• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الأول ) .
                          • الكاتب : ايليا امامي .

شيعة أفغانستان .. بين المطرقة والطالبان ( الجزء الأول )

* يوم 15 / 7 / 2021 قامت حركة طالبان _ بعد سيطرتها على العاصمة كابل بيوم واحد _ بإنزال رايات الأمام الحسين عليه السلام من الساحات العامة .. وبدأ شيعة العالم يشعرون بالخوف على إخوتهم في أفغانستان .. وصار الجميع يتخيل السيناريوهات الكارثية الي قد تحصل .. لأن مجزرة سبايكر في العراق ماهي إلا عمل من أعمال فرع منشق من فروع القاعدة .. التي تربت مع طالبان .. فكيف لو حكم الأصل ؟!!
* وفي اليوم التالي 16 / 7 قامت الحركة بإعادة الرايات الى مكانها .. وقام وفد من الحركة بزيارة بعض الحسينيات وحضروا مجالس العزاء .. واعتذروا من الشيعة الهزارة !!

* هذا النموذج المتناقض قد يصيب المتابع للأحداث بالإرباك والحيرة .. 

فهل طالبان كانت أرهابية وتغيرت أفكارها بمعجزة ؟ 
أم أننا لم نكن نفهم هذه الحركة بصورة واقعية منذ البداية .. وربما نكون ظلمناها واتهمناها بالأرهاب ؟
أم هذا مجرد تكتيك للمرحلة الانتقالية ثم تكشر عن أنيابها ؟

تساؤلات متضاربة ... وأحداث متداخلة .

* والآن أيها القارئ الكريم .. إذا كنت سريع الملل مثل أغلب شباب هذا الزمان .. الذين يريدون ( فهم بلا قراءة ) .. فاترك هذا المقال وانصرف .. لتبقى في دوامة التساؤلات .. خبر يأخذك وخبر يرجعك .. عاجزاً عن تفسير أي حدث من أحداث المستقبل ( وهي قادمة لا محالة ).

* ولكني أطلب منك أن تضع أمامك خارطة أفغانستان والدول المحيطة بها .. وتنظر اليها بتركيز لأن الكلام يعتمد عليها .. ثم تعطيني 20 دقيقة  من القراءة لهذا المقال  .. وأتعهد لك مقابل ذلك بفهم كامل لوضع أفغانستان .. بإطلالة على ماضيها تجعلك تفهم حاضرها .. وقراءة لحاضرها تجعلك تستشرف مستقبلها .

* إذا تمت الصفقة .. فلنبدأ على بركة الله :


محاور هذا المقال ثلاثة :

أولاً : حقيقتان عن أفغانستان.
ثانياً : حسابات الداخل والخارج في أفغانستان.
ثالثاً : شيعة الهزارة حكاية الماضي والمستقبل.
................................

أولاً : حقيقتان عن أفغانستان.

الحقيقة الأولى : التركيبة القومية والمذهبية .

تتكون أفغانستان من أربعة أعراق رئيسية :

* البشتون : وهم من الشعوب الآرية القوقازية .. ويشكلون نسبة 42% من الأفغان وفق الاحصائيات المتداولة.

* الطاجيك : وهم كذلك من الشعوب الآرية القوقازية .. ويشكلون نسبة 27% من السكان.

* الهزارة : وهم من الشعوب التركية ( العرق الأصفر ) ويشكلون نسبة 9% من السكان.

* الأوزبك : وهم من الشعوب التركية كذلك .. ويشكلون نسبة 9% من السكان.

* وتبقى نسبة 13% موزعة بين الأيماق والبلوش والتركمان والعديد من القوميات الأخرى.


كما تتكون أفغانستان من التوزيع المذهبي التالي :

* نسبة 99% مسلمون.
* أكثر من 80% من السنة على المذهب الحنفي فقهاً .. وهم جميع القوميات المذكورة سابقاً باستثناء الهزارة .

* وأما الـشيعة الاثني عشرية فيشكلون 10% وهم كل الهزارة ( ونسبتهم 9% كما ذكرنا ) حتى صارت كلمة هزارة تساوي كلمة شيعي .. مضافاً الى 1% من الشيعة من بقية القوميات.

* وأما الـ 10% المتبقية فهي من الشيعة الاسماعليين والقزلباش والعلويين وغيرهم .. ولذا نرى بعض الاحصائيات تقول أن الشيعة 20% .


* والخلاصة .. أن المعادلة التي تحكم البلاد عبر التاريخ هي ( 80% مذهب حنفي بأغلبية بشتونية طاجيكية + 10% شيعة هزارة ) وأما بقية الأقليات القومية والمذهبية فلا تأثير لها على المشهد الأفغاني.

