• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إنها رحلة العشق .
                          • الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي .

إنها رحلة العشق

 وضعت قدمي بأول خطوة على طريق العاشقين حتى أكون معهم ، وأسير كما ساروا فرايت الطريق قد ضاق بالسائرين فبقيت مندهشاً وحيراناً

رايت مالم اره
وسمعت مالم أسمعه 
وقرأت مالم أقرأه
رأيت العاشقين كالفراشات تطير الى ذلك المصباح من كل مكان . وسمعت آهات المحبين ، وانين الوالهين ، ووجد الفاقدين ، ووصال المنقطعين ، الكل يترنم باسمه، كأنما أية يرتلها فم الزمن في كل حين ، أو لحنٍ لا يمل سماعه العاشقون .
لا ادري إنه الحب الذي يعجز الكيمياوي في المختبر عن تحليله ومعرفة عناصره ، وما هي تلك الأواصر التي تربط العاشقين بذلك المعشوق .
ويعجز الفيزياوي عن كشف القانون الذي يجذب المحبين هؤلاء إلى ذلك المحبوب ، وأي علاقة ترابط بينهما ، نعم هو القانون المخفي الذي لا يمكن تحليله مادياً .
ويعجز الفلكي عن معرفة ذلك الضوء الذي قبل آلاف آلاف السنين مازال يشع ويشع وسيبقى يشع ويجذب إليه كل الناس ، بل كل الخلق ، ولا يمكن حسابه حتى بالسنين الضوئية . 
ويعجز الفلاسفة عن معرفة سر وكنه هذا الحب ، فلا الحكمة الإشراقية تعرف فلسفة هذا الحب ، ولا الحكمة المشائية ، تعرف ذلك ، وحتى أصحاب الحكمة المتعالية عاجزون عن التعالي عليها ومعرفتها .
ويعجز الأدباء والشعراء عن تصوير ذلك الحب والكتابة عنه بل  تضيق الألفاظ وتعجز الكلمات ، وتهرب المعاني من وصف بعض بعض ذلك الحب .
وما زلت أتلفت يميناً وشمالا في طريق العشق وارى العاشقين من الذي أخرج هؤلاء من بيوتهم ؟
 من الذي دعاهم ؟
من الذي طلب منهم السير ؟
 ولماذا يسيرون ؟ 
أنا لا ادري؟ 
 وقد يعجز إيليا ويأتي بطلاسمه من عالم البرزخ فيقول : لستُ ادري 
نعم إنه الذوبان بالحب 
إنه الحب الصادق حين يطغى على المشاعر 
فينسى الاستاذ الجامعي رقمه العلمي وشهادته الجامعية فينزل ليخدم في طريق العاشقين أو يسير معهم .
وينسى السياسي نفسه فيرى أعناق البشر قد استجابت بكل عفويه لشخصٍ ملك الرقاب بذلك الحب فخضعت متذللة له بذلك الحب ، وترى ذلك التواضع فخراً .
وينسى الغني غناه ، والفقير فقره ، فالكل سواسية في هذا الطريق 
لا فخر لعربي على اعجمي ، ولا  لأسود على أبيض ، إلا بحب واحد يجمع الجميع .
نعم مازلت أمشي مع العاشقين وارى الكل أصبحت ملائكة أو تشبهت بها فصفت القلوب وذهبت الأضغان، فالكل قد غسل قلبه بماء الحب وعفر وجهه برحيق العاشقين ، الكل قد لبس ثوب العفاف ليصل إلى معشوقه خالي اليدين إلا من ذلك الحب ، ليقف أمامه ويقول له : أنا لا أملك إلا نفسي وقد تجردت إليك من كل شيء فتقبل مني هذا الحب العفوي ، وهذا العشق الذي لا يمكن وصفه .
وما زلت على الطريق ارى اعلاماً قد حملت اسم ذلك المعشوق ترتفع في سماء الحب لتتحدث الى كل العالم بقصة عشقٍ عجز الممثلون عن تجسيدها على مسارح الفن ، والمطربون على شجون الطرب ، والعباقرة في كل فن أن يصفون ذلك ولو بأقل الوصف .
نعم إنها قصة رحالة لم يكشف لحد الآن اسرار تلك الرحلة ، وما في تلك الرحلة من مخاطر ومفاجأت ،رحلة جعلت جميع الرحلات خلف ركابها .
لا ادري مازلت أمشي بطريق العاشقين فهل هذا الطريق يوم المحشر ، والناس في ساحة الحشر ، وهل سوف يحاسبون ، وما يلاقونه في طريق العشق من معاناة عند الله يحتسبون.
نعم مازلت أمشي وارى دموع العاشقين كيف تنهمر بدون تكلف ، وكيف تتلفظ الشفاه اسم ذلك المعشوق ،
الكل يلهج بإسمه ، ماذا صنعت له أيها المعشوق ؟
 أي حبٍ هذا !
أي عشق هذا! 
أي جنون هذا! 
هؤلاء أيها العاشق احبوك ولم يروك
فكيف إذا رؤوك
فماذا سوف يصنعون ؟ 
لا ادري إنه الحب حين يغمر النفس لا تعرف معنى المعاناة بل ترى تلك المعاناة لذة ، وترى تلك المشقة سعادة ، وترى ذلك الذل تواضعاً ، وترى الخدمة شرفاً ، وترى المستحيل هيناً ، وترى اللذة معنى لا يمكن وصفه باللسان ، بل يضيق الوصف عن وصفه .
لا زلت امشي في الطريق واختنق بعبرتي ، واكتب الحب بدموعي ، واصف ما ارى بقلمي ، نعم إنه الحسين ( عليه السلام ) الذي ملك القلوب والمشاعر ، وجنن هذا الخلق بحبه ، بل ذابت وكادت أن تذوب ، سيدي ماذا صنعت لهؤلاء الناس حتى احبوك ؟
ماذا فعلت لهم حتى عشقوك؟
سيدي أنا لا ادري أن هناك حب يجعل المتكبر متواضعاً 
والفاسق صالحاً 
سيدي أنت ذبتَ في حب الله
فذاب الناس في حبك 
وصدق الله العلي العظيم حين يقول {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  
 سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم : 96]




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=160570
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 09 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18