• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفافِ الانتظار(29) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفافِ الانتظار(29)

ماذا يوحي إليك اطلاعُ إمامِك عليك؟

نعتقدُ بأنَّ الله (تعالى) قد وهب لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) إمكاناتٍ كماليةً تفوق ما لدى البشر العاديّين؛ لأنّه (تعالى) رآهم أهلًا لذلك، ومحل إثبات هذا الأمر هو علم الكلام، المهم أنّنا نجدُ العديد من الروايات الصريحة في أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) عمومًا عندهم القدرة على الاطلاع على أعمال العباد عمومًا وشيعتهم خصوصًا، فقد رويَ عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: مالكم تسوؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أنَّ أعمالكم تُعرَضُ عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤوا رسول الله وسروه.
وعن عبد الله بن أبان الزيات -وكان مكينًا عند الرضا (عليه السلام)- قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادعُ الله لي ولأهل بيتي. فقال: أو لستُ أفعل؟ والله إنَّ أعمالكم لتُعرَضُ عليّ في كُلِّ يومٍ وليلة، قال: فاستعظمتُ ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتابَ الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ﴾ ؟ قال: هو والله علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
وعن داود الرقي قال: دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: يا داود، أعمالكم عُرِضَتْ عليّ يوم الخميس، فرأيت لك فيها شيئًا فرّحني، وذلك صلتك لابنِ عمِّك، أما إنّه سيُمحَقُ أجله ولا ينقص رزقك.
قال داود: كانَ لي ابنُ عمٍّ ناصبٍ كثيرِ العيال محتاج، فلمّا خرجتُ إلى مكة أمرت له بصلة، فلمّا أدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني بهذا.
وفي مكاتبة الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) إلى الشيخ المفيد (رحمه الله): نحن وإنْ كُنّا ناوين [ثاوين] بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين... فإنّا نحيط علمًا بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيءٌ من أخباركم.
وهذا المقام الكمالي -فيما يتعلق بالإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) حيث إنّه إمامُ زماننا اليوم، وكون أعمالنا تُعرض عليه، وهو مطلعٌ علينا- يُلفتُ أنظارنا إلى العديد من الأمور، ومنها التالي:
الأمر الأول: على من يدّعي أنّه يُحِبُّ الإمام المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) أنْ يعملَ على أنْ يظهرَ بالمظهر الذي يُحبّه الإمام، وهذا ديدن المُحِبّ والعاشق، ففي قانون الحُبِّ والعشق، لا يجوز لك أنْ تعملَ ما يؤذي معشوقك.
فهل كنّا كذلك مع إمامنا؟!
الأمر الثاني: من المعلومِ أنَّ أهلَ البيت (عليهم السلام) يتألمون لألم شيعتهم، والذي ينبغي الالتفات إليه، أنّهم كما يتألّمون لألمنا، فإنّ ذنوبنا تؤلمهم أيضًا، بل إنَّ ألمهم بذنوبنا لا يُقاس بألمهم لما يمرّ علينا من صعابٍ في بعض الأحيان، وأنت حُرٌّ فيما تصنع، إنْ شئتَ أنْ تؤلم إمامك، وإنْ شئتَ أنْ ترضيه، إذ ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾
على المؤمن إذن أنْ يكون دقيقًا في متابعة سلوكه؛ إذ لعله يُرسل سهامًا تصيب قلب إمامه وهو يحسبُ أنّه يُحسِنُ صنعًا!
وعليه أنْ يُراجعَ نفسَه جيدًا؛ ليرَ: كم مرّةً آلم قلبَ الإمام؟!
وكم مرةً أرسل برقيةَ اعتذارٍ له بسببِ عملٍ سيئٍ تعمّدَ فِعْلَه!
وليزنْ عمله بميزانِ العقل والشرع، وسيرى الكفّةَ أينَ تميلُ به!
إنّه الخجلُ، والحياءُ، الذي لا بُدّ أنْ يشعرَ به المؤمن، لو صدر منه ذنبٌ أو معصية، وإنْ أردتَ أنْ تتصوّر هذه الحالة، فاغمضْ عينيك قليلًا، وتصوّرْ أنّك فعلتَ المعصية (الكذائية) أمامَ والديك، أو أمامَ مدير عملك!
هل يُمكِنُك أنْ لا تشعرَ بالحياء؟
وهل يُمكِنُك إلا أنْ تدفنَ رأسَك حياءً أمامهم؟
إذن، تذكّرْ أنَّ اللهَ (تعالى)، وإمامَ زمانك، على اطلاعٍ مُباشرٍ عليك!
والحرُّ تكفيه إشارة.
الأمر الثالث: إنَّ حياتَنا أشبهُ شيءٍ بحلبةِ صراع مع قوى متعدِّدة، تبدأ بالصراعِ مع النفس الأمّارة بالسوء، إلى الأهواءِ المُتلاطمة، وانتهاءً بتسويلاتِ إبليس، وفيما بين ذلك نجدُ أنواعَ البلايا والمصائب والمشاكل تملأ زواياها، وهذا يُملي على المؤمن أنْ يتشبّثَ بعروةٍ تنتشله من الغرق في بحر الحياة المتلاطم.
والإيمانُ باطلاع إمامه وقائده عليه، ووقوفه معه من وراء ستر الغيب، يولّد عنده شُحنة معنوية تدفعه للتغلُّبِ على كُلِّ قوى الضلال، ليفوزَ برضا المولى.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=180227
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29