• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الثاني )  .
                          • الكاتب : ايليا امامي .

شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الثاني ) 

ثانياً : حسابات الداخل والخارج في أفغانستان.

الآن وقد عرفت أيها القارئ العزيز .. قوميات الأفغان ومذاهبهم .. والتشكيلات العسكرية الموجودة حالياً وأصول نشأتها .. يبقى أن نأخذ جولة مع مخططات كل طرف .. ونحاول فهم دوافعه وما يريده من أفغانستان :

1) رؤية روسيا الاتحادية : 

* منذ سنة 1839 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 كانت أفغانستان مركزاً لصراع النفوذ بين بريطانيا العظمى المسيطرة على شبه القارة الهندية ( جنوب أفغانستان ) .. و روسيا المسيطرة على آسيا الوسطى ( شمال أفغانستان ).

* أما مصلحة بريطانيا فقد كانت بالوصول الى قلب القارة وتوسطها .. لحماية مصالحها في الهند وجعل أفغانستان منطقة عازلة بينها وبين روسيا القيصرية .. لقناعة بريطانيا بأن روسيا تريد السيطرة على الهند ( درة التاج البريطاني ) فيما تنفي روسيا ذلك .

* وقد أطلق النقيب الإنگليزي آرثر كونولي مصطلح ( اللعبة الكبرى ) على هذا النزاع سنة 1840 .. ولم يكن يعلم أن اللعبة ستستمر من بعده لقرن كامل .

* وبعد الحرب العالمية الثانية تخلت بريطانيا عن مواقع نفوذها لصالح الأمبراطورية الساكسونية الجديدة ( أمريكا ).

* وأما مصلحة روسيا القيصرية ( الاتحاد السوفيتي لاحقاً ) فقد كانت تأمين طرق الملاحة في المياه الدافئة .. لأن إطلالتها الوحيدة على البحر المفتوح هي باتجاه الشمال  الى ( المحيط المنجمد الشمالي ) .. وهو يغطى بالجليد البحري معظم أيام السنة .

 لذا فإن ( الحلم القديم ) كان الاقتراب من المياه الدافئة .. باتجاه المحيط الهندي ( عبر أفغانستان والهند الباكستانية )  أو باتجاه البحر المتوسط ( عبر تركيا )

* وقد انتهى الطموح الروسي في أفغانستان مع فقدان حدودها المباشرة .. بعد استقلال جمهوريات آسيا الوسطى ( مجموعة ستان ) التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي .. وهي ( كازاخستان ، طاجيكستان ، تركمانستان ، أوزبكستان ).

* وأما اليوم .. فأولويات روسيا أمران :

الاستثمارات المنتظرة في بلد لاتزال ثرواته الخام دفينة جباله العالية .

* أن تضبط أفغانستان حدودها .. ولاتجعل أراضيها منطلقاً للإرهابيين نحو الأراضي الروسية التي يشكل المسلمون فيها 13,5% ( 20 مليون ) وكذلك الأراضي الشيشانية.

* وقد تعهدت طالبان لروسيا بذلك .. ورغم انعدام الثقة بينهما .. فليس أمام روسيا سوى القبول .. ومسايرة هذه التعهدات.

وتطورات الأحداث فقط .. هي من ستحدد ما إذا كانت روسيا ستدعم جماعات مناوئة لطالبان أم لا .

2) رؤية الولايات المتحدة الأمريكية :

* تولت أمريكا ملف آسيا خلفاً لبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية .. و كانت أفغانستان لسوء حظها .. من أوائل البلدان التي أصبحت مسرحاً للحرب البادرة بين المعسكرين الشرقي والغربي .

* وجد الأمريكان في الاجتياح السوڤييتي لأفغانستان سنة 1979 فرصة مواتية لتحطيم الدب الروس بين جبال هندوكوش .. فلم يكتفوا بدعم المجاهدين الأفغان .. بل ساهموا بتأسيس تنظيم القاعدة .. كذراع تتجاوز أفغانستان وتعبر الى الجمهوريات السوڤييتية.

