• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل أكل الحرام جهلا يسبب جفافا روحيا؟ الحلقة الخامسة .
                          • الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني .

هل أكل الحرام جهلا يسبب جفافا روحيا؟ الحلقة الخامسة

تأثير العمل في السلوك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
يظهر من أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين ان لأكل الحرام تأثيرا سلبيا على روح الانسان ، وان من اكله عالما او جاهلا معذورا عند الله او غير معذور أدى ذلك الطعام الى تدمير الروح وفسادها بحيث لا ترجع للهدى ولا تأوب للرشاد ابدا ، مشبها ذلك بفساد اللحم حين ينخره الديدان فلا يمكن إصلاحه ،
 
ومما جاء في كلامه: ويقال من أكل الشبهة أربعين يوما أظلم قلبه . وهو تأويل قوله تعالى * ( كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) وقال ابن المبارك : ردّ درهم من شبهة أحب إلىّ من أن أتصدق بمائة ألف درهم ، ومائة ألف ألف ، ومائة ألف حتى بلغ إلى ستمائة ألف . وقال بعض السلف إن العبد يأكل أكلة فيتقلب قلبه ، فينغل كما ينغل الأديم ولا يعود إلى حاله أبدا . وقال سهل رضى الله عنه . من أكل الحرام عصت جوارحه ، شاء أم أبى ، علم أو لم يعلم . ...وروي أن بعض الصالحين دفع طعاما إلى بعض الأبدال فلم يأكل ، فسأله عن لك ، فقال نحن لا نأكل إلا حلالا ، فلذلك تستقيم قلوبنا ، ويدوم حالنا ، ونكاشف الملكوت ونشاهد الآخرة . ولو أكلنا مما تأكلون ثلاثة أيام ، لما رجعنا إلى شيء من علم اليقين ولذهب الخوف والمشاهدة من قلوبنا . فقال له الرجل ، فإني أصوم الدهر وأختم القرءان في كل شهر ثلاثين مرة . فقال له البدل ، هذه الشربة التي رأيتني شربتها من الليل ، أحب إلىّ من ثلاثين ختمة في ثلاثمائة ركعة من أعمالك . وكانت شربته من لبن ظبية وحشية .
إحياء علوم الدين لأبي حامد غزالي ، الجزء الخامس ، ص 25.
ولعل مثل هذه الحكايات الباردة والتصورات التي ما انزل الله بها من سلطان هي التي أثرت في الثقافة العامة لكثير من الناس بل تسربت لبعض كتب علمائنا ككتاب المحجة البيضاء الذي نسخ بعض تلك الأفكار من كتاب ابي حامد الغزالي.
والحقيقة ان اكل الحرام الواقعي المجرد عن المعصية لا يفرق عن سائر التكاليف الواقعية التي قد يتورط المكلف في مخالفتها نتيجة الاعتماد على المؤمن الشرعي من الامارات والأصول العملية وفتاوى الفقهاء ، فان ترتب المفسدة وعدمه أمر مختلف فيه وفق اختلاف مباني الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي المطروحة في الأبحاث الأصولية.
ومهما يكن من حال فان تناول الأطعمة واللحوم غير المذكاة في الواقع لا يحمل ميزة مشددة على غيرها من الأفعال حتى يكون الاحتياط فيها آكد ، فكل التكاليف التي يخالفها المكلف معذورا في المخالفة تقع على ميزان واحد فما هي ميزة فعل تناول الطعام لتتضمن فساد الروح وظلمتها بما لا يكون في غيره من الأفعال؟
والحقيقة انا لم نعثر على ما يدل على هذه المزاعم ، بل وقفنا على ما يدل على العدم وذلك بملاحظة لحن روايات سوق المسلمين حيث يتضح منها التأكيد على عدم السؤال الذي لا يبعد استفادة مرجوحيته ، ولا اقل من سقوط رجحان الاحتياط إزاء ما يؤخذ من يد المسلم او سوق المسلمين.
لاحظ ما روي في الوسائل عن المحاسن مسندا عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له : أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة ؟ فقال : أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين ؟ ! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل ، والله إني لاعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن ، والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان .
فدلالة الرواية على الحث على عدم السؤال بل ربما مرجوحيته مما لا يخفى خصوصا مع ملاحظة سلوك الامام عليه السلام من الاخذ من يد حديثي الإسلام – بدون سؤال ولا تحقيق - مع ظن الامام عليه السلام عدم تسميتهم ، فليس الخبر في مقام نفي وجوب الفحص والسؤال في ظرف توهم الحضر حتى يقال بان اقصى ما تدل عليه نفي الوجوب غير المنافي لحسن السؤال والفحص من باب حسن الاحتياط.
ونظير ذلك ما رواه في الوسائل عن عبد الله بن جعفر في ( قرب الإسناد ) عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم ، عن حماد بن عيسى ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان أبي يبعث
بالدراهم إلى السوق فيشترى بها جبنا ويسمى ويأكل ولا يسأل عنه .
وهكذا ما رواه في الوسائل عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي في ( المحاسن ) عن أبيه ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الجبن وأنه توضع  فيه الإنفحة من الميتة قال : لا تصلح ، ثم أرسل بدرهم فقال : اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شيء .
فهذه الاخبار صريحة الدلالة واضحة المقالة في عدم رجحان السؤال ان لم تدل على مرجوحيته ، فكيف يجتمع ذلك مع الاحتياط الذي يدعى له للاحتياط بالسؤال والفحص والتحقيق في امر اللحوم تجنبا للتأثير السلبي البالغ على الروح؟.
وما ورد في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف ، لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه ؟ قال : نعم ، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة .
يؤكد سيرة الامام عليه السلام في عدم السؤال والفحص والاعتماد على أمارية سوق المسلمين.
وفي خبر الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : أعترض السوق فأشتري خفا لا أدري أذكى هو أم لا ؟ قال : صل فيه ، قلت : فالنعل ، قال : مثل ذلك ، قلت : إني أضيق من هذا ، قال : أترغب عما كان أبو الحسن ( عليه السلام ) يفعله ؟ !.
ما يكشف نحوا من الوسوسة عند بعض أصحاب الائمة عليهم السلام من العمل وفق قاعدة سوق المسلمين وهو الامر الذي حث الامام عيه السلام في الخبر على تجاوزه وضرب الشك والوسوسة عرض الحائط.
