• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شؤون عربية .
                    • الموضوع : أولى بالدّول القلقة والمنشغلة بتونس أن تهتمّ بشؤونها .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

أولى بالدّول القلقة والمنشغلة بتونس أن تهتمّ بشؤونها

درجت أمريكا بسياساتها الخارجية على التعبير عن قلقها أو انشغالها أو إدانتها، حسب التعبير الذي تراه مناسبا لها، كموقف تقوم بإعلانه من سياسة بلد تراها لا تتلاءم مع منهجها في سياسة دول العالم، وهذا الموقف نابع من عقدة استعلاء واستكبار، فاقت فيها أمريكا دول الغرب وقاحة، بحيث يتبادر لأذهان متابعي الشأن الدّولي، أنها تتعامل كأنّ لها الحقّ في انتقاد سياسات دول العالم، بما بوّأت به ادارتها من مكانة، هي واقعا أقرب للوهم منها للحقيقة.
وأمريكا في هذا المجال لم تترك بلدا  - خارج منظومة هيمنتها - دون أن تخصص له نصيبا مفروضا من الانتقاد، ومجال حقوق الانسان كما تراه الادارة الأمريكية، خصب في تركيب التّهم التي تقذف بها كل دولة رافضة الانصياع لها، وهذا الدّأب الأمريكي أصبح معروفا، وتقاريره تخرج كل سنة، للتعبير عن رؤية لا تمتّ في معظمها إلى الواقع بصلة، إنّما هي نعرة الإستكبار تفعل فعلها في التعابير السياسية للبيت الأبيض.

بمجرّد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن جملة من الإجراءات الإستثنائية، بدأت الدول الغربية وكل من له مصلحة في بقاء البلاد في حالة من السّلبية، والعبث بمصالح الشعب التونسي، بالتعبير عن قلقها وانشغالها مما يجري، متجاهلة عشر سنوات عجاف مرّت على البلاد، وهي تشاهد مهازلها في البرلمان خاصة، فبعد أمريكا التي عبرت وزارة خارجيتها، عن قلق واشنطن البالغ، إزاء قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حلّ البرلمان،  الذي سبق أن علّق عمله العام الماضي، بعد أن تحداه النواب بالتصويت على إلغاء المراسيم التي استخدمها، لمنحه صلاحيات شبه مطلقة (1).

لقد كان مرسوم حل المجلس الأعلى للقضاء، بمثابة بوابة الفرج التي انفتحت على الشعب التونسي، ظلّ يعاني طوال 70 سنة من فساد في مرافق القضاء، ولم يعد بالإمكان ترك حبله على الغارب يعبث به العابثون، في ظل وجود رئيس نزيه منتخب عبّر عن عزمه الراسخ لمحاربة الفاسد أينما وُجِد، وأمريكا تعلم يقينا، بما لها من أجهزة مخابرات في البلاد، مستوى الفساد الذي بلغه القضاء في تونس، وليست بحاجة إلى من يرشدها في هذا المجال، ولا أعتقد أنّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، كان مُعبّرا بصدق عن قلق بلاده إزاء قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، والأنباء عن منع موظفي المجلس من دخول المقر.(2) إنّما هي تصريحات درجت عليها هذه الادارة المستكبرة كأنّها تريد أن توجّه تحذيرا مبطّنا، إنني هنا على برج مراقبة العالم أحصي أنفاس وحركات دوله، السياسة القديمة المتجدّدة العصا والجزرة، تذكير بأنها قادرة على لعب دور المفسدِ قبل المصلح، في كل عمل إصلاح سياسي، في الدول التي تتلقى عادة مساعدات منها بمئات ملايين الدولارات.

لم يتأخر التعبير الفرنسي عن سيّده الأمريكي، وارتباطه الوثيق به، نابع من الإعتراف بفضل أمريكا في إنقاذ فرنسا، من الإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وهي نقطة ضعف رسمت سياسة التبعية الدول الأوروبية للأمريكيين، فرنسا أعربت بلسان المتحدثة باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية آن كلير لوجندر عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في تونس، وعن أملها أن تعود مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطها في أقرب الآجال، حتى تكون قادرة على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد".(3)

ولم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعزل عما يجري في تونس، وهو بعقليته الحالمة يأمل أن تكون البلاد، كما كانت من قبل موردا اقتصاديا، يعود على تركيا بما كان البايات يرفدونها بالأموال، باعتبارها تابعة للدولة العثمانية، لذلك لم يتوانى في توجيه انتقاد لاذع يوم الثلاثاء لقرار الرئيس التونسي قيس سعيد بخصوص حل البرلمان الأسبوع الماضي، واصفا ذلك بأنه "تشويه للديمقراطية" وضربة لإرادة الشعب التونسي.(4) وطبيعي أن لا تمرّ انتقادات الرئيس التركي دون ردّ مناسب لها خصوصا وقد غزت السلع التركية بأنواعها الأسواق التونسية حتى تلك التي تصنع بتونس، مما أشّر إلى سوء تصرّف حكومي، غض الطرف على إغراق البلاد بسلع لسنا بحاجة اليها، بما يعني أن لتركيا بنظر الكثيرين ضلع في تردّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وكان على الرئيس التونسي أن يردّ على جملة هذه التصريحات والتعابير الدبلوماسية الغير ودّية، فبعد استدعاء السفير التركي من طرف وزارة الخارجية التونسية، استنكارا من التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أتى رد الرئيس التونسي قيس سعيد أيضا، فقد شدد في كلمة اليوم الأربعاء، أن بلاده ترفض التدخلات الخارجية في شؤونها، قائلا: إن تونس ليست ولاية عثمانية تنتظر فرمانا.(5)

ملخّص القول هنا: أن المسار الذي حدده الرئيس قيس سعيد، ووجهته في إصلاح حال البلاد سليمة، ولا تنمّ عن توجّه منه لانفراد بالسلطة، وهذا أمر مفروغ منه تماما، والدّعوى المرفوعة ضدّه بأنه انقلب على الدستور، ويؤسس لدكتاتورية جديدة، هي مجرّد فزاعة رفعها معارضوه، ممن كانوا يحكمون البلاد قبله بتسع سنوات، وكانوا سببا رئيسيا في تردّي أوضاعها إلى مرحلة الخطر، والدّول التي عبّرت عن قلقها من اجراءات الرئيس قيس سعيد الإصلاحية، كان عليها أن تعبّر عن انشغالها وقلقها عمّا كان يجري من عبث بمقدّرات الدولة خلال تسع سنوات، قبل أن يبادر باتخاذ اجراءاته الاستثنائية، لا أن تلوذ تلك الدّول بالصمت في أدنى الحالات.    

المصادر

1 – الخارجية الأمريكية: واشنطن قلقة إزاء قرار الرئيس التونسي حل البرلمان

https://www.alquds.co.uk/

2 – أمريكا تعبر عن القلق إزاء قرار الرئيس التونسي حل المجلس الأعلى للقضاء

https://www.swissinfo.ch/ara /47328622

3 – فرنسا تدعو إلى حوار شامل في تونس وسعيّد يرفض أي تدخل في شؤون بلاده
https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/4/6/

4 – أردوغان: حل البرلمان في تونس تشويه للديمقراطية

اضط هنا

5 – قيس سعيد لأردوغان: لسنا ولاية عثمانية ولا ننتظر فرماناً

https://nabd.com/s/102614268-a33914 -




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=166743
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19