• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءةٌ في نسبةِ الخوفِ إِلى النبيِّ موسى (عليهِ السلامُ) .
                          • الكاتب : د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود .

قراءةٌ في نسبةِ الخوفِ إِلى النبيِّ موسى (عليهِ السلامُ)


تفضَّلَ عليَّ أَحدُ إِخوتي القرآنيِّينَ بسؤالٍ عن قولِه تعالى: ﴿وأَلقِ عصاكَ فلمَّا رآها تَهتزُّ كأَنَّها جانٌّ ولَّى مُدبرًا ولم يُعقِّب يا موسىٰ لا تَخفْ إِنِّي لا يَخافُ لديَّ المُرسَلونَ ، إِلَّا مَن ظَلَمَ ثمَّ بدَّلَ حُسنًا بعدَ سُوءٍ فإِنِّي غفورٌ رحيمٌ﴾ [النمل/١٠-١١] أَن كيفَ يخافُ موسى (عليهِ السلامُ) ؟ وهل ظلمَ وعمِل سوءًا ؟ فأَجبتُ:

عليكمُ السلامُ ورحمةُ اللٰهِ وبركاتُه أَخي الموقرَ.
جوابًا عن سؤالكَ عن الخوفِ المنسوبِ إِلى النبيِّ موسى (عليهِ السلامُ) في قولِه تعالى: ﴿وأَلقِ عصاكَ فلمَّا رآها تَهتزُّ كأَنَّها جانٌّ ولَّى مُدبرًا ولم يُعقِّب يا موسىٰ لا تَخفْ إِنِّي لا يَخافُ لديَّ المُرسَلونَ﴾ [النمل/١٠]
فنحن بإِيمانِنا القاطعِ بعصمةِ الأَنبياءِ والمرسلين (عليهِمُ السلامُ) ، وبأَنهم مُخلَصون لا يصِلُ إِليهم إِغواءُ شيطانٍ ، ولا خوفُ موقفٍ أَو سلطانٍ ؛ فإِنَّنا نقرأُ هذه الآياتِ وما بمضمونِها عنِ الأَنبياءِ (عليهِمُ السلامُ) قراءاتٍ أَعمقَ من ظاهرِها الذي هو حقيقةٌ قرآنيةٌ نؤمنُ بها ونراها بظاهرِها وباطنِها ؛ فـ(لا تخف) نهيٌ عن ردةِ فعلٍ من دهشةٍ ورهبةٍ نفسيةٍ تحصَّلت لدى موسى (عليهِ السلامُ) بصفتِه إِنسانًا يعرِفُ أَنَّ العصا التي يمتلِكُها إِنما هي جزءٌ من شجرةٍ قطعها يومًا وأَعدَّها لأَعمالِه المختصةِ في الاستنادِ عليها عند الوقوفِ والسيرِ ، ولرعايةِ غنمِه ، ولأَعمالٍ أُخرى لم يذكرها وهي معروفةٌ اجتماعيًّا بقرينةِ مَن يحملُ عصا مختصةً به بحسبِ النصِّ القرآني: ﴿قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيها وَأَهُشُّ بِها على غنَمي وليَ فيها مآرِبُ أُخرى﴾ [طه/١٨] ؛ فهو خوفٌ محمودٌ أَولًا ؛ لأَنه ناتجٌ عنِ الإِمكاناتِ الإِنسانيةِ الطبيعيةِ ، أَي أَنه خوفٌ إِنسانيٌّ لازمٌ نتيجةَ رؤيةِ تحوُّلِ العصا المعهودةِ بتكوينِها واستعمالاتِها إِلى حيةٍ تخيَّلها موسى (عليهِ السلامُ) جانًّا يتحرَّكُ !
فموسى (عليهِ السلامُ) هنا وُصِف بالخوفِ بمفهومِه الإِنسانيِّ العامِّ المعروفِ الذي سُرعان ما تبدَّد باستنهاضِ مقدِّماتِ الهمَّةِ الرساليةِ التي يُصطَنَعُ بها المرسلون بمصداقِ قولِه تعالى: ((إِنِّي لا يخافُ لديَّ المرسلون)).
أَمَّا قولُه تعالى: ﴿إِلَّا مَن ظَلَمَ ثمَّ بدَّلَ حُسنًا بعدَ سُوءٍ فإِنّي غفورٌ رحيمٌ﴾ [النمل/١١] ؛ فاستئنافٌ بحُكمٍ إِلٰهيٍّ جديدٍ واضحٍ مُرادُه بالإِرشادِ والتقريرِ ، ولا حجةَ لفظيةً ، ولا دَلاليةً فيه تُلزِمُ أَن يَّكونَ هذا الحكمُ عائدًا على موسى (عليهِ السلامُ) ؛ لأَنه (عليهِ السلامُ) معصومٌ مُخلَصٌ مُصطَنَعٌ للٰهِ ؛ فهو لا يَظلِمُ ، ولا يعملُ سوءًا أَصلًا. واللٰهُ أَعلمُ.
إِنَّ النبيَّ موسىٰ (عليهِ السلامُ) وجيهٌ عندَ اللٰهِ ؛ فهو منزَّهٌ عن صفةِ الظلمِ وعملِ السوءِ بتوثيقِ النصِّ القرآنيِّ الحاكمِ بقولِه تعالى: ﴿يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تكونوُا كالَّذينَ آذَوا موسىٰ فبرَّأَهُ اللٰهُ ممَّا قالُوا وكانَ عندَ اللٰهِ وجيهًا﴾ [الأحزاب/٦٩].

أ.د. علي عبدالفتاح الحاج فرهود

شكرًا جزيلًا أَخي الأُستاذ وسام الموقر عن هذا السؤالِ ذي الصلةِ.
ج/ في القرآنِ خطابٌ خاصٌّ يُرادُ به العامُّ (الآخرون) كقولِه تعالى: ﴿إِنَّا فتَحنا لكَ فتحًا مُّبينًا ، لِيغفِرَ لكَ اللٰهُ ما تَقدَّمَ مِن ذنبِكَ وما تأَخَّرَ ويُتِمَّ نعمتَهُ عليكَ ويَهدِيَكَ صراطًا مستَقيمًا﴾ [الفتح/١-٢] ؛ فالنبيُّ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) لا ذنبَ له متقدِّمًا ولا مؤخرًا ، والفتحُ له والغفرانُ لأُمتِه - نحن وسوانا - كرامةً له.
فموسىٰ (عليهِ السلامُ) بالتكليفِ الإِلهيِّ بالرسالةِ والتحدي والمقابلةِ مع السحرةِ كان قد رأىٰ تخيُّلًا من (حِبالِهم وعِصِيِّهم أَنَّها تتحركُ بتموُّجٍ وتصارعٌ للغلبةِ) فخشيَ في نفسِه أَن يَّرى الجميعُ ما تخيَّل هو فينقلِبوا ضدَّه بجمعِهم ، لا أَنَّه هو نفسَه كان خائفًا من عدمِ انتصارِه ؛ فكيف يكونُ هذا وهو المسددُ بتأييدِ اللٰهِ ﴿قُلنا لا تَخَف إِنَّكَ أَنتَ الأَعلى﴾ [طه/٦٨]. واللٰهُ أَعلمُ.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158010
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18