• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : جذور العنف الدموي في انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ وما تلاه من فصول بعثية ظلمات بعضها فوق بعض .
                          • الكاتب : د . صاحب جواد الحكيم .

جذور العنف الدموي في انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ وما تلاه من فصول بعثية ظلمات بعضها فوق بعض

اللذين لا يقرأون التاريخ يكررون نفس الأخطاء. تمر اليوم ذكرى انقلاب عسكري دموي اطاح عام ١٩٦٣ برئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم رغم سعة شعبيته ومثاليته الشخصية وكثرة خدماته للبلد وللطبقة الفقيرة بالذات.  قام حزب البعث الذي كان عمود الإنقلاب بحملة تصفية دموية للحزب الشيوعي العراقي طالت قياداته وكوادره ومارس اثنائها أساليب تعذيب وقتل بشعة.

 هل كان ذلك العنف وليد ساعته ام أن له آباء لا يزالون وأمهات لا يزلن  يعشن بين ظهرانينا؟

اي فرد في حزب البعث في أي مستوى تنظيمي او فكري من الأمّي إلى الأستاذ الجامعي ومن العلماني إلى المتدين كان يجد جرعة فكرية تسوّغ له العنف الدموي وعلى التفصيل التالي:

١ جذر التربية المحلية لقيادات البعث في الكرخ والفضل وباب الشيخ وهي محلات شعبية في بغداد القديمة على عادات الشقاوات والعصابات بما فيها من قسوة وغدر وقتل.

٢ الجذر البدوى الجاهلي كون  العصابة التكريتية قروية بدوية كأكثر أعضاء الحزب من النواحي الغربية المرتبطة مع الصحراء حيث الثأر والإنتقام والغلبة قيم رجولية عشائرية عليا.

٣ جذر آلية "قميص عثمان" ممثلة بطلب ثأر الضباط الذين أعدموا بعد خروجهم المسلح على حكومة عبد الكريم قاسم مثل ناظم الطبقچلي.

٤ الجذر البلشفي الثوري

تنافس البعث مع الشيوعيين على حكم العراق. من المعلوم أن رئيس الدولة الشيوعية الكبرى ستالين حكم بالقبضة الحديدية والعنف اللامحدود. هذا أعطى البعث مبررا اضافيا للمبادلة بالمثل او بالأحرى بالصاع صاعين او عشرة أصواع. بتعبير صدام حسين من يطرق على باب الثورة تهدم الثورة عليه سقف داره.

٥ جذر المخابرات الغربية التي كانت العقل المدبّر للمجيء البعثي حسب مقولة القيادي البعثي علي صالح السعدي. هذه الأجهزة تتقوم بضباط قساة لا تربطهم رابطة مودة نَسَبية ولا عاطفة دينية مع شعوب المنطقة بل يكنّون لهم الإحتقار والى حد ما الثأر على خلفية ثورة العشرين.

٦ الجذر الأورپي الإلحادي الذي نظّر للدولة القومية والسلطة المطلقة لأن الأمين العام لحزب البعث ميشيل عفلق خريج فرنسا ودرس نظريات الدول القومية ومرّت عليه فلسفة هيگل التي تستنكر القيم المسيحية المسالمة وتمجد القائد الأوحد والقسوة والعنف والبقاء للأصلح. في كتابه في سبيل البعث يقول أستاذهم المعلم البعثيون قساة على أنفسهم قساة على غيرهم.

٧ الجذر الديني السلفي

عبد السلام عارف وبقية الضباط القوميين وخير الله طلفاح خال صدام وطبعا صدام الذين قتلوا عبد الكريم قاسم و ذبحوا و قطّعوا الشيوعيين يتدينون بسيرة بعض الصحابة وبالتحديد الذين تسنموا موقع القيادة الزمنية والدينية بعد الرسول مباشرة ومارسوا العنف الحكومي.

 أمثلة تاريخية: اولا بعض حروب الردة وقتل مالك بن نويرة وقطع رأسه واتخاذها حجرا لقدر الطبخ من قبل قائد عسكري شهير زمن الخليفة الأول لأنه تأخر في دفع الضريبة بإنتظار تبين نتيجة الخلاف حول الحكم في المدينة. ثانيا غارات معاوية على المدنيين في أطراف دولة علي بن أبي طالب. ثالثا قتل الحسين بن علي لامتناعه عن تأييد يزيد بدون قيد او شرط والقائمة تطول.

