الأحداث تتسارع والناس في غفلة من أمرِهم!
سيما وأنّ الروايات الواردة عن أهل البيت" عليهم السلام" نصوص كثيرة تؤكد أنّ كثير من الفتن في عصر الغَيبة ما يُخرج الناس عن دينهم، ونحن إذ نشاهد بأمّ العين التخبط والفوضوية في حركة الأحداث وتداعياتها، وفقدان التوازن الإجتماعي وعدم الإتزان البشري مايجعلنا نُصدَم من حقيقة المزاج المنحرف الذي تعيشهُ الأمة، وثمّة ما يخيف أكثر من أنّنا نسير في طريق مَن لا يفرّق بين الأهمّ والمهمّ فنتّبِعَ الهوى من غير هدى!!
ففي حديث المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله"عليه السلام" يقول:
{أما والله ليَغيبَنَّ إمامكم سنينًا من دهركم، ولتُمَحّصُنَّ حتى يقال: مات؟! قُتِل؟! هلك؟! بأي وادٍ سلك؟! ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفؤنَّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الايمان، وأيده بروح منه}
قال، فبكيت، ثم قلت: فكيف نصنع؟
فنظر إلى شمس داخلة في الصفة، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟! قلت: نعم، فقال: {والله لأَمرنا أبين من هذه الشمس..}.إلى غير ذلك من المضامين الملفتة التي تضمّنتها النصوص عنهم"عليهم السلام" فإنها تُنذِر بتعرض المؤمنين للفتن العمياء، وأعاصير الضلال المظلمة التي تُشبّهُ عليهم اُمر التكليف وتستغفلهم عن أمر أهل البيت "عليهم السلام" الذي هو الدين الحق وثوابته، والجرأة على تجاهل الحقائق الواضحة، ومحاولة الخروج عن خطّ أهل البيت "عليهم السلام" في ظلّ موجة التجديد والانحراف والتحرّر الاجتماعي المزعوم، ولعل أصعب ماتمرّ به الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر هي وُفرة الشهوات وكثرة الشبهات التي تؤدي إلى إشعال نار الفتن في المجتمع، والتي طالما حذّر منها أئمة أهل البيت"عليهم السلام" كما ورد عن أمير المؤمنين"عليه السلام" في خطبة له يحذّر من الشبهة ولِماذا أشار الى تسميتها بهذا الاسم حيث قال"عليه السلام": {وإنما سمّيت الشبهة شبهة لأنها تَشبهُ الحقّ} كذلك ماجاء ايضا في معجمات اللغة قولهم: {الشبهة: هو مالم يُتيَقّن كونهُ حرامًا أو حلالًا}!
وعليه: فالشبهة، هي معنى يجمع بين طرفين نقيضين يصعب على الآخر الفصل بينهما كأن يكون ذلك في الضدّين مثل الحق والباطل في ساحة واحدة، فثمة من يرى ذلك الحقّ باطلاً، والآخر يرى الباطل حقًا، وتسمية الإمام"عليه السلام" لها "الشبهة" إنما أراد أن يجعل ذلك المفتاح اللغوي وسيلة لتلقّي أذهان الناس ضرورة الفصل بين جبهات الحق والباطل فيما إذا اشتبه عليهم الأمر، وذلك بعد أن تلمّس الإمام"عليه" تلك الحال التي آلت إليها الأمة إبان حكم معاوية وكان ادعاؤهُ النزول بالأمة عند طاعة الله "سبحانه وتعالى"والوصول إلى رضوانه، فتدافعوا الى ساحة معاوية بدوافع فكرية في خضم الشبهات الإسلامية، ولاسباب عدة: أهمها الجهل والطمع بالدنيا والركون اليها، ماحدا بمعاوية عبر أبواقهِ الخادعة، أن ضَرَبَ ستارَ الضلال بين أعين الناس وبين الحقّ الذي كان يدور مع علي"عليه السلام" حتى بلغت الشبهة آنذاك في نفوس الناس وصار يقال لمعاوية أمير المؤمنين ويقال لعليّ "عليه السلام" أمير المؤمنين حيث تساوَيا في الألقاب والصفات وشتّان بين الثرى والثريا! ممّا دفع بالأمة الى ذلك بضياع الهوية من خلال إثارة الشبهات والزيف الإعلامي الأموي!! لتستمر تلك الشبهة ملقِيَة بظلالها في ساحة الأمة الإسلامية إذ عانى المسلمون من حجم تلك الشبهات التي أثيرت آنذاك ومازال بعض الناس الى يومنا هذا يعتاش على فَتاتها ليستمر في ضَلالِه الموازي من حيث المكان والمرتبة لامتداد أهل البيت "عليهم السلام" المتمثّل بأتباعهم، وهاهو التاريخ يعيد نفسه من حيث الأحداث، وحوادثَ تشابهت فيها الأمور كظلمات بعضها فوق بعض والناس في غفلة من هذا ، ولو اعتمدوا نهج آل محمد عليهم السلام لما ضاعوا ولأدرَكوا الطريق كما أشار
أمير المؤمنين عليّا "عليه السلام" موضحًا:
{إنما سُمّيت الشبهة شبهة، لأنها تشبهُ الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سَمْتُ الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى} نهج البلاغة: الخطبة ٣٨
|