• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كان لابد من شمر لألتقيه .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

كان لابد من شمر لألتقيه

  صعوبة العمل الاعلامي تقتضي البحث عن أحداث مؤثرة قادرة على كشف الكثير من المخبوء، لذلك يفرض عليك مثل هذا العمل أن تلتقي شخصيات من عمق الجريمة بكل ما تتصف به من حقارة ونذالة، واللقاء بشمر بن جوشن يحتاج الى قلب من حديد، وحين حان اللقاء المتخيل في ذاكرة التدوين لأدخل حطاماً شاخ منذ قرون، لنقرأ حجم الجريمة، ونسأل: كيف ينام في قبره آمناً من يمتلك كل هذا الشر، هو قائد ميسرة جيش عمر بن سعد، هو من حرق خيام الحسين (عليه السلام)، هو من حمل رأس الحسين وأصحابه الى ابن زياد، ومن ثم الى يزيد..!

 هو من المنحدرين من هوة التأريخ، تظهر ملامح شخصيته التمردية في سيرته الشخصية، كان الشمر من أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، وقاتل الى جانبه في معركة صفين، لكنه خرج وشهد زوراً ضد حجر بن عدي الكندي، وكان يثير الفتنة في الكوفة، كان السؤال الأول:ـ لماذا يا شمر؟ فأجاب: هي هكذا كانت أوامر ابن زياد ان افرق الناس عن مسلم بن عقيل، وأما لو رجعت الى الحقيقة، لولاي ما كانت كربلاء، ولولاي ما قُتل الحسين؛ لأن ابن سعد كان يريد أن يتنصل من الحرب، وأراد ان ينهيها دون قتال، لهذا كتبت لابن زياد، فكنت أنا القائد الحقيقي لمعركة كربلاء..!
 السؤال الثاني:ـ يكتفي كل مقاتل بمقتل عدوه، فلماذا مارست اجراءات العنف بعد مقتل الحسين عليه السلام؟ أجاب: أولاً: هي الحرب ليس لديها مديات تقاس بها النهايات، فأنا أرى حرب كربلاء ما زالت قائمة عندكم الى الآن، والحرب أساساً لا تعرف معنى للضمير.
ثانياً: كنت أريدها أن تسحق أهل هذا البيت عن بكرة ابيهم، ولو عدنا الى لغة الحرب فانا مقاتل بإمرة القائد، وقد أمر ابن سعد بفصل الرؤوس، وكان عددها 72 رأساً، أرسلت بقيادتي الى الامير بن زياد، وكان من حصة قبيلتي 12 رأساً فقط.
 بعثت لابن زياد برأس الحسين (عليه السلام)، وقرر أن يطاف بالرأس في سكك الكوفة بهيئة استعراض لهيبة العرش، وكلفت حينها بأخذ السبايا الى الشام، فسرت بركب النساء والأطفال بصحبة علي بن الحسين، بعدما قيدته بالسلاسل والجامعة الحديدية وحملتهم جميعهم على اقتاب الابل العجاف..!
 سؤال: هل فاجأتك أشياء لما تتوقعها ام كان المسير طبيعيا؟ قال الشمر:ـ الكذب حرام، هناك اشياء كثيرة فاجأتني مثلاً سرت بالسبايا على جانب الفرات، وردنا منزلاً قديماً، وإذا بي اقرأ على جدرانها: 
(أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب 
فلا والله ليس لهم شفيع وهو يوم القيامة في العذاب) 
 فزعت كثيرا وارتاع من معي، فأمرت بالرحيل فورا من ذلك المنزل، وتكررت الحالة اذ وجدت الشعر نفسه مكتوباً على جدار في بيت راهب، سألته: من كتب هذا الشعر، قال الراهب:ـ هو هنا قبل أن يبعث نبيكم بخمسمائة عام..! أفزعني الحادث، خفت كثيرا، وقررت الرحيل على غير الجادة، متنكبين طريق العام.
 سألته: لماذا اخترت طريقاً خاتلاً؟ أجابني: خوفاً من قبائل العرب أن يخرجوا علينا ويأخذوا الرأس منا، ولذلك كنت أقول لمن يسألني عن الرأس بأنه رأس خارجي تمرد على علينا بأرض العراق، فقتله الأمير ابن زياد، قلت: وبعد؟ قال: نزلنا بوادي النخلة وهو بعد تكريت، سمعت بأذني عجباً مجلس عزاء عند الرأس لنساء من خارج الجنس البشري، لا اعرف هل هن حوريات ام جنيات كدت أجن فعلاً، لذلك طلبت الاسراع بالمسير، وإذا بي أفاجأ في كفر طاب المحصنة بحصن منيع، منعونا من الدخول، فرجعنا خائفين الى سيبور وطردونا ايضا، هدموا القنطرة الوحيدة؛ كي لا ندخلها، وجهزوا جيشا لقتالنا، ودارت معهم حربا بمعنى الحرب، حتى وصلنا حماة، وإذا بأهل حماة يعلقون الابواب في وجوهنا، وصعدوا على سورها متحدين دخولنا.
 ابتعدنا عن الصدام، وذهبنا باتجاه حمص، وإذا بأهل حمص يرموننا بالحجارة، وقتلوا منا 26 فارساً ثم اغلقوا الابواب في وجوهنا، وما رأيناه من اهل حمص فهو عجيب، كانت هناك مؤامرة مبيتة لقتل خولي بن يزيد، وأن يأخذوا منه الرأس؛ ليكون فخرا لهم كما يدعون.
وأخيراً وصلنا جيرون، قلت للشمر في نهاية اللقاء: جميع هذه الأحداث التي رويتها هي مؤلمة، لكن يتحملها القلب المفجوع، لكن الذي آذى الضمائر، وأوجع كل وجدان، هو أن تتقرب اليك ام كلثوم (عليها سلام الله) بطلب لا يرده عربي شريف، طلبت منك أن تبعد الرؤوس عن الجمال لإبعاد أنظار الناس عن حرم رسول الله (ص)، وإذا بك ترفض، وتقدم عملاً في قمة النذالة، اذ امرت بالعكس، فأدخلت الرماح ما بين المحامل، ليصير التركيز على اسيرات البيت المحمدي..؟!
نظر اليّ الشمر بصلافة وقال:ـ إن الحرب تنتزع من المقاتل كل شيء انساني، والحقد الذي في قلبي لأهل هذا البيت وصل ذروته، فأنا كنت أتمنى أن لا تبقى لأهل هذا البيت باقية، وكانت حلاوة النصر على علي بن أبي طالب وأهل بيته لها نشوة تنسينا الدنيا وما فيها، فليس قليلاً أن نأخذ  بثارات بدر وحنين.. ثم قام عني ورحل.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153305
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28