• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شؤون عربية .
                    • الموضوع : ما قيمة الإنسانية التي تُرى بعين فاتِكها؟ .
                          • الكاتب : محمد الرصافي المقداد .

ما قيمة الإنسانية التي تُرى بعين فاتِكها؟

لا يزال الإعلام العالمي يتعامل مع الأحداث بكثير من الإنتقائية، التي تفرضها عادة سياسات دوله، وهي في معظمها خاضعة لقوى خارجية، ولكنّها تتّفق في إطار واحد، وهو تجاهل حقائق تعتبرها القوى الغربية الحاكمة في سياسات العالم، في مقابل الإهتمام بحوادث معزولة كما هي شأن الطفل ريّان المغربي الذي سقط في بئر عمقه 32 مترا(1)، والذي تجنّد لإنقاذه من تجند من السلطات المغربية، وأولته وسائل الإعلام العالمية لكثير من الإهتمام والمتابعة لعملية الإنقاذ أوّلا بأوّل.

يتابع سكان المغرب ومعهم الملايين في العالم العربي والعالم عموماً تطور عملية إنقاذ الطفل ريان، التي وصلت إلى مراحلها النهائية بعد ثلاثة أيام من الحفر، من أجل إخراج الطفل من البئر التي سقط فيها، وشهد الحدث المأساوي للطفل وعائلته تعاطفاً واسعاً، اكتسب شعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شارك الملايين في التغريدات والمنشورات على مختلف المنصات، طالبين الدعاء لريان كي يخرج حياً من جوف البئر.

وشارك في حملة التعاطف مع الطفل ريان (5 أعوام) على وسائل التواصل، مشاهير مغاربة وعرب أيضاً، مثل رياض محرز نجم المنتخب الجزائري ومانشستر سيتي الإنجليزي، وأشرف حكيمي، نجم المنتخب المغربي وباريس سان جيرمان الفرنسي. وانتشرت الهاشتاغات المختلفة باللغتين العربية والإنجليزية للتضامن مع ريان.(2)

جميل هذا الإهتمام بالطّفل والعناية به وعمليات إنقاذه، وهي مؤشر وعي محدود، يستغلّه السياسيون لتحقيق استقرار أنظمتهم، عبر اظهارها ذات توجّه إنساني يولي أهمّية بمواطنيه، لكنّ الأجمل منه أن يكون هذا الإهتمام عاما، يشمل الإنسانية بكل معاناتها ومآسيها أينما كانت، دون ميز عنصري أو سياسي أو ديني، وهذا الإهتمام لم يحدث في الملفّ اليمني، وفيما لا يزال أطفال اليمن يعانون من اعتداءات التحالف العربي على مدنهم، ويسقط منهم كل يوم ضحايا غارات القصف بين قتيل وجريح، يبدو الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتريش António Guterres) خارج هذا الإطّلاع، وكأنّه قد وقّع على صفقة مع السعودية، بمقتضاها قام بشطب تحالف العدوان على اليمن، من قائمة سوداء لمرتكبي الجرائم بحق الأطفال(3)، وهو قرار مشبوه يجب التنديد به.

دولي وشعبي تجاوز حدوده، ليفتح علينا بابا آخر أغلقه الإعلام، الذي يُقادُ في أغلب حالاته أعمى، من دول أصبحت الإنسانية مظهرا تلبسه حينا وتنزعه حينا آخر، تتظاهر به في مناسبات وأحداث محدودة، وتتجاهله في ما يجب أن تظهر في قضاياه الهامّة، المتلّقة بشعوب تضررت من سياسات نفاق، درجت عليه أمريكا ومعها قوى الغرب، التي أثبتت أن القيم الإنسانية عندها هي فقط في مصالحها، ولا مجال لاستبدال المصالح بشعاراتها الشّكلية، في حقوق الإنسان والدّفاع الصوريّ عنها، وما معنى أن يُستنفر الرأي العام العالمي لأجل طفل عالق ببئر، أهمله أهله فوقع فيه، فيولونه عناية فائقة، وبين ملايين الأطفال بلا رعاية ولا عناية، يتهدّدهم موت الحرب العدوانية، وحصار الجوع وسوء التغذية والأوبئة.
قال (جيمس ألدر James Adler )، الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" خلال تصريح صحافي إن "النزاع في اليمن تجاوز للتو محطة مخزية، مع بلوغ عتبة عشرة آلاف طفل قتلوا أو أصيبوا بتشوهات، منذ بدء المعارك في مارس (آذار) 2015، وهذا يعادل أربعة أطفال يومياً". وأضاف: أن هذا الرقم يشمل فقط الأطفال الضحايا، الذين تمكنت المنظمة من معرفة مصيرهم، مشيراً إلى أن "هناك عدداً لا يحصى من الأطفال الآخرين".(4) هذا بسبب القصف المتواصل على المدن اليمنية والذي يستهدف أساسا مواقع مدنية لا يستثني منها طائرات العدوان شيئا من مدارس ومستشفيات وأسواقا وملاعب ومساجد حتى المآتم واحتفالات الزفاف نالت نصيبها من القصف العشوائي، الذي يتكرّر كلّ يوم ولا يجد مندّدا لأعماله ومدينا لمرتكبيه.

وفي حين يلقى أطفال منفردون عناية فائقة من أجل انقاذهم، يُنْسى ملايين الأطفال في فلسطين واليمن وافغانستان وسوريا وآخرون في أفريقيا، عاشوا انتهاكات متعددة وهمالا متعمدا، لينفد المعتدون عليهم بجلودهم من الإدانة والمحاسبة الدّولية، وتستمر معاناة هؤلاء الأطفال، في انتظار ويقظة عي عالمي غائب عن مشاعره وواجباته تجاهها.

والعجيب هنا أن اليمنيين لم يكن يُؤبه لهم، عندما كانوا يتلقّون الضّربات الصاروخية والقنابل الفتاكة، التي تسقط على بيوتهم ومرافقهم، فيقضي منهم من يقضى من الأطفال والنساء والشيوخ كأنّما قدَرُهم هكذا، لكنه عندما تغيّرت المعادلة، وأصبح اليمنيون يردّون على معتديهم وفي بلدانهم، ارتفعت عقيرة قليلي الأخلاق والدين من أهل السياسة العربية المتناهية في السقوط القِيَمِي، ليندّدوا بحالات دفاع الشعب اليمني عن نفسه، فبئس الإنسانية هذه التي تلبسها الأنظمة العربية، كلّما دعتها المصلحة لإرضاء المُعْتَدي على حساب المعتدى عليه.

المثل أنّ دوام الحال من المحال، وهذا من السُّنن الكونيّة، ولن تطول مظلومية اليمن من أشقائه أهل الشقاق والنفاق، وقد جعل الله له من أمره فرجا ومخرجا ولن يتأخر نصْرُهُ، نحن أنصار الحقّ اليمني لن نتفاجأ به، لكن بقية العالم ستكون مفاجأتهم قاسية، عندما يكتشفون أنهم ظلموا اليمن وأهله ظلما عظيما.


المراجع

1 – بث مباشر لمحاولات إنقاذ الطفل المغربي ريان

https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/2022/2/4/2169767/

2 – ريان في البئر- كيف انتهت حالات مشابهة حول العالم

https://www.dw.com/ar/60663405

3 – قتل أطفال اليمن ومسؤولية التحالف الذي تقوده السعودية

https://www.dw.com/ar/a-53855133

4 – سنوات حرب اليمن تحصد 10 آلاف طفل
https://www.independentarabia.com/node/270126




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=164527
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28