• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مَا لِي وَلَكَ يَا عَلِيُّ !! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

مَا لِي وَلَكَ يَا عَلِيُّ !!

بسم الله الرحمن الرحيم
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم27)

في زمن الغيبة، غيبة ولي الأمر وصاحب العصر، وحجة الله على عباده وخليفته في أرضه وسمائه، غيبة التمحيص حتى يقال: مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَك‏..(1)، وحتى يكون: الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَاد(2).
غيبةٌ صار فيها الشيعة يجولون جولان الإبل يبتغون المرعى فلا يجدونه(3)، فيتلون الآية المباركة (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا..)، ويتساءلون عن سرّ هذا الثبات الذي يَمُنُّ الله به على من يشاء من عباده.

يؤمنون بقول الإمام الحجة عليه السلام: إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ، وَلَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ، وَاصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاء(4).

ولكن.. لأنَّ التفكرحياة قلب البصير، يتفكرون في أنفسهم ومصيرهم ومآلهم وحقيقة إيمانهم.. يراودهم خوفٌ من كثرة الفتن والبلايا والمحن، يُحَدِّثُ أحدهم نفسه بالخوف من هذا الخوف! هل لهذا الخوف وَجهُ حقٍّ أم أنّه علامة انحراف؟!

سرعان ما يستذكر أحدهم أنّ الخوف والرجاء قرينا المؤمن في كل مراحله، ليس هذا من مختصات الغيبة وإن كان فيها أجلى وأوضح.

لقد حفظوا وصية لقمان الحكيم التي نقلها صادق العترة عليه السلام: أَعْجَب مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لِابْنِهِ: خَفِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وَارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا [وَ] فِي قَلْبِهِ نُورَانِ: نُورُ خِيفَةٍ وَنُورُ رَجَاءٍ، لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَلَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا(5).
                      
يتّهمون أنفسهم، ولا يثقون بأعمالهم، إنما يثقون بفضل الله ورحمته، ويرجون الله وحده، ويطمئنون إلى حسن الظن به، والله عند ظَنِّ عبده المؤمن به.

أن يكون المؤمن مصداقاً للآية الشريفة (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا..) يعني أن يكون قلبه قد شارك أبدان آل محمد في مصدر الخلقة.. من طينة عليّين، من أعلاها خُلِقَ محمد وآله، ومن أدناها خلق محبوهم(6).. 

هي مسيرةٌ تبدأ من عوالم الخلق الأولى.. حينما يُخلق الإنسان من طينة طيّبة لِسَبقِ عِلم الله تعالى بإيمانه وطاعته وحبّه ومعرفته لربه ونبيه ووليه.. 

ثم عالم الذر حيث كان المؤمن مطيعاً لله، فعالم الدنيا حيث الابتلاء والامتحان الذي نعيشه.. فيه نوعُ جزاءٍ على ما تقدّم من الطاعة، بأن رُزِق حبّ محمد وآله، وفيه امتحانٌ للثبات على هذه الولاية العظيمة. 

ففي هذه الدنيا جزاءٌ يسيرٌ، أمام امتحانٍ وبلاء لعظيمِ جزاءٍ قادم.
لا جبر في البين، رعايةٌ إلهيةٌ يُحِبُّ معها المؤمن أئمته دون أن يكون مُكرَهاً على ذلك، فهم مهوى الأفئدة والقلوب.

يدعو اللهَ بأن يثبته على دينه، بمعرفة الحق ومعرفة أهله.. والعلم بالزمان لئلا (تهجم عليه اللوابس)، ثم بالعمل الصالح.

فإن كان كذلك، ثبّته الله على التمسك بمعرفة (العصمة الكبرى) في الدار الآخرة بعد الدنيا، فعن الصادق عليه السلام حول احتضار الشيعي: إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ وَاحْتُضِرَ حَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَعَلِيٌّ (ع) وَجَبْرَئِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ (ع).

فَيَدْنُو مِنْهُ عَلِيٌّ (ع) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَحِبَّهُ !

وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ (ص): يَا جَبْرَئِيلُ، إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَحِبَّهُ !

وَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: إِنَّ هَذَا كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَهْلَ بَيْتِ رَسُولِهِ فَأَحِبَّهُ وَارْفُقْ بِهِ !

فَيَدْنُو مِنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَخَذْتَ فَكَاكَ رَقَبَتِكَ، أَخَذْتَ أَمَانَ بَرَاءَتِكَ، تَمَسَّكْتَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ؟

قَالَ: فَيُوَفِّقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيَقُولُ: وَمَا ذَلِكَ؟
فَيَقُولُ: وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)(7).

ههنا امتحانٌ وابتلاء آخر، موالاة أعداء الله تعالى.
فالبراءة قرينُ الولاية ليس للمؤمن أن يحيد عنها، ولئن حَكَمَ الله على من تشهد الشهادتين بالإسلام في دار الدنيا، فإنهم ما لم يؤمنوا بالولاية ليسوا أخوة للمؤمن حقاً، كيف وهم ذُرؤوا لجهنم حطباً؟! حيث يزعم أحدهم الإسلام ويوصف في الدار الآخرة بالكفر رغم الشهادتين!

