• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ليلة القدر.. ليلة (آل محمد) ! .
                          • الكاتب : شعيب العاملي .

ليلة القدر.. ليلة (آل محمد) !

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قُدِّرَ فِيهَا وَلَايَتِي قَبْلَ أَنْ خُلِقَ آدَمُ (ع) بِأَلْفَيْ عَامٍ !!
 
روايةٌ عن أمير المؤمنين عليه السلام، ينقلها الشيخ الصدوق رحمه الله في فضائل الأشهر الثلاثة (ص108).
 
تُعطي هذه الروايةُ بُعداً لليلة القدرِ يتجاوز تقدير أعمالِ العباد فيها في أيامنا وسِنِيِّنا هذه، إنّها ليلةٌ قدَّرَ الله فيها مِن قَبلُ ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فكان بها تمامُ الدين، وصارت مُذ ذاك مِعيارَ قبول الأعمال.
 
عن الإمام الصادق عليه السلام:
بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلَايَةِ.
 
قَالَ زُرَارَةُ: فَأَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ ؟
فَقَالَ: الْوَلَايَةُ أَفْضَلُهُنَّ، لِأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِن‏ (المحاسن ج1 ص286).
 
فالوالي هو الإمام، وهو الطريقُ لكلِّ عِبادةٍ، لأنّه ينطق عن الله تعالى، والولاية أفضَلُ كلِّ شيء ومفتاح كلّ عبادة، فَحَقَّ أن تُقَدَّر قبل خلق آدم، وساغَ أن تقترن ليلة القدر بولاية عليّ بن أبي طالب !
 
ولمّا كانت حجة الله التامّة سابقة للخلق: الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ، وَمَعَ الْخَلْقِ، وَبَعْدَ الْخَلْقِ (الكافي ج‏1 ص177).
صارَ تقديرُ الولاية كذلك مُتقدِّماً على الخلق، وكان ذلك في ليلة القَدر قبل خلق آدم..
 
أفلا تكون هذه الليلةُ (ليلةَ الولاية العلوية) ؟!
 
وإن كانت كذلك.. فلا عَجَبَ أن تتَنَزَّلَ الملائكة فيها على إمامها وإمام ليلتها، فهي لَه وَلِبَنيه من بَعده، حتى إمامنا الحجة عليه السلام.
 
لقد روينا بسندٍ صحيح عن داود بن فرقد أنّه سأل الإمام الصادق عليه السلام (إلَى مَنْ) تتنزل الملائكة في ليلة القدر؟
 
فقال عليه السلام:
إِلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ ؟!
إِنَّ النَّاسَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَمَسْأَلَةٍ، وَصَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِي شُغُلٍ، (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) إِلَيْهِ بِأُمُورِ السَّنَةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِهَا مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ لَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ (بصائر الدرجات ج1 ص220).
 
وفي قوله عليه السلام: (إِلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ ؟!) إشارةٌ في غاية اللطافة، أفهَل تسألُ يا فرقد إلى من تتنزل الملائكة ؟! وهل هناك أحدٌ تتنزل عليه بذلك سوى خليفة الله في أرضه وحجته على عباده ؟!
 
الأخبارُ في هذا المعنى كثيرةٌ، عبّرت عن الإمام تارة بـ (صَاحِبِكُمْ)، وأخرى بـ (صَاحِبِ الْأَرْضِ)..
وورد في النصوص قولهم: إِنَّا لَا يَخْفَى عَلَيْنَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَطُوفُونَ بِنَا فِيهَا.
وأنّ ليلة القدر خاصة بهم عليهم السلام: لَيْلَةَ الْقَدْرِ خُصِصْنَا بِبَرَكَتِهَا لَيْسَتْ لِغَيْرِنَا.
 
لكنّ اللافت أنّ هذه العقيدة كانت من الوضوح إلى درجةِ أن يصير الجاهلُ بها (عاجزاً أو ضعيفاً أو أحمقاً) عند الإمام عليه السلام !!
 
ففي الخبر الصحيح أنّ الإمام عليه السلام لمّا بيّن نزول مقادير السَّنَة إلى الأرض في هذه الليلة سُئِلَ عليه السلام: إِلَى مَنْ ؟
 
فَقَالَ: إِلَى مَنْ تَرَى يَا عَاجِزُ، أَوْ يَا ضَعِيفُ ؟! (بصائر الدرجات ج1 ص221).
 