* في سنة 2001 احتلت الولايات المتحدة أفغانستان .. وبنظرة واحدة الى موقع أفغانستان على الخريطة .. ستعرف أن أمريكا أرادت إطلالة من قلب آسيا على كل المناطق التي تشكل تهديداً استراتيجياً لها .. وبالذات مثلث روسيا .. الصين .. إيران .. ولذا لم تكن أفغانستان بالنسبة لها سوى قاعدة عسكرية أخرى من قواعدها المنتشرة في العالم .. وليست دولة وشعباً يحلم بحياة كريمة.

* بلغ عدد القتلى الأمريكيين في أفغانستان 2300 شخص منذ بداية الاحتلال وحتى خروجه .. لكن قتلى الجيش والشرطة الأفغانية بلغوا أكثر من 65 ألف .. ناهيك عن الضحايا من المدنيين .. مما يعني أن أمريكا كانت قد تركت الشعب الأفغاني لمصيره .. ومع ذلك دفعت الثمن.

* مازال هناك بعض الأشخاص المتأثرين بالدعاية .. ينظرون لقوة أمريكا وكأنها قوة الرب .. ولا يصدقون أنها تعبت وأرهقت في أفغانستان بعد عشرين سنة من الاحتلال .. كما تعبت سابقاً وأرهقت خلال عشرين سنة من الحرب في فيتنام ( من 1955 الى 1975 ).

أمريكا اعتادت على التأثير في العالم بحسب ظروف كل منطقة .. فتارة تتدخل مباشرة .. وتارة عبر دعم حلفائها .. ففي أفغانستان وفيتنام والعراق تدخلت عسكرياً بحسابات .. ثم انسحبت بحسابات أخرى.

في سوريا واليمن وفلسطين وأمريكا الجنوبية .. دعمت حلفائها ولم تتدخل عسكرياً .. ثم تغيرت حساباتها في الشمال السوري ودخلت بقواتها.

* ومن يستمع الى الرئيس الأمريكي بايدن في خطابه الأخير الذي دافع فيه عن قرار الانسحاب من أفغانستان .. يسمع نبرة التوبيخ والإهانة للأفغان بأن أمريكا أنفقت المليارات وجهزتكم بكل شيء ولن نقاتل نيابة عنكم في حربكم الأهلية ..الخ .
ولو قارنت وصف بايدن للحرب مع طالبان بأنها ( حرب أهلية ) مع وصف جورج بوش لها بـ ( الحرب على الإرهاب ) لرأيت حجم النفاق الأمريكي.

وبالتأكيد فقد كانت أمريكا بحاجة الى ( رئيس مخبول ) يكسر سياسة الشعارات البراقة ويمهد لهذه التحولات الصريحة .. ويقول للعالم بأن حسابات المصلحة الأمريكية فوق كل شيء .. ولو بالتفاوض مع "الشيطان" الذي قتل 3000 أمريكي في هجمات سبتمبر 2001 .
وكان دونالد ترامب لولاية واحدة .. يفي بالغرض.

* والى هنا فقد عرفت أيها القارئ الكريم .. أنه لا معنى للسؤال عن الموقف القادم لأمريكا .. فكل شيء خاضع للبورصة السياسية .. وإرادة الشركات الأمريكية.


3) رؤية جمهورية باكستان الإسلامية : 

رغم أن القصة كلها تبدأ من باكستان .. ورغم أنها المفقس الأكبر للجماعات الإسلامية .. إلا أن فهم دوافعها .. هو الحلقة الأسهل والأبسط في المشهد السياسي.

* سنة 1893 أشرفت بريطانيا على توقيع ( معاهدة ديورند ) القاضية بترسيم الحدود بين الهند شمال الهند و جنوب أفغانستان.