صدام يستشهد بحروب الردة ليحدد موقف حزب البعث من كل قوة سياسية لا تنضوي تحت راية الجبهة الوطنية التقدمية.

صدام حسين يستشهد بالخليفة الثاني كمثل أعلى في الإستقامة الدينية في حين أن الخليفة سن منع الرأي الديني الآخر والرأي السياسي الآخر ومارس المؤامرة السياسية "الفلتة التي وقى الله شرّها" للوصول إلى الحكم بدون إعمال الآلية التي إدعّى بأنها أعطته الشرعية وهي الشورى.

رئيس الاتحاد الوطني البعثي في حديث خاص يبرر التهجير وقتل السيد الصدر وغيره بأن المقابل سيسلك نفس السلوك معهم وهذا ديدن معاوية والحجاج أي التصفية الجسدية والفكرية كوسيلة للأمن الوقائي.

أشرطة مسجّلة لعلي حسن المجيد وعدنان خير الله وعزت الدوري وأعضاء القيادة القطرية يتشاورون في أوجع مكان وزمان في إيران يقصفونه بالاسلحة الكيماوية في حرب الثمانينات لإحداث اكبر قدر من الخسائر.

 

كدليل إضافي على الارتباط الفكري والوجداني بين البعث العلماني والسلفية الدينية المتطرفة نلاحظ إنخراط قيادات البعث بكل سهولة وانسيابية في حركات سلفية دموية توّجتها داعش.

٨ جذر إنعدام الخوف من المقاومة والرد بالمثل لأن القيادات الكردية تواطئت مع الإنقلابيين والغالبية الشيعية حُيدَت بفتوى تكفير الشيوعية ولم تهب إلى السلاح لا للدفاع عن الشرعية الملكية عام ١٩٥٨ ولا عن الشرعية الشعبية التي يجسّدها عبد الكريم قاسم عام ١٩٦٣ فذهب البعثيون إلى مديات دموية خرجت عن كل المألوف والمعروف والمقبول آمنين من العقوبة أو حتى المقاومة إلى أن وصلت نارهم إلى بيوت المراجع.

 

 لا بد من التنويه أن تاريخ الشيوعية كحركة فكرية إلحادية لها موقف سلبي مبدأي من "الرجعية الدينية" وتحالفها مع "القوى الإقطاعية والبرجوازية" لم يترك هامشا واسعا لعلماء الشيعة للدفاع عنهم ضد البعثيين بفتوى كفتوى السيستاني ضد داعش مثلا.

 

الخاتمة

الهزيمة يتيمة والنصر آباؤه كثيرون. عنف البعث الدموي له جذور في كل الفلسفات والتقاليد الدموية منذ أن قتل قابيل اخاه هابيل. كما أن عجز الجماهير وقياداتها الشعبية والدينية عن صياغة وإقامة نظام يحمي الضعيف ويطعم الجائع ويردع الأشقياء سهّل إنتصار عصابة محدودة العدد وسيطرتها على مقدّرات الدولة فعاثوا في الأرض فسادا وتركوا سجلّا حافلا وربما فريدا من القتل والدمار في كل النواحي الجغرافية والبشرية. قديما قيل درهم من الوقاية خير من قنطار من العلاج.

 

لن يكون البعث آخر عصابة شقية ولا الجماهير المتفرجة على فيصل أو عبد الكريم آخر من يدفع ثمن الصمت بألف ضعف وكل واحد من الناس له وزن وبإمكانه أن يقف بشجاعة أمام عصابة راهنة ذات زي غربي او ديني. لا بد من العمل الدؤوب نحو حد أدنى من النظام يحمي الدماء والأعراض والكرامات بدون مساومة على المعتقد أو تقديس مطلق لقائد مهما كانت إنجازاته المادية.

محمد يحيى الثعالبي ولد ببغداد خمسينيات القرن الماضي وشهد بوعي الحكومات والمجتمع منذ عبد الكريم قاسم إلى يومنا. يكتب للإعتبار لا للتشفّي ويطلب من كل تابع لحزب ومذهب مرؤة يحفظ بها الأرواح والكرامات وحلما لفض نزاعات السياسة بالصبر والعدل.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152173
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20