• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شيطانٌ.. في رِكَاب السُّلطان! .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

شيطانٌ.. في رِكَاب السُّلطان!

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
لقد أحبَّ الله تعالى عبادَه المؤمنين، فحذَّرَهُم ممّا فيه خسارةٌ في دُنياهم وأُخراهم.
 
ومن ذلك أن نَظَّمَ لهم صلاتَهم في أوقات الحرب مع الكافرين، بحيث تقفُ فِرقةٌ من المسلمين بأسلحتهم للدِّفاع عن النبي (ص) ومَن معه، وقج أمرهم تعالى في كتابه بالحذر حينها فقال: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ..﴾ (النساء102).
 
ثمَّ حَذَّرَهم من فئةٍ أخرى لا تقلُّ عن الكفّار سوءاً، وهم المنافقون، حيث يُشَكِّلون خطراً على دين المؤمنين، بل عدَّهم تعالى من أبرز مصاديق العدوّ، بل قال تعالى عنهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (المنافقون4).
 
مِن ثَمَّ فصَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وآله بَعضَ ما أجمَلَ القرآنُ الكريم، فحذَّرَ المؤمنين الذين يريدون الحفاظ على دينهم من أصنافٍ ثلاثة من الرِّجال، وقال (ص):
 
احْذَرُوا عَلَى دِينِكُمْ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ:
 
الرجل الأول: مِن قُرَّاء القرآن
 
رَجُلٍ قَرَأَ القُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَ عَلَيْهِ بَهْجَتُهُ، كَأَنَّ رِدَاءً لِلْإِيمَانِ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ الله، اخْتَرَطَ سَيْفَهُ عَلَى أَخِيهِ المُسْلِمِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ!
لقد استغلَّ هذا الملعون كتابَ الله تعالى، فاتَّخَذَهُ طريقاً لبلوغ غايته، وهو مصداقُ من اتَّخَذَ القرآن بضاعةً، واشترى به ثمناً قليلاً.
 
لقد تلبَّسَ بلباس القرآن الكريم، ولباسُ القرآن جميلٌ جذّاب، يضفي بهجَةً على قارئه، إمّا سُروراً في نفسه، أو ظاهراً حَسَناً جميلاً.
وما إن بلغَ اللعينُ غايتَه، حتى بَدَّلَ لباسه، ولعله كان مصداقاً لِمَن لَبِسَ الْإِسْلَام (لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً)!
 
لقد كان الخوارجُ من أهل تلاوة القرآن، ثم سَلُّوا سيفَ البغي على (أمير المؤمنين عليه السلام)، ولا يزال منهجُهُم فَتيَّاً اليوم، فها هم الألوف ممَّن يزعمون الانتساب للقرآن الكريم قد اخترطوا سيوفَهم وعمدوا إلى قتل المسلمين، وعاثوا في بلاد الله فساداً، تفجيراً وقتلاً وذبحاً لعباد الله!
 
فما أبعدَ هؤلاء عن دين الله حقاً، وما أشد التصاقهم به بزعمهم!
لقد كان شيعة آل محمدٍ عليهم السلام من أبرز ضحايا هؤلاء.. لا لشيءٍ إلا لإيمانهم بالولاية الحَقَّة، فقُتِلوا لأجلها ولا يزالون!
 
الرَّجل الثاني: مِن أهل الكذب
 
وَرَجُلٍ اسْتَخَفَّتْهُ الأَحَادِيثُ، كُلَّمَا انْقَطَعَتْ أُحْدُوثَةُ كَذِبٍ مَثَّلَهَا أَطْوَلَ مِنْهَا، إِنْ يُدْرِكِ الدَّجَّالَ يَتْبَعْهُ.
 
الأوّلُ رجلٌ اتَّخذَ كتابَ الله وسيلةً لباطله، والثاني اتخَّذَ الأحاديث والأكاذيب المتتالية سبيلاً لمآربه، فيُتبِعُ واحدةً بأخرى، ويتلاعب بدينِ المؤمنين الصالحين، سيَّما من يُحسنُ الظنَّ في غير موضعه، فيقعُ فريسةَ هؤلاء وهؤلاء.
 
ولقد حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله المؤمنَ مِنهم، ليحافظ على دينه سليماً من هؤلاء الكذّابين والدجّالين، الذين يستميتون في إضلال عباد الله.
 
إنَّ مِن هؤلاء مَن قد يتزيّا بزَيِّ أهل العلم، ويتمظهر بهيئة أهل الصلاح، لكنَّ أمرَه لا يخفى على المؤمن الموالي.. كيف وقد حذَّرَهُ منه رسولُ الله (ص) قبل أوانه؟!
 
الرَّجلُ الثالث: مِنَ السلاطين
 
وَرَجُلٍ آتَاهُ الله عَزَّ وَجَلَّ سُلْطَاناً، فَزَعَمَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ الله، وَمَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ الله، وَكَذَبَ، لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ، لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى الله.
 
ما أكثرَ السلاطين في أيامنا وفي سالف الأيام، الذين يزعَمون أنَّهم خُلفاءُ الله في أرضه! وأنَّهم مَن يُمَثِّلُ أمرَ الله، وأنَّ التخلُّف عن ركابِهم عصيانٌ لله تعالى!
 
