك حرمة وقدسية الأمام عليه السلام والتنكيل به وسفك دمه ودم إخوته وأصحابه وسبي عياله هو إنتهاك لحرمة الأسلام والمسلمين جميعاً ، فضلاً عن كونها مظلومية كبرى أُرتُكِبَت بحق الأنسانية لم يشهد التأريخ أو يُسجِّل مِثلَها حادثة أكثر منها بشاعة على الأطلاق .
 
الجانب الثاني : الجانب المصيري :
 
تعامل المجتمع الأسلامي المُنصِف مع قضية الحسين وثورته عليه السلام كقضية شرعيَّة وإنعطافة قد حددت مصيره اللاحق ، مصير الأُمَّة بكل جوانبها ومُستوياتها ، المستوى السياسي والأجتماعي والثقافي والتربوي والأسلامي ... ألخ ، بدءً من قضية حقوق مسلوبة مغتصبة وقضية دينية واجهت الأندثار وقضية ظلم وحيف وإنتهاءً بمآسي وويلات مرت على الأمة ، إنها قضية أمر بمعروف ونهي عن منكر بكل ما تحمل هذه الكلمة وتختزله من معاني سامية . 
لذلك يُعَد المنبر الحسيني هو المنصَّة الجماهيرية الحُرَّة والنافذة الوحيدة التي تُناقَش من خلالها كل مسارات الأصلاح في الأمة وسلوكيات المجتمع الاسلامي وفي كل جوانبه ، لهذا أُوليَ المنبر الحسيني إهتماماً كبيراً من قبل أهل البيت عليهم السلام فكان للخطيب والقاريء والمحاضر الحظ الوافر في التربية والتهيئة الخطابية وَوُضِعت له المناهج التعليمية والتدريسية في العصور اللاحقة .
 
المنبر الحسيني والمأتم :
 
نظراً للأهداف الستراتيجية الأيجابية التي شكَّلها وحققها المنبر الحسيني على أرض الواقع على طول تأريخه ومنذ تأسيسه ! فقد وُضِعَت الكتب والمؤلفات التي تهتم بتأريخ أحداث كربلاء من جهة بأعتبارها ثورة صالحة ناجحة ومنهاجاً إصلاحياً تحاكي بمبادئها وأسبابها مسرح حياة الأُمَّة ، وأُعِدَّت أخرى للمجالس والمحاضرات صُيِّغَت على شكلٍ خاص تنتهي بذكر المصائب العاشورائية على الحسين وعياله عليهم السلام  من جهة أخرى .
 
أورد الشيعة الأمامية الكثير من الروايات والأخبار والممارسات عن الأئمة عليهم الصلاة والسلام التي تدعو شيعتهم الى إقامة المجالس ومآتم العزاء على الأمام الحسين عليه السلام ، ويعتقدون أن الأخبار في هذا الأمر قد بلغت عن أهل البيت عليهم السلام حَدَّ التواتر ، ويستدلون في حثِّ الأئمة عليهم السلام الناس على البكاء على الأمام الحسين عليه الصلاة والسلام على الروايات والأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام .
منها :
ماورد عن الأمام السجاد عليه السلام كان يقول ( أيَّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين ابن علي دمعةً حتى تسيلَ على خدِّه بوَّأهُ الله بها في الجنة غُرَفَاً يسكُنَها أحقاباً ) (1) .
 
وعن الأمام الباقر عليه السلام فيما ينبغي عمله في يوم عاشوراء ( ثم لَيُندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ، ويقيم في داره مصيبته بأظهار الجزع عليه ، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام ) (2) .
 
وعن الأمام الصادق عليه السلام ( كلُّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين ) (3) .
 
وايضاً عن الأمام الصادق عليه السلام ( وما بكى أحدٌ لنا ، ولما لقينا ، إلا رحمهُ اللهُ قبل أن تخرجُ الدمعة من عينيه (4) .
 
وعن الأمام الرضا عليه السلام ( أن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل عيوننا ، وأذَلَّ عزيزنا ، بأرضِ كربٍ وبلاء ، وأورثنا الكربَ والبلاء ، الى يومَ الأنقضاء ، فعلى الحسين فليبكِ الباكون ، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام ) (5) .
 