وكعادة الانگليز بوضع قنابل موقوتة في الحدود السياسية .. فقد أدى ذلك الى تقسيم مناطق قومية البشتون بين الهند وأفغانستان .. ورغم أن الأمير الأفغاني حينها ( عبد الرحمن خان ) كان من قومية البشتون .. ولكنه كان ضعيفاً أمام الانگليز .. مشغولاً بذبح الشيعة الهزارة.

* سنة 1947 قسمت الهند الى دولتين .. الجزء الشمالي ذو الغالبية المسلمة أصبح جمهورية باكستان الإسلامية ( المجاورة لأفغانستان ) والجزء الجنوبي ذو الغالبية الهندوسية أصبح جمهورية الهند الديموقراطية.

* وهكذا ورثت الدولة الباكستانية الحديثة مشكلة شمالية على امتداد أكثر من 2000 كم وهي أن قومية البشتون _ وهم 15% من سكان باكستان _ قد تتحرك مشاعرهم لدعوات الانفصال ، إذا انطلقت من جهة أفغانستان .. وباكستان لاتتحمل مشكلة شمالية بينما هي مشغولة بصراعها النووي مع الهند على الجنوب.

* وبالفعل حصل انقلاب عام 1973 في أفغانستان .. وسقط الملك محمد ظاهر شاه على يد ابن عمه الجنرال محمد داوود خان .. وكان داوود خان _ إضافة لكونه شيوعياً _ متعصباً للبشتونية .. وحاول لعب ورقة ( بشتون الكبرى ) مما جعل باكستان أمام خيار وحيد .. أن تلعب ورقة الإسلام في مقابلة ورقة القومية .. لأن الإسلاميين يرفعون شعار الأمة الإسلامية .. ولا يهتمون كثيراً بالحدود المصطنعة .

وهكذا أصبحت المخابرات الباكستانية .. عراب الجماعات الإسلامية .. ومازالت حتى اليوم.

* وترى باكستان أن الهند وإيران غالباً يدعمون حركات من القومية الطاجيكية .. وهذا سبب آخر يجعلها لاتتخلى عن أوراقها .. و تحافظ على نفوذها في طالبان وغيرها.
ولنتذكر أن المخابرات الباكستانية هي من صنعت ( حكمتيار ) كما ذكرنا .. ثم تخلت عنه وصنعت طالبان .. عندما شعرت بأنه يتلاعب بها .. ومن يدري .. ماذا ستصنع في المستقبل .. إذا شعرت بتلاعب طالبان.

4) رؤية الجمهورية الإسلامية في إيران : 

* في خضم الصراع الإيراني الخليجي .. سوقت الكثير من الأخبار حول علاقة إيران بطالبان والقاعدة .. ومدى تأثيرها على هذه الجماعات .. وأصبح الموقف الإيراني غامضاً في نظر الكثيرين .. وصار تمييز البروباغندا عن الأخبار الدقيقة صعباً على المتابع العادي.

والحقيقة أن موقف إيران ليس بهذا التعقيد إذا ما عرفنا تاريخ علاقتها بأفغانستان.

* تاريخياً وسياسياً .. منذ ألفي عام .. لاتوجد دولة أو إمارة قامت في أفغانستان إلا وأمتد حكمها ليشمل شطراً من إيران ( وربما كلها ) .. والعكس صحيح .

من كورش .. إلى السامانيين .. إلى الغورييين ( الهزارة ) .. وحتى الصفويين والأفشاريين .. فإيران متداخلة أساساً مع الوضع في أفغانستان .. وما يجري في إحدى الدولتين يؤثر على الأخرى.

* ثقافياً .. فان اللغة الرسمية في أفغانستان هي اللغة الفارسية ( دري ) ولعل السبب في صمودها رغم وجود لغات أخرى .. أن أول ترجمة للقرآن عرفها الأفغانيون كانت فارسية .. وذلك في عصر الدولة السامانية سنة 820 م .

