• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم؟! .
                          • الكاتب : علوية الحسيني .

أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم؟!

 في هذهِ العبارةِ تُشيرُ السيدةُ زينب(عليها السلام) إلى عظمةِ الجُرمِ الذي اقترفه بنو أمية (عليهم لعنةُ اللهِ وملائكته والناس أجمعين)، فإذا كانَ قتلُ الإنسانِ بشكلٍ عام جرمًا كبيرًا فكيف لو كانَ المقتولُ هو فلذةَ كبدِ رسولِ اللهِ (تعالى) محمد (صلى الله عليه وآله)؟!

وعليه، سيتمُّ بيانُ ظاهرِ هذه العبارةِ ضمنَ النواحي الثلاثة: عقائديًا، وأخلاقيًا، وبلاغيًا.

■الناحيةُ الأولى: الناحيةُ العقائدية
إنّ أصولَ الدّين كعقدِ اللؤلؤ، ما إنْ تسقط حبةٌ منه حتى يتشوّه، وهكذا أصولُ الدّينِ مترابطةٌ فيما بينها، ويستحيل الإيمان ببعضها دون الآخر.
فمن يؤمن باللهِ الواحدِ الأحد عليه أنْ يؤمنَ بأقوالِ وأفعالِ نبيّهِ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وبخلفائه (عليهم السلام)، لا أنْ يُحاربَهم، بل أو يُقاتلهم!
ومن هنا يفتضحُ كفرُ بني أمية بكافةِ أصولِ الدّين، وخروجهم عن الملّة؛ وإلاّ فما إقدامُهم على قتلِ نفسٍ زكيّةٍ بغير حق إلا عصيان منهم للهِ (تعالى)، يقولُ (تعالى): "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا"(1) وهذا الفعلُ بحدِّ ذاتِه خرمٌ لأصلِ التوحيد.
وعليه، فقد خرموا أصل العدلِ الإلهي كذلك في عدّةِ مواقف،
هذا وقد لَهِجَ طاغيتُهم يزيدُ (عليه لعنةُ الله) بما يصرح بإنكار النبوة، حيث قال:
ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا * جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل
قد قتلنا القرمَ من ساداتِكم * وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدل
فأهلّوا واستهلّوا فرحًا * ثم قالوا يا يزيد لا تسل
لستُ من خندفٍ إنْ لم أنتقم * من بنى أحمدَ ما كانَ فعل
لعبتْ هاشمُ بالملكِ فلا * خبرٌ جاءَ ولا وحىٌ نزل.
وأنكروا النبوة أيضاً من خلالِ طعنِهم بوصيةِ نبي الله الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) حينما أوصى بالثقلين؛ "حدثني: ‌‏زهير بن حرب... ثم قال: قامَ رسولُ الله ‏ (ص[صلى الله عليه وآله]) ‏يومًا فينا خطيبًا بماءٍ يُدعى خُمًّا بين ‏ ‏مكةَ ‌‏والمدينة، ‏فحمِدَ اللهَ وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال:... وأنا تاركٌ فيكم ‌‏ثقلين‏ ‏أولُهما كتابُ اللهِ فيه الهدى والنور فخذوا بكتابِ اللهِ واستمسكوا به، فحثَّ على كتابِ الله ورغَّبَ فيه، ثم قال: وأهلُ بيتي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، فقال له ‏ ‏حُصين‏: ‏ومَنْ أهلُ بيتِه يا زيد؟ ‏أليس نساؤه من أهلِ بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقةُ بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آلُ ‏علي ‏وآلُ ‏عقيل ‌‏وآلُ ‏جعفر ‏وآلُ ‏عباس"(2).
ومن يطعن بأصول الدّين فهو كافر، فالطاغية وأسلافه وجلاوزته لن ينفك الكفر عنهم؛ لهذا نجدُ أنّ السيدةَ زينب (عليها السلام) تسألُ سؤالًا استنكاريًا قائلةً: "أتدرون أيَّ كبدٍ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله) فريتم؟!
ومناسبةُ هذا السؤال هو كونُ الطرفِ الآخر يعلمُ بمقامِ الإمامِ الحسين (عليه السلام)، لكنّه أقدمَ على قتله، فسألته استنكارًا لا حقيقةً.