فاقترن الجَهلُ بحقيقة من تتنزل عليه الملائكة بالعَجز أو الضعف، عَجزٌ عن إدراكِ شيءٍ من فضلِ هذه الليلة العظيمة وارتباطها بآل محمد عليهم السلام، وضَعفٌ في العقيدة التي ينبغي أن تكون أصلبَ من الجبال الرواسي وأوضح من الشمس في رابعة النهار.
 
ومَن ضيَّعَ العقيدة حالَ كونها بين يديه كان أسوأ من ذلك، ففي روايةٍ أخرى عنه عليه السلام: إِلَى مَنْ تَرَى يَا أَحْمَقُ ؟
 
فصار بَعضُ الجُهّال بذلك حمقى، لأنَّ الأحمق يريد أن ينفعك فيضرُّك، لكنّ هذا الأحمق أضرّ نفسَه حين بَلَغَ في الجهل منتهاه، لمّا صار نبعُ آل محمد الطاهر بين يديه، لكنه أعرَضَ عنه مستبدِلاً ماءهم الطاهر بالجهل والضعف والعجز.
 
فلا يُعتنى لما قيل من أنّ رواياتِ تَنَزُّل الملائكة على الإمام ضَعيفةُ السند، حيث ترجع في كتاب الكافي الشريف إلى (الحسن‏ بن ‏العباس بن ‏الحريش) وهو ضعيف.
 
لأنّ الروايات لا تقتصر على ما ذكره الشيخ الكليني، وإن نَقَلَ رحمه الله روايات (الحريش) هذه، فإنّ هذه العقيدة ثابتةٌ بأدلةٍ لا تقبل النِّقاش، ومَرويةٌ بأسانيدَ صحيحة كما في بصائر الدرجات، وموافقةٌ للكتاب وأحاديث آل محمد عليهم السلام، وقد قامت القرائن على صحتها، وصارت موردَ قبولٍ عند الشيعة الإمامية.
 
بل روي عن الصادق عليه السلام أنّ من قامت عليه الحجة في ذلك بنَقلِ مَن يَثِقُ به ثم أنكر ما يتنزل على الأئمة في ليلة القدر فهو كافر !
فعَنه عليه السلام:  أَمَّا إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ من [مِمَّنْ‏] يَثِقُ بِهِ فِي عِلْمِنَا فَلَمْ يَثِقْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ! (بصائر الدرجات ج1 ص224).
 
وأما من لم تقم عليه الحجة فهو في عُذرٍ، لكنّ الجحود والإنكار بابٌ من أبواب الردّ عليهم وتكذيبهم عليهم السلام، أعاذنا الله من ذلك.
 
إذاً.. ما صارَ الشيعة من أهل الغلوِّ لمّا عدُّوا ليلة القدر ليلَتهم ! ولا من أهل المبالغةِ في معرفةِ قدر إمامهم، بل أقروا بالتقصير والقصور، فمعرفةُ الإمام أعظَمُ من أن تُحيط بها العقول.
 
وهذه الليلة ليلةُ وِلاية إمامهم، لَيلةُ قبول الأعمال، وتقدير الأرزاق، ولكنّ الأعمال لا تُقبلُ ممن لم يؤمن بالولاية، فعن الصادق عليه السلام في (الإمام): وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِه‏ (الكافي ج1 ص203).
 
بهذا عَرَفَ الشيعة أنّهم المقبولة أعمالهم، وأن ما ينزل في هذه الليلة إنّما ينزل على إمامهم، المشفق عليهم، المحيط لهم برعايته.
 
فأيُّ خوفٍ يصيب الشيعة بَعدُ، ومقادير السماء تتنزل إلى مولاهم ؟!
فهي ليلة الأئمة من (عَليٍّ) حتى (المهديّ) عليهم السلام..
 
فلو أطبقت السماء على الأرض، لجعل الله لهم على يدي إمامهم فرجاً ومخرجاً، فكلّ ما يجري عليهم بِعَين الله صائرٌ، والإمام هو عينُ الله ! وهو يدُ الله الباسطة، وباب الله الذي منه يؤتى..
به نتوجه إلى الله في ليالي القدر وسواها، بقلوبٍ خاضعة خاشعة مطمئنة..
 
لا يؤرقها إلا معاصٍ نقترفها نسأل الله منها التوبة، وغيبة وليٍّ نسأل الله له تعجيل الفرج، ويصبرُ الشيعة على ما سوى ذلك، عسى أن يكونوا ممن يوفيهم الله أجورهم.. بغير حساب.
 
والحمد لله رب العالمين
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155158
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28