• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أجهل الجهال.. في خلافة أحكم الحكماء! : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى .
                          • الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي .

أجهل الجهال.. في خلافة أحكم الحكماء! : سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كان البحث في شركة عليٍّ عليه السلام في أمر ودور الخاتم صلى الله عليه وآله، ووصل البحث إلى أن أمر الخاتميَة تلاوة آيات الله تعالى، وتزكية النفوس، وتعليم الكتاب والحكمة، وذلك بنص القرآن الكريم ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (الجمعة2)، وقد اتّضح إلى حدٍّ ما ما هو الكتاب.
 
أما الحكمة: فقد عرّفها الحكماء أنها عبارة عن العِلم بحقائق الأشياء على قدر الطاقة البشرية.
 
وقسموا الحكمة إلى قسمين: الحكمة النظريّة والحكمة العمليّة.
وقسموا النظريّة إلى قسمين: الإلهيّات والطبيعيّات.
وقسموا العملية إلى ثلاثة أقسام: تدبير النفس، تدبير المنزل، تدبير المدن.
 
هذا تعريف الحكمة وتقسيمها برأي الفلاسفة.
لكن المرجع هو القرآن هنا أيضاً، فما هو قدر الحكمة فيه؟
إنّ الحكمة في القرآن تختلف عن الحكمة التي عرّفها الحكماء.
 
فالحكمة في تعريف الحكماء هي العلم بالحقائق بقدر الطاقة البشرية، ولكنَّ طاقة البشر من الجهة الفكريّة والعقليّة محدودةٌ جداً، ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (الإسراء85).
 
أمّا حكمة القرآن فهي عبارةٌ عن نيل الحقائق كما هي عليها، والوصول إلى واقع الكائنات ومبدأ ومنتهى الوجود.
 
وتعبيرات القرآن عن الحكمة كاشفةٌ عن عظمة المطلب، فإذا طالعنا القرآن وجدنا أن استعمال اسم الله تعالى في أغلب الموارد كان مقروناً بأنه: عزيزٌ وحكيم، فالعِزَّةُ هي جانب القدرة الإلهية، والحكمة هي جانب العلم الإلهي.
 
ثم وُصِفَت التجليّات العلمية لله تعالى بعنوان الحكمة، فإن التجلي العلمي للحقّ هو القرآن الكريم: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ هذا مقام الحكمة بوصف الله تعالى ووصف كتاب الله الأعظم.
 
ولا تنتهي المسألة بهذا، فعندما يصل الله تعالى لمتاع الدنيا يقول لنبيه صلى الله عليه وآله أنه قليل: ﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ (التوبة38).
 
هذه الدنيا التي لم يُعرَف أولها وآخرها، هذه الدنيا التي تضمّ كل تلك المجرّات والكواكب ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾، هذه الدنيا مع هذه العظمة بكل كواكبها ومجراتها قليلةٌ بتعبير القرآن.
أما عندما يصل للحكمة فإنه يعبّر: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾ (البقرة269).
 
فإنّ الحكمة ليست متاحة لأيٍّ كان، حيث يؤتاها من يشاء الله.
تلميذُ ابن سينا حكيمٌ بالحكمة البشرية، ومَن كان لديهم استعدادٌ للدخول في الفلسفة يصبحون فلاسفةً دون قيدٍ وشرط، وعندما يطلب أحدٌ حكمة المشّائين، يصبح حكيماً بالحكمة البشريّة، أما الحكمة في القرآن فليست كذلك.
فإنّ مَن تتعلق مشيئة الله بإعطائه الحكمة يُعطاها، لا أيّاً كان.
 
قال تعالى هناك ﴿مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ﴾ وقال هنا ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
هذه التعبيرات تشيرُ إلى حقيقة الحكمة في القرآن.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لله﴾ (لقمان12)
فقد أعطى الله الحكمة للقمان، وهي ليست متاحة لأيٍّ كان.
 
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل125).
فأوَّلُ كلمةٍ هي الدعوة لسبيل الله بالحكمة، وما يحيِّرُ العقل: ﴿وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ (النساء113).
 
أيُّ حكمةٍ هذه التي قال عنها الله تعالى أنّه أنزلها على النبي صلى الله عليه وآله، وعلّمه ما لم يكن يعلم؟! لم تكن لتصل إلى ذلك العلم، ونحن أوصلناك إليه، وكان فضل الله عليك عظيماً، هذه هي الحكمة في القرآن.
 
وبعد أن عرفتَ ما هي الحكمة، يتّضح لماذا كان شروع فعل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله تلاوة آيات الله، وكان ختمه الحكمة، فهذا المبدأ وهذا المنتهى.
هكذا نص القرآن: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الجمعة2).
 
ولم يكن الرسول غير خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، وكان أوّلُ أفعاله تلاوة الآيات، ثم تزكيتهم ثانياً، ثم تعليم الكتاب ثالثاً، ثم تعليم الحكمة رابعاً، وتم أمره بهذا.
 
هنا ينبغي أن يُحاكَم جميع أئمة أهل السنة:
 
هل أمرُ النبي صلى الله عليه وآله محصورٌ بزمنه صلى الله عليه وآله أم مستمرٌ دائماً؟ وأمره يتضمن تعليم هذه الحكمة والكتاب الذي فصلنا الكلام حوله في البحث السابق.
يجب أن يجيبوا على ذلك لكل العالم.
إذا كان منحصراً بذلك الزمان، فماذا يعني قوله تعالى : ﴿لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المُؤمِنِينَ﴾؟
أوهل كان المؤمنون منحصرين بذلك الزمان؟
 
لقد نص القرآن أن الله مَنَّ على المؤمنين بإرسال النبي صلى الله عليه وآله ليتلو عليهم الآيات ويصفي نفوسهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة.
 
