• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العقل قبل النقل يدرك رعاية صاحب الأمر .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

العقل قبل النقل يدرك رعاية صاحب الأمر

مبارك علينا جميعاً نفحات هذه الايام الشريفة وذكرى ولادة بقية الله تعالى في ارضه وحجته على خلقه الحجة بن الحسن المهدي ارواحنا لتراب مقدمه الفداء

 @ من التوقيعات الواردة عن الامام (عليه السلام) توقيعه للشيخ المفيد(قدس سره)، حيث ورد في ضمنه:    ...نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، على إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الاعداء...    (الاحتجاج: ج2، ص323) 

@ ما جاء في هذا التوقيع الشريف، ان كان معناه غير واضح في عصر الشيخ المفيد(قدس سره)، والذي ولد بعد الغيبة الكبرى بتسع سنين، فهو الآن اشد وضوحاً وجلاءاً بعد (1113) سنة من بداية الغيبة الكبرى لصاحب الامر(عجل الله فرجه) حيث توالت جرائم الظلم والاضطهاد والابادة بحق الشيعة الامامية، من قبل الظالمين والمتجبرين والنواصب، وكلهم كانوا يستهدفون القضاء على هذه الطائفة الحقة واقتلاعها من الوجود كي لا يبقى لها عين ولا اثر، ولم يكن تحقيق هذا الهدف بحد ذاته بالامر المستحيل عقلا وتكويناً، ولا حتى بالمستعصي وقوعاً، بحسب الاسباب الطبيعية، فلم يكن في قيادة هذه الطائفة من البشر المتصدين الظاهرين امكانات ذاتية خارقة لنواميس الطبيعة او معاجز يوقفون بها الاسباب الطبيعية، لمواجهة العتاة والظلمة.</p>

@ نعم للحافز المعنوي اثر واضح في الصمود من قوة ايمان بالله تعالى، الى رسوخ في مبادئ الاسلام، الى ولاء خالص لخط اهل البيت عليهم السلام، كل هذا كان له دور كبير في حفظ هذا الخط الاصيل متمثلا بجهاد افراده علماء ومتعلمين وعوام، ولكن الدور الاكبر هو للرعاية الغيبية التي احاطت بتلك المواجهة سواء بالتضحيات المباشرة بالغالي والنفيس، او بالصبر والتقية والتزام توجيهات العلماء في التحديات الاشد خطورة 

@هذه المواجهة والصمود والصبر والتي تهاوت امامها كل مكائد الاعداء ماكانت لتنجح لولا هذه الرعاية الالهية، والتسديد الرباني، والتي لولاها لنجح الاعداء بمسعاهم كما نجحوا ونجح غيرهم في انهاء طوائف وجماعات اخرى مرت عبر العصور، ولازالت تخرج ويقضى عليها، وان عمرت عقوداً 

@ وكلمات التوقيع الشريف فيها تصريح واضح لهذا الدور الاكبر في نجاة هذه الطائفة من الذي اريد لها، فبعد ان يذكر(عليه السلام): انه غير مهمل لمراعاة الشيعة وغير ناسٍ لذكرهم، يذكر هذه القضية الشرطية (ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الاعداء)، وفيها تأكيد ان لولا هذه المراعاة، وهذا الذكر، لكانت النتيجة نزول (اللأواء) وهو شدة المرض، ومن الواضح ان شدة المرض هو مقدمة للموت في الغالب، وخصوصا في مجال الفكر والعقيدة 

 وعبارة اخرى اشد وضوحاً من السابقة وهي (اصطلمكم الاعداء) يقال : اصطلمهم، يعني استأصلهم وابادهم 

