• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في ذكرى شهادته: الامام الباقر(ع) واخلاق الشيعة .
                          • الكاتب : عبد الناصر السهلاني .

في ذكرى شهادته: الامام الباقر(ع) واخلاق الشيعة

قال الامام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه):

إنّما كانت شيعة عليّ المتباذلون فى ولايتنا، المتحابّون فى مودّتنا، المتزاورون لاحياء أمرنا، إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة لمن جاوروا، سلم لمن خالطوا" (الخصال للصدوق: ص٣٩٧)

 

هذا الحديث معتبر السند رواته كلهم موثقون رجالياً، فيه الكثير من التربية العالية للشيعة اتجاه بعضهم البعض، واتجاه المختلفين معهم، وكل فقرة منه يمكن الاستشهاد عليها باحاديث مستفيضة وردت عن النبي وآله (صلوات الله تعالى عليهم اجمعين)، فالحديث ذو مضامين اخلاقية عالية .

ففي الفقرات التي تخص تعامل المؤمنين مع بعضهم يقول الامام عليه السلام:

"المتباذلون فى ولايتنا المتحابّون فى مودّتنا، المتزاورون لاحياء أمرنا…"

فلنقف عندها متأملين:

 

🔹المتباذلون في ولايتنا

المتحابون في مودتنا

مع وضوح المعنى المقصود في البذل والتحاب بين اهل الولاية والمودة بعضهم مع البعض الاخر، فلا بأس بالتبرك والاستزادة بامثلة من احاديث الباقر(عليه السلام) التي تصب في تأكيد تلك المعاني:

 

فعنه(عليه السلام) يقول: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)‏: "المؤمنون إخوة يقضي بعضهم حوائج بعض فبقضاء بعضهم حوائج بعضهم، يقضى اللّه حوائجهم يوم القيامة" (امالي المفيد: ص ٩٧)

 

وعنه(عليه السلام): "من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن، أن يشبع جوعته ويوارى عورته، ويفرّج عنه كربته ويقضى دينه، فاذا مات خلفه فى أهله وولده" (الكافي: ج٢، ص١٦٩)

 

وعنه (عليه السلام): "ان المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل اللّه يده بين أيديهما فصافح أشدّهما حبا لصاحبه" (الكافي: ج٢، ص١٧٩)

 

وعنه(عليه السلام) يقول: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)‏: "فمن سرّ مؤمنا فقد سرّنى ومن سرّنى فقد سر اللّه" (الكافي: ج٢، ص ١٨٨)

 

نعم هذه هي توصية الباقر (عليه السلام) وهي نفسها توصية آبائه وأبنائه الطاهرين.

ومن المؤسف ان تخرج بعض الاصوات النشاز (وهي قليلة بحمد الله تعالى) لتبث التفرقة بين المؤمنين بحسب انتماآتهم المناطقية والمكانية والقومية، فتفضل بعضهم على بعض من هذه الجهة كبعض المتمرجعين الذين ينادون بالقومية !!! وانه يجب ان يكون المرجع الديني في منطقة ما من اهلها وقومها !!!

وايضا كبعض الجهلة من عامة الناس الذين يسمون انفسهم بالمثقفين، وهم ابعد مايكون عن الثقافة والوعي، الذين يرون انفسهم اعلى شأنا من غيرهم لانهم من قوم كذا او منطقة كذا في ثقافة خطيرة تخالف تعليمات الدين والنبي والائمة الطاهرين الذين لم يجر على السنتهم قط تقسيم المؤمنين بهذه اللحاظات السقيمة، بل دائما المقياس هو مقياس الورع والتقوى والاجتهاد في طاعة الله تعالى.

لنقرأ بتمعن هذا الحديث صحيح السند عن الباقر (عليه السلام) في كيفية العلاقة بين ارواح المؤمنين عبر البلدان، والذي يرويه الكليني (رحمه الله) عن جابر الجعفي قال:

"تقبضت بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي، وصديقي، فقال: نعم يا جابر إن الله عز وجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه. فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منها"

 

🔹 المتزاورون لاحياء أمرنا

احياء الامر وما ادراك ما احياء الامر، هذه العبارة جاءت في نصوص عديدة تحث فيها المؤمنين على السعي لذلك، وبالتالي فان احياء امرهم (عليهم السلام) هو احياء للدين وتعاليمه، باعتبارهم الممثل الشرعي له من قبل الله تعالى.

