• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نحن لا نشبه أنفسنا على مواقع التواصل الاجتماعي .
                          • الكاتب : زكريا الحاجي .

نحن لا نشبه أنفسنا على مواقع التواصل الاجتماعي

شيوع ثقافة الدّفاشة والقسوة في النّقد على مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة مرَضيّة، ليس فقط لأنّها عدوانيّة، بل لأنّها تبعث انطباعاً غير واقعيّ عن النّاقد نفسه، أصبحنا نواجه أقلاماً على مواقع التواصل لا تشبه أصحابها في أرض الواقع، وهنا لا أتحدّث عن الشّخص غليظ الطّبع في العِشرة، بل عن أشخاص عندما تلتقي بهم في مجلس أو مكان ما، تجدهم يتمتّعون بذوق جميل في إبداء ملاحظاتهم وانتقاداتهم، لكن عندما ينفردون خلف شاشة هواتفهم، تصطبغ انتقاداتهم بالجفاء، وتكاد لا تصدّق أنّ هذا الشّخص هو نفسه ذاك، ولعلّ البعض لاحظ ذلك عندما يصادف في الخارج مَن كان بينه وبينه تجاذبات حادّة في مواقع التواصل.

إلا أنّ هذه الظاهرة تبعث على شيء من التفاؤل، ممّا يجعلنا نعيد تقييمنا للآخرين بنحو أكثر إيجابيّة، وأنّ هذه الشّخصيّات -التي شاءت أقدار العولمة أن نتعرّف عليها من خلف الشّاشات-، قد تكون أكثر جمالاً في الواقع.

ويبدو السّبب وراء ذلك: أنّ تواجدنا في العالَم الرّقمي ناقص، فنحن نفتقد هناك بعض تفاصيلنا المهمّة في التواصل، تغيب ملامح وجهنا، ونبرة صوتنا، بل حتى رائحة عطرنا، كلّ ذلك له أثر كبير في عمليّة التواصل.

وإن كانت الكتابة قادرة على ايصال مشاعرنا بدرجة ما، لكن يبقى الاقتراب الجسدي والتواصل المباشر في الواقع، يحمل معاني لا تقدر الكتابة على حملها.

والأمر لا يقتصر على عامل الكتابة، فهو عالَم تتداخل فيه عوامل متعدّدة، كلّها من شأنها أن تجعل الشّخص يتصرّف بطريقة مختلفة.

من جهة أخرى: طبيعة الإنسان يتأثر -ويؤثّر- بالبيئة المجتمعيّة التي يتواجد فيها، سواء كانت بيئة واقعيّة أو اعتباريّة، ولعلّه أكثرنا عاش تجربة "قروبات الواتساب"، ولاحظ حجم الجدل فيها، وبطبيعة الحال الأماكن التي يغلب عليها أخلاقيّات الجدل، قد تنقل العدوى للآخرين مع مرور الوقت من خلال المخالطة الكثيرة، ما لم يتمتّع الشّخص بمناعة أخلاقيّة كافية.

ويمكن الإزدواجيّة توجد كذلك بين المجموعات الواتسابيّة، يتعاطى الشّخص نفسه بطريقة تختلف من مجموعة إلى أخرى؛ وليس ذلك إلا لاختلاف سياسات وآداب المجموعات التي تفرض أخلاقيّاتها على الأعضاء، وهو ما يعني أن الإنسان ابن بيئته، بمعنى أنّه -عادة- يتفاعل ويتأثّر بمحيطه ولو مع مرور الوقت، فالإنسان مسؤول عن تموضعه طالما يملك الإرادة.

ولهذا نحن أحوج ما نكون إلى إفشاء اللطافة واللباقة في الحوارات والنّقاشات عند الاختلاف، وبثّ مفردات المودّة كما لو كنّا في الواقع، حتى نساهم في انتشال هذه الظاهرة السّلبيّة التي تجعلنا ننقسم في ذواتنا، وتعكس صورة مشوّهة عن واقع مجتمعاتنا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=150654
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28