ويظهر من صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرا ، لا يدري أذكية هي أم غير ذكية ، أيصلي فيها ؟ فقال : نعم ، ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر ( عليه السلام ) كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك .
ان السؤال مذموم وان التحقيق في امر التذكية مرجوح وان ذلك من الجهالة التي فسرت بالسفاهة ، فهذه الروايات وامثالها نافية لتأثير ظلمة النفس وجفاف الروح من اكل الميتة المعذور في اكلها ، اذ لو كان لها مثل هذا الأثر لكان السؤال راجحا والتحقيق حسنا والفحص احتياط للدين ، فالنهي عن السؤال واعتباره جهالة وسفاهة وامرا مرجوحا ينفي ذلك لا محالة وهذا مما لا سترة عليه بحمد الله.
قال الشيخ زين الدين بن علي العاملي ( قدس سره ) المعروف بالشهيد الثاني ( 911 - 965 ه‍ ): وكما يجوز شراء اللحم والجلد من سوق الاسلام ، لا يلزم " البحث عنه هل ذابحه مسلم أم لا ؟
وأنه هل سمى واستقبل بذبيحته القبلة أم لا ؟
بل ولا يستحب ، ولو قيل بالكراهة كان وجها ، للنهي عنه في الخبر السابق الذي أقل مراتبه الكراهة .
مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ، ج 11 ، ص 494.
وقال الشيخ يوسف البحراني قدس سره (المتوفى سنة 1186 ه‍): ولا يستحب له الاحتياط هنا ، بل ربما كان مرجوحا ، لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين.
الحدائق الناضرة ج1 ص 69.
وقال الشيخ محمد حسن النجفي ( المتوفى سنة 1266) في جواهر الكلام : { ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم } والجلود { يجوز شراؤه ، ولا يلزم الفحص عن حاله } أنه جامع لشرائط الحل أو لا ، بل لا يستحب ، بل لعله مكروه ، للنهي عنه في حسن الفضلاء " سألوا أبا جعفر ( عليه السلام ) عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون ، قال : كل إذا كان ذلك في أسواق المسلمين ، ولا تسأل عنه "
جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 138.
وقال السيد الخميني (المتوفى 1410هـ) قدس سره: وما ظهر لي بعد التأمل في الأخبار والنظر في حال سوق المسلمين في تلك الأعصار الذي كان منحصرا بالعامة أمران : أحدهما أن منشأ سؤال السائلين احتمال عدم مراعاة القصابين شرائط التذكية ، والثاني أن الحكم على سبيل التوسعة... فظهر من جميع ذلك جواز معاملة المذكى لما في سوق المسلمين وما صنع في أرضهم وما في أيدي المستحلّ وغيره ، بل مورد الروايات هو ما في أيدي المستحلَّين للميتة ولو لاستحلال ذبيحة أهل الكتاب ، أو استحلال ما لا يكون مذكَّى شرعاً عند الفرق الناجية .
كتاب الطهارة ، ج 4 ، ص 259.
وقال السيد الخوئي (المتوفى 1413 هـ) قدس سره:
أن السوق جعلت أمارة كاشفة عن يد المسلم وهي الأمارة على التذكية حقيقة والسوق أمارة على الأمارة . وذلك لأن الغالب في أسواق المسلمين إنما هم المسلمون وقد جعل الشارع الغلبة معتبرة في خصوص المقام ، وألحق من يشك في إسلامه بالمسلمين للغلبة ، بل ولا اختصاص لذلك بالسوق فان كل أرض غلب عليها المسلمون تكون فيها الغلبة أمارة على إسلام من يشك في إسلامه كما في صحيحة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال : «لا بأس بالصلاة في الفرا اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام ، قلت فان كان فيها غير أهل الاسلام ؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» بل وفي بعض الأخبار الحث والترغيب على معاملة الطهارة والذكاة مع ما يؤخذ من أسواق المسلمين.
التنقيح ...كتاب الطهارة... (الجزء الثاني) ...... صفحة:454.
وقال السيد السبزواري قدس سره (المتوفى 1414 هـ) في مهذب الاحكام:
: لو علم بأنّ بعض الجلود من المذكى ، وبعضها من الميتة واختلط ولم يتميز ، فلا مجال لأصالة عدم التذكية في كلّ منهما ، للعلم بالنقض في الجملة . ومقتضى العلم الإجمالي بوجود الميتة في البين ، هو الاجتناب . ولو سقط العلم الإجمالي عن التنجز ، لخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء أو لجهة أخرى ، فمقتضى الأصل الحلية والطهارة . وبذلك يسهل الخطب في الجلود المصنوعة المجلوبة من بلاد الكفر ، للعلم الإجمالي بوجود جلود المذكى في بلاد الكفر أيضا من جهة التجارة الدائرة بينها وبين بلاد الإسلام في الجلود .
فإذا صنعت خفا ونحوها واستوردها المسلمون ، لا يكون هذا العلم الإجمالي منجزا بالنسبة إلى كلّ واحد من المستورين ، لخروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء بالنسبة إلى كلّ واحد منهم ، لكونهم في مناطق مختلفة لا يكون أحدهم طرفا لابتلاء الآخر .
مهذب الاحكام ، ج 1 ، ص 236.
ولعل ما دعا الاتجاه الاخر عند غير اهل البيت عليهم السلام للتركيز على مسألة ما يدخل البطن انما هو في قبال ما طرحته مدرسة اهل البيت عليهم السلام من أهمية الاحتياط في الدماء والاعراض وان الحدود تدرأ بالشبهات وشدة امر الاحتياط في دماء المسلمين وما أشار له فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السلام من أهمية الاحتياط في الفروج ، واذا تساهل بعض المسلمين في هذين الامرين فان عسكه ما حدث عند اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، ومن الطبيعي ان يكون التساهل في امر الدماء والاعراض داعيا للبحث عن بديل يظهر التمسك بالدين والاحتياط في شريعة سيد المرسلين (ص) فكان البديل هو التركيز على ما يدخل البطن ليكون ذلك صك براءة ومفتاح الجنان كما في كتاب الغزالي من ان شربة من لبن ظبية وحشية افضل من ثلاثين ختمة في ثلاثمائة ركعة.
وهكذا فان التشدد في امر تناول الطعام والاحتياط بشأنه قد يكون من اجل التسامح في سفك دماء المسلمين والاغترار بالاحتياط بأكل المباح والمذكى يقينا غطاء لما قد يرتكبه الانسان من منكرات في مجالات أخرى.
للاطلاع على الحلقات السابقة
رابط الحلقة الأولى
http://beladey.blogspot.com.au/2010/08/blog-post.html
رابط الحلقة الثانية
http://beladey.blogspot.com.au/2010/08/blog-post_11.html
رابط الحلقة الثالثة
http://beladey.blogspot.com.au/2010/08/blog-post_13.html
رابط الحلقة الرابعة
http://beladey.blogspot.com.au/2010/08/blog-post_14.html
 
