• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ماذا بعد لهيب الصحراء ؟ .
                          • الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي .

ماذا بعد لهيب الصحراء ؟

إنها الصحراء القاحلة ، وجو الصيف اللاهب ، حيث لا يدع احداً يقوى على الكلام من شدة الحر ، مع شدة الظمأ ، وخوار القوى ، ونحولاً في الجسم .
يبحثُ بهذه الصحراء المترامية الأطراف عن ظلٍ يلتجؤون إليه من حرارة القيظ ، تكادُ حبات الرمل تغلي من شدة الحرِّ تحت اقدامهم ، والشمس ترسل اشعتها بصورة عمودية فوق رؤوسهم ، فينظرون على مد البصر فلا يتراءى إليهم سوى السراب ، يخيل للناظر أنه ماء فيُغري الظمآن بحث السير نحوه ، لكن يُرهقوه السير ، فيزداد ظمأً ، وعندما يصل لا يجد شيئا . 
وهم في سيرهم هذا يرفعون قدماً ويضعون أخرى كأنها قد أُثقلت بالحديد ، لتترك آثار اقدامهم صوراً سريعاً ما يمحوها تحرك الرمال . 
فينظرون فلا شيء هناك غير صحراء وسماء زرقاء كأن طرفيهما قد التسقتا. 
وبعضهم قد دار في خلده سؤال واستفهام  لمَ لا تكون معجزة لنا كما كانت لنبي الله موسى مع بني إسرائيل ( الحجر الذي انفجر منه اثنتى عشرة عينا ) 
فالنبي الذي معنا هو أعظم من نبي الله موسى 
ونحن قطعاً أفضل من بني إسرائيل 
وسلوكنا مع نبينا أفضل من سلوك بني إسرائيل مع نبيهم 
وربما كل واحد من ذلك الجمع كانت برأسه ألف فكرة وفكرة . 
وهم كذلك في دوامة ذلك التفكير ، لاحت إليهم شجرات من بعيد ، فاستبشر ذلك الجمع بالخير ، لأن لا وجود للنبات في هذه الصحراء إلا بوجود الماء ، فجدوا السير مع ما بهم من عناءٍ واعياء ، حتى وصلوا . 
ثمة هناك خمسة أشجار ، وغدير ماءٍ 
فنزل النبي ، وقد رأى الجميع ملامح وجهه قد تغيرت ثمة شيءٌ جديد جاءه من ربه ، وكنا ننتظر بماذا سوف يبلغنا النبي ؟ وبماذا سوف يأمرنا ؟ 
وإذا بعد دقائق يأتي الأمر من النبي بأن يحبس ما تقدم من ذلك الجمع ، وأمر أن يلتحق به المتأخر ، حتى جمعهم ذلك الغدير ، فأمر النبي أن يكسح ما تحت الأشجار ، وينظف المكان ، ثم صلى بهم النبي صلاة الظهر ، وبعد الصلاة أمر النبي بأحداج الإبل أن يوضع بعضه فوق بعض ، حتى بدا كأنه تلاً صغيراً ، حتى من كان بأقصى ذلك الجمع كان يرى تلك الأخشاب من بعد . 
فأجتمع ذلك الجمع كأنه حلقة ، حول تلك الشجرات وذلك الغدير . 
وما هي إلا لحظات فيرتقي النبي تلك الاحداج كأنه يريد أن يرتقي إلى السماء ، فرمقت كل العيون إليه ، إلى أن استقر في أعلاها وأدار طرفه على ذلك الجمع ، وساد الصمت ، فلا تسمع إلا أزيز الرياح ، وحفيف ورق الأشجار . 
ثمة هناك تبليغ مهم سوف يبلغه النبي ، فتطلعت النفوس شوقاً لكلامه ، وحدقت به الأبصار ، واصغت إليه مسامع القلوب ، فبدأ النبي كلامه بحمد الله والثناء عليه ، وذكر الأنبياء الذين قبله ، ثم استفهم ذلك الجمع بتبليغ الرسالة وعدم تقصيره في ذلك ، فأجابه الجمع بالتصديق والشكر له ، ثم ذكر النبي الحوض وأنه نجده هناك يستقبل أصحابه واتباعه على ذلك الحوض ، وذكر النبي الثقلين واوصى بهما ، 
فناداه رجل من أقصى ذلك الجمع . 
 وما هما الثقلان يا رسول الله  ؟
قال : كتاب الله واهل بيتي
كتاب الله واهل بيتي 
ثم ساد الصمتُ الموقفَ وقد بلغ بهم الحر مبلغه ، فكان أحدهم يضع الثوب تحت قدميه من شدة الرمضاء ، والبعض منهم فوق رأسه . 
آجال النبي ببصره ، ثم نظر ببصره إلى شخص قريب منه ومد يده إليه وأخذها ورفعه معه حتى أوقفه الى جانبه ، نظر ذلك الجمع إلى ذلك الشخص من هو الذي رفعه النبي إلى جانبه . 
ها أنه إبن عمه علي 
نعم إنه علي 
فرفع النبي يد علي بيده إلى الأعلى ثمة هناك بياض الأبطين ، أنها كيد موسى البضاء حيث كانت معجزة . 
وعند ذلك عرف الجمع أنه علي علي 
فقال النبي : أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ 
قالوا : الله ورسوله أعلم
قال : إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه
يقولها ثلاث مرات 
لماذا ثلاث مرات أنها الحجة. لإقامة الحجة 
حتى لا يكون هناك من لم يسمع الاولى يسمع الثانية ، ومن لم يسمع الاولى والثانية حتماً سوف يسمع الثالثة . 
وبهذا تمت البيعة لعلي ولزمت باعناق القوم ، وعنق من بلغه ذلك الخطاب إلى يوم القيامة ، وقد خلد القرآن تلك الحادثة ، وأصبحت قرآناً تتلى آناء الليل واطراف النهار :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ} [المائدة : 3]

فصار ذلك اليوم عيداً ومن أعظم الأعياد 
نعم إنه عيد الغدير الأغر .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158596
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18