تأريخ تأسيس المنبر الحسيني :
 
أجمع علماء التأريخ الاسلامي الى أن تأريخ نشوء المنبر الحسيني يعود الى ما بُعَيْد واقعة كربلاء مباشرة عندما أُخذِن نساء أهل البيت عليهم السلام مع الإمام زين العابدين عليه السلام سبايا إلى الكوفة و الشام وكان لهم دور محدد في كل مدينة حطوا فيها ، فكانوا يخطبون على رؤوس الأشهاد وفي أماكن تجمع الناس لبيان حقائق الواقعة الأليمة وما مر عليهم من مصائب لفضح الجهاز الأموي الحاكم .
و المُطلع على التاريخ يجد أن لخطب الإمام زين العابدين عليه السلام وخطب العقيلة زينب عليها السلام  بالخصوص في الحواضر الإسلامية الكبرى كالكوفة والشام الأثر البالغ على المستمعين ، وينقل لنا التاريخ مدى تأثر الجماهير بالكلمات التي تلقى على مسامعهم في هذه الخطب ، فما أن يبدأ الإمام عليه السلام بالحديث أو توجه لهم العقلية زينب عليهم السلام الخطاب حتى يضج الناس بالبكاء .
و استمر الأئمة عليهم السلام على هذا الخط فكانوا يستغلون المواسم الدينية كالحج وغيره من المواسم لإيصال مصابهم إلى العالم ، فهذا الإمام الباقر عليه السلام يدخِل عليه الكميت الشاعر المعروف فيأمره بالإنشاد في رثاء الحسين عليه السلام ويدخِل أبو هارون المكفوف على الإمام الصادق عليه السلام فيسأله أن ينُشده فأنشد القصيدة المشهورة :
أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية .
وكذلك الإمام الرضا عليه السلام يدخل عليه دعبل الخزاعي الشاعر المعروف وينُشد في محضره :
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشط فرات
إذاً للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات
وكذلك بقية الأئمة عليهم السلام حيث كانوا يستغلون هذه المواسم والمواقف لبث مظلومية الإمام الحسين عليه السلام ومبادئه وأهداف ثورته في صفوف الأمة من خلال هذه المنابر .
وقد مر على المنبر الحسيني منذ ذلك الحين عدة تطورات على مر الأزمنة وتعاقب الدول وبدأت تبرز ظاهرة المنبر الحسيني بشكل أوضح في العصور اللاحقة وقد قسمت مدارس المنبر الحسيني إلى مدرستين :
الأولى ما أصطلح عليه بالمدرسة التاريخية والتي تعد أحد مراحل تطور المنبر من مجلس لرثاء أبي عبدالله الحسين عليه السلام فقط إلى مجالس وعظ وإرشاد وتوعية بالإضافة إلى المراثي والتعزية . (6)
الثانية ماسُمِيَت المدرسة العلمية والتي برزت في منتصف القرن الماضي وكان لعميد المنبر الحسيني المرحوم الدكتور الوائلي عظيم الأثر على النهوض بالمنبر الحسيني من شكله التقليدي والسعي إلى تطويره إلى شكل يوافق حاجات العصر في تلك الفترة ، وقد تأثر به الكثير من الخطباء والوعاظ وسلكوا مسلكه فبرز أمثال الدكتور الشيخ فاضل المالكي والدكتور الشيخ باقر المقدسي والسيد حسن الكشميري وغيرهم الكثير من مختلف المناطق الشيعية .(7)
 
رسالة المنبر الحسيني :
 
تتأكد رسالة المنبر الحسيني من خلال مايشكله من أدوار فعالة في توجيه المجتمع المسلم نحو الصلاح ، كونه النافذة التي تحمل على عاتقها المسؤولية الكبيرة في نقل مصيبة الامام الحسين وتضحيته الجسيمة ورسالته العظيمة الى الأمة للأستمرار في تغذية المجتمع من خلال بث روح الشريعة الأصيلة وزرعها في النفوس وتقويمها وتثبيتها في ضمير الأمة ، من خلال تناول المنبر الحسيني حالة النقد البناء بعد تشخيصهِ العلل والخلل يُصبح : المجتمع في حاجة إلى منبر واعي حي متفاعل مع تطورات العصر ومع جمهور هذا العصر. فقد " قطعت الخطابة الحسينيّة مراحل الإنشاء والتأسيس ، واجتازت بنجاح مرحلة الفتوّة والصبا إلى البلوغ والرشد ، وأمّا بلوغ الشيخوخة والهرم فهي أشدّ المراحل خطراً وتهديداً عليها ؛ فإذا ما حلَّت بها حلَّ بها الجمود والخمول ، والتخلُّف والموت البطيء .والسير للشيخوخة في المناهج الفكرية لا يماثل ذلك السير الطبيعي الذي تشاهده في الحياة الطبيعية للإنسان والمخلوقات الحيّة الذي يمثل أمراً قسرياً لا مفرّ منه ؛ فالمناهج الفكرية الشيخوخية عرض ناتج من التخلُّف عن الأخذ بأدوات التحديث والتجديد لمحتويات المنهج وأساليبه وأهدافه ، والحركة المستقبلية الضامنة لدوام فتوَّة الخطابة الحسينيّة .ومتانتها تكمن في تحديد هيئة الحركة التحديثية والتطويرية لهذا المنهج الفكري المهم ، وحراجة هذا الأمر تزداد في هذه السنين الأخيرة للقرن العشرين وما بعده والتي انطبعت بطابع العولمة ؛ هذا المدّ الجارف الذي يكتسح هوية الأمم والشعوب ليستبدلها بهوية اُمميّة شعارها نظام السوق" وتعد أيام عاشوراء فرصة ذهبية للقاء بين الخطيب والمستمع لا تكاد تتكرر إلا في السنة مرة واحدة ، فعلى خطباء المنبر أن يكونوا بمستوى من الوعي بحيث تُستغل هذه الفرصة بشكل مناسب.
"فهذا المنبر يحتاج إلى نقلة تطويرية لعرض الملحمة الحسينية بطريقة وأسلوب يتلاءم مع التقدّم الإعلامي ، والتوسّع الثقافي والانفتاح العالمي والتحوُّل السياسي ، وعرض مبادئ الثورة الحسينية بطريقة تساعد على مجاراة التطوّرات اليومية ، مع الأخذ بعين الاعتبار الأصالة والقداسة التي يتميّز بها المنبر الحسيني ، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض المعوّقات العرفية التي تؤثّر سلباً على صورة كربلاء ." (8) .
 
