• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ظلامة سيد الاوصياء (ع) بلسانه .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

ظلامة سيد الاوصياء (ع) بلسانه

١-في المدينة المنورة

-----------------

🔹لم يكن يرى لنفسه ألماً او يرى عليها جوراً رغم تعرضه لهما مادام رسول الله (صلى الله عليه وآله) موجوداً وسالماً، وهو الفادي له بنفسه يوم الهجرة بكل اطمئنان وتسليم.

لم يكن ليأبه بتآمر حاقد من المنافقين او حاسد منهم مادام برفقة معلمه العظيم.

كان رسول الله يملأ عليه حياته فلا يجد لنفسه هماً سوى نصره وخدمة دينه القويم.

كان ينعم برحمة النبي منذ صباه، وهو القائل في ذلك:

"وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه" (نهج البلاغة: خطبة ١٩٢)

ذاك هو الوصي علي (عليه السلام) ربيب النبي وحبيبه واخيه وابن عمه والمختص به وهو القائل باختصاصة بالنبي(صلى الله عليه وآله):

"ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلى الله عليه واله)، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ " (نهج البلاغة: الخطبة 192).

 

🔹كان يعيش الطمأنينة بكنف النبي وهو يرى وجهه يشرق عليه كل يوم، حتى جاء يوم الفراق وغربت شمس تلك الرحلة الطويلة، فقال الوصي راوياً لنا لحظات فراق النبي:

"وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي" (نهج البلاغة: الخطبة 197)

منذ ذلك اليوم الذي اغمض فيه النبي عينه، فتح النفاق شرّه، موجهاً سهامه لنفس رسول الله.

 

🔹الآن وقد احس علياً بالظلم، لا لذات إمرةٍ او رئاسة يسعى اليها وأُخِذت منه بل للتعدي على مقام وضعه الله ومن ثم رسول الله فيه، فكانت بداية لانحراف الخط عن مساره الاكمل، وبداية فرقة ستحصل للمسلمين، وهو يرى اتعاب النبي وجهاده تتعرض لمحاولة اغتيال، باقصاء وصيه المنصوب من قبل السماء كضامن لصيانة هذه الاتعاب وهذا الجهاد، والاستمرار في جني ثمرات هذه الرسالة العظيمة على الوجه الاكمل الخالي من الخدوش والاورام.

ولم تكتف زمر النفاق ورموزه بسرقة حق الوصي، بل تعدت الى انتهاك حرمة بيته، بيت بضعة النبي، وارتكاب فاجعة الاعتداء الاثيم عليها بكسر ضلعها ولطم عينها واحراق باب بيتها.

تلك الجريمة المروعة وذلك النكران الفضيع لجميل النبي كان بمرأى ومسمع من ذلك الوصي المفجوع المقيد بتكليفه الشرعي بعدم المواجهة باليد.

هذه الظلامة جرت على لسان الوصي (عليه السلام) في يوم دفن الزهراء (سلام الله عليها) مستذكراً برحيلها رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي فارقه قريباً فاجتمعت عليه مصيبتان يرويها لنا بهذه الكلمات:

"السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ هَذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ." (نهج البلاغة: الخطبة 202)

كمية الالم التي في النص لا تحتاج الى تعليق، فيكفي ان نتأمل هذه العبارة القصيرة التي فيها مافيها من الظلامة: "وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ"

 

🔹وتوالت ظلاماته بعد ذلك، وقد وثقها بلسانه في عدة مواضع لعل اشهرها ما ذكره في خطبته المعروفة بالشقشقية.

فلنصغي الى علي (عليه السلام) وهو يروي لنا صبره على ظلامته باغتصاب حقه بتلك الايام مع الغاصب الاول حيث قال:

"فَصَبْرَتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذىً، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا، أَرى تُراثِي نَهْبًا "

هذا التصوير يقف الانسان مفجوعاً امامه، تعبير يفيض بالألم، تأملوا: عين يقع فيها شي ويبقى لا يخرج، هل يستقر الانسان من المها؟!! حلق ويعترض فيه عظم ويبقى معترضا هل يهدأ معه الانسان؟!!

هكذا كان صبر سيد الاوصياء في تلك المحنة.

ولنصغي له مجددا وهو يعبر عن حاله في فترة الغاصب الثاني:

"فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ"

فلم تكن محنة فقط بل محنة شديدة مع طول بقائها، والله العالم بمقدار الالم الذي في نفس الامام بحيث عبر عنه بشدة المحنة.

وقبل ان يفارق هذا الغاصب الحياة، كان قد صَيَّر الامر في جماعة يصفهم الامام ويصف موقعه منهم :

" حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ. جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَى هذِهِ النَّظَائِرِ لكِنِّي أَسْفَفْتُ إذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا.

فَصَغَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَن، إلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِهِ وَمُعْتَلَفِهِ. وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضِمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ فَتْلُهُ. وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُه"

فاي ظلامة ان يُوضع الامام الوصي بين هذه النماذج، وماهو مقدار الحسرة المتصورة لهذه العبارة: "مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَى هذِهِ النَّظَائِرِ" ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فلما عزموا على منح حق الوصي الى الغاصب الثالث قال الوصي في كلام آخر له: "لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ." (نهج البلاغة: الخطبة 74)

وقال في كلام آخر بعد مهزلة الشورى المخطط لنتيجتها مسبقاً:

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَأَكْفَئُوا إِنَائِي وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي ... فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ." (نهج البلاغة: الخطبة 217)

فلله درك يامن لم يكن فيها جور الا عليك خاصة. وانت تقدم مصلحة الاسلام على الانتصار لظلامتك.

 

🔹ومن ظلاماته (سلام الله عليه) اتهامه بقتل عثمان بن عفان من قبل الناكثين، ففي كتاب له الى طلحة والزبير، قال:

"وَقَدْ زَعَمْتُما أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمانَ، فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِىءٍ بَقَدْرِ مَا احْتَمَلَ" (نهج البلاغة: الكتاب 54)

انظروا حجم الظلامة وهو يحاول ان يدفع الناكثين عن الاستمرار في تمردهم تجنبا للحرب، بحيث يقترح عليهما ان يكون اهل المدينة حكماً بينه وبينهما لتحديد فيما اذا كان صادقا او لا !!!

بعد هذا العمر وهذه المنزلة يتهم بالقتل غيلة، فاذا قال اني بريء يكذبونه، وممن؟ من شخصين كان احدهما ابن عمته وكان ناصراً له فيما مضى !!

 

🔹ورحم الله تعالى مهيار الديلمي حين انشد:

أطــاع أولـهـم في الغـدر ثـانـيـهـم

و جـاء ثـالـثـهـم يـقــفــو و يـتـبـع

واسـألهم يـوم (خم) بعـد ما عـقـدوا

له الولايـة لِم خانـوا ولِم خلعـوا ؟!

قـول صحـيـح ونـيـات بـهـا نـغـل

لا ينفع السـيف صقـل تحتـه طـبع

إنـكـرهم يا أمـيـر المـؤمنـيـن لهـا

بعـد اعـتـرافـهـم عار بـه ادرعـوا

ونـكـثـهم بـك ميـلاً عن وصـيـتهم

شرع لعـمرك ثان بعده شـرعوا

تـركت أمراً ولـو طالـبـتـه لدرت

معاطـس راغـمته كـيـف تـجـتـدع

صبرت تحفـظ أمر الله ما اطرحوا

ذباً عن الدين فاسـتيقظت إذ هجعوا

لـيـشــرقـن بـحـلـو الـيـوم مـر غـد

إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا

 

٢-في الكوفة

---------

🔹قال أمير المؤمنين(عليه السلام):

"أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الله لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ" (امالي الشيخ الطوسي: ص٨٥)

هذا الحديث ذكره الفريقان، و وجوده في مصادر العامة اكثر من مصادر الخاصة.

هذا النص لوحده يكفينا في فهم مظلومية الوصي (عليه السلام) والتي سنرى شيئا يسيراً منها بلسانه فيما عاناه في فترة حكمه بالكوفة، يضاف الى ما مَرَّ سابقاً من ظلامته في المدينة طوال حياته فيها بعد رحيل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله).

 

🔹ولنبدأ بأمثلة حثه للناس على الجهاد، فهذا تصريح من الامام(عليه السلام) بظلامته لفظا ومعنى حيث قال:

"وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا أَ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ وَعَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ أَتْلُو عَلَيْكُمْ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا... صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ." (نهج البلاغة: الخطبة 96)

 

🔹وقال ايضاً في نص مؤلم لقلب كل موالٍ وهو يتصور حالة الالم والغضب التي تطفح بها كلمات الامام(عليه السلام):

"فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَم أَرَكُم وَلَم أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْي لِمَنْ لَايُطَاعُ." (نهج البلاغة: الخطبة 27)

 

🔹وظلامة اخرى من نوع آخر فريد، حيث يدعوهم لرد اعتداء من جيش معاوية على احدى المناطق التي لا تستوجب خروج الامام بنفسه، فيسكتون في بادئ الامر، فيقول الامام لهم:

"مَا بَالُكُمْ أَ مُخْرَسُونَ أَنْتُمْ ؟!"