وأما اللغة الرسمية المشتركة بين غالبية الشعب فهي الفارسية المسماة ( دري ) وهناك لغات أخرى منها ( پشتو ) الخاصة بالبشتون.

الحقيقة الثانية : الفرق بين ( المجاهدين ) و ( القاعدة ) و ( طالبان ) .


غالباً ما يتم الخلط بين هذه الأسماء الثلاثة باستمرار .. ولكن الحقيقة أن لكل منها واقعه المستقل وظروفه المختلفة .. ونبدأ بالأقدم زمنياً : 

أولاً : المجاهدون الأفغان ( التأسيس الفعلي 1979 ) 

وهم مجموعات متنوعة من الشعب الأفغاني تشكلت للدفاع عن البلاد أمام الغزو السوڤييتي في الفترة من 1979 الى 1988 .. وتلقت دعماً دولياً كبيراً لأسباب سياسية واستراتيجية سنذكرها لاحقاً .. ومن ثم انخرطت هذه المجموعات في اقتتال داخلي بينها بعد التخلص من آخر حكومة شيوعية سنة 1992 .

وأبرز قادة المجاهدين بحسب القوميات الأربعة المذكورة سابقاً :


1) عن قومية البشتون : قلب الدين حكمتيار .. ( الرجل الأهم في المشهد الأفغاني لعشرين سنة من 1975 الى 1995 ) هرب من الحكومة الأفغانية ( الشيوعية) الى باكستان سنة 1973 وأسس هناك قاعدة من الأنصار مكونة من الأفغان القاطنين في المخيمات والمدارس والسجون .. وكان هو الذراع القوي لباكستان قبل أن تتخلى عنه وتتبنى طالبان .. وهو الآن كبير السن وعديم التأثير حتى أن القليلين يعرفون مكان تواجده.


2) عن قومية الطاجيك .. أحمد شاه مسعود .. الرجل القوي الذي تنفست طالبان بموته ..
قاد الجبهة الشمالية للحرب ضد السوفيت بدعم باكستان .. ثم قاد تحالف الشمال ضد طالبان بعد سيطرتها سنة 1996 بدعم من إيران .. اغتاله تنظيم القاعدة في شمال البلاد كخدمة لطالبان .. قبل أحداث برج التجارة العالمي بيومين فقط سنة 2001 .. عبر كاميرا ملغومة حملها انتحاري من القاعدة تظاهر بأنه صحفي.

3) عن الطاجيك أيضاً .. برهان الدين رباني .. وكان مدعوماً من باكستان ما قبل وجود طالبان .. اغتالته طالبان عبر شبكة حقاني _ وسيأتي تعريفها _ سنة 2011 بانتحاري وضع قنبلة في عمامته وتظاهر أنه قادم للتفاوض.


4) عن قومية الهزارة .. عبد العلي المزاري رئيس حزب الوحدة الإسلامية الشيعي .. وكان يتلقى دعمه من إيران .. وقد أسرته حركة طالبان سنة 1995 وبعد أيام أعلنت مقتله في ( ظروف غامضة ).

هؤلاء هم أبرز قادة الجهاد ضد الروس .. وقد أحبهم الشعب الأفغاني و العالم الإسلامي كله .. قبل أن تتغير الأحوال وتكون نهايتهم على يد طالبان .

5) وأما قومية الأوزبك .. فقد كان أبرز قادتها عبد الرشيد دوستم .. جنرالاً شيوعياً في الجيش الأفغاني الحليف للسوڤيت .. وكان في حرب مع المجاهدين طيلة سنوات الجهاد .. ولكنه كان معروفاً بالبراغماتية والتحالف مع المنتصرين .. وعندما شعر سنة 1992 بأن الحكومة الشيوعية على وشك الانهيار .. انشق عنها وتحالف مع المجاهدين .
وقد هرب الى تركيا بعد اجتياح طالبان .. وفقد مكانته الميدانية حتى اليوم.


ثانياً : تنظيم القاعدة ( التأسيس الفعلي 1988 )

كان عدد المجاهدين الأفغان خلال حربهم مع السوڤيت ( بقيادة الأربعة المذكورين سابقاً )  يقدر بـ 250 الف .. ولم يكونوا بحاجة لمقاتلين أجانب .. ولكن مثلث ( أمريكا ، السعودية ، باكستان ) قاد سنة 1982 حملة لتجنيد المقاتلين من مختلف أنحاء العالم وإرسالهم الى مدينة بيشاور الباكستانية .. و هناك يتم تدريبهم و إرسالهم الى الداخل الأفغاني بصحبة المجاهدين الأفغان .. وهكذا بدأت العلاقة بين المجاهدين الأفغان والقاعدة .


