• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : المسرح الحسيني بين المواجهة الهروب  .
                          • الكاتب : محمد جواد الميالي .

المسرح الحسيني بين المواجهة الهروب 

 عادة تتعرض الأعمال الأدبية والفنية التي ترتبط بالعقيدة الدينية الاسلامية تحديدا الى قيود مختلفة ورقابة مشددة لا تنفك عنها عيون الرقيب، فيما تكون الأخرى حرة طليقة تمارس بشكل طبيعي بل وتدعم من قبل الحاكم وإن كانت تقدح في الذوق العام وتدعوا الى الفساد، وهذا ما تريده السلطات دائما، لضمان عرشها، وأكثر الفنون تعرضا لهذه الضغوطات هو المسرح الحسيني كما أطلق عليه، فقد حاصرته السلطة في كل مكان، خاصة في المنطقة العربية. 
حين كتب الصحفي والكاتب والشاعر المصري عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيته الحسين ثائرا والحسين شهيد بجزأين عام 1969، وتم تنفيذ العمل ثم أعدم بقرار طائفي من قبل الدولة وبتأثير من الجامع الأزهر تحديدا قبل أن يرى النور، وقيل أن القرار جاء بضغوطات من قبل الحكومة السعودية، رغم أن المسرحية تعد عملا فنيا يروي واقعة تاريخية إلا إن صوت الحق يقلق أهل الباطل وإن أُخذ من أعماق الزمن، ذلك هو صوت الحسين عليه السلام الذي يصك أسماع الوجود الى الأبد، وتلك المسرحية تعتبر من أهم ما قدم للمسرح الحسيني كما أطلق عليه.
أما في العراق وخاصة سنوات القرن الماضي مرورا بحكم البعث لم يجرؤ أحد من أن يقدم عملا مسرحيا يجسد واقعة الطف بحقيقتها كما هي، خوفا من السلطة الجائرة والمعادية للحسين عليه ومنهجه الانساني ومشروعه التحرري، ولا ننكر أن هناك محاولات لا تعد ناهضة كما ينبغي، بل هي محاولات خجولة لمحاولات  تحت سوط الرقابة، من بينها مسرحية صوت الحر الرياحي للشاعر  رضا الخفاجي التي قدمت في كربلاء في ظروف غامضة، حتى أن المشاهد يخشى الحضور الى العرض خوفا من متابعة الجهات الأمنية، وحسب الظن أنها قدمت بعرض يتيم وكان كادر العمل قلقا جدا أثناء فترة (البروفات) وكذلك يوم العرض.
أما مسرحية الحر الرياحي للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد لم تكن تريد نقل الواقعة التاريخية بحقيقتها، بل قدمت الشخصيات بصراع ذاتي، أي الحر يصارع ذاته ليخير نفسه بين الجنة والنار، وكذلك الحال لغيره من الشخصيات، وهذا يعد هروبا من قبل الكاتب خوفا من ذات السوط رغم أن الكاتب  ليس مسلما وهو صابئي، وإن عدها النقاد نقلة مسرحية لها قيمة دلالية ومضامين معتبرة، إلا إنها خطوة متعرجة خلف الحروف ومخاتلة بين أعتاب النصالبنيوية، والهروب هنا غير مباشر، أما الهروب المباشر فكان الصمت خير ممثل له.
كما لا يخفى على المختص والمتتبع أن أغلب الفنون تعتمد على النص الأدبي (السيناريو) في المسرح والسينما والتلفزيون، ولا أدري هل النص غائب أم مغيب، خاصة في فترة اللا هروب ما بعد عام 2003 ، وهي فترة تعد فرصة للمواجهة في أمان مطلق، فما نراه من مسرح تحت عنوان المسرح الحسيني بني على وثائق تاريخية غير دقيقة، وما تشهده الساحة اليوم من أعمال مسرحية تميل كثيرا الى المسرح الكلاسيكي الذي اعتمد اسلوب مسرح (التشابيه) في المضمون والزي والمؤثرات والموسيقى وحتى الإضاءة، ويؤسفني أن أرى مسرحيات المرحوم الأستاذ علي محمد الخفاجي في الرفوف يغطيها التراب، كذلك لم نعمل على صناعة مسرح حداثوي عصري، نقدم فيه القضية الحسينية بطريقة تواكب التطور الحاصل في جميع الفنون، لنتمكن من أن نوصل رسالة الحسين عليه السلام كما أريد لها، لا كما نريد نحن، علينا ابعاد مفاهيمنا الخاصة وعواطفنا وميولاتنا عن القضية الحسينية، ونقدم الحسين عليه السلام كما هو.
أعود وأقول:  النص أولا في كل عمل فني إن كان مسرحا أو غيره، وأفضل طريقة للحصول على نصوص جيدة هي المسابقات الأدبية الخاصة بالنص المسرحي، ولا ننسى أن الحسين عليه السلام لا تتوقف قضيته عند سيف ورمح ورأس مرفوع، بل هو حياة تتجدد، ومعجزة لها اسقاطات زمانية تواكب وتحاكي الأجيال على مر العصور بلغات عدة ومفاهيم تتطلبها الحالة، الحسين عليه السلام معجزة الازمنة كلها، والسؤال يبقى قائما أين الحسين عليه السلام على خشبة المسرح تلك الخشبة التي تعد خشبة الحرية..؟




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179915
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28