• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العمل تكليف وليس تشريف .
                          • الكاتب : علي حسن آل ثاني .

العمل تكليف وليس تشريف

كنا صغارًا ونحن على مقاعد الدراسة ننهل من ينابيع العلم الصافية، عودنا طريٌّ، ضحكاتنا ربيع يزين البيوت وينعش النفوس، أحلامنا إشعاع نوراني شفاف، أفراحنا حقول مفروشة بالورود والرياحين، ولما شب عودنا وانتفضت قاماتنا، اكتسبنا الكثير من المقولات والمفاهيم، اكتسبنا زادًا يفوق سنَّنا، اكتسبناه من البيت والحي والمدرسة والشارع والمجتمع بكافة شرائحه، التقطنا كالطيور كل كلمة تلامس أسماعنا نحترم الشيخ الكبير ونعطف ونرحم الصغير، لتعبر عميقًا وتمضي بخيلاء كي تجد مستقرّا لها في قلوبنا وعقولنا. كنا نُقبل على الحياة بنهم رغم صخبها وقساوستها في كل شئ إلا إنها كانت جميلة وبسيطة، لا ندير لها ظهرنا بل نتحصن بها، ولكن عندما وقفنا أمام مهمات الحياة ودخلنا معتركها بكل صلابة وقوة.
 ومعترك الحياة يدعوك لتوظيف ما اكتسبته وادخرته، بحثنا عن تلك المقولات التي مازالت تشع في أعماقنا، بحثنا عنها دون كلل، نقبنا عنها في مسامات الصحف والمنابر والأرصفة، استعنا بمواقف من درسونا وأعطونا بسخاء وحب، وجدنا متعة لا تجاريها متعة، وشعرنا بنشوة الوقوف والوجود أمام كل المعوقات التي تُرمى في طريقنا.
ولكن نقاء القلوب وصفائها تلك الايام كانا مبعثي التحدي والاستمرار رددنا الكثير مما حفظنا ومازلت اردده وأتوقف مليا أمام مدلولاته الواسعة العميقة،التي مازالت تحفر مسارها في طريق الحياة ،هذه الحياة في يومها هذه تحتاج الفارس نبيل ورجل واع لاينسى ماقاله وسمعه، بمعنى آخر ذاكرته ليست مثقوبة.ربما يسألني سائل! ما المقولة التي سوف تحدثنا عنها بعد كل هذا التمهيد؟وإني لأرد عليه.تركت الرد والتخمين لكم،وقد يقول آخر.في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف .
هذا الأمر يحتاج إلى تفسير،وهو يشغل تفكيرنا ونتعايش مع إحداثه كل يوم،ويدفع مجتمعنا ثمنه باهظاً ،ولكن هناك من يهمس في أذني قائلاً:بالأخلاق تبني الشعوب وترقى الأمم بمجتمعاتها،على قول الشاعر أحمد شوقي" وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا" .
نعم نترحم على أيام زمان تلك الأيام التي غرست في نفوسنا أنقى مثل هذه العبارات وأسمى المواقف النبيلة فأسأل ذاتي .
"العمل تكليف وليس تشريفاً"؟وإني ابحث عن مدلولها كل يوم وأثرها على النفوس ،فيلاحقني سؤال آخر:ماذا يبقى من الناس الذين نتسابق في تقديم الابتسامة العريضة لهم لو جردناهم من مكاتبهم وامتيازاتهم؟
وماذا يبقى من ذاك الذي تقلد وظيفته ليستر جهله وحماقته؟وراح يسًيرها لصالح نفسه ومن يلوذون به ونسى جوهر العمل؟وماذا يبقى من أميً أخذ من الطاولة مكاناً لتنوب عن جهله وتجاوزاته،وماذا يتبقى منه لو عريناه في وضح النهار؟لقد ظن نفسه عبقري زمانه. وانه يتفوق على الآخرين في الإبداع والنجومية والعمل المتقن والشخصية والهندام وعراقة النسب.
ويضع الآخرين في عروة معطفه ولا يشعر به أحد. ولماذا لا يعيش هذا الإحساس المريض وهناك من ينفخ فيه ويلمعه؟ وهو لا يعرف سوى أسماء الصحف والدوريات التي يتبادل معها لعبة المصلحة والمنفعة المشتركة؟ كلما تذكّرت هذه العبارة "العمل شرف وتكليف"، هذه العبارة التي يحلو للكثيرين وضعها على جدران مكتبهم، كلما تذكرتها شعرت بالألم؛ لأنها أضحت شعارًا لأصحاب النفوس المريضة الذين يضايقهم نجاح الآخرين، فلا ينافسونهم ولا يباركون عملهم بل يحسدونهم، وهم على مكاتبهم الجرداء يكاد الكرسي أن يلفظهم لثقل طباعهم وجمود فكرهم و سذاجة عقولهم وجفاء عبقريتهم.
 كلما قرأْتها ارتسم أمامي هيكل ذاك الأميِّ في العلاقات الاجتماعية والأدبية الذي لا يحسن رد السلام والتحية، وما إن تدخل عليه حتى تراه يحمل سماعة الهاتف وراح في حديث بعيد عن الوظيفة، يسأل عن مادة له وعن مكافأة وعن الخ.. وقد جلس وراء طاولة تراكمت عليها الأوراق والكتب والمجلات، تراه ولا تراه، تراه في وظيفته وقد استغل الطاولة ونصب من نفسه رجل شرطة، يفرض ما يريد ويرسخ ما يريد، ولا تراه إلا في مساحة ضيقة ملأى بالعفن، يحاول العوم فيها والانطلاق منها وليته يجيد العوم!
ماذا يبقى من أمثال هؤلاء لو جردتهم من وظائفهم ورميتهم في معترك الحياة والإبداع ليُثبتوا وجودهم؟ وأنا أقول له: إننا سنحتاج لمقبرة كبيرة لا تكاد تتسع لشبهاتهم وسرقاتهم، ولن تقدر على هضمهم في حفرها، وماذا يبقى من الكتابات عنهم لو جردوا من صفات لا علاقة لها بالإبداع؟ وهل سيبقى حماس السماسرة  نحوهم كما كانوا وراء طاولاتهم؟ أم أنهم سينقلبون عليهم ويتركونهم للبحث عن وافد جديد؟ كم من مدَّعٍ للأدب تورم وانتفخ وما عاد الكرسيُّ والمكتب يسعه، ولكنه لا يملك إلا الطاولة والوظيفة مؤقتًا؟ وكم من مشترٍ للأقلام الرخيصة وقد غاب عنه أن ما يكتب يمحى ولا يبقى إلا الإبداعُ الحقيقي الصادق؟
أرجوك يا صديقي أن لا تسألني عن اسم واحد منهم فعندها سوف ارشدك إلى برنامج "جائزة المليون" الذي سينصب جسرًا بين جسوره البراقة وجسرك الذي يعبره كل المشاة إلى صحيفتك التي خلّفها والدك لك ولجماعتك، وما تركت شيئًا لحميد أفعالك، والعمل الحسن الحميد ثروة تفوق كل مهارات الدنيا الزائفة.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15362
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28