تأسس ( مكتب الخدمات ) لتنظيم أفراد القاعدة في بيشاور سنة 1984 على يد "الفلسطيني" عبد الله عزام .. ولكن المسؤول الفعلي الذي يملك الأموال والارتباطات الدولية .. كان المليونير السعودي أسامة بن لادن .
بلغ عدد المتطوعين في الحرب خلال عشر سنوات ( من 1982 الى 1992 ) قرابة 35 ألف مقاتل من 47 دولة .. ولكن لم يتجاوز معدل حضور أتباع القاعدة في جبهات القتال أكثر من 2000 مقاتل في وقت واحد .. مما يعني أن القاعدة بقيت كياناً صغيراً .. قياساً بالمجاهدين الأفغان الذين يشكلون ربع مليون على الأقل كما ذكرنا .. ولكن الدعم المالي والسياسي اللامحدود للقاعدة جعل لها حساباً في المعادلة.

انتشرت مكاتب تطوع القاعدة في كل مكان .. حتى وصل الأمر أن يتم افتتاح مكتب تطوع علني في حي بروكلين أحد أشهر أحياء مدينة نيويورك .. بدعم مباشر من المخابرات الأمريكية CIA والمملكة العربية السعودية .. وتم تزوديهم بكل ما يحتاجونه .. من تأشيرات السفر وحرية التنقل .. الى تسهيل التعاملات المصرفية .. و حتى الكراسات التعليمية لكيفية صنع القنابل المحلية .

ويعلمنا التاريخ البشري .. أن أمراء الحروب عادة ما يعانون من ( فقدان مبررات الوجود ) عندما تضع الحرب أوزارها .. وينتهي القتال الذي أصبح جزءاً من حياتهم .. فيقومون باختلاق جبهات بديلة يقاتلون فيها.

وقد كان المجاهدون الأفغان أصحاب تفكير محلي .. ( بحكم قتالهم في أرضهم ) وقد وجدوا أنفسهم بعد نهاية الحرب السوڤيتية سنة 1992 يخوضون حرباً داخلية محلية ...

وأما تنظيم القاعدة فقام على تفكير عالمي وتنوع دولي هائل .. لذا وجد نفسه بعد خروج الروس من أفغانستان سنة 1988 يبحث عن بديل .. فجعل هدفه القضاء على ( الحكومات الكافرة في الأمة الإسلامية وإخراج الكفار من جزيرة العرب ).


وبعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان .. اتخذ التنظيم من الشريط الممتد بين بيشاور الباكستان وجبال تورا بورا الأفغانية منطلقاً له.

وكل ما جاء بعد ذلك من أحداث .. واستهداف للمصالح الأمريكية .. وتصاعد الإسلاموفوبيا .. وما تشكل من تنظيمات كداعش وغيرها .. فقد كانت لحظته الفاصلة سنة 1988 .. عندما قرر الأمريكان أن يستمروا بالمقامرة بمصير المجاهدين غير الأفغان  .. ويسمحوا للسرطان بالانتشار.


ثالثاً : حركة طالبان ( التأسيس الفعلي 1992 )

كانت توجهات المجاهدين الأفغان محلية .. وطريقتهم صوفية .. بينما كانت توجهات القاعدة دولية .. وقياداتها القادمة من مصر والسعودية سلفية أخوانية و وهابية .

ورغم أن المجاهدين والقاعدة قاتلا في ساحة واحدة .. إلا أن كلاً منهما بقي محتفظاً بتوجهاته.

ويمكن القول أن أول خليط فكري وعقائدي .. أنتجه هذا الاحتكاك المباشر بين الصوفية والسلفية لعقد من الزمان .. كان ( حركة طالبان ).

مع دخول القوات السوڤيتية الى أفغانستان سنة 1979 كان هناك شاب صغير يبلغ من العمر 19 سنة يسمى ( محمد عمر ) قد انخرط في قوات الجهاد ضد الروس ..
وتلقى تدريبه وتوجيهه الفكري في معسكرات بيشاور وقندهار .. ورغم أنه كان صوفياً على الطريقة الديوبندية ( وأصولها في مدينة ديوبند الهندية ، وهي حنفية فقهاً وماتريدية عقيدة ) ولكن اختلاط الشاب محمد عمر بالسلفية في وقت مبكر من حياته .. أثر على شخصيته .

