• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شؤون عربية .
                    • الموضوع : هل تخرج تونس من بين ظِفرَيْ الفساد؟ .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

هل تخرج تونس من بين ظِفرَيْ الفساد؟

وجد الشعب التونسي نفسه بعد ثورة 2011  مطلق الحرّية، بعدما تكبّلت طوال 65 سنة، حتى أنّ كثيرا من أفراده أساءوا استغلال تلك النّعمة، لتنعكس عليهم فيما بعد بالمضرّة، بما كسبت أيدي المستجيرين بها بعد طول حرمان، من كل إلتزام أخلاقي، ولم يكن القانون ليعني لهم شيئا في تلك الفترة من الإنفلات، وتتسبب لاقتصاد البلاد في ضرر فادح، بدأ يتفاقم بتقدم السنوات، ولم تمضي عشريّته الأولى حتى أصبحت تونس في أسفل ترتيب الدول السائرة في طريق النموّ، تتهددها مخاطر داخلية وخارجية جمّة، كان يجب أن يتصدّى لها وطنيّو البلاد بروح مخلصة، وعزيمة من أجل التغيير والإصلاح.

وفي انتخابات سنة 2019 الرئاسية، وجد الشعب التونسي نفسه أمام خيارين، في انتخاب رئيس للبلاد، بعد أن اسفرت الدورة الأولى عن ترشح شخصين، أحدهما بيدق من بيادق الفساد، والثاني أجمع عليه الشعب بشقّيه من انتخبه - ومن لم يؤدّي واجبه الإنتخابي- أنه نظيف ونزيه، لا تحول حوله أيّة شبهة فساد، اشترك فيه أو قاربه، فكانت النتيجة شعبيّة مسقِطة لمشروع فاسد كان سينجح، لولا عناية الله بهذه البلاد، ووعي ساد الطبقة السياسية المعارضة للفساد وأهله، بأن فاز رجل الإصلاح على خصمه بنسبة 72.71% من أصوات الناخبين، بينما لم يحصل منافسه المعروف في اوساط الشعب بالمافيوزي  سوى على 27.29% (1)، وكانت أولى الإنتكاسات المسجّلة للوبيات الفساد، وبطارنة العابثين بمصالح تونس على حساباتهم الخاصة، ولفائدة جهات داخلية وخارجية، لا تملك شرعية ولا تحتكم إلى قانون.

وتحرّك الرئيس المنتخب ليمارس وظيفته في الإصلاح، فوجد أمامه برلمانا متنفّذا قد إلتجأ إليه بالمال الفاسد متورّطون في الفساد، وأصحاب أجندات خارجية تلقّوا الدعم لينفذوا مراحلها، فإذا هو أقرب إلى السرك والتهريج منه، إلى برلمان خادم وصائن لحقوق الشعب، فكان لا بد من إصدار قرار تجميده، حتى لا يتمادي في غيّه، ويكون عقبة في وجه إصلاحات الرئيس قيس سعيد، ثم اتجه الرئيس إلى إصدار مراسيم تصحيحية، شملت وزارة الداخلية بجملة من الإعفاءات لعدد من كوادرها، من بينهم (الأزهر لونقو) مدير المصالح المختصة(2)، أعقبها تعيينات جديدة شملت 6 كوادر بالوزارة (3)، كان من الممكن أن تتحول إلى محاكمات كل من أساء استعمال منصبه، ثم اتجه الرئيس إلى أخطر مرفق حكومي وهو القضاء - وقد اكتوى بتجاوزاته أغلب المتقاضين - فسعى إلى حلّ المجلس الأعلى للقضاء، لكنّه اصطدم بمعارضة أحزاب كانت حاكمة، وأحزاب لا شعبية لها بقيمة 0.1%، لا تمتلك فرصة الظهور بشعبية شكلية، سوى بالإنضمام إلى من هبّ ودبّ، واجتمعوا مع القضاة الموتورين، يؤازرونهم في محنتهم أعضاء البرلمان المجمد، ومعهم الدّول السبع الكبرى، التي من الطبيعي أن لا يعجبها الإصلاح الحقيقي للدولة، وتريد أن تبقى بارونات الفساد متحالفة ومتعاونة، وتعريتها كما يسعى إلى ذلك الرئيس قيس، سيفسد عليها صفقات تجارتها الفاسدة، ويغلق الباب الذي تدخل منه أوامرها، وتقطع مجال قبضتها على خناق البلاد اقتصاديا وسياسيا وحتى أمنيا.

خطورة مرفق القضاء، وما خلّفه القضاة من تجاوزات على مدى العقود الماضية، أثر سلبا على مجرى العدالة بين التونسيين، وقد سمعنا عن قضايا عديدة كيف تلاعب بها قضاة وقبضوا منها رشاوى متفاوتة بين مبالغ مالية وعقارات وأراض حسب طبيعة القضية، ولم تسلم حتى قضايا التأمين بصفقات التلاعب بها، حسب بعض ما حدثني به صديق على إتصال دائم بميدان القضاء، فمحاسبة القضاة اليوم أصبح ضرورة لا تحتمل التأخير أو التجاهل، وعلى قدر معالجة هذا المرفق، سيكون بإمكان هذا الشعب المستباح النظر إلى مستقبله بأعين متفائلة مستبشرة بزوال كابوس تغوّل القضاة، وإنّ الإسراع في محاسبة كل من تحوم حوله شبهات فساد في مرفق القضاء وغيره من المرافق الحيويّة في اليلاد يجب أن يخضع للمساءلة من أين لك هذا، وقد يكون هؤلاء الفاسدين قد تحصّنوا بتوزيع غنائمهم على ذوي قراباهم استبعادا للشبهات، ولكن التحقيقات ستفرز ما خفي عن الأنظار بعناوين مموّهة.

إنّ من عبّر عن اعتراضه على اجراءات الرئيس قيس سعيد، لا يمكن أن يكون على صواب في موقفه، لو كان مطّلعا على تجاوزات القضاة العديدة والخطيرة على مدى التاريخ المذكور، وما تسببوا فيه من حرف لمسار قضايا، لفائدة متحيّلين، وفاسدين، ومزورين، ورأسماليين مستغِلّين، وشركات تأمين، أضاع حقوق متقاضين، لم يحصلوا على ما كان يجب أن يحصلوا عليه من حقوق، ما كان لها أن تضيع لو كانت هناك أغلبية قضاة نزهاء.

معركة القضاء بحاجة إلى شعب واع يفتكّ حقوقه بالدّولة والقانون، ويكون وقوفه دائما إلى جانب كل من يسعى بصدق لتطهير مرافق الدّولة من العناصر الفاسدة، وهي اليوم تظهر في اثواب الضحايا المعتدى عليها، استفزازا منها ومحاولة لإبقاء ملفات الفساد مطويّة أبدا فلا يذكرها حتى التاريخ، فضلا عن حقوق الناس الضّائعة، والشعب بيده أن يناصر الرئيس في حملاته وبيده أن يخذله، لكن حذاري من السّلبيات وضياع الفرصة، فإنّ النّدم عند فوت الفرصة لا يُجْدي نفعا، فهل يمكن القول من الآن أن تونس ستخرج من محاربة الفساد منتصرة؟

المراجع

1 – النتائج النهائية تؤكد فوزا كبيرا لقيس سعيد برئاسة تونس
https://www.dw.com/ar/50869263

2 – اعفاء المدير العام للمصالح المختصة الازهر لونقو

https://www.assabahnews.tn/ar/

3 – تعيين  6 قيادات جديدة بوزارة الداخلية

https://www.aa.com.tr/ar/2349348




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164805
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28