* وجغرافياً .. يكفي أن تدرس مثلث ( خراسان الكبرى ) الواقع بين إيران وأفغانستان وتركمانستان .. لتدرك حجم التداخل بين هذه الشعوب التي أصبحت دولاً مستقلة.

* وأما اليوم فتبلغ الحدود المشتركة بين البلدين 900 كم تقريباً.

* وإيران لديها مخاوف حقيقية من تأثير أوضاع أفغانستان عليها .. لعدة أسباب أهمها ثلاثة :

أولاً : ملف الأمن .. و خشية إيران من التهاب حدودها وتحول أفغانستان إلى بؤرة إرهاب يستغلها خصوم إيران التقليديون .. لتكون منطلق عمليات ضدها.

* يمكن أن تشكل علاقة طالبان بدولة قطر عاملا مساعداً لإيران في منع السعودية من استخدام نفوذها في التأثير على الحركة وضرب مصالح إيران .. ولكن دور الدوحة .. وبرود علاقة طالبان والرياض .. لا يكفيان كضمان بالنسبة لإيران .. وعليها أن تتأكد بأي طريقة ممكنة .. بأن السعودية لن تحول أفغانستان الى يمن أخرى تغرق فيها إيران ..
كما حولتها أمريكا من قبل الى فيتنام روسية.

* بالنسبة لي أرى التعامل الإيراني مع طالبان .. هو محاولة لتكرار تجربة التعامل مع حركة حماس .. فإيران لم تتخل عن محاولات احتواء حماس الإخوانية .. حتى في أبرد محطات العلاقة .. عندما أخذت حماس تترنح تحت ضغط ( الثورة السورية ) ومطالبتها بموقف واضح وإدانة صريحة للنظام السوري وحلفائه إيران وحزب الله.

* ورغم أن الفارق كبير بين النموذجين .. فطالبان سنة 1998 قتلت في مزار شريف 10 دبلوماسيين إيرانيين وصحفي .. ولا تمتلك تاريخاً طويلاً من التعاون مع إيران كحماس .. ولكن النقاش مستمر في دائرة النخبة الإيرانية حول صوابية هذا المسار .. وعدم وجود بديل في الأفق.

* وقد بلغ التوتر مع طالبان ذروته .. عندما قرر مجلس الأمن القومي الإيراني التدخل عسكرياً على خلفية مجزرة مزار شريف .. وتم حشد 100 ألف جندي إيراني على الحدود .. ثم تم العدول عن ذلك نظراً لخطورة القرار .

* والرواية المتداولة .. أن قائد الثورة الاسلامية قد استخدم الفيتو ( رفض المصادقة ) لمنع هذه الخطوة .. مستنداً الى الدستور الإيراني .. الفصل الثالث عشر المادة 176  ذيل الفقرة 3 ( تكون قرارات مجلس الأمن القومي الأعلى نافذة المفعول بعد مصادقة القائد عليها ).

* وأصدر قائد الثورة يومها بيان تعزية جاء فيه ( الجرائم التي ارتُكبت مؤخرًا في مدينة مزار الشريف على يد حركة طالبان القاسية بدم بارد بحق المدنيين واستشهاد شباب إيران الطاهر والمتدين الذين خدموا في وظائف سياسية وإخبارية ، كلها جرائم غير مسبوقة من نوعها ... الى أن قال : ما بدأ الآن في وسط أفغانستان وفي مناطق الهزارة في مقاطعة باميان أفظع بكثير من الجرائم السابقة ).

* هكذا كان الموقف الإيراني الصريح من طالبان .. و قد نشر في المواقع الإيرانية الرسمية بعنوان ( اطلاعیه دفتر رهبر معظم انقلاب در پی شهادت جمعی از کارگزاران نظام در مزارشریف ).