مزاجية المجتمع وتراجع ثقافة خطيب المنبر الحسيني :
 
ضُعف ثقافة الخطيب من الأسباب الخطيرة التي تدعو الى تراجع الحالة التوعوية والثقافية للمنبر الحسيني إنعكست وظهرت بوضوح على مزاج الجمهور في الفترات الأخيرة من مسيرة المنبر الحسيني في المجتمع العراقي والعربي والتي أدَّت على نحوٍ ما الى ضمور المنبر عن تأدية دورهُ الحقيقي وتراجعهُ في الوصول الى هَدَفَهُ المنشود .
 بسبب :
 
1 - من اللوازم المُترض توفرها في خطيب المنبر الحسيني : أن يمتلك معرفةً ووعياً دينيّاً واسعاً ومتنوّعاً وأُفُقاً علمياً عريضاً ، ما دام أنّ عمله هو رفع المستوى الفكريّ والمعرفي للناس في المسائل الإسلاميّة العامة والخاصة ، ولا بدّ أيضاً أن يكون من حُفّاض القرآن ، وأن يكون ممن له دراية ووعي في التأريخ الأسلامي ولديه إلمام كبير في الروايات والأحاديث الواردة ، وأن يكون على معرفة وإطلاع دائم بالأفكار الجديدة المتعلّقة بالمذهب والدّين والعالم الآخر ، وينبغي عليه التقرُّب والتعرف على كل مايحيط بالدين ، وأن يكون محقّقاً في المسائل والأفكار الدينيّة ، ولا يكتفي أو يكفي بمجرّد التعرّف على الدّين عن قُرب ، بل يوجد إلى جانب ذلك بعض الأفكار الفلسفيّة والسياسية والرؤى الإجتماعيّة والفكرية من غير الدينية ولاعلاقة لها بالدين إطلاقاً ، ينبغي أن يطَّلع عليها الخطيب ويدركها تماماً . 
 
2 - تكرار المادة من قبل الخطيب بأستعراض معركة الطف بأسلوب عاطفي وحدها فحسب ! دون التعاطي مع الأهداف والأبعاد السياسية والأجتماعية والأخلاقية الأصلاحية لهذه الثورة وتناولها من الخطيب بأسلوب تقليدي " كلاسيكي " من أهم الأسباب التي تعود سلباً وتؤثر على الجمهور بشكل ملحوظ ، فضلاً عن حصر هذه المعركة ورسالة المنبر وتحييدها عن هدفها وغايتها الأساسية ، : أتصور أن المنبر الحسيني ينبغي أن يبقى حسينياً ، ولا يصح تطويره بعيداً عن الأهداف التي بدأ منها ، وهي قضية الدمعة على الحسين (عليه السلام) ؛ فالمنبر الحسيني يزاوج بين البعد الوجداني والبعد العقلي ، وإن ابتعد عن هذا الهدف فيلزم أن نطلق عليه أسماء أخرى من قبيل : المنبر الإسلامي ، المنبر الفكري ، المنبر السياسي 
أو غير ذلك .(9)
 
3 - إكتفاء الخطيب بالمراثي والجوانب الوعضية والأرشادية والتربوية للمجتمع ، وإلتزامه جوانب الحيادية وحصر قضية الامام الحسين عليه السلام وتضحيته العظيمة بالحسين نفسه فقط يغلب عليه طابع اللوعة والأسى ، والمقتل والقضية التاريخية ! وعدم تعرضه للشؤون السياسية الوطنية والأجتماعية التي تَمُر على البلد ، ومناقشتها بشكل عادل ومُنصِف مبني على ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأنه الهدف الحقيقي الأصيل الذي خرج الأمام الحسين عليه السلام ساعياً مضحياً بالغالي والنفيس من أجل تحقيقه وتطبيقه وتثبيته حتى يكون المنهاج الدائم لأنطلاقة الأمة لتقول كلمتها بأسم الحسين عليه السلام ضد أئمة الظلم والجور في كل زمان ومكان .
 
