• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فهم المواعظ العلوية محكوم بالشريعة .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

فهم المواعظ العلوية محكوم بالشريعة

  يكاد يكون امير المؤمنين (عليه السلام) الاكثر مواعظاً وحِكَماً بحسب ما وصلنا من تراث اهل البيت (عليهم السلام)، في مصادر الامامية، فضلا عما نسب اليه في مصادر عامة المسلمين.   

  ومن الطبيعي ان نفهم تلك المواعظ والحِكَم في اطار لا يتعارض مع احكام الشريعة الغراء التي يُعَد الامام المعصوم هو الحافظ لها والمحامي والمدافع عنها والموضح لما اشكل من تفاصيلها.   

  🔹هذا الامر الذي يُفترَض ان يكون بديهياً لكل مسلم بصورة عامة ولكل مؤمن بصورة خاصة، وجدنا بعض الناس (خصوصاً من المغرمين بشعارات الغرب الانسانية) لا يراعي هذا الامر فيُحكِّم ظاهر الموعظة باطلاقها اللغوي على الحكم الشرعي لجهل، او عدم وضوح، او اشتباه، او ربما عن قصد، وعلى كل حال فان منشأ هذا التحكيم لا يهمنا، وانما المهم في ذلك بيان ماهو الحق والصحيح من ان فهم المواعظ العلوية المباركة يجب ان يكون في اطار شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، مما يستدعي طرد الاحتمال المخالف الذي قد يشمله ظاهر عبارة الموعظة او التوصية الاخلاقية وما شابه من كلام سيد الاوصياء(عليه السلام). ولا شأن لنا باستفادات بعض الغربيين او الشرقيين من كلام الامام بما يناسب ثقافتهم التي تعارض تشريعات الاسلام.  

  🔹فمثلا قول امير المؤمنين(عليه السلام)المشهور والمعروف في عهده لمالك الاشتر (رحمه الله) (الذي اعتُمِد في الامم المتحدة كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي) عندما اوصاه بالرعية فقال (عليه سلام):   

    فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق     

  ففقرة (نظير لك في الخلق) يجب ان نفهمها ضمن حدود الشريعة المقدسة وما يريده الله تعالى وما انزله على نبيه العظيم(صلى الله عليه وآله)، وان لا نلصق بالامام ما لا يعنيه.  

  يجب ان نفهمها في اطار الآية الكريمة:   لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  . (الممتحنة:8)  

  فلا بأس ببر من كان نظيراً لنا في الخلق، وان نعامله بعدالة بشرط ان يكون مسالماً غير محارب، ولا مظهرٍ لعداوة اتجاه اهل الحق. فكما يجب ان نفهم بان قول الامام(عليه السلام) يعني تلك الآية، فكذلك يجب ان نفهم بان قوله(عليه السلام) لا يعني هذه الاية:   

    الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ   (سورة النور: 2)  

  فنظيري في الخلق عندما يقترف ما لا يسمح به الله تعالى ويحدد له عقوبة، فلا يُغَض النظر عنه ويجب ادانته في الشريعة، ولا عبرة بنظر المجتمع البشري حينها، فالمجتمع البشري لا يعرف الصالح العام كما يعرفه خالقه.   

  وهكذا يجب ان نفهم عبارة الامام (عليه السلام) دوماً ضمن مسائل الحلال والحرام، فنظيري في الخلق غير المسلم، يحرم تزويجه بالمسلمة بصريح القرآن:   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ...   (الممتحنة: 10)  

  وكذلك ان كان نظيري في الخلق فقيراً ولكنه غير مسلم، فلا يجوز اعطاؤه من الزكاة والخمس، او سائر الحقوق الشرعية لان مواردها في الشريعة لا تشمل الكافر.  

  وهكذا في احكام اخرى، كالارث وغيرها، ففي الشريعة احكام تختص بالمؤمنين تارة، واحكام تتسع للمؤمنين  والمسلمين تارة اخرى، واحكام تتسع اكثر لتشمل كل انسان تارة ثالثة.  

  فمثلا حرمة الاعتداء على البريء كالقتل مثلا بلا مسوغ تكون شاملة للمؤمن والمسلم والكافر على السواء.   وَقاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ   (سورة البقرة: 190)  

     

  🔹اذن خلاصة هذا التذكير ان ما يردنا من المواعظ والاداب والنصائح الاخلاقية يجب ان لا نرتب اثرا على اطلاقها اللغوي اذا اصطدم بتشريع معين، بل لابد من التوفيق باستثناء الموارد الشرعية لان هذا هو مراد الامام قطعاً. لاننا لا يمكن ان نتصور ان القرآن يقول   ان للذكر مثل حظ الانثيين  ، ونقول ان علياً لا يرى فرقا لانه قال (نظير لك في الخلق) !!! طبقا للشعارات الزائفة بالمساواة المطلقة، نعم هي نظير للرجل في الخلق من جهة حسن المعاملة مثلا من جهة احترام الحقوق، من جهة عدم الاعتداء،   ...فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...   (سورة البقرة: 231)، وهكذا من التوصيات الاخلاقية التي حث عليها الاسلام في التعامل مع الانسان الآخر في اطار قوانين رسمها الشارع المقدس.  

  🔹ونختم بهذا البيان المبارك لامير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال في نهج البلاغة:  

    أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون. فإن أكثر الحق فيما تنكرون  واعذروا من لا حجة لكم عليه. وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر. وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام. وألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي. فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا تتغلغل إليه الفكر...   (الخطبة 87)  

  وقال (عليه السلام) في مكان آخر:  

    إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر. فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا. الفرائض الفرائض، أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة. إن الله حرم حراما غير مجهول، وأحل حلالا غير مدخول وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها...   (الخطبة 167)  

     

  والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.  

   وأسألكم الدعاء  
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152516
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18