• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : س11: هل نستحقُّ غفران الذنوب ؟! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

س11: هل نستحقُّ غفران الذنوب ؟!

 سؤال رقم11: هل التوبة حق إنساني أم تفضل إلهي ؟ وهل يستحق الإنسان المغفرة من الذنوب إن تاب أم لا يستحقها فيمكن لله أن يعذبه عليها ؟
 
الجواب:
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
لطالما أعجب ابن آدم بنفسه وصفاته، وتباهى بأفعاله وسلوكه حقاً كانت أم باطلاً..
أما المؤمنون فمن إعجابهم بكثرتهم.. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً..
وأما الكفار فمن إعجابهم بما عندهم: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ... ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً..
 
ثم يتجاوز العبد ذلك فيصل به الأمر إلى العُجب بإيمانه (يُؤْمِنَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ فَيَمُنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَنُّ)
فيرى المؤمن لنفسه فضلاً على الله تعالى بإيمانه !!
 
فينسى أو يتناسى، ويجهل أو يتجاهل أنه لم يكن ليؤمن لولا توفيق الله تعالى له، ولولا أنه تعالى هيّأ له مقدمات بلوغ الإيمان والتسليم به.. ولولا رفع الله الموانع التي تحول بين المرء وقلبه..
 
ومع أن المؤمن لا يخلو من الذنب، إلا أنه يعجب بنفسه حتى في توبته!
وقد يرى أن في توبته كفارة لذنوبه باستحقاقه، فيظن أنه قد استحق المغفرة من الله تعالى واستوجبها بما قدّم من توبة! وكأنه المتفضل أيضاً في توبته!
 
لكن إمامنا زين العابدين عليه السلام يعطينا درساً في دعائه لا نظير له في تاريخ البشرية جمعاء !
وهو الذي تكفي بعض أدعيته دليلاً على وحدانية الله تعالى وإثبات الدين الحق.. فتبارك الله أحسن الخالقين.. خالق الإمام زين العابدين!
 
يبيّن الإمام في دعائه أن جزاء العبد عند معصية الله تعالى هو النار فوراً !
لكن الله تعالى برحمته أجّل العقاب ! وفتح باب التوبة !
والتوبة تُنال بهذه الرحمة لا بالاستحقاق! (كتب على نفسه الرحمة)
 
ويعطينا درساً في عدم استحقاقنا التوبة حتى من ذنب واحد اقترفناه مهما فعلنا !
في صورة تذهل العقل البشري وتجعله يقف صاغراً أمام دروس التذلل والخضوع لله تعالى، فيستعرض الإمام عليه السلام جملة من حالات التذلل لله تعالى طلباً للاستغفار فيقول عليه السلام في صحيفته السجادية:
 
1. يَا إِلَهِي لَوْ بَكَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ: والأشفار منبت أهداب العين أي منبت الشعر عليها.. وهي التي ورد في الروايات ما يُرشِدُ إلى شَدِّهَا وتقويتها كالإكتحال، لكن المقام هنا مقام تساقطها !
 
2. وَانْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي: والنحيب صوت البكاء العالي، أو البكاء مع عويل، أو أشد البكاء، حتى لا يخرج بعد ذلك منه الصوت !
 
3. وَقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ (أي تنتفخ)
4. وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي (أي ظهري)
5. وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ (العين أو سوادها، وأيُّ سجودٍ هذا الذي تتفقأ منه أحداق العيون ؟!)
6. وَ أَكَلْتُ تُرَابَ الْأَرْضِ طُولَ عُمُرِي !
7. وَشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي (ماءٌ مخلوطٌ بالرماد)
8. وَذَكَرْتُكَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي
9. ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إِلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ
 
بعد أن يذكر الإمام هذه الأمور التسعة، التي لا يكاد أحدنا يتمكن من تصورها على حقيقتها فضلاً عن الإتيان بواحدة منها.. فلو فعلها أحدنا جمعياً تكون النتيجة:
مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئَاتِي !!
 
هل يمكن أن يفعل إنسانٌ كل هذا لو كان مقدوراً، طالباً محو سيئة واحدةٍ ثم لا يستوجبها ؟!
وهل هنا محلُّ اليأس والقنوط ؟!
 
وكيف يكون ذلك ؟
وقد قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى25]
كيف يجتمع كلام الإمام مع كلام الله تعالى ؟!
 
يبيّن الإمام عليه السلام ذلك فيقول:
وَإِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي حِينَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ، وَتَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِاسْتِحْقَاقٍ، وَلَا أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِاسْتِيجَابٍ:
 
فكيف عبّر هنا ب(أستوجب مغفرتك) و (أستحق عفوك)، وفي نفس الوقت فإن هذا العفو (غَيْرُ وَاجِبٍ لِي بِاسْتِحْقَاقٍ) ؟!
فهل أنا مستحق للعفو أم لا ؟
 
يبيّن الإمام عليه السلام المراد من ذلك بقوله:
إِذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ النَّارَ، فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِي.
 
فبمجرد أن يقدم أحدنا على معصية الله تعالى فإنه يصبح مستحقاً للنار ! أجارنا الله منها.
 
وقد أمهله الله تعالى ولم يعاقبه عقاباً فورياً وتفضَّلَ عليه بفتح باب التوبة، وبعد أن فتح الباب بكرمه لا بالاستحقاق، صار العبد مستحقاً للتوبة بفضل الله: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً).
 
ثم ذكّر الله تعالى المؤمنين بمعاصيهم ليستغفروه منها رحمةً فوق رحمة، فعن صادق العترة الطاهرة عليه السلام: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُذَكَّرُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ فَيَغْفِرُ لَهُ وَإِنَّمَا يُذَكِّرُهُ لِيَغْفِرَ لَه‏ (الكافي ج ص483).
 
وليست التوبة ماحيةً للذنوب من كتابنا فقط، بل ينسي الله الملكين ما كتبا من الذنوب، وينسي الجوارح كذلك، حتى يعود التائب كمن لا ذنب..
 
فعن ابن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام: إِذَا تَابَ الْعَبْدُ تَوْبَةً نَصُوحاً أَحَبَّهُ اللَّهُ فَسَتَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَقُلْتُ: وَكَيْفَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ ؟
 
قَالَ: يُنْسِي مَلَكَيْهِ مَا كَتَبَا عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُوحِي إِلَى جَوَارِحِهِ اكْتُمِي عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ، وَيُوحِي إِلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ اكْتُمِي مَا كَانَ يَعْمَلُ عَلَيْكِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَيَلْقَى اللَّهَ حِينَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ (الكافي ج2 ص483).
 
فهل للقنوط عند المؤمنين بعد ذلك من سبيل ؟! وباب رحمة الله تعالى قد فتح على مصراعيه..
 
والحمد لله رب العالمين




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158060
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28