* بينما مرت قبل أيام ( 8/8 ) الذكرى الـ 23 لمقتل الدبلوماسيين الأيرانيين .. وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً بالمناسبة .. واللافت تكرار وصف الحادث بأنه إرهابي .. مع خلو البيان تماماً من أي إشارة الى طالبان .. وهو منشور على موقع الخارجية الإيرانية بعنوان ( بیانیه وزارت امور خارجه جمهوری اسلامی ایران در آستانه سالروز حادثه تروریستی شهادت دیپلماتها و خبرنگار ایرانی در مزار شریف ).

* وهذا الهامش من التحول في المواقف .. مقبول ومفهوم في العلاقات الدولية .. وإيران ليست مضطرة لدخول حرب يمكن تجنبها .. لكن غير المفهوم هو المحاولات الخجولة لبعض وسائل الإعلام الإيرانية تبييض صفحة طالبان .. والتبشير بطالبان جديدة ومختلفة !

* حتى طلع علينا شاب صغير بصفة ( كارشناس مسائل أفغانستان ) أي خبير بالشأن الأفغاني .. ليتهم من يفكر بمقاومة طالبان بأنه أداة أمريكية لأشعال الحرب الطائفية .. وأن طالبان لم ترتكب مجازر كما يتصور الناس !!

ثانياً : ملف النازحين .. حيث يبلغ عدد النازحين الأفغان 2.5 مليون نسمة .. تتحمل باكستان وإيران القسم الأكبر منهم .. وتخشى طهران أن تسبب الحرب بين طالبان وخصومها .. والمخاوف التي تشعر بها قومية الهزارة الشيعية .. في زيادة من موجات الهجرة نحوها .. مما يشكل ضغطاً كبيراً على اقتصادها المتداعي .

ثالثاً : ملف الماء .. فمناطق شرق إيران ( سيستان وبلوشستان ) تتغدى بدرجة كبيرة من نهر هلمند الأفغاني .. وتثير خطط أفغانستان لبناء السدود و تطوير قطاعي الكهرباء والزراعة .. احتجاجات إيرانية مستمرة .. عبر عنها الرئيس السابق روحاني في تعليقه على إنشاء سد ( سلما ) الذي مولته الهند.


هذه ثلاثة ملفات رئيسية ستضطر إيران للتعاطي معها في ظل وجود حكومة طالبان .. مضافاً لمشكلة مهربي الأفيون .. حيث تضم أفغانستان أكبر حقول زراعة الخشخاش في العالم .. وطريقها نحو الغرب يمر بإيران .

و مثل بقية الدول المحيطة بأفغانستان .. فقد أخذت إيران مجموعة تعهدات من طالبان .. ولكن لا أحد يضمن الوفاء بها ... ويبقى تطور الأحداث وحجم الضرر الذي قد تلحقه طالبان بمصالح طهران .. هو ما سيحدد خططها القادمة.

* وأما الرأي الآخر في إيران .. فعبرت عنه مجموعة من المواقف نقتبس منها اثنين : 

* البيان الذي أصدره المرجع الديني الشيخ صافي الكلبايكاني .. المعروف بدعمه للثورة الإسلامية .. يحذر فيه الحكومة الإيرانية من محاولات التماهي مع طالبان .. فيما كانت تتقدم نحو العاصمة كابل .. قائلاً :
( إنه لخطأ عظيم ولا يمكن إصلاحه أن تثق بجماعة تاريخها مملوء من الشر والقتل ! من منطلق واجبي الديني والإنساني، أحذّر جميع الحكومات والمراكز الدولية، وخاصة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وحكومة جمهورية إيران الإسلامية، من هذه الفظائع الّتی ادّت الی استشهاد العديد من المظلومين في أفغانستان و نزوح آلاف الأشخاص؛ من الرجال والنساء، الصغار والكبار، والأطفال و علیهم ان یتّخذوا موقفاً حازماً و جدّیاً لمنع مثل هذه الاعتداءات و الجرائم النکراء.
بالتأكيد، فما نتيجة سكوتهم اليوم الّا الندم والحسرة في المستقبل ).

