• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفاف الانتظار (27) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفاف الانتظار (27)



لماذا لا يستنُّ بسُنّةِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)؟

قد يتساءلُ البعض: هل من المعقولِ أنْ لا يستنَّ ابنُ رسولِ الله المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) بسنة جده الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد روي أنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قال: من أحبّ أنْ يتّبعَ سُنتي فإنّ من سنتي التزويج .
أم كيفَ لا يكونُ مُتزوجًا وقد دلّتْ رواياتٌ عديدةٌ على ذمِّ العُزّابِ، منها ما روي عنه (صلى الله عليه وآله): ركعةٌ يُصلّيها مُتزوجٌ أفضلُ من سبعين ركعة يصليها عزب، وشرارُ موتاكم العُزّاب .
وفي مقام الجواب نقول:
أولًا: قد يُستشمّ من هذا التساؤلِ رائحةُ الاعتراضِ على عدم تزوّجِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) لو لم يكن مُتزوجًا!
وهذا –لو كان - ففيه من الجرأةِ ما لا يخفى، إذ ليس من الأدبِ ولا من الإيمانِ أنْ يقومَ أحدُهم بتعريفِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) بتكليفه الشرعي فيما يتعلق بالزواج أو غيره، إذ هو الإمامُ المعصومُ الذي يُمثِّلُ الواقع في تصرفاته وسلوكياته أجمع، فليُلتفت إلى ذلك، فالإمامُ هو من يُشخِّصُ لنا تكليفنا، لا نحنُ من نُشخِّصُ له تكليفه.
وقد رويَ أنَّ التسليمَ أمرٌ ضروري جدًا في التلبس بالإيمان، فقد رويَ أنّه قال أبو عبد الله (عليه السلام): لَوْ أَنَّ قَوْمًا عَبَدُوا اللهَ وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وآتَوُا الزَّكَاةَ، وحَجُّوا الْبَيْتَ، وصَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالُوا لِشَيْءٍ صَنَعَه اللهُ أَوْ صَنَعَه رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): أَلَّا صَنَعَ خِلَافَ الَّذِي صَنَعَ، أَوْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ، لَكَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ.
ثُمَّ تَلَا هَذِه الآيَةَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): عَلَيْكُمْ بِالتَّسْلِيمِ .
وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (تبارك وتعالى): ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ قال: الاقتراف: التسليمُ لنا، والصدقُ علينا، وألا يكذب علينا .
ثانيًا: نحنُ لا ننكرُ زواجَه على وجه الجزم، وإنّما نجزم بشيءٍ واحدٍ فقط، وهو: عدمُ علمنا بكونِه مُتزوجًا أو لا، بالنظر إلى أنَّ هذا الأمرَ من مُختصّاتِ الغيبة، التي لم تُطلِعْنا الرواياتُ عن تفاصيلها.
ثالثًا: إنَّ الزواجَ موضوعٌ للأحكامِ التكليفيةِ المختلفة، وحكمه يختلفُ من ظرفٍ إلى آخر، ومن موضوعٍ إلى آخر.
وبعبارةٍ واضحة: أنَّ الحكمَ الأولي للزواج هو الاستحباب، فهو مُستحبٌ في حدِّ نفسه، ولكنّه مع ذلك قد يكونُ واجبًا (كما إذا كان المكلفُ قادرًا على الزواجِ، ويقعُ في الحرام لو لم يتزوج) أو حرامًا (كالزواجِ بأمِّ الزوجةِ أو ببنتِ الزوجة إذا دخلَ بأمِّها، أو الجمع بين الأختين)، ومن ثم فليس حكمُ الزواجِ دومًا هو الاستحباب، وإن كانَ هو حكمه الأولي.
إذا تبيّنَ هذا يُقال: نحنُ لا نعلمُ الظرفَ الذي يعيشه الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) حتى يمكن الجزم بكونِ الزواجِ مُستحبًا له، فقد يكونُ –أكرر: قد يكون، ولا نجزم- مُحرّمًا عليه، ومن ثَمّ لا موجبَ للجزمِ بضرورةِ كونه مُتزوجًا زمنَ الغيبة.
رابعًا: حيث إن الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) يعيشُ ظرفًا استثنائيًا هو ظرف الغيبة والابتعاد عن مُباشرة الناس، فقد تكونُ المصلحةُ في عدمِ زواجه أهمَّ من مصلحةِ الزواج، ومن ثَمّ لا يكونُ قد ارتكبَ مُخالفةً لسنةِ الرسولِ الأعظم (صلى الله عليه وآله).
ونذكّر: نحنُ في كُلِّ ما تقدّمَ غيرُ مؤهلين لتشخيصِ التكليفٍ المناسبِ -فضلًا عن فرضه- على المولى صاحب العصر والزمان، ولسنا في مقام ذلك أصلًا، وإنّما هي احتمالاتٌ لتقريبِ فكرةِ عدم زواجه زمن الغيبة، وكونه في ذاك لم يخالفْ حكمًا شرعيًا ولا سنةً لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=179620
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 03 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28