• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لماذا ننعى فقد النبي بعد مرور ١٤٠٠ عاما ..؟! .
                          • الكاتب : يحيى غالي ياسين .

لماذا ننعى فقد النبي بعد مرور ١٤٠٠ عاما ..؟!

 الرسول بنص القرآن الكريم بشر كما هم سائر البشر ، والفارق هو الوحي ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ ) الكهف ١١٠ ، وبالتالي فهو صلى الله عليه وآله يموت ضمن معدل العمر الطبيعي للبشر ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر ٣٠ .. ونحن نعيش بعد وفاته بما يقرب ال ( ١٤٠٠ ) سنة ..!! فهل كان من المفترض ان يبقى كل هذه الفترة حتى نتأسى على رحيله وفقده ..!!

والسؤال والاستغراب الذي يتضمنه بحد ذاته مقبول ومعقول ، ويحتاج في جوابه الى وضع عدد من المستويات ، تتكفل اعطاء فهم دقيق وواعي لمسألة رحيل الرسول صلوات الله عليه ، كمحاولة لرفع الاستغراب وتصوّر مفهومية جيدة لفاجعة الرحيل ، علماً أننا لا نتنازل عن الجواب العام المبني على التوجيه الالهي الخاص بتعظيم شعائر الله ، أو احياء أمر أهل البيت النبي ، فإحياء امر النبي هنا أولى .. وكذلك المبني على السيرة العقلائية لكل البشر في الاحتفاء بعظمائهم وقادتهم واستلهام سيرتهم وأخذ العِظة والعِبرة منهم .. الخ

ومما نضعه من أجوبة تفتح لنا أفهاماً أخرى للمناسبة هي :

١. أن رحيل الرسول بالنسبة لنا ولكل من عاش بعد رحيله هو قرار حكم نهائي وباتّ في عدم امكانية رؤيته الى حد الاستحالة ، فمن عاش قبل رحيله بل قبل نبوته حتى بفترات طويلة كان أمل وجود الرسول معه ممكناً ومرتقبا ، أما بعد فهذا ممنوع .. فاستحق الحزن ..

٢. أن نفهم الرحيل هو حالة متجددة ، بمعنى أن شخصية الرسول - وليس شخصه - يستطيع المسلم أن يعيش معها وجداناً ، يعيشها في القرآن الذي نزل عليه والشريعة التي جاء بها والسيرة التي وردتنا عنه وأخلاقه العظيمة ورحمته التي شملت العالمين ، فورد عنه صلوات الله وسلامه عليه ( من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه ) ..

فمن عاش الحياة مع هذه النسخ المحمدية اذا جاز التعبير ، فهو أما قد فقدها ايضا ، فيعيش حالة الفقد كل يوم وتهيج عنده في ذكرى رحيله ..! او لا زال يعيشها الا أن مجرد تصورها تهيج عنده الأحزان خوفاً من الفقد الفعلي ..

٣. أن نفهم الرحيل عبارة عن انقطاع فعلي لامتيازات الهية وهبها تعالى للبشر لالاف السنين ، مثل مسألة انقطاع الوحي ، وهذا ما تحسّر عليه أمير المؤمنين وهو في تغسيل وتحضير جنازة الرسول ، حيث يقول ( بأبي أنت وأمي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء ) ، فهذه الظاهرة عمرها لم يخضع لمعدل عمر الإنسان الواحد ، وانما هي عبارة عن ظاهرة موجودة مع وجود الانسان على هذه الأرض وانقطعت بموت آخر الرسل ، فيحق للبشرية من بعدها أن تنعاها وتحزن عليها الى آخر وجودها في هذه الدنيا ..

٤. أن نفهم الرحيل المركّب والمضاعَف للرسول صلوات الله عليه ، فهو مات ، ومات معه التخطيط الالهي في تنصيب خلفاءه واوصياءه الذين هم أفضل من يأخذ دوره في الأمة شخصاً وقيادةً .. ويبقى هذا الحزن ما دام هذا الفقد المركب موجودا ، بل يحق لنا أن نحزن بمجرد تأخيره لهذه الفترة الطويلة ، وهذا ما نشكو منه في الدعاء ( اَللّـهُمَّ اِنّا نَشْكُو اِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا ، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا ، وَقِلَّةَ عَدَدِنا ، وَشِدّةَ الْفِتَنِ بِنا ، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْح مِنْكَ تُعَجِّلُهُ ، وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ ، وَنَصْر تُعِزُّهُ وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ ،برحمتك يا ارحم الراحمين ) .

٥. أن نفهم مصيبة فقد الرسول بأنها وراء كل مصيبة جرت ولا زالت تجري في الإسلام ولم ننفك نحن من مظلوميتها واذيتها .. ماكان متعلقاً بأمور الدين أو الزمن ..

والطرق الى حزن فقد النبي بعدد أنفاس الخلائق ..

آجركم الله




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=160814
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 10 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18