• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فلسفة تصميم المستقبل الجزء الثالث (2) حركة التاريخ وجدل الانتظار  .
                          • الكاتب : احمد العبيدي .

فلسفة تصميم المستقبل الجزء الثالث (2) حركة التاريخ وجدل الانتظار 

 تم تسليط الضوء في الجزء الثاني على مبدأ الحرية والحتمية، والجدل القائم بينهما في مسؤولية الإنسان تجاه صناعة المستقبل، عبر نظرية تعدد الإحتمالات التي تدعم الفيزياء الكوانتية الكثير من تفاصيلها، فعلى المستوى الفردي يمكن ملاحظة النظام الطبيعي وهو يسير بدقة وفق هذا المنهج، فمثلا لكي يتكون الإنسان، فأن الجنين يتكون من بيضة واحدة فقط من الأنثى، مقابل مليارات من الحيوانات المنوية في سائل الرجل، واحد منها فقط سينجح في تخصيب البيضة، والباقي يموت بعد ساعات، وبما انه لكل حيمن نصف كروموسومي مختلف عن الحيامن الأخرى، لذلك فان البيضة المخصبة الناتجة هي تطبيق لواحد من ملايين الاحتمالات التي كانت ممكنة التطبيق!
 والأمر نفسه تماماً مع حبة اللقاح التي تنجح في تخصيب المبيض في الزهرة، من بين مليارات من الحبيبات المنتشرة كغبار دقيق في الهواء، وبالإنتقال إلى المستوى الجماعي (الإجتماعي) في صناعة التاريخ، فأن مرور النظريات السياسية والفكرية على البشرية، هي نوع من الاحتمالات المستمرة والتي بدأت البشرية بتجريبها منذ فجر التاريخ، والتي ستنتهي مستقبلاً بتكوين التخصيب الأصلح (وهو قيام الدولة العادلة) حتماً، لذلك فربما يبدو من سير التاريخ أن هناك حتمية ما تسير حشود الجماهير على مر العصور، وربما يكون هناك نوع من الصحة في ذلك، إلا ان وجود النبي أو المصلح دائماً هو المعول عليه في إعلان اكتمال عملية التخصيب الفعلية لقيام الدولة العادلة بالنظام الأصلح، لهذا أسس مبدأ الإنتظار في فكر مدرسة أهل البيت (ع).
 الباحث في فلسفة العلوم كارل بوبر في كتابه (بؤس الأيديولوجيا) يتعرض بالنقد الشديد لمذهب التاريخيين الذي يؤيدون مثل هذا الرأي، ولو على نحو الإجمال (الرأي القائل بثبات السنن التاريخية)، حيث يقول: (يتأثر التاريخُ الإنساني في سيره تأثراً قوياً بنمو المعرفة الإنسانية، وهذه المقدمة لا بد من أن يسلم بها حتى أولئك الذين يرون في أفكارنا، بما في ذلك أفكارنا العلمية، نتاجاً عرضياً لنوع من التطور المادي، وبما أنه لا يمكن لنا بالطرق العقلية أو العلمية، أن نتنبأ بكيفية نمو معارفنا العملية.. إذن فلا يمكننا التنبؤ بمستقبل سير التاريخ الإنساني)؛ ولكن هل تمثل وجهة النظر الفلسفية هذه، أي شيء يذكر بالنسبة للثقافة الغربية؟ بالتأكيد إن الإجابة بالنفي لا تحتاج إلى كثير من العناء، بعد أن سيطرت الأفكار المستقبلية على النسق الفكري الغربي، كما حصل من بزوغ نجم (فرنسيس فوكوياما) في سماء المشهد الثقافي الأمريكي، بكتابه المثير للجدل (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) 1992، الذي عرض فيه لرأيه بأن: التاريخ قد انتهى فعلاً، وان سفينة المستقبل قد رست أخيراً على اتخاذ النموذج الديمقراطي الليبرالي كطرح أخير، يتلائم مع متطلبات البشرية، ولا يقل عن هذا الكتاب شهرة، كتاب صاموئيل هنتنجنتون  (صدامُ الحضارات) 1993، الذي بشر فيه إلى صدام مقبل بين الكتل البشرية المتلونة ثقافياً، وهذا ما حدث فعلاً بعد عشرة أعوام من صدور الكتاب؛ ومع أن الكتابين يتعارضان من حيث الطرح، إلا أن كليهما ينطلقان من نفس المنطلق، في محاولة لفهم تاريخ المستقبل، وهذا ما حدا بفوكوياما الى اصدر كتابه الأخير حول (المستقبل ما بعد البشري)، بعد أن تبيّنت مخاطر استمرار هندسة الوراثة في التطور.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157486
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28