• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حكومة إخوانية أم حكومة إنسانية؟ .
                          • الكاتب : كاظم الشبيب .

حكومة إخوانية أم حكومة إنسانية؟

دخل الإخوان المسلمون في بلدان الربيع العربي مرحلة عملية نحو محاولة محاكاة تجربة الإخوان الأردوغانية في تركيا. هي مرحلة شديدة الحساسية، فالمحك فيها هو ما سيقدمون عليه من مواقف في البرلمان وفي إدارة الدولة وقدرتهم على التكيف مع حلفاء الحكم وخصمائه (الموالاة والمعارضة)، أما الأصعب فيكمن في قدرتهم على تنجيح الملفين الاقتصادي والخدمي للبلاد والعباد (الوطن والمواطن)، والأكثر صعوبة هو امتحان قدرتهم على التوازن ما بين مجموعة من الثنائيات المتضادة، التشريع الديني والحكم المدني الليبرالي، حرية المرأة وانضباط المجتمع، الهوية الدينية والأقليات، استحقاقات الثورة والشارع ومتطلبات لعبة التوازن الداخلي والخارجي، أولويات استرضاء الداخل المتنوع وعقدة استرضاء الخارج.
ما بين رغبة الشارع الإخواني وحاجة الشارع العام مسافة ينبغي تجسيرها، وهي الفارق الذي يميز ما بين حكومة إخوانية وحكومة إنسانية. محاكاتهم للتجربة الأردوغانية في تركيا لن تكون متيسرة، فقد امتعض بعضهم وقالوا: هل المتحدث أردوغان التركي أم ساركوزي الفرنسي؟ عندما نصحهم أردوغان في تونس وليبيا ومصر بـ «وضع الدستور استناداً إلى مبادئ الدولة العلمانية، فهي لا تعنى دولة اللا دين، بل أن تحترم وتقف الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان، فالأشخاص ليسوا علمانيين...وأتمنى وجود دولة علمانية فى مصر، فأنا مسلم ولكنني رئيس وزراء لدولة علمانية». لا يعني ذلك أننا نقول بنجاح التجربة التركية في صناعة دولة الإنسان وإنما هي تتقدم خطوات في هذا الاتجاه.
لذا على الإخوان اختيار دولة الإنسان الأكثر شمولية بنظرة مدنية صرفة ليحققوا للمواطنين ما فقدوه ويريدونه منذ عقود طويلة. ومن أوليات خيار دولة الإنسان تحديد هوية المجتمع والنظام القادمين، ثم تأتي بقية التفاصيل متتالية، وتحديد الهوية يحتاج إلى مزج ما بين المحافظة على طبيعة غالبية المجتمع ودينه بتطلعاته العصرية للحياة المدنية المتمدنة القائمة على الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. لذا عقد مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في «الأهرام» مؤخراً ندوة بالمشاركة مع مركز التفكير الاستراتيجي التركي تحت عنوان «التحول الديمقراطي في مصر وتركيا..مقارنات ودروس (الديمقراطية، الدين، والعلمانية)» تناولت ملامح التجربة التركية وآليات تطبيقها في مصر. وقد أشار المشاركون إلى أن مصر قد بدأت تجربتها في التحول نحو الحكم الديمقراطي بانقسام حاد بين النخبة السياسية حول صورة المجتمع المرجو، وماذا ستكون طبيعة هذا المجتمع: دينية أم علمانية. وتلك النقطة هي التي جعلت من مسألة تحييد دور المؤسسة العسكرية في مصر أمراً في غاية الصعوبة في المرحلة الراهنة.
دولة الإخوان المرد تأسيسها لن تنجح إذا تشبثت الجماعة بأفكارها القديمة نحو إقامة دولة الخلافة الدينية، وما لم تنصرف بعض الجماعات التي خرجت من تحت عباءتها عن فتاوى تكفير المجتمع المدني واعتبار الديمقراطية كفرا وتغريبا. لن تنجح لأنها ستصطدم بمجموعة من المعوقات السياسية والاجتماعية، من داخلها أولاً ومن خارجها دائماً، لأن دولة الإنسان المطلوبة هي دولة مدنية تقوم على التعددية. هي دولة دستورية تنشد الاستقرار. هي دولة عقلانية تنشد الحياة. هي دولة التجديد تنشد ديمومة الحركة. هي دولة راعية تنشد الأخلاق الإنسانية. هي دولة المواطنة التي تنشد الاندماج الوطني دون إلغاء التمايز بين مكونات المجتمع.
بإمكان بلدان الربيع العربي، لاسيما حركة الإخوان، الاقتداء بتجارب ناجحة لدول مختلفة في جوانب إنسانية جميلة كالتعددية والمواطنة والإنسانية والمدنية المتطورة، ليس في بلاد الغرب فقط مثل السويد والنرويج وهما مثالان رائعان، بل حتى في بعض بلدان العالم الثالث مثل ماليزيا والهند وسنغافورة وإندونيسيا. فهل يفعلون؟ نتمنى ذلك.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13085
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28