• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : جدلية تفضيل أهل البيت(ع) على الأنبياء ( الحلقة الخامسة ) .
                          • الكاتب : معد البطاط .

جدلية تفضيل أهل البيت(ع) على الأنبياء ( الحلقة الخامسة )

  آية الابتلاء تُصرِّح بأنَّ نبي الله إبراهيم(ع) كانت له ذرية حيث قال: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وبهذا يتضح بجلاء أنَّ نبي الله إبراهيم(ع) كان نبياً، ودخل في سلسلة من الاختبارات الإلهية، وبعد أن نجح بامتياز جاءه الخطاب ليتوِّجه بمنصب الإمامة: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) إمام يأتمّ به الناس للدين والدنيا، بل وتكون له الولاية عليهم، كما قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).
عن الإمام الصادق(ع): (إن الله - تبارك وتعالى- اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإنَّ اللهَ اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولا، وإنَّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلا، وإنَّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماما. فلما جمع له الأشياء قال: "إني جاعلك للناس إماما" قال: فمن عِظَمِها في عين إبراهيم قال: ومن ذريتي...).
فإن كان إمام الجماعة يُقتدى به في صلاة الجماعة فقط، وإمام المذهب -مثلاً- يُقتدى به في الفتيا، فهنا إمامة عامة, ولعظمتها سأل إبراهيمُ ربَّه عن ذريته -هل يكون فيهم أئمة؟- فجاء الجواب: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، أي أنَّ الظالم لا ينال منصب الإمامة ويكون خليفة الله وقائداً في أمور الدين والدنيا للجميع.
ولا بأس أن نبتعد عن صلب الموضوع قليلاً- ولكننا نبقى في أجواء الآية والإمامة- وذلك للفائدة فنشير إلى أمرين: 
أولاً/ الإمامة جَعْلٌ من الله سبحانه وليست انتخاباً:
الآية الكريمة تقول: (إني جاعلك)، وهذا يدلُّ على أنَّ الإمامة جعلٌ من الله سبحانه، حيث إنَّ الله تبارك وتعالى هو الذي يعلم صفات الإمام الباطنية التي لا يعلمها عامة الناس، فيكون النصّ عليه. 
وإذ عرفنا من الآية الكريمة أنَّ الإمامة بهذا المقام الرفيع، فلا يمكن أن يصلها كل أحد، ولا يمكن أن يتلبس بصفاتها من انتُخب انتخابا.
 وللتمثيل قول: لو أنَّ إنساناً لم يكن شاعراً، فهل يصير شاعراً بالانتخاب؟؟
بالطبع لا، فالشاعر شاعرٌ بذاته. ثمَّ هب أنَّ هناك شاعراً آخر بحق، ولكنه لم يُنتخب من قبَل الناس، فهل يؤثِّرُ ذلك في شاعريته؟ والجواب مرَّة أخرى هو النفي، فيبقى شاعراً حقيقة، ولا يسلب منه الشعر. 
ثانياً/ دلالة الآية الكريمة على عصمة الإمام:
إنَّ قوله تعالى (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يدلُّ بوضوح على ضرورة عصمة المختارِ للإمامة، إذ نفى الله سبحانه نيل عهده الظالمَ مطلقاً، بغضِّ النظر عن كونه ظالماً لنفسه أو لغيره، إذ أنَّ الظالم تارةً يكون ظالماً لغيره، وتارةً أخرى لنفسه، فكل ذنب يذنبه يكون به ظالماً لنفسه على الأقل، قال تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، بل إنَّ كل ذنب فيه نسبة شرك. قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)، وقال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
فالطاعة والاتباع للهوى أو الشيطان في معصية الله نوع من الشرك، ولذا قال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ).
