• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : زاد الحضارة من المحبرة إلى المقبرة الجزء الأول .
                          • الكاتب : د . نضير الخزرجي .

زاد الحضارة من المحبرة إلى المقبرة الجزء الأول

 كم من البشر مرَّ على الكرة الأرضية في الألف الأخير وقبله؟ لا نعلم بالضبط، ولكن بالقطع أنهم بعشرات المليارات أو يزيدون! فكم نعرف منها؟ سؤال بالقطع سفسطيٌّ في غيره محله؛ لأننا نعجز عن عد أبناء الجد الواحد من الطبقة الرابعة أو الخامسة فما فوقها وما تحتها، فكيف يتسنى لنا تشخيص سلسلة الرجل!، بالطبع سترى من يملك شجرة العائلة حتى آدم عليه السلام، ولكن مهما بلغ الأمر فهو في حدود معرفة تسلسل أجداد الرجل، ولكن أنى لهذا الرجل من معرفة أجداد الناس في المدن والأوطان والأمصار والقارات، فشريط الذاكرة الشخصية لا يستوعب المئات من الأسماء فما بالك بالمليارات؟ 
مقدمة تبدو بديهية، فالمشجّرات البشرية لا يمكن عدّها وحصرها، فما يعرفه المرء من أسماء في مشجرة أسرته أو عشيرته لا تثبت دليلاً على معرفته بالمشجّرات الأخرى؛ وإلا احتجنا إلى حاسوب يفرز أبناء المعمورة من عصرنا هذا إلى يوم هبوط آدم عليه السلام إلى وجه البسيطة. وقد تقدمت بعض الدول الغربية في هذا المجال، وأفرزت دائرة خاصة تحفظ فيه المشجّرات من جانبي الأب والأم، ولذلك يسهل على المرء البحث عن أجداده من خلال هذه المؤسسة، وبعض هذه المؤسسات نقلت قائمة المشجّرات إلى الشبكة الدولية (الانترنت) مما سهّل عملية البحث؛ وهذا نوع من تقييد العلم الذي حثت عليه الرسالة الإسلامية، عندما قال النبي الأكرم محمد(ص): (قيّدوا العلمَ بالكتاب)، وفي نص آخر: (قيّدوا العلمَ بالكتابة)، نص أغلى من الجوهرة لم ترعَ فيه الأمة إلاّ ولا ذمّة كغيره من النصوص والوصايا التي ضيّعتها في حانة هواها ولم تقيِّده، فالكتابة هي الأصل، وكما يقول الشاعر من بحر الكامل:
العلمُ صيدٌ والكتابة قيدُهُ *** قيِّد صيودَك بالحبالِ الواثقة
من هنا فإن المؤلف والكاتب والمحرر للكتاب يبقى خالداً ما خُلد الكتاب وقُيّد بين الدفتين، فتمر الأجيالُ والأجيال، وتأخذ المليارات تلو المليارات طريقها إلى عالم القبر، ويظل الكاتب خالداً بسطوره في عالم الحضر، يموت الناس ويحيا كتابه، تدول الدول ويخلد مقامه، فللكتاب ميزتان بارزتان: صيانة العِلِم وحفظ الَعَلم، وإذا تم جمع المتفرق من الكتب في معجم والتحقيق فيه فهو نعم الخلود، وهذا ما فعله المحقق الكرباسي في (معجم المصنفات الحسينية) الذي تابع فيه المطبوع والمخطوط في النهضة الحسينية منذ القرن الأول الهجري وحتى يومنا هذا، فخرج الجزءُ الأول منه عام 1999م، والثاني عام 2009م، وفي نهاية العام 2011م، صدر الجزء الثالث من هذه المعجم الذي يمثل أحد أبواب دائرة المعارف الحسينية الستين.
من المحبرة إلى المقبرة
حكمة قالها فقيه العراق المستشهد صبراً على يد الحجاج بن يوسف الثقفي (40- 95هـ)، ألا وهو سعيد بن جبير الأسدي (46- 95هـ) الذي حدّث عنه نفسه فقال: (ربما أتيت ابن عباس فكتبت في صحيفتي حتى أملأها، كتبت في نعلي حتى أملأها، وكتبت في كفِّي، وقد قيل: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، حتى متى مع المحبرة؟ فقال: مع المحبرة إلى المقبرة)، وهو القائل: (لا يزال الرجلُ عالما ما تعلم؛ فإذا ترك العلم وظن أنه اكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون).
 والظاهر أنَّ ثنائية المحبرة والمقبرة أخذها الإمام أحمد بن حنبل (164- 241هـ) عندما سُئل عن المدى الذي يطلب فيه العلم وقد احدوب ظهره، فقال: (إنما أطلبُ العلمَ إلى أن أدخل المقبرة)، وفي هذا السياق اشتهر في الأثر: (أطلب العلمَ من المهد إلى اللحد).
فالكتاب يبقى هو الأصل مهما تعددت وسائل الإتصالات الحديثة، فهي ليست بديلة وإنما وسيلة، كما إن الكتاب يبقى عائماً إن لم تكن هناك مكتبات تحفظه من الضياع وعاديات الزمن؛ لأنَّه إن خرج من تحت أنامل كاتبه صار مشاعاً للناس وفي حوزتهم وسلطتهم، بخاصة إذا وجد طريقه إلى مكتبة عامة.
 ولأن المكتبة بمقام الحافظة، فكان يطلق عليها (خزانة)، وفي تقديري هي أكثر من خزانة، فهي تكون للمجوهرات والأموال، والكتاب أعظم من مال قارون، ولذلك فالمكتبة أو الخزانة قيمتهما أعظم من كل خزانة وحافظة ومصرف وبنك، فالمكتبة لها خاصية الديمومة والإفادة للمتلقي، فربما أفادت خزانة المال صاحبه وورثته، وحتى خزانة الكتب فهي قد تفيد خازنها ومن يخلفه، ولكن المكتبة العامة هي اسم على مسمى عامة للقاصي والداني، يرتوي من معين محتوياتها كل طالب علم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158688
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19