■الناحيةُ الثانية: الناحيةُ الأخلاقية.
من تربّتْ في بيتٍ عمودُه أميرُ المؤمنين وسيدةُ نساءِ العالمين (عليهما السلام) كيف لا تبلغُ الكمالَ الأخلاقي؟!
فها هي السيدةُ زينبُ (عليها السلام) تتكلمُ حتى مع عدوِّ اللهِ (تعالى) بالأخلاقِ التي ينبغي أنْ تتخلقَ بها كامرأة عند مخاطبةِ الرجال، وأيُّ رجال؟! إنما هم أشباهُ الرجال.
فلم تجعلْ سؤالَها "أيَّ كبدٍ لرسولِ اللهِ فريتم؟" سؤالًا حقيقيًا؛ -لعلّه ومن هذه الناحية الأخلاقية- لئلا يُبرِّر الطاغيةُ ابنُ زياد وجلاوزته شنيعَ فعلِهم فيما لو سألتهم: لماذا قتلتَ الإمامَ الحسين (عليهم السلام)؟ بـل جعلته سؤالًا استنكاريًا، كأنّها تريدُ أنْ توبّخهم، بدلًا من أنْ تُطيلَ الكلامَ معم فيما لو كان سؤالًا حقيقيًا، إلاّ أنّ الضرورةَ اقتضتْ أنْ تخطبَ السيدةُ (عليها السلام)؛ لما رأتْ من ابنِ زياد (عليه لعنة الله) من أقوالٍ وأفعالٍ مخالفةٍ للنهجِ المحمدي.
فترفعتْ أخلاقيًا عن مجادلةِ ذلك الإمعة، واكتفت بالاسترسالِ بالخطابِ على شكلِ أسئلةٍ توبيخية، هدفُها التعجّبُ من شدّةِ الجُرأةِ على قتلِ سبطِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله).

■الناحيةُ الثالثة: الناحيةُ البلاغية
لم تخلُ العبارةُ من جنبةٍ بلاغيةٍ من سيّدةِ البلاغةِ والبيان زينب (عليها السلام)؛ فالسيّدةُ استخدمتْ أسلوبين بلاغيين:
الأول: الاستفهام الاستنكاري، "فخرج الاستفهامُ عن معناه الحقيقي إلى معنى الإنكار؛ لغرضٍ هي أعلمُ بمناسبتِه مع الخطاب، بل واسترسلتْ في هذا الأسلوب في ثلاث عبارات"(3).
الثاني: أسلوب المجاز المرسل، "فحينما قالت "أيّ كبدٍ" ذكرتْ جزءًا من رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وأرادت به الكُل؛ بعلاقةِ الجزئيةِ المعروفة بلاغيًا"(4).
والإمامُ الحسين (عليه السلام) فعلًا هو جزءٌ من رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)؛ كما رويَ عنه (صلى الله عليه وآله): "حسينٌ منّي، وأنا من حسين"(5).
وهذا نظيرُ البلاغةِ القرآنيةِ حينما يقولُ اللهُ (تعالى): {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَة}(6)؛ فاللهُ (تعالى) ذكرَ الجزءَ (الرقبة)، وأرادَ الكُل (العبدُ المؤمن).
_______________
(1) سورة المائدة: 32.
(2) ‏صحيح مسلم: لمسلم بن الحجاج النيسابوري, ج7, كتاب فضائل الصحابة, باب فضائل علي بن أبي طالب (ر[عليه السلام]), ح2408.
(3) التحفة الباهرة في بلاغة المخدرة الطاهرة: لحسن البحراني, ص62-63.
(4) ظ: البلاغة الواضحة: لعلي الجارم ومصطفى أمين, ص108-109.
(5) بحار الأنوار: للعلامة المجلسي, ج43, باب فضائلهما ومناقبهما [الحسنان عليهما السلام] والنصوص عليهم ,ح35.
(6) سورة النساء: 92.

فالسلامُ على الحُسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أخت الحسين، وعلى أصحابِ الحسين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=160608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 09 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28