* والثاني موقف إمام جمعة گلبايگان محمد تقي كرامتي .. الذي قال بحسب وكالة مهر :

 ( التطورات في أفغانستان مقلقة وليست أحداثًا يمكن تجنبها بسهولة لأن الانهيار حدث بسرعة ودون حرب ، الحكومة السابقة كانت دمية ومدعومة من الولايات المتحدة ، ويبدو أن طالبان أقيمت أيضًا بدعم من الولايات المتحدة ، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من اليقظة ) .

5) رؤية جمهورية الصين الشعبية : 

* منذ السبعينات لم يعد التنين الصيني ينفث النيران .. وانتهجت الصين مساراً ثابتاً يقضي بعدم التدخل في الملفات الخارجية أولاً .. وتعزيز بنيتها الاقتصادية إلى أبعد حد ممكن ثانياً.
* أقول دائماً لبعض الأصدقاء .. أن ملامح السياسة الخارجية للصين .. تشبه ملامح وجه الرئيس الحالي ( شي جين بينغ ) .. ثابتة لحد الجمود .. لاتظهر تفاعلاتها بسهولة .. صبورة وكأن لديها كل الوقت .. لتصل إلى أهدافها.


* ومن هنا يجب أن نعلم .. بأن الصين لم .. و لن تدخل في صراع مع أحد .. فهي تعلم أن الوقت بصالحها .. وتنتظر الفرصة التي تطرق بابها.

و يمكننا تلخيص أهداف الصين ومصالحها في أفغانستان بثلاثة أمور أساسية :

الأول : مبادرة الحزام والطريق .. أو ( طريق الحرير الجديد ) الذي يشكل أهم خط تجاري في التاريخ تعمل عليه الصين .. وهذا الطريق يمر بأفغانستان .. عبر منفذ ضيق ولكنه مصيري بالنسبة لبكين .. حيث تبلغ حدود البلدين 76 كم فقط . 

الثاني : العناصر الأرضية النادرة .. فالعالم كله يتجه نحو تطوير قدراته التكنلوجية .. والتقنيات الحديثة أصبحت سيدة صناعات العالم .. و تتحكم بكل آلة متحركة .. من أعالي الفضاء .. وحتى أعماق التربة .. وتدخل في مجالات كثيرة كالطاقة المتجددة .. والدواء .. والأسلحة .. وما لا يحصى من وظائف.


* والقدرات التكنلوجية تعتمد على صناعة الإلكترونيات .. والشرائح الإلكترونية تعتمد على مجموعة من المعادن النادرة الموجودة في التربة .. وللأسف لا أعرف شيئاً عن هذه العناصر و لكنها جميعها تنتهي بيوم أو نوم .. مثل الغادولينيوم و اللانثانوم و السيريوم و البروميثيوم وغيرها.

* و العالم كله يحتاج الى هذه العناصر .. والمصدر الوحيد لها هو الصين .. إذن فالعالم كله يحتاج الى الصين.

صحيح أن الصين تمتلك ثلث احتياطي هذه العناصر .. ولكن الحلقة الأهم ليست في وجودها .. بل في معامل استخراجها وتنقيتها .. والصين تملك 80% من هذه المعامل.


* و بحسب الدراسات الأولية .. تضم أفغانستان ثروة معدنية تقدر بـ 3 ترليون دولار .. تشكل العناصر النادرة جزءاً هائلاً منها .. ومن مصلحة الصين تستثمر هناك .. لتحكم قبضتها على هذه الصناعة بالكامل .

الثالث : ملف الإسلاميين .. فالصين التي تحتجز الروهينغا في معسكرات سرية وعلنية .. لاتريد أن تتحول أفغانستان الى منطلق لعمليات الثأر نحوها.

