• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : على ضفافِ الانتظار(6) .
                          • الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي .

على ضفافِ الانتظار(6)

هلِ الاستعجالُ ممدوحٌ أم مذموم؟

إنَّ لوعةَ المصائبِ التي تمرُّ بالمؤمنين، وشوقَهم للُقيا إمامِهم المنتظر، يجعلُهم يأملون أنْ تدورَ عجلةُ الأيامِ بسُرعة؛ ليقتربَ الظهور.
إلا أنّهم يواجهون بعضَ الرواياتِ التي نهتْ عن الاستعجالِ بالأمر، وأنَّ على المؤمنِ أنْ لا يستعجلَ به، بل عليه أنْ يُسلِّمَ أمرَه إلى الباري (جل وعلا)، وهناك حثٌّ كبير على التسليم في هذا المجال، ففي دُعاءِ زمنِ الغيبة، ورد: (فَصَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ؛ حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، ولا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، ولا كَشْفَ مَا سَتَرْتَ، ولا الْبَحْثَ عَمَّا كَتَمْتَ، ولا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ ،ولا أَقُولَ لِمَ وكَيْفَ ومَا بَالُ وَلِيِّ الأَمْرِ لا يَظْهَرُ وقَدِ امْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ، وأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا)
فهل يعني هذا أنَّ الاستعجالَ مُطلقًا مذمومٌ؟ أو ماذا؟
الجواب:
بدايةً:
ذكرَ علماءُ الأصولِ والكلام، أنَّ الأفعالَ (التكوينية) عمومًا، تنقسمُ من حيث الاتصافِ بالحسنِ والقبحِ إلى ثلاثة أقسام:
القسمُ الأول: ما يكونُ حُسنُه أو قُبحُه ذاتيًا، بمعنى أنَّ الحسنَ أو القُبحَ يكونُ من صفاتِه الذاتيةِ، والتي لا تُفارقُه بحالٍ من الأحوالِ، وفي أيّ زمنٍ، وفي أيّ مكان، وفي أيّ ظرف.
ولعلَّ هذا القسمَ ينحصرُ بحُسنِ العدلِ وقبحِ الظلم.
فالعدلُ من المسلمِ حسن، ومن الكافرِ حسن، من المرأةِ حسن، ومن الرجلِ حسن، وفي أيّ ظرفٍ حسن، وأما الظلمُ فهو قبيحٌ من أيّ شخصٍ صدرَ، وأنّى صدر.
القسم الثاني: ما يكونُ حسنُه أو قبحُه ثابتًا له (للفعل) أولًا وبالذات، ولكنّه وبسبب طروء عنوانٍ ثانوي، فقد ينقلبُ الحسنُ قبيحًا، ولكنّه إنّما صارَ قبيحًا لعارض، أما إذا خُليّ وذاته، فإنّه حسن، والعكس بالعكس.
مثال على ذلك: أكلُ المِيتةِ حرامٌ (قبيح)، ولكن عندَ الاضطرارِ يتحوّل إلى جائز، أو ربما واجبٍ (حسن)، ولكن هذا بالعنوان الثانوي، وهذا مثالٌ اعتباري.
كذلك في الأفعالِ التكوينية، وأوضحُ مثالٍ له هو حُسنُ الصدقِ وقُبحُ الكذب، فمن المعلومِ أنَّ الصدقَ حسن، ولكن إذا جاءَ ظالمٌ وسألَ عن مؤمن، فإنَّ صدقَك معه حينئذٍ قبيحٌ؛ لأنّه سيُعرِّضُ المؤمنَ للخطر، وربما القتل، فهُنا يجوزُ الكذب، بل قد يجب، فهو حسن.
وهكذا فإنَّ الكذبَ قبيحٌ، ولكن في إصلاحِ ذاتِ البين يكونُ حسنًا وجائزًا.