هل يعقل أن يكون محصوراً بزمان خاص؟
هل يبقى بعد النبي صلى الله عليه وآله أم لا؟
 
إن قلتم نعم، فمن هو معلِّم الكتاب ومعلم هذه الحكمة؟
هذا سؤالٌ ينبغي على مثل الفخر الرازي أن يجيب عليه.
 
هل معلِّمُ هذا الكتاب هو عمر بن الخطاب؟ إما نعم وإما لا.
البحث علميٌّ وليس خطابيّاً.. البحث برهانيٌّ.
 
أنت الذي تعتقد بأن عمر قد جلس محلَّ النبيّ الذي هو معلِّمُ الكتاب والحكمة: هل ترى أن لعمر صلاحية تعليم هذا الكتاب وهذه الحكمة؟
 
إن لم تكن عنده هذه الصلاحية فهو غاصبٌ بالضرورة، واعتقادك باطل.
 
وإن كانت عنده الصلاحية، فهل هو معلِّمُ هذا الكتاب والحكمة؟!
هذا البحث يُعَجِّزُ العامة ويُفقِدُهم كلّ حجة، بهذه الطريقة وهذا المنطق.
 
إن بين أعيان علماء العامة اختلافٌ، بعضهم يقدِّم صحيح البخاري ثم صحيح مسلم، وبعضهم يقدِّم صحيح مسلم ثم يعدُّ البخاري ثانياً، وفي هذا المطلب بحثٌ، لكنهم مجمعون على أنّ ما في صحيح مسلم وما في صحيح البخاري سُنَّةٌ مُسَلَّمة، وهذا اعتقاد كافة مذاهب العامة وعلماؤهم.
 
ونحن ننقل حديثاً عن مسلم في صحيحه (ج1 ص193)، يرويه بأربع طرق، وطرق الحديث أيضاً تختلف، فتارة يُروى حديثٌ في صحيح مسلم بطريقٍ واحد، وهو حجّةٌ، ورَدُّهُ رَدٌّ على النبيّ صلى الله عليه وآله عند كلّ العامة، وإذا روي الحديث بطريقين تضاعفت حجيته، وإذا روي بثلاثة.. وإذا روي بأربعة.. فبأيِّ حَدٍّ من الاعتبار تكون مثل هذه الرواية؟
 
أما متن الحديث: أنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ: هل للفخر الرازي قدرةٌ على الجواب على هذا التحقيق الذي نذكره في فقه الحديث؟
أولاً: متى حصلت هذه الواقعة؟ عندما جلس عمر على مسند الخلافة بعد وفاة أبي بكر.
 
فَقَالَ إِنِّى أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ: هذا في صحيح مسلم، هل يا ترى هناك جاهلٌ كهذا من أجهل الجُهَّال؟
 
كلُّ مسلمٍ يعلم أن الصلاة لا تسقط بالجنابة، فإلى هذا الحد يكون خليفة النبي جاهلاً؟
 
ألا تخجلُ أيها الفخر الرازي؟ تقول أنّ عمر خليفة النبي صلى الله عليه وآله؟ وهو معلِّمُ الكتاب والحكمة مكان النبي صلى الله عليه وآله؟
فَقَالَ عَمَّارٌ: أفتى عمر، لكن شخصاً قام، وهو عمار بن ياسر، وقال:
أَمَا تَذْكُرُ: والمسألة الثانية المحيّرة هي قوله له (أما تذكر؟)،  هل نسيت؟
أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: وهذا الدليل على ما قلتُه أنَّهَا كانت وقت خلافته.
 
إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِى سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ: كلامٌ مُحَيِّرٌ! مسلمُ بنفسه ينقل هذه الرواية بأربع طرقٍ ثم يعتقد بخلافة هذا الرجل! بأيِّ عقلٍ وبأيٍّ منطق؟!
 
وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِى التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: نذكره كما هو لأنه متن حديث عندهم.
 
إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ: هذا أمرُ النبيّ صلى الله عليه وآله، وأنت الذي تقول للرجل لا تصلِّ لأنه جُنُبٌ، ألم تسمع بنفسك هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وآله؟
من المعلوم أنّه سمعه، ومع أنّه سمعه يقول للرجل: لاَ تُصَلِّ!
 
أيُّ توجيهٍ لهذا الكلام؟ هل لكلّ علماء العامة قدرة الجواب على ذلك؟ هل يحقُّ لمن كان على هذا الحدِّ من الجهل وقلّة التقوى أن يجلس محلَّ من قال فيه تعالى ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾؟!
 
فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ الله يَا عَمَّارُ: وهذا يحيِّرُ العقل، هَدَّدَ عمّاراً، فبَدَلَ قبول قوله هدَّدَه حيث قال: اتَّقِ الله يَا عَمَّارُ
 
وما يحيِّرُ العقل قوله:
قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ: إذا كنت تتأذى من ذلك أسكُتُ ولا أحدِّثُ هذا الحديث لأحد.
 
هل  هذا هو الدين؟
لا تنتهي المسألة هنا، فبرهان بطلان كل مذاهب السنّة في العالم في هذا الحديث.. والتتمة تأتي إن شاء الله.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155709
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18