يستغلُّ هؤلاء أشرفَ سبيلٍ وهو دين الله تعالى للسيطرة على العباد، والتحكُّم بهم، وسَلبهم حريَّتَهم واختيارهم.
يأمرون الناس تارةً بما يرضي الله، وأخرى بما يغضبه، ويلزمون النّاس باتِّباع أمرهم، لأنَّ أمرَهم أمرُ الله بزعمهم!
 
يكمل رسولُ الله صلى الله عليه وآله كلامه فيقول:
إِنَّمَا الطَّاعَةُ لله وَلِرَسُولِهِ وَلِوُلَاةِ الأَمْرِ الَّذِينَ قَرَنَهُمُ الله بِنَفْسِهِ وَنَبِيِّهِ فَقَالَ: ﴿أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
 
الطَّاعةُ المطلقةُ لا ينبغي أن تكون إلا لله ولرسوله، ولولاة الأمر الذين اختارَهم الله تعالى، لا لكلِّ من تولى الأمر، فهؤلاء قد اقترن الأمر بطاعتهم بالأمر بطاعة الله، لأنَّهم يمثِّلون الله حقاً، وهم خلفاؤه صدقاً، وما ذاك إلا لعصمتهم، فلا تُقبلُ هذه الدعوى من غير المعصوم.
 
وقد دلَّت على ذلك شواهدُ العقول، وصرَّح به الرَّسول، فقال (ص):
لِأَنَّ الله إِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطَهَّرٌ لَا يَأْمُرُ بِمَعْصِيَةِ الله، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لَا يَأْمُرُونَ بِمَعْصِيَةِ الله (كتاب سليم ج‏2 ص884).
 
الأئمة الاثنا عشر من آل محمد عليهم السلام هم المعصومون الذين أُمِرَ الناس باتِّباعهم مطلقاً، هُم أولياء النِّعَمِ في كلِّ عصر، والشُّهداء على أهل كلِّ زمان.
 
لكنَّ السلاطين تسمّوا بأسمائهم، وتلقَّبوا بألقابهم، وأخذوا أماكنهم، وتأمَّروا في ممالكهم، ثمَّ استعمَلوا علماء البلاط وسيلةً لكتمان الحقائق وتزويرها، وإحقاق الباطل وإبطال الحقّ، فكانوا شياطين في ركاب السلاطين..
 
ثمَّ لم يكن السَّلاطين أقلَّ خطراً مِن هؤلاء!
 
إنَّ مَن ينسب لنفسه منصبَ خلفاء الله في أرضه، وحججه على عباده، ثم يُلزِم النّاس باتِّباع أمره، ويزعم أنَّه وليُّ الله، وأنَّ طاعته طاعة الله، وهو ليس من المعصومين الاثني عشر، فهو كذّابٌ مفترٍ، لا يختلف عن ابليس في دهائه ومكره وخداعه، فإنه يضلُّ عباد الله، سيّما من كان منهم على دين ملوكه.
 
ينظرُ المؤمن فيرى هؤلاء الرجال الثلاثة يحيطون به من كلِّ حَدبٍ وصوب:
 
1. بينَ حاكمٍ يتسلَّطُ على العباد باسم الله! وينسب لنفسه الولاية على عباد الله، والإمرة على المؤمنين، ويسلبهم حقَّهم في التفكير والتعقُّل واتِّباع الدَّليل، فيعيثُ بذلك فساداً في أديانهم.
 
2. وبينَ كاذبٍ دَجّالٍ يُكثرُ من أكاذيبه ليحرفَ المؤمنين عن دينهم، ويضلَّهم عن الهدى بعد أن جاءَهم.
 
3. وبين صاحبِ سيفٍ، يتَّخذُ القرآن وسيلة، يُكفِّرُ به المؤمنين، ويقتُلُهم ليرتدَّ إخوانُهم عن دينهم رُعباً منه.
 
بين هؤلاء الثلاثة يعيشُ المؤمن، حَذِراً على دينه، عالماً أنَّ خَلاصَه إنما يكون بامتثال أمر إمامه في غيبته، والتوجُّه نحوه، والتضرُّع إلى الله تعالى ليعجِّل فرجه.
 
يوقنُ المؤمنُ أن رعاية الإمام للشيعة هو طريقُ خلاصهم من هؤلاء وهؤلاء.. وأنَّ الإمام يُسَبِّبُ الأسباب لهداية الشيعة والحفاظ على دينهم، سيَّما عبر العلماء العاملين الصادقين المخلصين، الذين يعرفون قَدرَ أنفسهم، ولا يدَّعون ما ليس لهم، بهم يحفظُ الله عبادَه المؤمنين من أن يرتدوا عن دينهم.
 
ضِعافُ الشيعة اليوم أمانةٌ في يدِ علمائهم، الذين يبثُّون فيهم علوم آل محمدٍ عليهم السلام.
 
والمؤمنون يحذرون ممَّن حذَّرَ منهم النبي(ص)، أجارنا الله منهم وأبعدنا عنهم، وحفظنا من مَكرهم وكَيدهم.
 
والحمد لله رب العالمين.
 
الثلاثاء 8 شوال 1443 هـ الموافق 10-5-2022 م




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=168314
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18