القسم الثالث: ما لا يتصفُ بذاتِه لا بالحُسنِ ولا بالقُبح، لكنّه يتصفُ بأحدِهما (بالحسن أو القبح) بسببِ ما يعتريه ويعرضُ عليه من ظروفٍ وحالات، فإنْ كانَ ذلك العارضُ حسنًا، اتصفَ الفعلُ بالحسن، وإنْ كانَ قبيحًا اتصفَ بالقُبح، مثل ضربِ الولد، فإنّه إنْ كانَ للتأديبِ وضمنَ الحدودِ الشرعيةِ، فإنّه يكونُ حسنًا، وإنْ كانَ للتشفّي وخارجَ الحدودِ الشرعيةِ، فإنّه يكونُ قبيحًا.
إذا تبيّنتْ هذه المقدمةُ نقول:
الظاهرُ، -واللهُ العالم-، أنَّ الاستعجالَ هو من القسمِ الثالث، أي إنّه يتصفُ بالحُسنِ أو القُبحِ بسببِ ما يعتريه من ظروفٍ وصفاتٍ معينة، ومعه، فيُمكِنُ القول:
إنَّ الاستعجالَ قسمان:
قسمٌ مذمومٌ:
وهو ما يؤدّي إلى الهلاكِ والوقوعِ في الفتن؛ لعدمِ ابتنائه على أسُسٍ علميةٍ ومنهجية، وهو ما نهتْ عنه الرواياتُ الشريفة، التي أطلقتْ على المستعجلين عنوانَ المحاضير.
فقد رويَ عن سيفِ التمار، عن أبي المرهف، قال: قالَ أبو عبدِ الله (عليه السلام): «هلكتِ المحاضير».
قال: قلتُ: وما المحاضير؟
قال: «المُستعجلون، ونجا المُقربون، وثبتَ الحصنُ على أوتادها، كونوا أحلاسَ بيوتِكم، فإنَّ الغبرةَ على منْ أثارها، وأنّهم لا يُريدونكم بجائحةٍ إلّا أتاهم اللهُ بشاغلٍ إلّا مَنْ تعرّضَ لهم».
والمحاضير: جمع محضر، وهو الفَرَسُ الكثيرُ العَدْو ، ومحاضيرُ العرب: قومٌ اشتهروا بالعَدْو، ويُقالُ لهم: العدّاؤون.
لقد أكّدتِ الرواياتُ الشريفةُ أنَّ المحاضيرَ هالكون، وفسّرتْ ذلك بأنَّ المقصودَ منهم المُستعجلون في ظهورِ دولةِ الحقِّ قبلَ أوانِها ، أي إنّهم يستعجلون بتطبيقِ علاماتِ الظهور مثلًا على الأحداثِ من دون تروٍ ولا تثبُّت، وقد يُصدّقون بأي مُدّعٍ للمهدوية، فيقعونَ في الهلاك...
الأمرُ الذي يدعو إلى الصبر، والتريُّث، وعدمِ الاستعجالِ بالأمر، إلى أنْ يحينَ موعدُه المُناسبُ حسبَ العلمِ الإلهي، ولذا فرّعتِ الرواياتُ على عدمِ الاستعجالِ: الأمانَ من الهلكةِ ونجاةَ المُقربين.
وقسمٌ ممدوحٌ:
وهو ما يكونُ على أساسِ العملِ الصالح الذي من شأنهِ أنْ يوفِّرَ الظروفَ الملائمةَ والأسبابَ الموضوعيةَ للظهورِ المقدس، من دونِ أنْ يؤدّيَ إلى التخبُّطِ في القراراتِ، أو الدخولِ من دون بصيرة في الفِتَنِ والشُبُهاتِ ، ومن دون أنْ يؤدّيَ إلى التطبيقاتِ الخاطئةِ والتوقيتِ المنهي عنه في الروايات.
وهذا هو الذي نجدُه في الرواياتِ التي أمرتْ بالدعاء وانتظارِ الفرج، واعتبرته من الفرج.
فقد رويَ في توقيعه (عجّل الله فرجه) أنّه قال: «... وأكثِروا الدُعاءَ بتعجيلِ الفرج؛ فإنَّ ذلك فرجكم».




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=175608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 11 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28