• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإمامُ الحسن.. وعَنتَرِيَّاتُ زَمَنِ الغَيبة ! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

الإمامُ الحسن.. وعَنتَرِيَّاتُ زَمَنِ الغَيبة !

 بسم الله الرحمن الرحيم

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِين‏ !!

أمَّةٌ يصفُ بعضُ أبنائِها إمامَهم بذلك ! ويحاربُه البعض الآخر !

فيزعم الزاعمون أنّ نور الله في أرضه، وَسَيِّدَ شباب أهل الجنة، الحسن بن عليه عليه السلام هو مُذِلُّ المؤمنين! ومُسوِّدَ الوجوه !

لَقَد هَالَ هؤلاء عَدَمُ إكمال الإمام الحرب مع معاوية، بعدما أُلجِأ إلى إيقافها، ليجيبهم عليه السلام بقوله:

مَا أَنَا بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنِّي مُعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ..

الإمامة هي: عِزُّ الْمُؤْمِنِين‏، كما عن إمامنا الرضا عليه السلام، والإمام: مُعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ، كما عن الإمام الحسن، وهؤلاء نطقت ألسنهم بذلك لِضَعفِ عقولهم، وجهلهم، وقلة معرفتهم بالإمامة وعظمتها، والإمام وحُرمَته..

فقد توهَّموا أنّ العزّة تكون بالسلاح حصراً، وبالغلبة والقوّة والقهر، وغفلوا عن أنّ العزّة إنما تكون بطاعة الله تعالى، غالباً كان المؤمن أو مغلوباً، فهل من عَزيزٍ كالحسين الشهيد عليه السلام؟!

فبيَّن الإمام الحسن عليه السلام لهؤلاء أنّ تركه للقتال كان للحفاظ عليهم وعلى الحقّ وأهله، فقال عليه السلام: 

إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكُمْ لَيْسَ بِكُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ، سَلَّمْتُ الْأَمْرَ لِأَبْقَى أَنَا وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، كَمَا عَابَ الْعَالِمُ السَّفِينَةَ لِتَبْقَى لِأَصْحَابِهَا، وَكَذَلِكَ نَفْسِي وَأَنْتُمْ لِنَبْقَى بَيْنَهُمْ.

نَقَلَ هذه الكلمات عنه إمامُنا الصادق عليه السلام، وقال لمؤمن الطّاق بعدها: 

إِنَّمَا يَنْجُو مَنْ أَطَالَ الصَّمْتَ عَنِ الْفَحْشَاءِ، وَصَبَرَ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ عَلَى الْأَذَى، أُولَئِكَ النُّجَبَاءُ الْأَصْفِيَاءُ الْأَوْلِيَاءُ حَقّاً وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ (تحف العقول ص309).

فالمؤمنون حقَّاً هم المتَّبِعون لإمامهم، إن قام قاموا وإن قعد قعدوا، وإن صَبَرَ صبروا، ففي كلُّ حَرَكَة من حركات إمامهم أو سَكَنَة من سكناته عزُّ للمؤمنين، لأنّه المعصوم المطهّر الذي لا يصدر إلا عن أمر الله تعالى.

وكما لم يكن الإمام الحسن تاركاً لهؤلاء مع ضعفهم وجهلهم، بل مُراعياً لمصلحتهم، وهو القائل: إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ مَا فَعَلْتُ إِلَّا إِبْقَاءً عَلَيْكُم‏ (مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ج‏4 ص35).

كذلك إمامنا الحجة عليه السلام وهو القائل: إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ، وَلَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اللَّأْوَاءُ، وَاصْطَلَمَكُمُ الْأَعْدَاء (الإحتجاج ‏2 ص497).

وكما قيل للإمام الحسن: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِين‏ !!
سيُقال للحجة عند ظهوره: يَا ابْنَ فَاطِمَةَ، ارْجِعْ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيك‏ !! 

فماذا أصاب هؤلاء وهؤلاء ؟! 

قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في‏ مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ) (التوبة25).

إنّ الكثرَةَ العدَديّة تورِثُ الإنسان عُجُباً وكبراً ما لم تقترن بالإيمان الصادق والتسليم المطلق والخضوع والذلّ بين يدي الله تعالى، ومن بعده الإمام المعصوم.

لَقَد أُعجِبَ بعض رؤوس المنافقين بالكثرة في حُنينٍ فما أغنتهم عن الله شيئاً، ثم تَوَالَت نماذج الإعجاب، ولو لم يكن جميع هؤلاء من أهل النفاق.

فقيل للإمام الحسن: (فإذا شئت فأعدّ للحرب عدة) !
وتعجب القائلون من عدم قيامه وقالوا له: (معك أربعون ألف مقاتلٍ من أهل الكوفة.. ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز) !

لقد رأى هؤلاء أنّ الكثرة العددية ميزانٌ للقيام وعدمه، والحال أنّ لها مدخليّةً لكنّها ليست الميزان وحدها.

ظنّ هؤلاء أن تَوَفُّر عشرات الآلاف من المقاتلين كافٍ ليستنهضوا إمامهم فيجيبهم، ولمّا كان الإمام لا يصدُرُ إلا عن أمر الله تعالى، كان فِعلُه بنفسه الميزان، وكان أسوأ الانحراف التقدُّم على الإمام المعصوم أو التأخُّر عنه.