ومنذ بداية التسعينات ترك الملا محمد عمر الأطراف الداخلية تتقاتل بينها .. وتوجه الى باكستان مع أصدقائه من المجاهدين ( وجميعهم من أهالي قندهار ) و أتاحت له المخابرات الباكستانية الامكانيات الكافية لاستلام مدارس حفظ القرآن في مخيمات اللاجئين الأفغان .. وتدريب الطلاب ( بنفس الطريقة التي كونت بها حكمتيار )  فأصبح تنظيمهم يعرف بـ ( طالبان أو طالب ها ) وهي جمع كلمة طالب.

وكان اكتساح حركة طالبان لأفغانستان سنة 1994 صادماً للجميع .. وقد سيطرت على العاصمة وأزاحت كل ( الآباء ) من المجاهدين الأفغان .. وأعلنت دولتها سنة 1996 واستمرت حتى الاحتلال الأمريكي عام 2001 .

سنة 2013 مات الملا محمد عمر في باكستان بمرض السل .. وأخفي خبر موته حتى سنة 2015 حيث أعلنه نائب الزعيم ( الملا أختر محمد منصور ) وتأخر الإعلان لأن قادة الحركة كانوا قلقين من التصدعات .. وانشقاق بعض قادتها وانضمامهم لتنظيم داعش في ذروة قوته وشعوره بالنصر عام 2014 .. قبل أن يتصدى له المرجع الديني علي الحسيني السيستاني بفتواه الشهيرة .. ويكسر شوكته .


سنة 2015 بايعت الحركة الملا أختر محمد منصور القندهاري زعيماً لها .. واغتاله صاروخ أمريكي سنة 2016 .

وفي ذات العام أصبح ( الملا هبة الله آخوند زاده ) زعيماً للتنظيم .. ولا زال حتى اليوم .


وأبرز قادة الحركة حالياً هم ثلاثة :

1)  الملا عبد الغني برادر .. ويوصف بأنه الرئيس المرتقب للحركة والأب السياسي لها.

تتبع معي أيها القارئ الكريم هذا الخيط .. فقد اعتقل برادر في باكستان سنة 2010 بسبب بعض العمليات غير المسموحة .. وأطلق سراحه من السجن سنة 2018 بسبب ضغوطات أمريكية كبيرة ومجهولة الأسباب على باكستان .

بعدها بأقل من سنة .. أصبح برادر رئيس المكتب السياسي للحركة في العاصمة القطرية الدوحة .. وبدأت المفاوضات بشكل مكثف مع الأمريكان !

كاد عبد الغني برادر أن يكون رئيس الحركة بدل هبة الله لولا سببين .. الأول أنه كان في السجن .. والثاني أنه ليس قندهاريا .. فجميع قادة الحركة من أعلى قيادة الى أبسط المراتب كلهم قندهاريون . 

2) سراج الدين حقاني : وهو زعيم شبكة حقاني ( أسسها والده جلال الدين حقاني ) وتعتبر اليد الضاربة لطالبان والجهة الأكثر فتكاً .. والمسؤولة عن أقوى العمليات الانتاحرية ضد الأمريكان .. وخصوم الحركة .

وإذا كان برادر يعتبر الخط الواصل بين الحركة والأمريكان .. فإن حقاني يعتبر الخط الواصل بين الحركة وتنظيم القاعدة .. وهو الحليف الأقرب لها .. وإذا قدر في المستقبل أن يعود حلف طالبان والقاعدة الى عملياتهم الأجرامية .. فسيكون ذلك عبر شبكة حقاني.

3) الملا يعقوب محمد عمر نجل مؤسس الحركة ورئيس مجلسها العسكري حالياً .. ولا شيء معلن عن هذا الرجل ومدى قوته في التنظيم.

ملاحظة : لم نتكلم عن تنظيم داعش ( فرع أفغانستان ) لأنه باختصار تكون من انشقاقات شهدتها جميع الأطراف التي مر ذكرها .. ولكن هذا لايعني ضعفه في الساحة الأفغانية .. بل هو أحد المشاكل المحتملة التي قد تغير من سياسة طالبان مستقبلاً كما سنوضح .

( يتبع في الجزء الثاني ..... ) .


القادة الخمسة القدماء ( ماقبل طالبان ) الذين ورد ذكرهم في المقال .. ومع كل صورة الأسم .


القادة الفعليون لطالبان الذين ورد ذكرهم في المقال .
للمزيد متابعة الكاتب على قناته على التلغرام 

https://t.me/AiliaEmame1185

 


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : ايام ، في 2021/08/20 .

احسنتم



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159523
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28