فعن الإمام الكاظم عليه السلام: يُقَالُ لِلْكَافِرِ مَنْ رَبُّكَ؟ 
فَيَقُولُ: اللَّهُ

فَيُقَالُ: مَنْ نَبِيُّكَ؟
فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ

فَيُقَالُ: مَا دِينُك؟
فَيَقُولُ: الْإِسْلَامُ

فَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟
فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُهُ !

فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الثَّقَلَانِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ لَمْ يُطِيقُوهَا، قَالَ: فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاص(8).

المنافقُ من مصاديق هذا الحديث الشريف، وغير المؤمن بالولاية قرينه في جهنم، أما الناصبي فيخاطب علياً عند موته بقول عجيب:

عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: كَانَ خَطَّابٌ الْجُهَنِيُّ خَلِيطاً لَنَا، وَكَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ لآِلِ مُحَمَّدٍ (ع)، وَكَانَ يَصْحَبُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّةَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ أَعُودُهُ لِلْخُلْطَةِ وَالتَّقِيَّة، فَإِذَا هُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْمَوْتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا لِي وَلَكَ يَا عَلِيُّ !

فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع)، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): رَآهُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ! رَآهُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ !(9).

ما لي ولك يا علي! 

ما أعجب هذه العبارة! وما أجرأ القائل !

لقد رأى علياً عليه السلام، ولعله في تلك الحال كان مصداقاً لمن يقول عنه علي عليه السلام: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا كَانَ يُبْغِضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَبْغِضْهُ.. 
ثم إن ملك الموت: يُوَكِّلُ بِرُوحِهِ ثَلَاثَمِائَةِ شَيْطَانٍ كُلُّهُمْ يَبْزُقُ فِي وَجْهِهِ! (10).

المؤمنُ إذاً حَذِرٌ في زمن الغيبة لئلا يوالي خطّاب الجهنيّ وأضرابه ممن يَتَسَّمَونَ بالإسلام! ولا يواخيهم ولا يجالسهم إلا بمقدار ما تُلزِمُهُ به التقية.

والمؤمن حَذِرٌ في زمن الغيبة من أن يضلّ طريقه عن (العصمة الكبرى) وباب النجاة والحبل المتصل بين الأرض والسماء.

يعلم أن باب النجاة في زمن الغيبة بمعرفة الإمام.. الذي تسنَّم منصباً: ضَلَّتِ الْعُقُولُ وَتَاهَتِ الْحُلُومُ وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ.. وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِه‏!

يعلم أنَّ باب النجاة منحصرٌ بإمامٍ ورد في وصفه أنّه: وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ.

يعلم المؤمن أن الإمام لا تُدرَك عظمته ولا يقوم مقامه سواه: كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاهُ ؟

الإمام هو الذي لا يرقى إليه الطير ولا ينحدر عنه السيل.

هو واحدٌ من ثلّةٍ لولاهم لما خلق الله الأفلاك..

فإن قال المخالف: ما بال الزمن توقف عندكم أيها الشيعة في القرن الثالث؟! لِمَ لَم يعد أحدكم يرى في الكون نظيراً لإمامكم الغائب ولا بديلاً عنه؟!
وإن وَصَفَنَا المخالفُ بالتخلُّف والرجعية، لأنّا لا نقيس الإمام بغيره كما فعل، وتمسكنا بالعصمة الكبرى التي ما عرفها حق معرفتها..

فإنَّ عذرنا في ذلك اتباعنا لأسياد الخلق، من كان كل الخلق عالةً عليهم.

الخلقُ جميعاً محتاجون إليهم.. يستوي في ذلك الشريف والوضيع، والعالم والجاهل، والكبير والصغير.

بهذه الموالاة حَفِظَ الشيعة عقيدتهم على مرّ التاريخ.. وأهل الإخلاص منهم لا يرومون لها بدلاً.

اللهم ثبتنا على دينك، ووحد كلمتنا خلف راية وليك، وعجل له الفرج والظهور، فإنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً.. 
وكل آتٍ قريبٍ..

والحمد لله رب العالمين

19 جمادى الأولى 1441 هـ
15-1-2020 م

---------------
(1) الكافي ج1 ص336.
(2) الكافي ج1 ص335.
(3) كمال الدين و تمام النعمة ج‏1 ص304.
(4) الإحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي) ج‏2 ص497.
(5) الكافي ج‏2 ص67.
(6) بصائر الدرجات ج1 باب9 ح2و9.
(7) الكافي ج3 ص131.
(8) الكافي ج3 ص239.
(9) الكافي ج3 ص134.
(10) الكافي ج3 ص132.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=162401
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 11 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29