• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فلسفة تصميم المستقبل الجزء الثاني .
                          • الكاتب : احمد العبيدي .

فلسفة تصميم المستقبل الجزء الثاني

 يبدو أن عبارة: (لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين)، هي عبارة عميقة، وتستوعب تفاصيل دقيقة، فهي تحريك للعقل، للعمل وفق أسلوب جديد في التفكير لحل المشكلات، هذا الأسلوب الكوني يمكن أن يدعى (اسلوب الاحتمالات). وبالعودة للفيزياء الكوانتية، فإنها تقرر أن الجسيم قبل عملية الرصد، لا يوجد بشكل جسيم أو موجة، يسير في مكان غير معلوم لنا، وعملية رصدنا هي من تحدد كيف سيسلك الجسيم في المستقبل فقط، ولكنها تؤكد أن الجسيم قبل الرصد موجود بشكل حزمة غير متناهية من الاحتمالات التي تستوعب كل الكون، أو بشكل موجة احتمالية كونية، تجعلنا لا نعلم مكان الجسيم، هل هو قريب أم بعيد في الجهة المقابلة من الكون، قبل عملية الرصد..
 وهكذا فأن عملية الرصد، هي من تعمل على هدم الموجة الاحتمالية الكونية، والإبقاء على احتمال واحد فقط، وهو الشكل النهائي الذي يظهر به الجسيم. وبالرغم من أن الفيزياء الكوانتية، لا تعطينا معلومات دقيقة عن كيفية حصول ذلك، ولكنها تكشف لنا عن واقع مدهش (فالتفسير لا يقول أن الجسيم يملك مكاناً محدداً، لكننا لا نعرفه فقط، بل بالأصح يقول أن الجسيم لا يمتلك مكاناً محدداً إلا حين نقيسه!، وهذا بالحقيقة يبين لنا مدى غرابة واقع الكون في عمقه واختلافه عن حياتنا اليومية، فما يعنيه هذا التفسير، أننا حين نقيس الجسيم، لا نقوم بقياس أمر موضوعي موجود بالأساس في العالم الحقيقي، بل أن فعل القياس ذاته، هو الذي يقوم بصنع الواقع الذي يرصده، أن ما نقيسه لا يصبح موجوداً حقاً، إلا حين نقيسه فقط!).
 إن منهج الاحتمالات هذا، يؤكد كيف كان الأنبياء والأولياء، يحملون علوماً كونية، بقدرة تصل إلى معرفة كل الاحتمالات الممكنة، لمسيرة التاريخ الإنساني؛ ورحلة الإسراء والمعراج، تؤكد أن الرسول (ص) قد استطاع أن يخترق أبعاداً أكثر وأوسع، بعد أن وصل إلى مركز الذاكرة الكونية، واطلع على جميع صور الاحتمالات الموجودة بالكون.. من هذا المنطلق، كان الأئمة (ع) يؤكدون في أحيان كثيرة، علمهم بالغيب، ولكنهم يمتنعون عن الكلام به، كما قال أمير المؤمنين (ع): لولا آية في كتاب الله، لأخبرتكم بما كان، أو يكون الى يوم القيامة، أي أن الإمام انفتحت بصيرته على الذاكرة الكونية المستقبلية، التي هي عبارة عن مليارات من الاحتمالات، ولكنه لا يستطيع التصريح بما يعرف؛ لأن تطبيق واحد من تلك الاحتمالات، متوقف على عمل الإنسان نفسه.. هكذا نخلص إلى أن الإنسان هو من يملك مفاتيح المستقبل، وتقع عليه مسؤولية بنائه، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأنفال: 53، وقوله تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً) الجن: 16.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=157377
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19