4 - تبعية خطيب المنبر لجهات وواجهات دينية وإجتماعية وسياسية ومؤسساتية ، حيث جُيَّر المنبر الحسيني لتحقيق غايات وأهداف وأطروحات هذه العناوين ، مِمَّا أثَّرَ على المنبر وأفرغه من محتواه الرسالي في المجتمع وحالَ دون تحقيقه أهدافه الشرعية وعائديتها على الأُمة .
إن الكثير من هؤلاء وعلى مر التاريخ أرادوا ان يوضبوا حب المؤمنين للأمام الحسين (عليه السلام) لصالح منافعهم الشخصية ، فاليوم وما يمر به بلدنا الجريح نرى ان كثير ممن يدعي التدين من ذوي المنافع واصحاب المصالح الضيقة يتلاعبون بمشاعر المؤمنين ليوهموهم انهم من انصار الحسين ومحبيه والحقيقة انهم لايهتمون الا بمصالحهم الشخصية .
ومن اخطر اشكال التلاعب بمشاعر الناس هو النفخ في بوق التمييز والعُزلة للوصول الى قلوب الناس للحصول على مكاسب دنيوية ، وللمنبر الحسيني دور كبير وفعال بهذا الجانب ، فهم جعلوا من منبر سيد الشهداء صوتاً للطائفية البغيظة وليس كما هو صوت الحق والمظلومين والوحدة ضد الباطل مهما كان شكله وانتمائه ، في مناسبات عاشوراء أو الذكرى السنوية لوفيات ومواليد الأئمة في هذه المناسبات يجري التأكيد على معاني الخصوصية التي يراد الحفاظ عليها ، تقام للحفظ على الهوية الخاصة ، المتمثلة في نسق متكامل من الأفكار والقيم والتقاليد ، حيث تلعب الحادثة التاريخية هنا دوراً مزدوجاً ، فهي من جهة برهان على صحة الفكرة التي يُدعى إليها ، وهي من الجهة الأخرى وسيلة لقولبة الأفكار والمفاهيم ضمن سياق روائي ، مكَّنَها من الحفاظ على ثقافتها الخاصة ،إلا انه الدفاع عن الذات والدفاع عن الهوية ليس دائما بلا ثمن فالمنبر لم يتوقف عند حدود المهمة الثقافية المنتظرة منه ، بل تجاوزها لإشاعة روح العزلة التي يغطيها رداء الاعتداد بالذات ، كما عزز الانفصال بين المجتمع الشيعي وبقية الطوائف الإسلامية ، حتى أصبح الشيعة الذين أرادت بعض الحكومات إقصائهم وعزلهم اشد ميلاً إلى الانعزال وأكثر رغبة فيه من تلك الحكومات .
وقد وجه العلامة محمد مهدي شمس الدين أصابع الاتهام إلى الفقهاء والمتكلمين محملاً إياهم مسؤولية عزل المجتمعات الشيعية عن التيار الإسلامي العام ، لكننا من خلال التأمل في تأثيرات المنبر الحسيني ، أن الخطباء وكُتَّاب السِيَرْ هم الذين يتحملون القسط الأعظم من المسؤولية عن هذا الإثم ، فهم الذين يصنعون الثقافة وهم الذين يتولون تسويقها ، لذلك قال مرتضى المطهري : استشهد الإمام الحسين ثلاث مرات ، الأولى على يد اليزيديين بفقدانه لجسده ، والثانية على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه ، أما الثالثة فعندما إستشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحسيني ، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم .
 
 
 
 
 
 
 
(1) ابن قولويه / كامل الزيارة : ص 201 .
(2) نفس المصدر : ص 326 .
(3) الطوسي / الأمالي : ص 163 .
(4) ابن قولويه / كامل الزيارة : ص 179 .
(5) الصدوق ابن بابويه / الأمالي : ص 111 . المجلسي / البحار / 44 : ص 282 .
(6) مجمد الخرس / تاريخ تطور الأغراض الخطابية في المنبر الحسيني .
(7) المصدر السابق .
(8) عبد المنعم الحيلمي / ملامح المنبر الحسيني الواعي بين الواقع والمأمول ( بتصرف ) .
http://aafaqcenter.com/index.php/post/1498
(9) الكاتب حسن آل حمادة / حديث هاديء عن المنبر الحسيني .
http://www.annabaa.org/ashura/1428/13.htm



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=38591
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 10 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28