• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : عبد الرزاق … 30 عاما من الخوض فی الوحول .
                          • الكاتب : حميد آل جويبر .

عبد الرزاق … 30 عاما من الخوض فی الوحول

منذ ايام وانا اعد الساعات والدقائق مترقبا بث لقاء فضائية العربية بالشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عبر برنامج "اضاءات" الذي يقدمه بنجاح الاستاذ تركي الدخيل . ولان علاقتي اللصيقة بادب هذا الشاعر المهم تمتد لاكثر من ثلاثة عقود، فانني استطيع ان ازعم بانني تابعت كل منتج ادبي لعبد الرزاق شعرا او نثرا او ظهورا اعلاميا خلال هذه السنين المديدة ، وما فاتني اضطرارا خلال فترة من الفترات العصيبة التي مرت بي فقد وفره لي صاحب السمو گوگل وصاحب الجلالة اليوتيوب فجزاهما الله عني خير ما يجزي به المحسنين . وكانت فترة السنوات العشر التي امضيتها في بغداد طالبا جامعيا وجنديا في الثمانينيات هي من اخصب الفترات التي تابعت فيها منجز هذا الشاعر المهم . ولم اكترث في حينها كثيرا لكونه اصبح بوقا مدويا للطاغية يسوغ له جرائمه و "دگايگه الگشر" وكنت ابرر ذلك بان شعراءنا ، بدءاً من الخالد المتنبي، هم في الغالب من نفس الطينة . وكنت اسعى لاقنع نفسي - وما زلت - بان ما يهمني هو الشعر وليس الشاعر منطلقا من مقولة : انظر لما قيل وليس لمن قال . لكنني كنت اشعر خلال تلك الفترة بان عبد الرزاق كلما كان يقترب من حدائق القصر الجمهوري اكثر كان يبتعد عن قاعدته الشعبية العريضة اكثر فاكثر . فالجو الادبي قد خلا له تماما . ابو فرات خارج البلاد ، السيد مصطفى جمال الدين آثر التشرد على مدح صدام ففر بجلده، والاخرون بين ملتحف بجدران بيته ينتظر زوار الليل او قابع في سجن مظلم . وما زلت اتذكر موقفا عصيبا مر به شاعرنا عندما استضافه اتحاد الشعراء الشباب انذاك على قاعة الطلائع براغبة خاتون في بغداد . اُشهِدُ الله ان عدد من حضروا تلك الامسية لم يتجاوز الاربعين شخصا بمن فيهم ضيوف الصف الامامي المدعوين وكان من بينهم الملحق الثقافي الفرنسي الذي كانت تربطه علاقة خاصة بعبد الرزاق . فبعد ان قدّم عريف الحفل " واظنه كان عبد المنعم حمندي" نبذة عن تجربة الشاعر ارتقى "ابو خالد" المنصة وكانت امارات الغضب والاستياء بادية على ملامح وجهه . وقبل ان يحيي ضيوفه والاربعين "مگموعاً" الحاضرين في القاعة الكبيرة بدأ بهذه الجملة التي ترجمت امتعاضه لقلة الحضور ، قائلا : من المؤسف جدا ان يحضر في ملعب الشعب خمسون الفا يتابعون حركة كرة تتقاذفها الاقدام ، فيما يحضر امسية شعرية لعبد الرزاق في وسط بغداد عشرة اشخاص فقط وبعدها ارعد وازبد. ثم صمتَ طويلا وسط وجوم القاعة وشعور منظمي الامسية بالحرج الشديد ... لا اظن ان عبد الرزاق كان على هذه الدرجة من الغباء بحيث لم يستطع تفسير انفضاض جمهوره من حوله خاصة وانه كان الصوت الاوحد في الساحة. ولا اظن ايضا ان شاعرنا كان غافلا عما يعمل سيف دولته بالعراق ، لكنه آثر السلامة فكان ثمن ذلك ان تفرق الجمع من حوله فاحتضنه لطيف نصيف جاسم وطارق عزيز ... في كل مرة يطل ابو خالد علينا في حوار اعلامي يساورني خيط رفيع من الامل بانه سيفجر قنبلته التي طال توقيتها فينطق "بِلقضه وِلْمضه" كما يقول العراقيون . وعندما قابله تركي  في حلقة امس، قلت في نفسي ان عبد الرزاق وهو في العقد التاسع من عمره ، لا يمكن ان يكون عبد الرزاق وهو في خيمته الرابعة او الخامسة فهو من الحكمة الان ما يجعله يدرك بان الزمن الذي يفصل قدمه عن القبر يضيق في كل لحظة وقد لا يكفي حتى لكلمة اعتذار واحدة للشعب وللتاريخ وللحركة الادبية في العراق . لكن يبدو ان العزة بالاثم مازالت مستحوذة عليه ، يحثه عليها شعور جمعي عام ما زال يعيش في جهالات التاريخ الاعمى من المد القومي والعروبي المهزوم . تصور ان شاعرا بقامة عبد الرزاق يقول ان علاقته الحميمة بصدام التكريتي بدأت عندما اوقد له الاخير سيجارته منحنيا ، وهو يستغرق في وصف هذا الحادث التاريخي الذي غير كل منعطف في حياته اللاحقة حتى أركسه في مستنقع آسن . هذا الحادث الذي لولاه لكان من الممكن ان يقدم العراق للجنس البشري نخلة ادبية شامخة تضيف رقما حقيقيا لقائمة المبدعين العراقيين العظام ، وليس مداحا رخيصا ما زال وهو في الثمانينيات من العمر يعتبر جزارا كصدام ايقونته المثلى في الحياة . من يقرأ شعر عبد الرزاق عبد الواحد في الامام علي عليه السلام "في رحاب النجف الاشرف" او روائعه في الامام الحسين عليه السلام "قدمت وعفوك عن مقدمي" سيكتشف بنفسه مدى الصراع الكبير الذي يعتمل في صدر هذا الرجل . فهو يمتدح انموذجين من البشر متصارعين في كل شيء ، بدءا من المبادىء وانتهاء بسيرة الحياة مرورا بطريقة التفكير. انه ذات الصراع الموهن الذي يعيشه من يترضى لعلي بن ابي طالب واللعين ابن اللعين ابي اللعين معاوية بن ابي سفيان في آن . وهو ذات الصراع القاتل الذي يعالجه من يترحم على ريحانة رسول الله الحسين بن علي والقرّاد السكير الضال يزيد بن معاوية في وقت واحد . وهو ذات الصراع الذي يعيشه من قال في علي بن ابي طالب " والذي اذ تلوح غرته ... كل شمس في الكون تنكسف" وقال في عدوه صدام مالم يقله مالك في الخمرة . ترى ، اما آن لاخر عمود في الشعر العربي الكلاسيكي وهو في الثانية والثمانين من العمر ان يكتب بشرف الفصل الاخير من مسرحية حياته المتقاطعة كما كتب مسرحية "الحر الرياحي" . كم صعبا ان يصير الانسان حرا بحجم الحر الرياحي في لحظة صدق مع النفس قد تأتي وقد لا تأتي اطلاقا 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13167
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16