فيقوم اليه احدهم وبكل وقاحة يقول له: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ "

فيجيبه الامام عليه السلام:

"مَا بَالُكُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَلَا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ أَ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَالْمِصْرَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَجِبَايَةَ الْأَرْضِ وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرَ فِي حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ... هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ، وَاللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ وَلَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَطْلُبُكُمْ ماإخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ" (نهج البلاغة: الخطبة 118)

هذه الجرأة وسوء الادب والشرط على الامام بانهم لا يخرجون الا ان يخرج هو معهم، ماكانت لتحدث مع حاكم ممن سبق الامام لانهم يعرفون البطش الذي سيلاقيهم.

وليس حادثة العبد الصالح مالك بن نويرة (رحمه الله) ببعيد، لم يفعل شيئا لغاصبي الخلافة سوى انه امتنع عن دفع الزكاة الا للامام (عليه السلام) لانه هو الخليفة الشرعي بعقيدته، ففعلوا به ما فعلوا من قتل وتمثيل وانتهاك لعرضه.

اما الامام (عليه السلام) فانه مأمون الشر، فان غاية مايرد به هو الكلام والدفاع عن نفسه.

وكذلك ما فعلوه بأبي ذر(رحمه الله) فانه اشهر من ان نذكره.

والامام لم يكن ضعيفاً بل هو قادر على لجمهم وادخال الرعب في نفوسهم، وقد صرح لهم بذلك، حيث قال:

"وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقّ." (نهج البلاغة: الخطبة 68)

 

🔹وموضوع آخر تعرض فيه الامام (عليه السلام) لظلم مجحف من قبل جيشه، وهو مسألة التحكيم في صفين، فموقفه كان رافضا للتحكيم، لانه يعرف بانها خدعة، وان النصر قريب، فثار عليه قسم كبير من جيشه واجبروه على الموافقه بعد ان هددوه (عليه السلام) بالقتل، ولم يكن ليأبه بتهديدهم فهو علي، ولكن برفضه ستدب الفتنة في جيشه ويتفرقون ويتقاتلون فيكون الضرر برفضه اكبر من موافقته، فلما اضطر للموافقة اراد ان يكون طرف التحكيم الذي يمثله هو عبدالله بن عباس، لثقة الامام بانه لايخدع من قبل عمرو بن العاص، فخالفوه مرة اخرى وارادوا تنصيب ابي موسى الاشعري المنحرف عن خط الامام، فجرى ما جرى من خداعه، ثم بعد ذلك حملوا الامام الفشل الذي احدثوه هم بمخالفتهم للامام ؟!!!!

فهل يوجد مظلومية كهذه؟!!!

لنرى الامام (عليه السلام) كيف نطق وعبر عن مظلوميته تلك ببعض الامثلة:

فقال بعد اجباره على التحكيم:

"لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً وَكُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ" (نهج البلاغة: الخطبة 208)

فلما وافق على التحكيم وابلغ جيش معاوية بالموافقة جاؤوا الى الامام(عليه السلام)، وقالوا: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد!!!

فصفق الامام إحدى يديه على الأخرى ثم قال:

"هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ لَكَانَتِ الْوُثْقَى وَلَكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائِي كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ ..." (نهج البلاغة: الخطبة 120)

وبعد فشل التحكيم قال الامام (عليه السلام):

"الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ ... أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ ..." (نهج البلاغة: الخطبة 35)

 

🔹ونختم بهذا النص المفجع حيث الامام (عليه السلام) يشعر بغربة كبيرة في آخر ايام حياته بعد استشهاد المقربين منه واصحابه الخلص فصار يناديهم باسمائهم بلوعة تبكي الصخر الاصم

قال (عليه السلام):

"أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّريقَ، وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ؟ قال: ثمّ ضرب(عليه السلام) بيده إلى لحيته فأطال البكاء، ثمّ قال: أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ، وَأمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوه" (نهج البلاغة: الخطبة 182)

فكان حقاً له ان يصدع صوته بـ "فزت ورب الكعبة" فرحاً بلقاء ربه بعد هذه المعاناة التي لقيها صلوات الله تعالى وسلامه عليه.

وكان حقاً لاهل الارض ان يسمعوا تعزية جبريل(عليه السلام) لأمام عرفوا بعض حقه بعد حين بعد ان عاش غريبا بينهم: تهدمت والله اركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى.

 

ورحم الله تعالى السيد محمد جمال الهاشمي، حين قال:

رزء له الاسلام ضج وحادث

من وقعه قلب الهدى يتصدع

الله أكـبـر أي جــرم ذكـره

يدمي القلوب فتستهل الأدمع

يا ليلة القدر اذهبي مفجوعة

فلقد قضى فيك الامام الأنزع

 

فالسلام على شهيد المحراب أمير المؤمنين ومولى المتقين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا

واعظم الله تعالى اجوركم

 

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.

وأسألكم الدعاء




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154989
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19