والصين كذلك أخذت تعهدات من طالبان .. ولكن لاتوجد دولة واحدة تعاملت مع تعهدات طالبان كأمر محسوم .. والجميع مستسلمون ويراقبون فقط.

6) المملكة العربية السعودية :

منذ عقدين من الزمن فقدت المملكة بوصلتها .. وأصبحت سياساتها آنية وارتجالية الى حد كبير.

لا أحد يجزم بشكل العلاقة القادمة بين السعودية  طالبان .. ومدى تأثير المملكة على الحركة .. ولكن ثوابتها الواضحة التي لايختلف عليها اثنان .. يمكن أن تتلخص في أمرين :

أولاً : التخلص من الإسلاميين المتشددين الذي يشكلون مصدر قلق للحكومة .. كما تخلصت قبل ذلك من عناصر القاعدة في الثمانينات.

ثانياً : فرصة لتطويق إيران عبر ابتزاز دولة طالبان الفتية وحاجتها للأموال.


7) رؤية الشعب الأفغاني :


* بعد أن عرفنا رؤية الدول المؤثرة وأهدافها .. وأن الجميع يهتم بمصالحه ولا يهمه مستقبل الشعب الأفغاني .. أو شكل حكومته .. دعونا نسأل ماهي رؤية الشعب الأفغاني نفسه .. ولماذا استسلم بهذه السرعة لحكم طالبان ؟

* يمكن حصر الأسباب بثلاثة :


أولاً : السأم والتعب من الحروب المستمرة ورغبة الشعب بالاستقرار .. فقد عاشت البلاد حرباً مستمرة من ( بريطانيا VS روسيا القيصرية ) إلى ( أمريكا VS الاتحاد السوڤيتي ) إلى ( الإسلاميون VS الشيوعيون ) إلى ( الشيوعيون VS الشيوعيون ) إلى ( الإسلاميون VS الإسلاميون ) لذا فالشعب يبحث عن طرف قوي ينهي هذا الصراع .. أكثر من بحثه عن طالبان بعينها.
ثانياً : الحقد على أمريكا وحلف الناتو بسبب عمليات القصف والاستهتار بأرواح الأبرياء.

ثالثاً : الفساد الحكومي الفلكي ( يشبه الفساد في العراق ) .. وقد أعجبني تصريح جون سبوكو المفتش العام الأمريكي لإعادة إعمار أفغانستان .. حيث قال أن المبلغ المصروف على الإعمار تجاوز 132 مليار دولار .. وهو أكبر من ميزانية مشروع مارشال لإعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية.

وضخ مثل هذا الرقم بدفعات كبيرة على حكومة فاسدة لاتستطيع إدارة هذا الكم من الأموال _ والتوصيف لسبوكو _ يشبه سكب الماء المستمر على إسفنجة .. فهي ستشرب بمقدار استيعابها .. ثم ينسكب بقية الماء على الأرضية .. وهكذا ذهبت أموال أفغانستان الى جيوب المسؤولين.


هذه ثلاثة أسباب أساسية .. جعلت السخط الشعبي يصب بصالح طالبان.


8) رؤية حركة طالبان :

* دعونا نعود الى سنة 1996 .. طالبان هجمت على العاصمة كابل بدعم باكستان .. وفي حالة ضعف من جميع الأطراف المتصارعة .. حتى سيطرت عليها.

ولكنها في سنة 2001 انسحبت خلال شهرين من الحرب وعادت الى الجبال.

* ودعونا نتذكر أن أمريكا قتلت زعيم الحركة أختر منصور سنة 2016 .. ثم جلست طالبان معها للتفاوض بعد سنتين !!

فطالبان تريد السيطرة على حكم البلاد بأسهل صورة ممكنة وليست مستعدة لقتال أسطوري لأجل هذه الغاية .. بل تتحرك بشكل تدريجي وقضم بطيء .. وتطلق التعهدات والوعود لجميع الأطراف .. والكل يعلم أنها وعود الوصول الى السلطة لا أكثر.


