• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النبوءة.. .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

النبوءة..

  الهدف الذي أبتغيه من خلال الكتابة هو أن أجد نفسي، البعض ربما لا يصدق بأني أستطيع أن أعيش في جميع (الأمكنة - الأزمنة)، ربما ثراء الخيال يجعلني أقف أمام الأشياء بمعناها الإنساني، وتحدثني وتسبغ عليّ الكثير من التقدير، حين تفصل لي الأحداث بدقة.

 اليوم وأنا أكتب عن أبي ذر الغفاري، حضرت امامي النبوءة التي أطلقها رسول الله محمد (ص)، قلت لها: أهلا وسهلاً، حدثيني عنك..؟ فأجابتني بكل هدوء: ولدت في غزوة تبوك من السنة التاسعة من الهجرة، حينما تهيأ المسلمون لقتال الروم، وكانت تلك الأيام أيام حر، فقال البعض: لا تنفروا في الحر، وتعللوا بشتى الأعذار، وخرج النبي (ص) وصحبه، وكلما ساروا ازدادوا جهداً ومشقة، وتخلف البعض وراحوا يتراجعون، فيقول من حول رسول الله (ص): يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: "دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه". وحينها لم يجدوا أبا ذر، قالوا لرسول الله (ص): قد تخلف أبو ذر وابطأ به بعيره، وكانت ناقة ابي ذر الغفاري قد ضعفت تحت وطأة الجوع والعطش والحر، فنزل أبو ذر من فوقها، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشياً على قدميه وسط الصحراء الملتهبة، وفي الغداة، شاهد احد صحابة النبي (ص) سحابة من الغبار تحضن وسطها رجلاً يقاوم حرارة الصحراء، فأطلقني (ص) نبوءة فخر في سماء النبوءات: (يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده).
 قلت أسأل النبوءة: وبعد كم سنة ظهرت للناس كحقيقة..؟ أجابت: بعد اثنين وعشرين عاماً من ذلك اليوم، وسأله النبي (ص): (يا أبا ذر، كيف انت اذا ادركك امراء يستأثرون بالفيء..؟)، فأجاب أبو ذر: اذن، والذي بعثك بالحق لأضربن بسيفي، فقال له الرسول (ص): (أفلا أدلّك على خير من ذلك..؟ أصبر حتى تلقاني).
 كنت انا النبوءة أسلوب حياة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، حفظت له الصراعات التي كانت تفرضها عليه طبيعته كزاهد وشخصيته القوية في الحق يقول رسول الله (ص): (ما اقلت الغبراء، ولا اظلت الخضراء، أصدق لهجة من ابي ذر)، فكانت الأيام الأخيرة لأبي ذر كلها كفاحاً وجهاداً.
 بعد اتساع رقعة ارض الإسلام، كثرت الثروات وبدت الشام التي كان يتولى امارتها معاوية بن ابي سفيان، الذي كان يوزع الأموال بغير حساب، ويعيش دعة وسعة، فخرج اليها أبو ذر وهو يصرخ: (وَالذِينَ يَكنِزُونَ الذهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) كان ينادي: (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه).
 وقف أبو ذر يسأل معاوية عن املاكه وثرواته قبل توليه امارة الشام وبعدها، عن بيتهم في مكة، وقصوره في الشام، فيصيح: أأنتم الذين نزل القرآن على رسول الله بين ظهرانيهم ويقرأ عليهم: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {التوبة/34} يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)..؟
 فردّ معاوية: "لقد انزل هذه الآية في النصارى، فصاح أبو ذر:ـ بل نزلت لنا ولهم، فيكتب معاوية الى خليفته: (إن أبا ذر افسد الناس بالشام)، فيدعوه الخليفة: (ابق هنا بجانبي تغدو عليك اللقاح وتروح)، فيجيب أبو ذر:ـ لا حاجة لي في دنياكم وطلب الخروج الى الربذة.
 رأيت أن أسأل النبوءة عن الربذة؟ فأجابت:ـ هي قرية تبعد عن المدينة مسيرة ثلاثة اميال، وخرج الامام (عليه السلام) ليودعه، فقال له يوصيه: (يا أبا ذر، انك غضبت لله فارج من غضبت له، أما القوم فقد خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فاترك فيما أيديهم واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما احوجك الى ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً، ولو أن السماوات والأرض كانت على عبد رتقا، ثم التقى لجعل الله له منها مخرجا، لا يؤنسك الى الحق ولا يوحشك الى الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قرضت منهم أي قبلت عطاياهم لأمنوك).
 يا نعم النبوءة انا لفارس لا يهاب الموت، وهو في طريقه الى الربذة، قابله أبو موسى الاشعري، فيفتح له ذراعيه، وهو يصيح من الفرح: (مرحبا اخي أبا ذر) دفعه وهو يقول له: كنت أخاك قبل ان تكون واليا، وقابله أبو هريرة مرحباً فقال له: ابعد عني، ألست الذي تطاولت في البنيان، فاتخذت لك ماشية وزرعا، وهنا في الربذة كنت انا النبوءة معه اتنفس فيه، ويتنفس بي قول رسول الله (ص): (اصبر حتى تلقاني).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169486
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16