• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تنهيدات الغربة ... وانتظار الحلم .
                          • الكاتب : سلام محمد البناي .

تنهيدات الغربة ... وانتظار الحلم

(قراءة انطباعية في مجموعة " التيه بين تنهيدتين " للشاعرة فاطمة الفلاحي)

يتميز خطاب الأنثى الشعري بجيناته الرقيقة و بروح التحدي واثبات الذات على الرغم من صورة الانكسار التي تؤطر ذلك الخطاب ، فالمرأة وان حاولت أن تخفي مشاعرها بعقلانية وحذر ، إلا أن القاريء المتفحص يستطيع أن يفك شفراتها وصولا إلى الوضوح .. (التيه بين تنهيدتين) للشاعرة فاطمة الفلاحي ديوان شعري صادم يجمع بين طياته عنوانات تجمع صورا من صور من الحكمة الأنثوية وفيها تصريح عن هم إنساني ينفجر لحظة وضع السبابة على مفتاح أية كلمة تبدأها قصائد الديوان حيث لا يمكن للقاريء أن يحار كثيرا في أسلوب الأنثى عندما تكتب ، وعلى الرغم من صورة الوضوح التي تبدو أول وهلة إلا أنها ترسم شكلا ربما فيه الكثير من التعقيد لا التصريح بكل شيء ، ففي معظم قصائد الديوان هناك إعلان عن لغة (الأنا) وهذه (الأنا)  لدى فاطمة الفلاحي هي مفتاح لكل قصيدة وهي لا تأتي كنوع من التعالي أو الإحساس بالتفرد لكنها تخاطب الآخر بجنون وبلغة العشق المتوّجة بالتحدي واثبات الحضور والوجود.. ونصوصها مشبعة بمفردات (الأنا) المتحدية ، تراوغني تؤخرني ، ترسمني،  تسكنني،  تأسرني ، تستبدني ، تجلدني ، تغتالتي،  تحاصرني تمنحني ، تؤلمني ، تشاكسني ، تتلبسني،  تسابقني،  تغزلني ، تعلقني،  تسربلني ، ترتحلني..

مملوكة الهوى دهرا

وقدرا يسكن عمري

تأسرني

ولوعة تستبدني

أوصابا

وقلبا يفيض بالهموم

مدرارا

فأيا منك وجعي

كما أن عنوانات القصائد غير نمطية فهي وحدها ومضات شعرية ابتداءا من عنوان المجموعة الرئيس الذي يوصد أبواب الخروج من متاهات الهم الإنساني الذي يشغلها وانتهاءا بالخاتمة التي أعلنت من خلالها الاحتجاج والانتصار لقلبها ولروحها التواقة للحرية :

أخذت كسرة من قلبك

وحين الطواف في دمك

وجدت أنني

كنت رؤيا من سراب

ركلتها على مفرق قلبك

وعلى الرغم من ألمها واحتجاجها لكنها أغلقت الأبواب التي تمنع دخول العتمة إلى حياتها فإنها تنشد الضياء الذي يجعل من الدنيا مورقة تنضح بالعطر الذي يصفعها لكي تصحو على حلم لطالما انتظرته :

نعم إذ تهيم بي

ستورق الدنيا

فتفضحني عطرا مطلقا

يرسمك حدودا لنبضي

وتتسربل مساءاتك أنجمي

فينوء القلب بك

حلما سردميا

كقصيدة تتوسد بياض روحك

فلا تراوغني

ترسم فاطمة الفلاحي في قصائدها لوحات لا تبدو غامضة بل تفضح ما سره القلب وتزيل ترسبات علقت في متاهات الحلم ، وعلى الرغم من لغة الخوف المخضبة بالوجد فإنها دائمة السؤال عن ما يثيرها فزعا ، فهي تعي ما تقول لان حالات الشغف التي في داخل صندوق ذكرياتها هي جمرات دائمة الاتقاد والتوهج لأنه الطريق الذي يعبر بها إلى تخوم الأمل و إلى الآخر الذي تبحث عنه بين ثنايا الحروف ومتاهات الغربة هو كائن رمزي أدمنته واعتاشت على عطشه :

تبقى متمرغا في الظنون

وتجلدني بزيف الأقنعة والشجون

وتضج بي آثامك

فتحملني

إغفاءة من جنون

ومدينة الاغتراب التي وضعت الفلاحي نفسها فيها هي كل ما تبقى من ظل ذكرياتها مما دعاها إلى استثمار حيوية تجسيد حس التمسك بالذات الممهورة بالألم وكأن حروفها ترتدي ذلك الوشاح الذي يستفز النبض لكي لا يبقى حبيس مستعمرة التنهيدات.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=21317
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29