والاحياء مفهوم تندرج تحته عدة مصاديق كأحياء علومهم وفقههم ومواعظهم وتعريف الناس بفضلهم واقامة شعائرهم وابراز مظلوميتهم وكيفية صبرهم وتضحيتهم في سبيل الله تعالى والدين.

وكما في الفقرة السابقة نستزيد علما من باقر العلم في الحث على احياء امرهم (عليهم السلام)

 

عن الباقر (عليه السلام):

"اجتمعوا وتذاكروا، تحف بكم الملائكة، رحم الله من احيا امرنا" (مصادقة الاخوان للصدوق: ص٣٨)

 

وعنه (عليه السلام): "تزاوروا في بيوتكم فإن ذلك حياة لامرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا" (الخصال للصدوق: ص٢٢)

 

"عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أودعه فقال: يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لامرنا، رحم الله عبدا أحيا امرنا…" (الكافي:ج٢، ص١٧٥)

 

"عن عبد الحميد الواسطي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الامر حتى ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده؟ فقال: يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى والله ليجعلن الله له مخرجا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا…" (الكافي:ج٨، ص٨٠)

 

هذا كله في الفقرات الخاصة بتعامل المؤمنين في الوسط الايماني، اما ماورد في باقي الحديث المبارك فانه عام يلاحظ فيه تعامل المؤمنين مع بعضهم ومع غيرهم ممن يختلفون معهم في المذهب او الدين حيث ذكر الامام (عليه السلام) في صفات المؤمنين انهم:

 

🔹 إن غضبوا لم يظلموا

وإن رضوا لم يسرفوا

بركة لمن جاوروا

سلم لمن خالطوا

 

هذه الفقرات الاربع بمفاهيمها الواضحة والتي لسانها لسان الاطلاق، فعدم الظلم وعدم الاسراف، وحسن الجوار، وحسن المخالطة، ينبغي ان تكون من الصفات غير الخافية على المؤمنين بل ينبغي ان يُعرَفوا بها و يُشار اليهم من خلالها، حتى يقال "هذا ادب جعفر" .

فالغضب لله مثلا يكون بميزانه ولا يكون فيه تعدي على الآخرين، فالمؤمن المظلوم مثلا لم يُفتح له الطريق على مصراعيه لكي ينال من ظالمه، ولو بالباطل، بل انه مقيد بالحق وبموضع الظلامة وما يختص بها، لئلا يتحول الى ظالم بدوره.

ومن الملفت في حديث اهل البيت (عليهم السلام) انهم حتى في الدعاء من المظلوم على ظالمه يريدونه بقدر وبحق، فاذا زاد عن حده عد ظلما !!!

الى هذه الدرجة يريدون من المؤمن ان يكون مثالياً والسبب واضح فالمفروض انه خطهم هو الحق والكمال فمن ينتمي اليه ينبغي ان يكون مؤهلا، وبتلك الصفات العالية، بقدر الامكان.

 

واما الحال في الرضا فكذلك يكون على الموازين فلا مسوغ للافراط والاسراف، واختراع الحوادث والصفات لمن نحبهم ونرضى عنهم، وجعلهم المقدمين على كل احد ومعاملتهم معاملة المعصومين، فان هذا الاسراف مما يضعف مصداقية المؤمن عند الناس وبالتالي تقل ثقتهم فيه.

 

واما كون المؤمن بركة لمن يجاور، سلم لمن يخالط فهذه من الاخلاق المبرزة للنبي وأئمة اهل البيت (صلوات الله تعالى عليهم اجمعين)، وسيرتهم تنقل لنا عشرات الحوادث في هذا المجال مع المخالف والموالف بل حتى مع الاعداء في بعض الظروف، والمغرر بهم، مما أدى الى هدايتهم الى الحق لما وجدوا من الخلق الكريم، فالناس قسم منهم يعاني القصور لا التقصير، ويجب ان يكون التعامل مختلفا وليس من العدل المساواة بينهم .