 
http://beladey.blogspot.com.au/2013/09/blog-post.html
 

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : نور ، في 2013/12/24 .

السلام عليكم
يحوي المقال بعض المغالطات و بعض الاستنتاجات خارج مدلول الروايات
الخلاصة : كل تلك الروايات لا تبطل مايفعله المؤمن من الاحتياط في الطعام و كثرة التفحص و السؤال و يكفينا الدافع العقلي قبل الشرعي فاليوم أرض المسلمين تحوي سوق المسلمين و غير المسلمين و المنتجات علنا و مكتوبة تشهد على نفسها أنها من صنع غير المسلمين مستوردة من دار اهل الكفر و موظفوا ارض المسلمين فيهم بصورة جلية من غير المسلمين فهل هذا الحال كان عليه سوق المسلمين عصر المعصوم؟ وهل عاقل من يستنسخ تصور و موقف المعصوم من سوق المسلمين ذلك الزمان و يطبقه بغير تعقل هذا الزمان؟

و لتقريب الفكرة ، اليوم وزارة الصحة الغذائية تقوم بفحص المنتجات الاسلامية و غيرها من حيث السلامة المادية حفاظا على صحة الانسان و المسلم يبحث عن افضل طعام صحي لجسده و يتفحص لانه يعلم انه في عصر كثر فيه الطعام الفاسد و المغشوش و السام لذا يتصرف بناءا على حال السوق فهل هو بذلك يوسوس ! لا . كذلك الحال للجانب المعنوي للطعام و العمر قصير .
حرام و روايات نهى المعصوم بعض اصحابه من تناول مابيد اهل الكتاب لمجاورتهم للنجاسات وهذا قمة الاحتياط
وياليتك انصفت دين الله و اتيت بروايات اهل البيت التي تبين مضار اكل ال



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36404
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28