• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عداوة الأزواج والأولاد .
                          • الكاتب : الشيخ مظفر علي الركابي .

عداوة الأزواج والأولاد

 كانت جلسة مع زملاء الدرس فتحدث أحد المشايخ عن علاقة الزوج بزوجته وبأولاده فقال : يجب أن نتعامل معهم على حذر ، فلا يعطي الزوجة والأولاد كل أسراره  ، لأن القرآن الكريم يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ } [التغابن : 14]

واقعاً استوقفني هذا الكلام واخذتُ أتأمل به حتى نسيت ما يدور في الحوار بيننا . 
لكن لم أكن مقتنعاً بهذا الكلام .
لذلك راجعت ُ الآية الكريمة التي استشهد بها ، والآية هي من سورة التغابن ، لكن أغلب حواراتنا عندما نستشهد بشيء من القرآن يكون موضع الشاهد مبتوراً ، لأن تكملة الآية فيها مفتاح لهذا الحذر . 
هذا من جانب .
ومن جانبٍ آخر يجب مراجعة التفاسير لمعرفة سبب نزول الآية وجو النزول حتى يمكن فهم مراد الآية .
وهناك جانب ثالث وهو حتى لو نزلت الآية في مناسبة ما  ( فخصوص المورد لا يخصص الوارد ) وهذه قاعدة قرآنية في التفسير .
وجانبٌ رابع دراسة سياق الآية وما يتقدمها وما يتأخر عنها من قرائن تحف بالآية وتساعد على فهم المراد منها . 
إضافة إلى قواعد عامة لا بد من معرفتها لفهم كلام الله وهي : 
١- معرفة المحكم والمتشابه
٢- معرفة الناسخ والمنسوخ
٣- معرفة المطلق والمقيد
٤- معرفة العام والخاص 
والنقطة الثالثة والرابعة ، هل الآيات المطلقة في القرآن لا بد التقييد من نفس القرآن لها ، أم أن أحاديث أهل العصمة يمكن أن تُقيد ذلك الإطلاق .
وهل كل عموم في القرآن لابد له من مخصص من نفس القرآن أم يمكن حديث المعصوم يخصص ذلك العموم . 
عموماً إن فهم مراد الله من الآية تحتاج إلى علم بالتفسير والى معرفة قواعد متعددة لابد لكل من يريد الخوض بها أن يرجع إليها . 
نرجع إلى صلب الموضوع إن سبب نزول الآية كما ( ذكر في تفسير القمّي في رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام في قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ } [التغابن : 14] وذلك أن ّ الرجل إذا أراد الهجرة تعلّق به إبنه وامرأته وقالوا : ننشدك الله أن لا تذهب عنّا فنضيع بعدك ، فمنهم من يطيع أهله فيقيم ، فحذّرهم الله أبناءهم ونساءهم ، ونهاهم عن طاعتهم ، ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ثمّ جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبداً. فلمّا جمع الله بينه وبينهم أمر الله أن يتوق بحسن وصله فقال : { وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التغابن : 14]
 إذا ً هذا هو سبب النزول 
أما هذه العداوة  فما هو سببها   يقول السيد الطباطبائي ( وسياق الخطاب بلفظ ( يا أيها الذين آمنوا ) وتعليق العداوة بهم يفيد التعليل أي إنهم يعادونهم بما أنهم مؤمنون ، والعداوة من جهة الإيمان لا تتحقق إلا باهتمامهم أن يصرفوهم عن أصل الإيمان أو عن الأعمال الصالحة  ) وهذه العداوة لها مظاهر عديدة 
١- فأحياناً يتعلقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة .
٢- وأخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم .
٣- وتظهر هذه العداوة أحياناً بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة .
٤- وحيناً آخر تظهر بسوء النيّة وخبث المقصد .
٥- أو أن يصرفوهم عن أصل الإيمان .
٦- أو أن يحملوهم على الكفر أو المعاصي الموبقة كالبخل عن الإنفاق في سبيل الله شفقة على الأولاد والأزواج .
٧- والغضب واكتساب المال من غير حله . 
فالله سبحانه يعد بعض الأولاد والأزواج  عدواً للمؤمنين في إيمانهم حيث يحملونهم على ترك الإيمان بالله أو ترك بعض الأعمال الصالحة أو اقتراف بعض الكبائر الموبقة وربما أطاعوهم في بعض  ذلك شفقة عليهم وحباً لهم فأمرهم الله بالحذر منهم . 
والأزواج هنا يعمُّ الزوج والزوجة ، كما أن الذين آمنوا يعمُّ الذكر والانثى ، فقد يكون الزوج عدواً لزوجته في سبيل الإيمان ، كما قد تكون الزوجة عدوة لزوجها في هذه السبيل .
وليس كلّ الأولاد ولا كلّ الزوجات كذلك ، لهذا جاءت ( من ) التبعيضيّة .
وعلى كلّ حال فإن الإنسان يصبح على مفترق طريقين 
فطريق الله
وطريق الأهل والأزواج
ولا ينبغي أن يتردد الإنسان في اتّخاذ طريق الله وإيثاره على غيره ، ففيه النجاة والصلاح في الدنيا والآخرة . وهذا ما أكدت عليه الآية ٢٣ من سورة التوبة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة : 23]
ومن أجل أن لا يؤدي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل ، نجد القرآن يوازن ذلك بقوله في ذيل نفس الآية : { وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التغابن : 14] فإذا ندموا واعتذروا والتحقوا بكم فلا تتعرّضوا لهم بعد ذلك ، واعفوا عنهم واصفحوا كما تحبّون أن يعفوا الله عنكم .
وكما يظهر من المعنى اللغوي فإن لغفران الذنب مستويات ثلاثة هي :
١- ( العفو ) بمعنى صرف النظر عن العقوبة .
٢- و ( الصفح ) في مرتبة أعلى ، ويراد به ترك أي توبيخ ولوم .
٣- و ( الغفران ) الذي يعني ستر الذنب وتناسبه . 
وبهذا فان الآية في نفس الوقت الذي تدعو الإنسان إلى الحزم وعدم التسليم في مقابل الزوجة والأولاد فيما لو دعوه إلى سلوك خاطيء تدعوه كذلك إلى بذل العفو والمحبّة في جميع المراحل وكلّ ذلك من أساليب التربية السليمة وتعميق جذور التديّن والإيمان في العائلة 
يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التغابن : 14]

المصادر :
١- تفسير الميزان ، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، ج ١٩ ، ص٣٢٠
٢- تفسير  الأمثل ، للعلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ،ج ١٨ ،ص ٢٤٧




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153888
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28