 

ومما يؤسف له ان سيرة الشيعة الناصعة في هذا المجال وانفتاحهم وتقبلهم للتعاطي مع الاخر في مجالات العلم والدرس والحياة والعيش السلمي، المعروفون بها عبر تاريخهم بدون التنازل عن الثوابت والحق في اعتقاداتهم، هذه السيرة التي ورثها الشيعة من أئمتهم، وسار عليها نواب امامنا المنتظر (ارواحنا لتراب مقدمه الفداء) من مراجع الطائفة الاعلام يراد لها من بعض المتطرفين ان تنتهي، ويحل محلها الطريقة التكفيرية والاستعدائية لعوام الناس من المخالفين، خلافا لتوصيات الائمة، ومنهم الباقر (عليه السلام)، هؤلاء الذين ظهروا على حين غرة في فضائيات صفراء تدعوا الى الكراهية، وتعمد استفزاز الآخرين، وجعل الوسط الشيعي وسط مخيف بحيث لا يأمن فيه المخالف على نفسه. تماما كما يحدث للشيعي في بعض المناطق التي يخاف فيها على نفسه من التواجد فيها، فتتساوى الكفتين، وبالتالي لا يكون للشيعة ميزة اخلاقية وانسانية، وينتهي مفهوم (سلم لم خالطوا)، ولكن بحمد الله تعالى هذه الاصوات البائسة سرعان ما تكشفت حقيقتها عندما تورطوا في الاساءة الى العلماء الاعلام المراجع الكرام، وليس بغريب بعد ان كان علماؤنا ومراجعنا ينهجون منهج اهل البيت (عليهم السلام) الاصيل في التعامل مع الاخر بحسب الضوابط الشرعية، بلا افراط ولا تفريط بل في وضع الاشياء مواضعها، وهذه هي النمرقة الوسطى التي وصف بها اهل البيت انفسهم، وارادوا لشيعتهم ان يتصفوا بها ايضا

قال الباقر عليه السلام :

"يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد، كونوا النمرقة الوسطى، يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي..." (الكافي: ج٢، ص٧٥) فان هذا المنهج لا يروق لهؤلاء العدائيين.

 

🔹 واخيرا لنتأمل بمضامين هذا الحديث القيم عن امامنا الباقر (عليه السلام) والذي ينقله لنا الشيخ الصدوق (رحمه الله):

"عن جابر الجعفى قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر يكتفى من اتخذ التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فو اللّه ما شيعتنا إلّا من اتقى اللّه واطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع، وأداء الأمانة وكثرة ذكر اللّه والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الالسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم فى الأشياء قال جابر يا ابن رسول اللّه ما نعرف أحدا بهذه الصفة فقال يا جابر: لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحبّ عليا صلوات اللّه عليه وأتولاه.

فلو قال إنى أحبّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ورسول اللّه خير من علىّ ثمّ لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتّقوا اللّه واعملوا لما عند اللّه، ليس بين اللّه وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى اللّه وأكرمهم عليه، أتقاهم له وأعملهم بطاعته، يا جابر ما يتقرب العبد إلى اللّه تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على اللّه لأحد منكم حجة، من كان للّه مطيعا فهو لنا ولىّ، ومن كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولا يتنا إلّا بالعمل والورع"

 

🏴

صلّى الإلهُ على الإمامِ الباقرِ

سِبطِ النبيِّ وذي العَطاءِ الباهرِ

 

يا أيها الصّرْحُ العلِيُّ مَقامُهُ

سَقياً لِرَمسِكَ بالبقيعِ الحاسِرِ

 

تبكيـكَ أعيُنُـنا بحرقةِ واجـدٍ

يا ابنَ الاعاظمِ والكمالِ النادِرِ

 

حُزني عليكُم آلَ بيتِ محمدٍ

ما هكذا أَجْرُ البَشيرِ الناذِرِ

 

اعظم الله تعالى اجوركم بمصاب الامام الباقر عليه السلام ورزقنا واياكم زيارته وشفاعته

والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا

 

والحمد لله اولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146797
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28