إذن فمرحلة اليوم تبدو تفاوضية وقتية .. لإدراك الحركة أن الوضع لايستقر بسهولة .. و مادامت هناك جيوب للمقاومة .. فربما يتم دعمها في أي لحظة .. ولذا فطالبان حريصة على عدم منح أي مبرر للآخرين .. يؤثر على دولتها الوليدة.

* في شهر شباط من هذا العام وقبل استلامهم الحكم الفعلي .. أصدر زعيم الحركة آخوند زاده .. مرسوماً يمنع أفرادها من تصوير الفيديو والصور .. لأي محاكمة شرعية .. كالجلد والرجم وغير ذلك .. ومن الواضح أن مثل هذا القرار يأتي لامتصاص الدعاية المضادة للحركة .


* وفي جواب دبلوماسي فضفاض .. لسهيل شاهين الناطق بسم الحركة في الدوحة .. عن سؤاله حول ما إذا كانت طالبان تسمح بالانتقادات الموجهة ضدها إذا سيطرت على الحكم .. فكان جوابه ( نعم إذا كان نقد بناء وليس دعاية سياسية ) .. وفي جوابه عن سؤال ( هل تسمح طالبان بوجود المدارس المختلطة ؟ ) قال : سننتظر ونقرر في حينها.


* وأكتفي هنا بنقل هذا نص هذا الخبر عن موقع BBC

( قالت مراسلة بي بي سي، يلدا حكيم، إنها "صُدمت" لرؤية وجه رجل كانت تتحدث معه منذ أكثر من عقد ( تعني ذبيح الله مجاهد ) وهو حاليا يجيب وجها لوجه على السؤال الأول الذي وجهته صحفية أنثى.
وأضافت "سعى المتحدث خلال كلامه إلى إبداء نبرة مصالحة، قائلاً لمراسل آخر "لا نريد أي أعداء داخليين أو خارجيين".لكن حكيم قالت إن هذا بعيد كل البعد عن بعض الإجابات والرسائل التي كانت تتلقاها منه في السابق.
وأضافت "بعض هذه الإجابات كانت نصوصا إسلامية متشددة. البعض منها يجعلك تعتقد أن" هذا الرجل متعطش لدماء الأمريكيين، إنه متعطش لدماء أي شخص في الحكومة الأفغانية". وها هو اليوم يجلس هناك ويقول "لن يكون هناك انتقام"
وأردفت "منذ سنوات كان يرسل هذه التصريحات المتعطشة للدماء والآن أصبح فجأة محبا للسلام؟ من الصعب التوافق مع ذلك" ).


* والسؤال الذي يواجهنا الآن : هل هناك احتمالية كبيرة لتخلي الحركة عن واجهة التسامح والسلام الحالية .. وعودتها إلى سابق عهدها ؟

والجواب : أن هناك ثلاثة أسباب محتملة تجعل عودة الحركة الى العنف والتطبيق الصارم لمفاهيمها .. أمراً متوقعاً جداً.

أولاً : تأثير ضغوطات شبكة حقاني .. وقد عرفت سابقاً تعصبها الفكري وعلاقتها بالقاعدة.

ثانياً : ضغوط تنظيم داعش .. فالحركة لاتريد أن تبدو صورتها في نظر أتباعها .. أقل التزاماً بتطبيق الأحكام الشرعية .. و ( محاربة بدع الروافض ). 

ثالثاً : مسايرة بعض علماء الدين المتعصبين الذين يتوقعون من الحركة أكثر مما تتحمله الواجهة الورقية للتسامح .. الموجودة حالياً.


ويبقى السؤال المهم : ما مصير شيعة الهزارة وبقية أتباع أهل البيت ؟ 

( يتبع في الجزء الثالث والأخير ..... )


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159603
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29