تفضيل الإمام على النبي:
 إلى هنا اتضحت لنا معالم الإمامة على ضوء القرآن الكريم، وأنها أعلى مرتبة من النبوة، وهنا نقف على أعتاب  المرحلة الثانية من البحث، وهي أنَّ كثيراً من الأنبياء هم أئمة أيضاً، فكيف يفضل أئمة أهل البيت عليهم عدا النبي(ص)؟ وللإجابة، يمكن أن نركز على أول أهل البيت الإثني عشر علي بن أبي طالب(ع)، فإذا كان هناك دليلٌ ناهضٌ على أفضليته، ثبت المطلوب، كون أن المشكلة عند البعض هي تفضيل الإمام على النبي.. نرجع إلى كتاب الله، لنرى فيه الصفات التي يفضل بها إنسان على آخر.
العلم: قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)، مما لا شك فيه أن أعلم الأمة بعد النبي(ص) هو أميرُ المؤمنين(ع)، وهذا مما لا مرية فيه لمن اطَّلع على مصادر المسلمين على صعيد أحاديث النبي(ص)، وكشف هذه الحقيقة للأمّة أو على الصعيد العملي.
ولكن موضوعنا يخص التفضيل على الأنبياء، فلابد أن نرجع إلى القرآن الكريم، قال تعالى عن موسى(ع): (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ)، وقال تعالى عن عيسى(ع): (وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)، وقال عن صاحب سليمان: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ). يتضح هنا أن الله سبحانه كتب لموسى(ع) من كل شيء وليس كل شيء, وعيسى(ع) ليبين لهم (بعض) وليس (كل)، والذي أتى بعرش بلقيس عنده علم من الكتاب وليس علم الكتاب، بيد أنّا نرى الله سبحانه يقول: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ). وقال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ). ثم أثبت سبحانه أن علم هذا الكتاب أعطي لشخص في الأمة قال تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ). وقد أوضحت الآية منزلة هذا الإنسان، حيث إن الآية ذكرت أن للنبي(ص) شهيدين، هما الله ومن عنده علم الكتاب، وكفى بهما شهيدين، ففهمنا من ذلك أن هذا الشخص شاهد وعنده علم الكتاب. وقد قال تعالى في آية أخرى: (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ).
ويتبيّن من هذه الآية المباركة بضميمة الآية(43)من سورة الرعد الآنفة الذكر، أنَّ الذي عنده علم الكتاب والشاهد يكون مقرباً من النبي -منه-(ص) وليس بعيداً عنه, وحينما نرجع إلى النبي(ص)، نراه يركز على هذا الأمر، ويوضحه لنا بروايات كثيرة  منها:
في صحيح البخاري كتاب الصلح باب كيف يكتب...: وقال(ص) لعلي: (أنت مني وأنا منك).
وفي المعجم الكبير للطبراني ج12/ ص15 عن ابن عباس قال: قال رسول الله(ص) لأم سلمة: (هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي، ودمه دمي، هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). وهذا التجانس وانشقاق الواحد من الآخر لم يكن ناظراً إلى الرحمية فقط بل إلى الروحية والنورانية, وحمل مسؤولية الرسالة بعده, وحمل علومه. وقد وضحت آية المباهلة وحديث المنزلة وحديث الأشباح وغير ذلك هذا الأمر بجلاء. وبشهادة الآيتين والأحاديث الآتية، ثبت أن الذي عنده علم الكتاب هو عليُّ بن أبي طالب، وتبيّن بطلان من يقول: إن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام أو أهل الكتاب، هذا مع ما ثبت بروايات أهل البيت(ع). وتشهد لنا كتب إخواننا أيضاً، ففي تفسير الثعلبي ج5/ ص303 (وروى أبو عوانة عن أبي الخير قال: قلت لسعيد بن جبير: (ومن عنده علم الكتاب) أهو عبد الله بن سلام؟ قال: كيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية)؟. 
نفس المصدر حدثني بن عبد الله ابن عطاء قال: كنت جالساً مع أبي جعفر في المسجد، فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالساً في ناحية فقلت لأبي جعفر(ع): زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. فقال: (إنما ذلك علي بن أبي طالب).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=159201
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29