 فالاسباب الطبيعية تقضي بان موت هذه الطائفة واستئصال العدو لها وابادتها لهو أمر وارد مع شدة مانزل بها من بلاءات ومحن، لو وجهت لأي جماعة لإضمحلت وانتهت، ولكن التدخل الغيبي من قبل الله تعالى، وتفويض مهمة ابراز هذا التدخل الى حجته القائم بامره، منع من استئصال هذه الطائفة الممثلة للحق في عالم الدنيا، والتي بها تقام الحجة على الناس، لان السماح باستئصال هذه الطائفة وابادتها، هو رفع للطريق الحق الى الله تعالى مع بقاء التكليف، وهذا مما لا يتصور في الحكيم العادل (جل شأنه)، الذي له الحجة البالغة على العباد في كل عصر، وعليها سيحاسبهم، وبها يحتج عليهم كل بحسب مداركه، لذا فان ما كتبه حجة الله (عجل الله فرجه الشريف) لهو من مدركات العقل قبل النقل، وماهو الا ارشاد الى ذلك الادراك من ضرورة ان الله الحكيم العادل لا يمكن ان يجعل له غاية ثم يقصر عن بلوغها مع قدرته عليها، فانها من صفات العابث (تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا).</p>

@ ولا يخفى ان الاستهداف كان بالاساس هو لفكر هذه الطائفة وما تحمله من معتقد، وليس للاشخاص فيها بما هم اشخاص مجردين عن الفكر، بل كل مجزرة حدثت، وكل اضطهاد حدث بحق الاشخاص كان المنظور فيه انتماؤهم الفكري لهذه الطائفة، حتى وان كان المقتول او المضطهد انسانا بسيطاً 

 ولا يخفى كذلك ان اي محاولة انهاءٍ لجماعة لها فكر وعقيدة، انما تبدأ بعلمائها والمنظرين لها، والمستوعبين لفكرها، فالقضاء على هذه الشريحة بالخصوص كفيل بموت تلك الجماعة فكرياً واقصائها من الساحة ولو تدريجاً، وهذا ما سلكه اعداء التشيع والمناوئين له، بشتى الوسائل منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) والى يومنا هذا، وكل هذه الوسائل تستهدف اولاً وبالذات عقيدة هذا الخط، فمرة بوسيلة التصفية الجسدية والقتل ومرة بالاضطهاد كالسجون والاقامة جبرية، والنفي والتهجير، ومرة باسلوب دس المرتزقة بين صفوف الشيعة، واغراء مبحي الرئاسة منهم بالاموال، للعمل على تخريب العقائد الحقة، والتشكيك باسسها، والحط من منزلة العلماء في النفوس، بحجة التجديد، وحرية الفكر، وغيرها من الحجج التي يتلبس بها المنحرفون للتأثير على الناس  

@ ولم يكن من مهام الامام (عليه السلام) ان يمنع كل اذى تتعرض له هذه الطائفة او كل فتنة تقع بين صفوفها او كل شبهة تسري في اوساطها، فلابد من جريان سنن الابتلاء والامتحان ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) ولكن كان من مهامه كما هي مهام آبائه (عليهم السلام) هو حفظ اصل الدين من الاندراس، وحماية حملته من الاستئصال التام والابادة والابقاء على طريق الحق، فكانت رعايته بهذا الجانب وتدخله بهذا المضمار كسلوك عام يكفل استمرار هذه الطائفة كممثلة لخط الاسلام الاصيل 

@ ورعاية الامام العامة للطائفة تظمنتها رعاية خاصة للعلماء باعتبارهم العامل الطبيعي الرئيسي لبقاء فكر هذه الطائفة وحماية دينها باصوله وفروعه. فكان جهادهم ببذل الوسع في تحصيل العلوم يوازي احياناً جهادهم في حفظ نفوس هذه الطائفة ما استطاعوا الى ذلك سبيلا بتوجيههم التوجيه الملائم وبحكمة في مواجهة الاخطار وما يضطرون اليه في مواجهة المعتدين وباقل التضحيات، دون ان تأخذهم في الله لومة لائم من قصيري النظر الذين لا يشعرون بمسؤولية الفقيه الرئيسية في الحفاظ على الدين وارواح الشيعة ودمائهم واعراضهم باعتبارهم حملة الحق، وذلك باتخاذ المواقف المناسبة بما يمليه عليهم التكليف الشرعي.</p>

 بتسديد من حجة الله( صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين 

@ اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين 

 والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا 

 وأسألكم الدعاء 

  
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153491
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28