• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : راحلون بصمت .
                          • الكاتب : سردار محمد سعيد .

راحلون بصمت

  إهتديت إليه أو اهتدى لي، الأمر سيان.

 
في غفلة حزن أو غفلة فرح لافرق.
 
اهتدينا إلى بعض مثلما اهتدت الأحلام إلى عقول البشر.
 
في غفلة من عيون الوحدة انعطفنا إلى سطوة الآخر.
 
حتى كأن أقدامنا عادت لتلامس الأرض.
 
لكن عادة الرياح الهائمة البحث عن رهاف الكمائم لتذروها.
 
 
رحت أعدو حافية القدمين من أول الغرفة إلى آخرها.
 
وواصلت خمش خدودي ولطم وجهي.
 
ذات السريرالذي كان يقف قبالته وأنا أصطنع النوم وكنت أحسه يبتسم وينتظر غفوتي أراه اليوم كتابوت.
 
ولكي لا تشي مقلتي أرسم على شفتي ابتسامة طفولية.
 
يتلصص على جسدي كأنه لم يذرع أبعاده مليمترا ًمليمترا ً.
 
فأواصل غفوتي متلذذة بمراهقته.
 
بما يحمل من لون أبيض صار رمادياً يعيد إلى الذاكرة ليالي الوحدة.
 
مرَّ سريعا ًكمرور القديسين لتحية روح من مات ظلما ً.
 
وهذه الستارة التي يعروها الخجل فتنسدل خاشعة حين يحاصرنا الشوق.
 
وحواء في لوحة الحائط كانت تنض ورق الشجر وتعود تخصفه.
 
 
منذ أن بدأ يعي ما حوله رأى أمه تواصل السعي مع أبيه الذي ما إن تراكم ماله
 
تراكم بيدرحصاد رحل بصمت وتبعته الأم غما ً.
 
 
أضحى يتيما ً وفي بيت فاقد الإنسانية،ولولا صديقه زميل الدراسة في الجامعة لظن أنه سيتحول يوما ً 
إلى بذرة لا تعرف أي جزء منها ينمو إلى أسفل ليكون جذرا ً وأي جزء ينمو إلى أعلى ليكون ساقا ً.
 
 
 
زميلته الجامعية رفضت الزواج منه
 
واقتنع برأي صديق الدراسة واصطحبه إلى الحرش المجاور للجامعة ورأها تتلوى بين ذراعي عشيق.
 
بكى وبكى
 
قال إبك ِ لعل الدمع يزيل عن وجهك وشاح الفشل.
 
شاركه الخمرة وتسلى بها وكانت عوضا ً عن زميلة يفوقها بكل شيء.
 
إصطحبه إلى دار اللهو وجالسا عاهرة تراكمت الأصباغ على وجهها مثل لوحة رسمها طفل بريء
 
هذه أشرف من زميلتك فهي لا تنكر مهنتها وتلك توحي لك بالعفة وفي شرايينها يسري العهر.
 
وبكى وبكى حين اقتيد صديقه المولع بالخمرة والغناء التراثي والسياسة إلى قرار سحيق ولم يجد من يكفكف دموعه بعدها.
 
 
 
هل أقصى غاية للأنثى الإحتفاظ بزوج حتى لوخان بشريته
 
هل الأنوثة مشبوهة لدرجة أن صوتها صار عورة ؟
 
الصمت كفيل بإخماد بركان الذكورة الغاضبة.
 
لنصمت لكي لا نوفر مبررا ً للسأم.
 
قالتها أمي ولم يثنها شيء عن كفاحها معه طوال سنين.
 
بعد أن قرر الزواج بأخرى فرحلت بصمت.
 
غمامة طوقت جفني تحمل المرارات.
 
جدي المقعد الوحيد الذي بقي لي هو الآخر ودّعني بصمت،
 
كان يمسد شعري ويقول بصوت حنون
 
العينان ذاتهما..ورقتا الأنف ذاتهما....إستدارة الوجه ذاتها والروح ذاتها، ويقبلني بين عيني.
 
إعتقدت أن أنوثتي أوشكت على اليباس.
 
لكني أبصرهدابه يخفق في منديله الأبيض حين أشمه
 
بترجح مريضاتي بين وجع المخاض وفرحة الأمومة أعود لأنوثتي، وأتخيل أني سأحرث ذكورة الآتي 
فينبع غرسه لكني تجاوزت الأربعين ولم يأت الذي يزم شفتيه مع كل صرخة من صرخاتي.
 
 
نقلوه إلى المستشفى بعد أن كرع حانة خمر بتمامها
 
- حالتك اعتيادية وتستطيع مغادرة المستشفى غداً ولكن..
 
عليك التقليل من معاقرة الخمر..وإلا
 
- ماذا سيحصل ؟
 
- سيتشمع كبدك
 
- ومن ثم....؟
 
- تموت
 
- وثم..؟
 
- تدفن وتكون وليمة شهية للدود
 
- لا أظن ذلك فالدود سيسكر عندما يذوق دمي.
 
- سيتلقفك الزبانية
 
- لا أعتقد فهم مستنفرون لتوسيع قعر جهنم فقد كثر طغاة الأرض.
 
- دع زوجتك تصنع لك الحساء فهو سهل الهضم
 
- ليست لدي زوجة
 
- أمك
 
- ولا أم
 
كان رقيقا ً وسيما ًولطيفا ً، وقالت صديقتي الطبيبة
 
- لا تدعيه يفلت منك
 
- يصغرني بأعوام وقد بلغت سن اليأس
 
- لا ضير في ذلك
 
وحدث أن تقبلني بقبول حسن وتقبلته بأحسن منه
 
هاهو اليوم أشلاء بعثرتها أيدي الجبناء ولن يجد الدود فيه وليمة
 
لم يستطيعوا لملمتها
 
محض بقايا عظام متهرئة دفنوها في مقبرة الشهداء.
 
 
لا أعلم لماذا يقتص منا القدر نقدا ً ويقتص من الطغاة بالآجل.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=35997
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29