أجاب الإمام الحسن عليه السلام هؤلاء بكلماتِ عظيمة فقال: 
أنتم شيعتنا! وأهل مودتنا! 
ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها أربض [أركض‏] وأنصب، ما كان معاوية بأشدّ مني بأساً! ولا أشدّ شكيمةً ولا أمضى عزيمة! 
ولكني أرى غير ما رأيتم!
ولا أردت بما فعلت إلا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلِّمُوا لأمره، والزموا بيوتكم، وأمسكوا، أو قال: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ حتى يستريح برا ويُستراح من فاجر (تنزيه الأنبياء عليهم السلام ص172).

ليسَت غايةُ الإمام سُلطان الدُّنيا، كما لم تكن غاية أبيه من قبله، فسالَمَ وقَعَد حينما استدعت مصلحة المسلمين، وقاتَلَ وجاهَد حينما تَعيَّن عليه حفظ الدين بسيفه.

لكنّ إمامنا الحجّة عليه السلام، حالُه كحال من تقدَّم عليه من معظم آبائه، ما امتشق السيفَ بعدُ، وهو ينتظر أمرَ الله تعالى، وكما حَفِظَ الأئمةُ شيعتَهُم بالكفّ عن طلب السُّلطان، وتَركِ المنازعة في المُلك، حتى يأذن الله، كذلك إمامُنا الحجة، نهى شيعته عن منازعة الحكام والسلاطين.

وهؤلاء الذين يقولون له ارجع هم مِن حَمَلَةِ السِّلاح حتى في غير محلِّه، وأصحاب الرايات، يسيرون بمنهج الزيدية، تقول عنهم الرواية: يُدْعَوْنَ الْبُتْرِيَّةَ، عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ !
فيرون أنفسهم غير محتاجين للإمام !

ولكن المؤمن يتفطَّن.. 
ويفهم أنّ العنتَرِيّات ليست طريقَ الحق ولا سبيله.. 
وأن ليس بالصُّراخ يُحفَظُ الدين..

وَقَد وصفَ أميرُ المؤمنين خصومه يوماً فقال: وَقَدْ أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُوا وَمَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَل‏ !

فإذا لم يكن هدف الإمام الأوّل سُلطان الدنيا، يستوي في هذا الإمام الحسن والإمام الحجة، فكيف يصيرُ المُلكُ هدفاً لشيعته في زمن الغيبة ؟!
وإذا كان الإمامُ صابراً منتَظِرَاً لأمر الله تعالى، آمِراً شيعته بالصبر في دولة الباطل حتى يأذن الله له بالظهور، فما قيمةُ الإستعجال في زمن غيبته ؟!

وقد قال جدُّه عليه السلام: وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِه‏ !

يُدركُ المؤمن ههنا أموراً:

1. أنّ الحُكم ليسَ مَطلوباً بنفسه، فالنَّعلُ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً، كما قال علي عليه السلام.

2. أنّ طَلَبَ الحُكم والسُّلطة يحتاجُ إلى إذنٍ شرعيٍّ كسائر التكاليف، فمَن أراد أن يطلبه ولو لإقامة الحقّ وَجَبَ عليه تحصيل براءة الذمة.

3. أنّ إقامة الثورات إن لم تكن بإذن الإمام عليه السلام كان فيها إذلالٌ للمؤمنين، لأنّ الإمام الذي هو عِزُّ الإسلام لم يأذن بها حفاظاً على عزّة المؤمنين، فكلّ من خالفه كان سبباً في إذلالهم.

4. أنّ الشريعة ما أَذِنَت في زمن الغيبة بذلك، وأمَرَت بترك المنازعة في الملك والسطان، حفاظاً على الشيعة، وهو دَيدَنُ الأئمة من قبل.

5. أنّ على الشيعة انتظار إمامهم، فما من طَلَبٍ للمُلك إلا على يديه، وما من دَولةٍ تُحقِّقُ عدل الله إلا التي يَبتَعِثُها بيمينه المباركة.

6. أنّ المُلك لو أتى طائعاً لشيعيٍّ وامتثل العبادُ أمرَه، ما ساغَ له أن يُنازع سائر الممالك، ولا أن يتوسَّلَ كلَّ سبيلٍ للحفاظ على سلطانه، زاعماً أن الدين باقٍ ببقائه !

7. أنّ كلَّ ما يظنُّه المؤمن شجاعةً وبأساً إن خالَفَ ما تقدّمَ كان اجتهاداً في مقابل النصّ، ومخالفةً لروح الشريعة ومنهاجها.

8. أنّ التمييز بين كلّ ذلك، وبين الدِّفاع عن النفس والعِرض والأرض والمال أمرٌ أوضحُ من الشمس في رابعة النهار.

فالدِّفاعُ حقٌّ، بل قد يكون واجباً عقليّاً وشرعيّاً لا يفرِّطُ فيه مؤمن، بل هو أكثر الناس حرصاً عليه.

رغم ذلك.. يوصَفُ العُلماء.. وتوصَفُ الحوزة في أيامنا بما وُصِفَ به الإمام الحسن !
فعلماؤها أهلُ الذلّ والتخاذُل ! والرجعيّةِ والتخلُّف ! 
والحوزةُ صامتةٌ جاهلةٌ مُحتَقَرَة !

هكذا يرى بَعضُ الجُهّال الأمور! وقد رأى إخوانُهم من قبلُ إمامنا الحسن مُذِلاً للمؤمنين !

والحلُّ كلّ الحل في قولهم عليهم السلام: لَوْ سَكَتَ الْجَاهِلُ مَا اخْتَلَفَ النَّاس‏ !

والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=160347
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 09 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28